* * * |
هـذا حَصادكَ! هَـلْ فـي البَوْحِ مُنْتَظَرُ؟ |
واليومَ أنتَ بهذا المَجْدِ تأتَزِرُ! |
حُلْمٌ مِنَ الوَهَجِ النهْرِيِّ.. رافِدُه |
مِـنْ دِيمَــةِ الشمس، مُخْضَلٌّ بـه الثَّمَرُ! |
نَـدَّى الشِّفاهَ السَّخِيَّاتِ التــي ابْتَدَرَتْ |
تحْدُو صَبـَاحَ الصَّحَارِي وَهْــيَ تَزْدَهِرُ! |
وفَتَّقَ البَوْنَ آفاقاً مُنَمْنَمَةً |
يفْتَضُّهَا الأزْهَرَانِ: الشَّمْسُ والقَمَرُ! |
رُؤْيَا! وللطَّيرِ آمادٌ مُحلِّقةٌ |
وكوكبٌ في فضاءِ النُّورِ مُعْتَمِرُ! |
الشِّعْرُ نَمْنَمَها في غُصْنِ أيكتِه |
ورَنَّحَتْها الصَّبا، والمُزْنُ، والزَّهَرُ! |
نأْتمُّ بَاذِخَةَ النَّخْلاتِ، تَعْطِفُنَا |
إلى ذُراها المَذاكي، والمَدَى الخَضِرُ! |
والشَّاعرُ الفَذُّ يَحْدُوها؛ فَتَخْلُبُه |
غَضْرَاءَ يأْلَقُ في أْقْواسِهَا نَهَرُ! |
عُنقودُ مَأْلَفِهَا الفَيْنَانِ مُهْتَصَرُ |
ونَبْعُ آنِسِها الرَّيَّانِ مُنْتَشِرُ! |
وفي مَساكبِ ألطافِ الهوى ذِكرُ |
ومِنْ مَبَاخِرِ أطيابِ الصِّبا عُمُرُ! |
* * * |
أَلْطَفْـتُ عَيْنَيَّ فـي "البَطْحَاءِ" هـل وَهَجٌ |
يَحتثُّنَا في مَغاني الرَّبْعِ.. أو خَبَرُ؟ |
وأينَ شاعِرُها الغِرِّيدُ أينَ فَتىً |
نَدَّتْ يَديْهِ، وأَبْخَى وجهُهُ النَّضِرُ؟ |
وأينَ شِعْرٌ شَفيفُ الماءِ.. سُكَّرَةٌ |
تَلوبُ في شَفَةٍ لَهْفَى.. وتَنْتَثِرُ؟ |
الشِّعْرُ "مكةُ" أشْجاناً مُهَفْهَفَةً |
وسامِراً خَفَّ عنهُ الظِّلُّ والأَثَرُ |
والشِّعْرُ "مكةُ" أطيافاً مُرَقْرِقَةً |
أَسْرَى بها في ليالي أُنْسِهِ سَحَرُ! |
أكادُ ألمِسُهَا في الصَّدْرِ نابِضَةً |
ويَسْتفيضُ بقلبي نَبْضُها العَطِرُ! |
فمكةُ القلبُ في رَيْحانِ زَهْرَتِه |
وقُرَّةُ العينِ، نُورُ العينِ، والحَوَرُ! |
تَعَشَّقَهْا قُلوبُ الأكرمينَ هوًى، |
وَائْتَمَّها في مَداهُ: الرُّوحُ والبَصَرُ! |
بقيَّةُ الناسِ فيها فِتْيَةٌ غُرَرُ! |
وأهلُها الصِّيدُ منها: أنجمٌ زُهُرُ! |
والشَّاعَرونَ بها - إلا حَمَائمَهَا - |
تناثَروا في فِجَاجِ الأرضِ وانْحَدَرُوا |
الأرْيَحِيُّ تَنَاءَى عن تَحيَّتِها |
والألمَعِيُّ تَنَحَّى وَهْوَ يَعْتَذِرُ! |
طَفِقْتُ بيـنَ "الصَّفـا" و"الشِّعْبِ" مُلْتَمِساً |
وجْهاً لـه مـن مَرائـي الإلْـفِ مُشْتَهَرُ! |
