شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( تجربة المحتفى به الشعرية ))
ثم قرأ المحتفى به الأستاذ الشاعر فاروق بنجر تجربته الشعرية، فقال:
(( التجربة الشعرية ))
الشعر:
- الشعر تشكيل لغوي فني للرؤيا، وهو بذلك يلتقي مع: "الفنون التشكيلية" وخصوصاً: الرسم أو التصوير والنحت، في استخدام الأدوات الفنية في خلق التكوين، ذي الضوء، واللون، والظل، والبعد..
- وفي ضوء هذا التلاقي الفني يصير للقصيدة أن تستعير عناصر: "الفنون التشكيلية" في تقنيات بنائها، لتكون بنية شعرية حية، كلية، مركبة.
عملية الإبداع الشعري:
- الكتابة الإبداعية تجربة فنية (كلية)، بمعنى أن ثمة أبعاداً نفسية، ولغوية، وفكرية تشكل الإطار الكلي للتجربة؛ فلحظة الكتابة - عندي - همٌّ يؤرقني في المزاوجة بين الرؤية والرؤيا؛ بين التشكيل المكاني والتشكيل الزماني، طلباً للإيقاع الَّذي يجسد الحالة في سياق لغوي فكري، يحمِّلُ الدوال المدلولات الموحية المعبرة عن التجربة.
 
- إن عملية الخلق الفني في الشعر، عملية فنية نفسية مركبة، يتداخل فيها المزاج النفسي: (طبيعة التركيب النفسي) مع الثقافة والاتجاه الفني، ويصطرع خلالها الهاجس أو الرافد الإلهامي مع الإسقاطات النفسية في الوعي واللاوعي، لكنني لا أستسلم - غالباً - للتداعيات، لأن العملية الشعرية - عندي على الأقل - عملية فنية واعية، وليست تهويماً نفسياً (سرياليّاً) فهي حوار مع الكلمات الموحية لا المهومة!
- وفي الشعر - كما في القصة - لحظة التنوير، وهي التي أختتم بها القصيدة وأضع القلم؛ وأنا يهمني - دائماً - أن تتناغم الأنساق التعبيرية مع الإيقاع، ومع الصورة الشعرية، ومع الرمز.. وأنْ تترابط السياقات اللغوية - عبر الرسالة - في بنية القصيدة، وهذا ما سماه: (الجاحظ) بالصياغة، وما سماه الناقد الأميركي: (رانسوم) بتآلف البنية والنسج.
 
(( تقنيات القصيدة ))
القصيدة التوليدية:
- القصيدة التوليدية نسق تعبيري ذو صور مترابطة، تتولد من رؤية لامحة، وامضة، أو مكثفة، في عبارة أو بنية مركبة؛ تؤلف بينها وحدة الدلالة والهدف؛ وهي محاولة لنسج قصيدة "كلية" ذات وحدة عضوية.
- والقصيدة التوليدية تنحو إلى اقتباس التقنيات الفنية المتنوعة من الفنون المختلفة، لتفي بصياغة سياقات تعبيرية حديثة، تستشرف خلق علاقات لغوية جديدة في تشكيل البنية الشعرية.
- إنني أؤمن بتراسل الفنون والمعارف، لإضفاء أبعاد تكوينية تناغم بين الشكل والمضمون، عبر معطيات فنية جديدة.
 
- والقصيدة ذات اللقطات أو اللوحات السينمائية، أو التليسينمائية، تستعير من تقنيات الفنون السينمائية: السيناريو، والحوار، والمونتاج، واللقطة الوامضة، والصورة الرجعية (الفلاش باك) والصدى، والمؤثرات الصوتية..
القصيدة الكاريكاتورية:
- كانت الصورة الشعرية الكاريكاتورية - فيما أعرف - تجيء عارضة في سياق قصيدة قديمة أو حديثة؛ وإذا كانت اللوحة الكاريكاتورية تعني تجسيد الشيء - مكبراً مبالغاً فيه - في شكل مضحك لاذع يتضمن السخرية النقدية، فإن القصيدة الكاريكاتورية - التي أتوسل بها في هذه التجربة - ترمي إلى اختزال الشيء، وتجسيده، وتشخيصه في لقطة ترميزية، أو إيحائية حركية لمشهد أو حالة أو موقف، ولعل الصيغة الكاريكاتورية فيها تفوق ما في (الرسم الكاريكاتوري) من صورة مصحوبة - عادة - بكلمات للتعليق، لأنها تقتنص من اللغة الصوت، ومن الموسيقى الإيقاع، ومن التصوير اللقطة الحسية ذات الرمز والإيحاء.
* * *
(( من مقومات التقنية الشعرية ))
الترميز:
- في الشعر، تتلبس المفردات دلالات جديدة غير تلك المعاني المعجمية، فتغدو كائنات موحية؛ وليس الترميز مجرد تركيب للمفردات في علاقات لغوية مقصودة، لأن صياغتها في نسيج العبارة الشعرية تقتضي مؤالفة النسق التعبيري بين الدلالة المعنوية والإيحاء الصوتي (الموسيقى) فالترميز - إذن - أداة فنية لدى الشاعر المبدع، الَّذي يمتلك أدوات الفن فيصوغها في أطر جمالية معبرة.
الإيقاع:
- ليس الإيقاع تلك الصورة الموسيقيةَ للوحدات الصوتية، وإنما هو تواتر ائتلافات أصوات الحروف والكلمات في التراكيب اللغوية، وتناغمها مع أنساق التعبير في البنية الكلية للنص.
- ويستطيع الشاعر أن يداخل بين وحدات صوتية متعددة، ليولد إيقاعاً جديداً يكسر به رتابة الأوزان التقليدية المطردة في الموسيقى الشعرية، بشرط ألاَّ يكون ثمة نشاز في التركيبة الإيقاعية، لأن الموسيقى الشعرية وحدة نغمية تأبى النشاز.
الصورة الشعرية:
- الصورة الشعرية تركيبة لغوية إيحائية لخلق الحالة وبعثها في المتلقي، وتكون الصورة حية وامضة إذا تهيأ لها أن تؤالف بين تداخلات معطيات الحواس.
 
