(( كلمة الأستاذ محمد موسم المفرجي ))
|
ثم أعطيت الكلمة للكاتب الصحفي الأستاذ محمد موسم المفرجي، فقال: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
- أتتكم مكة الليلة بقضها وقضيضها، تزف فتاها وشاعرها وعريسها لتصافح إشراقة هذه الوجوه الطيبة؛ لقد اعتدت أن تكون كلماتي ارتجالية، لكنني وجدت أنَّ المشاعر جياشة ومتدفقة، خشيت أن تجرفني إلى الإطناب والإسهاب في وقت نحتاج فيه إلى الاختصار والإيجاز، لا سيما والنسيمات الباردة بدأت تلسع الأطراف منا؛ لقد ضحيت من أجل حضور هذه المناسبة الكريمة، بأن قطعت انتدابي وتركت الدعوة في مهرجان الجنادرية، وضحيت بأمسية الجواهري إكراماً للشاعر الَّذي نحتفي به، وقد أوجزت بعض الخواطر المكتوبة لأمسك بعنان الكلام.. |
- إذا كان تاريخنا الشعري قد احتفظ لنا بعدد من شعراء القصيدة الواحدة، التي خلدتهم على مر العصور والأزمان أمثال: |
- مالك بن الرّيب، وابن زريق البغدادي، وغيرهما..، فإن شاعرنا الَّذي نشارك في تكريمه الليلة، ونحتفي به هذا المساء، الأستاذ فاروق بنجر صاحب: "المشكاة" القصيدة الحولية التي عودنا على انتظارها، وفي كل عام له مشكاة! من أكثر الشعراء الَّذين عرفتهم زهداً في الأضواء، وابتعاداً عن الفلاشات التي يقترب منها بعض المشغوفين بالتلميع وحب الظهور، ولو أراد السباحة في عالم الأضواء لرأينا غدران الضوء تحيط به! |
|
- لقد وصلني صوته خافتاً يستشيرني في قبول دعوة الأستاذ الأديب عبد المقصود خوجه صاحب الاثنينية، وقد غلب التردد عليه وظهر ذلك جلياً على نبرته، وهو يزمع الاعتذار لصاحب الدعوة! |
|
- فقلت له هناك مثل سائر يقول: |
- لا يأبى كرامة الكريم إلاّ اللئيم.. |
|
- وأنت من أعرف رجلاً كريماً خلوقاً، ولو لم تكن أهلاً لهذا التكريم لما أقحم الرجل نفسه وقدم لك الدعوة، مع أنني أعرف أن هناك من سعوا إليها، وبذلوا جهوداً مضنية للفوز بها، فلم يتهيأ لهم ذلك، لأن لصاحب الاثنينية منظوراً خاصاً ورؤية انتقائية، فهي ليست دعوة مجاملة، لكسب ود أو الوصول إلى غاية؛ وهذه ليست تزكية منّي لهذا الصالون الأدبي، بقدر ماهي حقيقة أدونها، وإن اختلف معي بعض من في نفوسهم "شيء من حتى". |
- فهذا لا يعنيني، لأنني تعودت أن أقول ما أنا على قناعة به، وأنصرف دون أن أعيد ما يثار من الجدل أي اهتمام، فلدي ما يملأ وقتي من الأعمال، ولأن أكثر الناس لجاجة وتمحكاً هم الفاشلون والعاجزون عن العمل والعطاء. |
- فكأنّ رأيي هذا هو الحافز أو الخطوة التي دفعته للقبول، ولعل لغيري من الإخوة والأصدقاء الخلّص إسهامات في إقناعه. |
- وشاعرنا الأصيل الأستاذ فاروق بنجر - لن أقول عنه كما قال أحدهم وهو يصف شاعره المفضل: "إنه شاعر طويل.. طويل ينظم الشعر!!" إلى آخر المواصفات التي يمكن أن تكون وصفاً لأحد رياضيي "كمال الأجسام"! لأن الشعر موهبة وملكة استودعها الله بعض خلقه، وليس قوة جسدية لخوض معركة المصارعة أو الملاكمة على حلبة أمام جمهور، يستعذب منظر الدماء ورؤية الجروح على وجنات الخصوم. |
- شاعرنا رقيق كالنسيم، عذب العبارة، جميل الصورة الشعرية، ينتقي مفرداته ويختار لغة الحوار مع المتلقي كي يدخل إلى أدق شرايينه، ويقرع بوابة القلب، ويهمس في وجدانه. |
- شاعرنا لديه قدرة عجيبة على الصبر وهو ينحت قريحته ليقدم بين يدي قرائه: "رائعة حولية" دون أن يكرر نفسه أو يعيد استخداماته. |
- يجلس إلى رائعته، يتأملها، يحدق فيها، يعيد صياغتها، فهو صائغ ماهر، ينتقي اللآلىء والجواهر التي يرصع بها جيد محبوبته، لتبدو غادة حسناء بهية الطلعة، جميلة المحيا. |
- لقد أثرت في عطائه عدة عوامل، فإلى جانب رهافة إحساسه، وحسن معشره..، فهو رجل تربية وتعليم، ولو تأملت نتاجه الشعري، وأعدت قراءة بعض قصائده، لوجدت أبياتها تفيض بالأخلاقيات، والقدوة، والمثاليات، والتطلع، والطموح..، ولوجدتها تعبق برائحة الوفاء، وحب الخير، والدعوة إلى القيم والالتزام. |
- لقد جنح صاحبي الأستاذ فاروق بنجر - وهذا سر أفشيه لأول مرة - إلى الحداثة في بداية إطلالتها، لكنه وقف أمامها على حذر.. لم يكن مندفعاً أو متسرعاً كغيره، بل وقف متأملاً يستقرئ ما وراءه، فلم يطل المكوث، بل عاد مسرعاً إلى حظيرة الأصالة والشعر العربي الرصين..، لأنه يمتلك من الرصيد، والثورة، والموهبة، ما يؤهله لخوض المعركة، والوقوف على أرض صلبة. |
- وهذه الملاحظة التي ذكرتها تكتب له، وليست عليه، لذا أحببت الاستشهاد بها في معرض حديثي، الَّذي حاولت أن يكون موجزاً بعيداً عن الإسهاب والإطناب، لأنني لو حاولت الاستقصاء والدراسة والبحث في شاعرية الأستاذ فاروق بنجر، فإنَّ ذلك يحتاج إلى إقامة محاضرة، ففيما ألمحت إليه رؤوس أقلام وومضات موحية. |
|