الصحافة.. أمام السلطة! |
أحاول -هنا- أن أضع الكلمة الأولى في حوار ربما يتتابع عن: السلطة والقدرة/من جانب.. وعن القانون والعدالة/من جانب آخر! |
لذلك... يتوجب على فكري ومفاهيمي، وهدفي: أن أستخلص بهم جذور هذه القاعدة المتينة التي شيد فوقها هذا الكيان الكبير لوطننا، ولشعبنا، ولدولتنا، ولمبادئنا وقيمنا. |
وإذا كانت شواهد (المواطن) وشهاداته عن كل ما نعيشه ونعاصره من تطور وتنمية، هي شواهد وشهادة مجروحة بحكم تعاطف هذا المواطن أو عاطفته نحو وطنه... فإن ما أبرزته، وتقصت عنه، وأشادت به الصحافة العالمية المنصفة، ووسائل الإعلام غير المغرضة في الخارج عن الدور الرائع لوطننا في التشييد والبناء... كان هو الإضاءة التي تعتبر في معنى: الرأي الحر، والنظرة العادلة! |
* * * |
ولا بد أن ينعطف بي الحوار إلى: الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الصحافة المحلية هنا نحو طموح الوطن، وأماني المواطن، والأصداء المبادرة بفعالية من السلطة التي تولت رعاية مصالح الأمة، بروابط المحبة بين الحاكم والمواطن.. تلك الأصداء التي تدفع المواطن بالضرورة إلى التيقن من حقيقتين ماثلتين: |
الأولى: أن الدولة/السلطة.. تتحسس مشكلات المواطن ومطالبه بفعالية وقدرة (الإيجابية) في تكامل البناء للغد دائماً.. وأنها أطلقت للرأي العام -عبر الصحافة- حرية التعبير المنطقي وليس التهيجي، فأرست قاعدة الامتزاج بين الحاكم والمواطن في وضوح الحوار.. وعلى الصحافة أن تطور أسلوبها في (استفتاء) المواطنين/مسئولين، ومن القطاعات المتعددة، حتى لا ينحصر ذلك في ضرب الدفوف والإشادة المطلقة!! |
الأخرى: أن المواطن وقد تيقن من رغبة الدولة في بذل المزيد من الإصلاح والتغيير، والتطوير.. وارتكازاً منه على (إيجابية) الدولة في العمل، وتقبلها لمبدأ حرية رأي المواطن -كدولة حضارية- وذلك بالنقد الموضوعي وبالحوار، فقد شعر هذا المواطن بالأمان الممنوح له من السلطة/القدرة، تعميقاً للعدالة والقانون، وانطلاقاً من "قيمة" المواطن في وطنه! |
* * * |
هاتان الحقيقتان.. تجعلانا نفتش عن كلمة قالها "توماس هوبس".. هي: |
- (الكلمات: تقود الرجل الحكيم، ولكنها تقود المجانين أيضاً)!! |
ومن خلال التحام الرؤية ووحدتها في نظرة السلطة ونظرة المواطن، وعبر وشائج الوفاء بين القائد والأمة.. كانت الكلمة في هذا الوطن دائماً هي التي تقود المواطن الحكيم، وفي بعض جوانب العالم نجد المجانين يقودون الكلمة! |
وحين تعرف الصحافة وكتابها: أبعاد الكلمة التي تستنهض وضوح الرؤية، وجلاء الحقيقة وخدمتها، ونظافة الضمير.. فإنها تتوجه إلى كل مسئول بإضاءة ذلك كله دون خوف من عقاب!! |
* * * |
وإذن.. فإن حرية الكلمة تزدهر دائماً في: عدالة سيادة التشريع والنظام! |
وهذا الوطن متمسك أبداً بتشريع الإسلام العظيم: عدلاً ينضوي تحت لوائه الكبير قبل الصغير، والمخطئ مهما كان... وذلك لتؤكد السلطة/القدرة: أنها قدرت أهداف الكلمة من فيض إخلاص "الرأي العام" وصحافته التي يسمونها في الدول المتقدمة: السلطة الرابعة! |
من هنا... ينبغي أن ننطلق -ثانية- إلى: |
المفاهيم الجديدة دائماً... المعطاءة في مجتمع يحرص على بناء المستقبل بلا تزييف في الحقائق، ويحرص على صيانة منجزات الحاضر والبناء بلا عبث. |