وعـدتُ أسألُ: أيـنَ الناسُ؟ هـل ظَعَنُوا |
وما يزالُ لهمْ في الحَيِّ مُذَّكَرُ؟ |
أيــنَ "القَرَارَةُ" أو "أجْيَادُ" مـن سَحَـرٍ؟ |
وأينَ من سَحَرِ "الشَّامِيَّةِ" القَمرُ؟ |
وأينَ كوكبةُ الباحاتِ؟ هل وطَرٌ |
نحَّى المدارَ الَّذي في أيْكهِ ازْدَهَرُوا؟ |
وأينَ أحْلَـى الوجـوهِ النابضـاتِ سَنـاً؛ |
فـي مُجْتَلَـى العينِ، إنْ راحُوا وإنْ بَكَرُوا؟ |
قلبي على عَبَقِ الوادي ورَوْنَقِهِ! |
كمْ رَفَّ في خَاطِرٍ كالبَدْرِ يُخْتَصَرُ! |
وأُلْفَةٍ في مَبَاهِي الوُرْقِ سَاجِعَةً |
نَجْوَى الهِزَارِ تُغَادينا؛ فَنَأْتَسِرُ! |
أما تزالُ شُفوفُ المُزْنِ طارِفَةً |
على مآلِفها.. تُرْجَى وتُنْتَظَرُ؟ |
صرتُ الغريبَ بها! أمشي فينكرني |
دَهْمَاءُ أكْنَافِهَا اللاهونَ والنّكُرُ! |
أأنتَ منها؟ مضتْ أيامُ آنِسةٍ |
فيها! فهلْ لمَواقِيتِ المُنَى وَزَرُ؟ |
* * * |
وقفتُ أرْقُبُها هَيْفاءَ فارِهَةً |
مِنْ نورِ بَهْجَتِها تُسْتَلْهَمُ الدُّرَرُ! |
نَدِيُّهَا الكُمَّلُ الغادونَ في نَسَقٍ |
مـنْ عُرْسِها.. وَهْـيَ فـي الأبْهَاءِ مُفْتَخَرُ! |
مَليحَةُ الهُدْبِ رَيَّا القلبِ، حانيةٌ |
تأتمُّ دوحَتَها أطيارُها الغرَرُ! |
تَرْنُو؛ فتلتفتُ الذكرى مُواتيةً |
وتَسْتَديرُ على أطْنَافِها السِّيَرُ! |
* * * |
هـل ذاكـرٌ أنـتَ فـي (المركازِ) مُنْتَجَعاً |
للنَّابِهينَ، مَداهُ الشِّعْرُ والفِكَرُ؟ |
أو ذاكرٌ أنتَ في (الأولُمْبِ) كوكبةً |
شَدَّتْ على وتَرِ الإبداعِ تَبْتَكِرُ؟ |
أيامَ كانتْ بأفياءِ "الحجازِ" رُؤىً |
تَنْدَاحُ ألويةً جَذْلَى.. وتَنْضَفِرُ! |
وأنتَ في "نُخْبَةٍ" كانتْ مُهَيَّأةً |
للأرضِ، تُشْرِعُ أقلاماً وتَبْتَدِرُ! |
جاشَتْ بترتيلةِ الأضواءِ، واعتَنَقتْ |
وجْهَ البلادِ حَفَيّاً، زَانَهُ الخَفَرُ! |
وللبلادِ ترانيمٌ مجنَّحةٌ |
غنَّـى علـى ضِفَّتَيْهَا: الصَّحْـوُ والمَطَـرُ! |
للفنَّ فيها وللآدابِ منطَلقٌ |
حلْوٌ.. على رَجْعِه الوجدانُ يَنْبَهِرُ! |
"فلِلغَريضِ" بها ذِكرى مَعَتَّقَةٌ |
في كأسِها الغَضَّةِ الزَّهْراءِ، تُعْتَصَرُ! |
و"مَعْبَدٌ" في صَدَى الموَّالِ مُشْتَعِلٌ |
تَرْجِيعةً يَجْتَليها: الحُبُّ والسَّمَرُ! |
كانــا: "بمكَّـةَ" صوتاً، و"العقيقِ" صدىً |
سَاقَى نَدِيَّهُما: الإيحَاءُ والخَدَرُ! |
ونَكْهَةٌ مِنْ رقيقِ الشِّعْرِ مُلْهِمَةٌ |