ثم طُلب من المحتفى به أن يواصل إلقاء بعض قصائده، فاستجاب وقال:
- لقد كتبت الشعر الحديث والشعر التقليدي الشطري المعروف الأصيل، وكتبت - أيضاً - القصيدة الحرة التفعيلية، وكتبت - أيضاً - القصيدة المدورة؛ وهذا مقطع من قصيدة أغنية للطفولة والوطن، نشرت سابقاً، تحدثت فيها عن قضية الطفل، وتربية هذا الطفل، وتنشئته، وغرس قيم الوطنية والإنسانية وحب الناس، وهذا المقطع الأخير منها أقول فيه:
البلاد لها ضفتان..
على ضفة تتسامى المدينة بوابة للزمان
وفي ضفة تتنامى البراعم بيضاء ثم تخب على الأرض
مصبوغة بدماء الورود..
وتجدل نهراً على الضفتين..
فتقرأ وجه البلاد.. وتكتب بدء الزمن.
لتضيء الوطن.. وطن..
ويد تطفئ الوهج الشفقي عن المتعبين..
توطئ للاهثين بأودية الريح متكأ من فنن..
وطن.. من يضمخ بالمزن وجه الوطن؟
- هذه مرآة الورد:
هذا العطر المتناثر في القلب.. شغف
وحبيبة أيام العنقود تشف على فنن
فيرقرقني في آفاق عشيات البستان لهف
هفهف قلبي، هفهف نسرين شقائقها
فعطفت خطاي على صوت في أفنان شفيف الماء هتف
ألقاها.. أتدلى في غصن محياها
أتراها تتدانى في عنقود ترف؟
يا سكرة الشعر وسكرة الزهر وسكرة القمر
لماذا حين تطالعني مرآة الورد يرف القلب.. يرف القلب.. يرف؟
 
- وهذه قصيدة قديمة.. لكنها عاطفية وجدانية سألقيها الآن، أو مقطعاً منها: قصيدة أنت أحلى من الحب:
توهجت في عينيك يا حلوة الهوى
وغنيت في نهريهما نشوة الهدب
وأترعـت كأسـي مـن فـم شائق الصبا
تلذ به النجوى وتأرج بالخصب
أمغتبق هذا الرحيق لأبتدي
شذاك أم النجوى ثوان على دربي؟
ومعتنقاً غصناً من الفيض والرؤى
إذا ما امتزجنا أم يجاذبني قلبي؟
لعلك تبدين البشاشة والمدى
صبوح يهادينا الغضارة في القرب
تقارب قلبانا فأنت خلاصة
لهذا الندى المنهل في المرفأ الرحب
على أنني لم آل فيك علالة
من الشجن الظامي إلـى المنهـل العـذب
وأدنيت آفاقي إليك فكلنا
بعنقوده صبٌّ يلوب على صبٍّ
فهـل تصلين القلـب بالقلـب أناجيك أم تغضين عن دوحة الحدب؟
تغنين ما أشهى التفاتك للهوى
وأحلاك عندي أنـت أحلـى مـن الحب
 
- وهذه أغنية:
غداً نلتقي أيُّ حلم غد
وماذا سيحمل لي الموعدُ؟
ترى يتفتق عطر المداري
وينداح كوكبه الموصد
وأي انتظار رهيف الصبا
يرقرقه السانح المسعد؟
يلج بلقبي الحنين اللهيف
ويشغلني العابق الموقد
أطل أوقع نهر الخطا
ويومض لي أفقه الأبعد
وأعطف دربي إلى ضفتيه
وطير المنى نحوه تنهد
تطيف بنا ورذاذ الندى
يوشوشنا والرؤى مشهد
أهذا شذى المشتهى في السنا
وهذا الرحيق الَّذي نفقد
يدي تتأرج من عطره
وتومئ لي في الشغاف يد
أخف إلى ولع الأقحوان
يهفهفه رشأ أغيد
أريحانة القلب ما للهوى
يضن علينا بما ننشد؟
فيرشفنا كأسه في الرؤى
ونفتأ في قوسه نسهد
تباعد ما بيننا ظلنا
وقلبنا في الضنى فدفد
أناظرة في شفوف الرؤى
وسامعة ما الَّذي أنشد؟
أعيذك بالقلب أن تسأمي
ظلالاً من البث لا تنفد
وهذا أنا فيك لو تعرفين
تألفني الظامئ الموجَد
أتمتم بالورد والأغنيات
ينمنمها قلبي المفرد،
وفي البال ترنيمة عذبة
تهدهدها لحظة تحسد
أهذا هو الحب؟ والهفتي
لهذي الهنيهات لو تسعد
أحب.. إذن يا صباح أضيء
وتِهْ أيُّها الحلم الأملد
أحب.. ستنمو غصون الدوالي
وينساب في ظلها المورد
ويحضنني الياسمين غداً
ويألق في أفقي الفرقد
غدٌ آه يا للزمان المدل
أهذى الثواني غداً عسجد
غداً نلتقي أي زهر عبيق
ترى سوف يبعد لي الغدُ؟
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :544  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 126 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.