والمفاهيم الجديدة هي: مقياس الوعي في ذهن المواطن، تأكيداً لحضور الضمير في تعامله مع الآخرين، وخدمته لأهداف الوطن... سواء من موقعه: كموظف، أو عامل، أو مسئول قيادي... أو من موقعه كمواطن يتطلع إلى توفير أحدث الخدمات التي تسهل له الحياة! |
والمفاهيم الجديدة دائماً هي: |
سيادة العدل. |
وتحقيق النماء. |
وتوفير الرخاء. |
ورفع المرهقات عن كاهل المواطن! |
وإذا كان ولاة الأمر -قادة هذا الوطن- قد أطلقوا عقال الحرية الملتزمة بالوعي، والحرية الرافضة للعبث... فقد أطلقوا مع ذلك كله: يد البناء والتطوير.. لتلتقي مع حرية الكلمة، وحرية العمل، وحرية المال، وحرية التعبير عن الرأي بلا خوف! |
* * * |
لقد قال أرسطو: |
- "إن العدالة تقضي.. أن يمنح الذين يساهمون أكثر من سواهم في الحياة العامة: أفضلية الامتيازات"! |
وقال أصحاب النظريات الحديثة أو المستحدثة: |
- (إن العدالة تطلب إرضاء حاجات الفقراء، ولو على حساب الأغنياء وفقدهم ما عندهم)! |
وهذه نظرية نفثتها "الشيوعية" في جبروتها!! |
وقد أثبتت التجارب والشواهد: أن الذين نادوا بها قد سعوا إلى تسول السلطة/القدرة، والجثوم فوقها دون تطبيق للعدالة والقانون.. اعتسافاً لأماني الفقراء بالذات لمطامحهم الذاتية، وتسطيحاً ساخراً لشعار: (البروليتاريا)!! |
وقد حرصت الدولة -السلطة/القدرة- على سيادة العدالة/القانون، الذي وجدنا أفضل منه في التشريع الإسلامي.. وذلك لإرساء دعائم هذا الكيان الكبير/الوطن. |
ومن خلال متابعتنا لاهتمامات الدولة بقضايا وسائل التطور وتحسين الخدمات: |
نستخلص أبعاداً هامة تدل عليها الموضوعات التي تطرحها الدولة بهدف ملامسة قضايا المواطن ومشكلاته، وسد النقص، ودرء العجز واكتمال الإنجاز!! |
* * * |
عندما يسقط الكاتب: |
كنا في جلسة ضمت بعض الذين (يتعاطون) الكتابة، وبعض الذين يعطون ويأخذون المال من رجال الأعمال! |
وانطلق الحوار من الجالسين وبهم إلى محاولة الإجابة على هذا السؤال: |
- ما جدوى الكتابة.. إذا كان الكثير لا يقرأ إلا ما يريده هو؟! |
بمعنى: أن هذا القارئ "الحديث!" لا يرغب في مزيد من المعرفة إلا عن شيء يخصه.. مثل أغلب الشباب الذي يشتري الصحف ليقرأ صفحات "كرة القدم" فقط، وسباق السيارات!! |
وتحدث الأول، وكان من فئة الكتاب.. فقال: |
- هل نتكلم بصراحة؟!.. إذن ألا تتفقون معي أن القليل جداً هو الذي يقرأ بتركيز وبرغبة في المعرفة؟! |
وسألناه: في رأيك.. من هو القارئ الحقيقي لما يكتبه الكتاب اليوم؟! |
- أجاب مبتسماً: إنهما قارئان فقط.. قارئ/كاتب، يقرأ ما يكتبه الآخرون، ربما لأنه يريد أن يتسقط هفواتهم، أو يسفه آراءهم.. أما القارئ الآخر، فهو الكاتب ذاته، أو قارئ نفسه الذي يعيد قراءة ما كتبه بعد الطبع! |
* * * |
وسألني قارئ عبر سطور رسالة "ودية" جداً، فقال: |
- هل أنت ترى، أم تفكر.. تعرف أم تمارس.. وهل المفاهيم متوارثة؟!! |
أجبت: إن المفاهيم الفكرية والأدبية متوارثة. |
أما الجديد الذي يضاف إليها، فهو يستمد من الرؤية المعاصرة، ومن الحاجة، ومن الابتكار، ومن الحالة الاجتماعية.. بما ينعكس على عطاء الأديب، والمفكر، والفنان، انعكاساً يرتبط بالعلاقات الاجتماعية والإنسانية، وبالأخلاق، وبالسلوك الاجتماعي، وبالوعي في ممارسة الماديات واستخدامها. |
ومن قديم.. كانت هنالك عبارة قالها الفيلسوف الفرنسي "تيير دي شاردان" هي: |