وَرْدِيَّةٌ، صَاغَها مِنْ لَحْنِه الوَتَرُ! |
هُنَيْهَةٌ في جِواءِ الفنِّ آنِسَةٌ |
بالملهَمينَ.. طواها الليلُ والسَّفَرُ! |
مَجْدُولَةُ الصفحاتِ البيضِ، مُطْرِقَةٌ |
-في الظلِّ- تَأْرَجُ في أفْوافِها الذكَرَ! |
كانـتْ.. وكانـتْ! ومـرَّ الجيلُ مُكْتَحلاً |
بالأمس يجترُّهُ آناً.. ويَأْتَثِرُ! |
أما تَشِفُّ لنا الذكرى؛ فنُطْلِقَها |
بَوْحاً بما تَهَبُ الأيامُ.. أو تَذَرُ؟ |
واليومَ نُسْرِجُ للذكرى مَرافِئَنا |
على المنابرِ؛ فهْيَ اليومَ تَعْتَكِرُ! |
في السَّاحَةِ -اليـومَ- أصْداءٌ بِـلا وَهَـجٍ |
ومَهْمَةٌ مِنْ خَواءٍ سَادَه خَوَرُ! |
لا الحَرْفُ يَبْهَرُ، والأقلامُ زَوْبعةٌ |
صفراءُ عَفَّرَها الإِمْحالُ والهَذَرُ! |
وفي المبَاءَةِ أبْواقٌ مُذَأَبَةٌ |
تَقْفو ذُيولَ خَفافِيشٍ، وتَسْتَتِرُ! |
والسَّادِرُونَ على الأوراقِ أَشْهَرَهُمْ |
في ظِلِّه الدَّيْدَبانُ الغِرُّ فَانْتَثَرُوا! |
يَسْتَكْثِرونَ على الإبداعِ بُرْعُمَةً |
تنمـو علـى الصَّحْـوِ مِيلاداً.. وتَنْتَشِـرُ! |
إن حَاوَلُـوا عَثَـروا، أو جَادَلـوا سَخِروا |
أو عُلِّمـوا غَـدَروا، أو سُولِمُـوا بَطِرُوا! |
لا الشِّعْرُ مُؤْتَنِسُ الإيحاءِ.. مُتَّسِقٌ |
ولا الوِفَاضُ يُشَادِينَا بما شَعَرُوا! |
والنَّقْدُ لا رَحِمٌ مَوْصولَةٌ بدَمٍ |
فِينَا، ولا أُفُقٌ يَرْقَى! بما صَدَرُوا! |
كُلٌّ يُرَجِّعُ أصداءاً وهَمْهَمَةً |
وَجْهُ الغريبِ بها هَيْمَانُ مُبْتَسَرُ! |
أسْرَى! يُطَوِّقَهُمْ قَوْسُ الجديدِ؛ فلمْ |
يَجْروا بمـا بُهِرُوا فـي زَيْـفِ مـا نَذَرُوا! |
أذلكَ الأُفُقُ المنشودُ في مَلأ |
لم يَضْفِروهُ مَدىً مِمَّا بِه سُحِرُوا؟ |
أخْفَى التَّوَهُّجُ عن إدراكِهمْ، وغَفَا |
- في العَتْمَةِ - النيِّرانِ: العقـلُ والنَظَـرُ! |
* * * |
للفكرِ مُتَّسَعٌ سَمْحٌ، ومُلْتَفَتٌ |
رَحْبٌ يُؤَثِّلُه في الضَّوءِ مُقْتَدِرُ! |
والقَادرونَ تَوارَى في مَلاحِمِهِمْ: |
ظِلُّ الكريمِ.. وعَفَّى رُكْنَه كَدَرُ! |
وهَانَ بينَ هَجينِ القولِ مُعْتَبَرُ! |
وضَاعَ بينَ رَقيعِ الفِكْرِ مُدَّخَرُ! |
وصالَ كُلَّ! دَعِيٍّ في مَنابِرِنا |
وجالَ كلُّ كمِيِّ الجَمْرِ يَأْتَمِرُ! |
ونَالَنا مِنْ وَراءِ البَوْنِ زَمْزَمَةٌ |
تُزْري بأجملِ رُؤْيَا صَاغَتِ العُصُرُ! |
تَقَيَّلَتْها على أبْوابِنَا زُمَرُ! |
ونَازَعَتْنا صَدَى آفاقِنا زُمَرُ! |
وصارَ كُلُّ قِناعٍ سَافِرٍ زَمَناً |
مَنِ الطُّقوسِ تَناهَتْ عِنْدَه الأُطُرُ! |
وزَامِرُ الحَيِّ لم يُطْرِبْ شَبِيبَتَه |
كما يَرينُ عَلَيْها نَاعِقٌ حَذِرُ! |
وَجْهَانِ: هَذا خَفِيُّ اللَّوْنِ مُحْتَقَرُ! |
وذاكَ مُخْتَلَبُ المِرآةِ.. مُفْتَقِرُ! |
كِلاهُما مُولَعٌ بالوَهْمِ، مُنْتَحِلٌ |
رُؤيَا سِـواهُ، مُخِبٌّ فـي الصَّـدَى.. قَفِرُ! |
مُخَضَّبٌ بالنَّدَى والقَصْفِ مَأْلَفُنا |
ومُوثَقٌ بمُتُونِ الزَّهْرِ.. مُسْتَتِرُ! |
وفي ذُؤَابَاتِ أفْوافِ الوَقارِ قَذىً |
ما دامَ طَائِلَها الإيهامُ والحَذَرُ! |
يـا نَخْلُ! يـا ظِلُّ! يـا واحاتُ! يـا بَلداً |
مِنَ الحَمائِمِ، حَيَّاكَ الهَوَى الخَفِرُ! |
سَمَوْتَ بالعِزَّةِ الفَيْحاءِ عَنْ صِغَرٍ |
فمَا تَماوَجَ في مرآتِكَ الصِّغَرُ! |
ونحنُ في سَرْوَةٍ مَيْسَاءَ ظَلَّلَهَا |
لُطْفُ الكريمِ، ونَدَّى ظِلَّها القَدَرُ! |
نَظَلُّ في شَغَفِ النِّبْراسِ، يُفْرِدُنا |
عَنِ التُّخُومِ شَذاً بالطَّيْفِ مُؤْتَزَرُ! |
نَعْشُو إلى نَوْءِ مِشْكاةٍ تُؤَالِفُنا |
فهلْ يُباكِرُ فِينا طَالِعٌ غَضِرٌ؟ |
ما الوقتُ؟ ما الأرضُ؟ مـا الآفاقُ مُوصدةً؟ |
وما الأهِلَّةُ والأبْرَاجُ والنُّذُرُ؟ |
أما نُفَتِّقُ عَنْ عَيْنٍ غِشَاوَتَها؛ |
فَتَسْتَبِيَن الَّذي لم تُطْلِقِ السُّتُرُ؟ |
* * * |
مَــنْ يُشْعِلُ الأرضَ نَسْراً تَسْتَهِلُّ بــه؟ |
إنَّ "البُغاثَ" علـى الأَبوابِ قـد كَثُـرُوا! |
ومَنْ يُوَطِّىءُ للغَادِينَ مُصْطَبَحاً |
يَنْدَى به الضَّوْءُ، والأَنْوَاءُ تَنْهَمِرُ؟ |
جِئْنا على صَهْوَةِ الأضواءِ مُسْرَجَةً |
في الشمسِ، تَرْفُلُ فـي أهْدَابِنـا الصُّـوَرُ! |
نستشرفُ الأدبَ الوَسْمِيَّ آصِرَةً |
تخْضَـلُّ فيهـا: جُذورُ الأرضِ.. والشَّجَرُ! |
دربٌ مِنَ الرَّهَجِ الصيفيِّ يجمعُنا |
فالأرضُ - في المَحْلِ - لا وِرْدٌ، ولا صدَرُ! |
مَنْ يُشْرِعُ الوطنَ الفجريَّ نافذةً |
يُطِلُّ منها على أيَّامِنا الظَفَرُ؟! |
يا أرضُ إنَّ بنَيكِ الغُّرَ قّدْ بَكَرُوا |
فَاسْتَلْهِمِي لَذَّةَ الأبناءِ إنْ بَدَرُوا! |
أَتَحْلُمِينَ بهمْ؟ آياتُ مَطْمَحِهِمْ |
نُورٌ! فَأيُّهُمُ للعِبْءِ مُنْتَظَرُ؟! |