- إما أن ترى، وإما أن تموت!! |
فالرؤية محصورة في التفكير، وفي المعرفة، وفي الممارسة، وفي السلوك، وحتى في العاطفة! |
الرؤية: معرفة ومفهوم جديد أو متطور، واكتشاف، وحقيقة، وفكرة يعطيها العقل إيجابية الحياة! |
وفي بعض ما نقرأ -صحافياً- نكتشف: أن هناك من يزوِّر الصدق، ويغمر العقل في حرارة الرمل كما النعامة.. لأنه فقد الشجاعة، وأخذ يردد: |
- ليس هذا رأيي، ولا قناعاتي، ولا وعيي... وإنما هو ظرفي! |
وذلك يذكرني بالكاتب الفرنسي الشهير جداً، الذي مات أدبياً قبل موته الأبدي: "سارتر"... عندما اضطر الإنسان العادي مع القارئ المتابع إلى إصدار حكم عليه، أخذوه منه وضده.. وكان أشد ما في الحكم آنذاك بالمعنى القاتل، قد جاء في شكل هدية أرسلت له: |
- "كانت الهدية الوحيدة التي لم يفرح بها -بول- عبارة عن: علبة شيكولاته، بداخلها قطعة معدنية على شكل قنبلة، ومعها كلمة تقول له: |
- لقد فقدت إنسانيتك بما قذفت به العرب من شتائم، وما صدر عنك بعد زيارتك للكيان الصهيوني من تحيز مغرض ومادي. |
لقد فكرنا في قتلك... لكننا سنكون سذجاً لو نفذنا ذلك، لأنك ميت منذ وقت طويل"! |
ورغم كتب "سارتر" وفلسفته، وكل ما كونه في حياته الأدبية من قيمة.. فقط سقط بسبب واحد، وهو: أنه عجز عن فهم الشعوب، ودخل في لعبة لا يجيدها.. في انسياقه وراء الثمن!! |
* * * |
النهج الإعلامي/مصداقية أولاً: |
وأتذكر هنا: عبارة المصلح الأمريكي، الكاتب (توم بين) صاحب العبارة التي كانت تذهب بشيوعها إلى العبارات المحفورة، وهي عبارة: (العالم قريتي)... فهو قد توقع أن يصبح هذا العالم المترامي، الشاسع، الأكثر امتداداً: لا أكثر من "قرية"... وذلك بسبب ما سيشمله من التطور العلمي، وانتشار الاتصالات. |
والاتصالات تعني كرديف لها: "الخدمة الإعلامية" التي لا يستغني عنها أي بلد فوق أو داخل هذه الكرة الأرضية. |
وفي كتابه: (النهج الإعلامي في المواقف المعاصرة) الذي أصدره الرائد الصحافي/حسن عبدالحي قزاز: وجدت رؤية وطنية يسجلها لمرجعية التاريخ، وقال في إحدى فقرات الكتاب: |
- إن وظيفة الإعلام يجب أن تنطلق من أنها طرف لا بد له من (التعادل) مع الطرف الآخر، وهو: المشاهد، أو القارئ، أو المستمع. |
وتفسيري لهذه العبارة التي عرف بها المؤلف "وظيفة" الإعلام: |
- إن على وسائل الإعلام توخّي الحرص في تعاملها مع هذا المتلقي لها ومنها... والحرص يعني كذلك: احترام وعي القارئ، والمشاهد، والمستمع.. بعد أن انتشر الوعي، وقد أسهمت وسائل الإعلام بتطور الاتصالات في تعميم الوعي، والمعرفة، والمعلومة... فالتعادل هنا مع الطرف الآخر/المتلقي، هو قاعدة العمل الإعلامي الحديث.. وليس: الاستخفاف بالمتلقي، ولا التجهيل له، ولا تعمية الحقائق، والمعلومات عن إطلاعه.. لأن "الاتصالات" تقوم بهذا الدور (المقابل) لاعتساف وظيفة الإعلام! |
ولكن... ما هو هذا (النهج الإعلامي) الذي بحث فيه وحققه المؤلف... عندما ربطه بالمواقف المصيرية؟! |
- الجواب: تأكيد (المصداقية) التي تخلق نكهة وجدانية، تميز العلاقة بين طرفي التعادل: وظيفة الإعلام، والمتلقي لوسائله! |
لكن هذا الوطن له خصوصيته الإعلامية التي تتميز بروافد، وبتاريخ، وبمقتبسات من الأدب الإسلامي... مع الاهتمام الأساسي بأنه: عصر العلم، وتفجير المعلومات! |
فإذا كنا -إعلامياً- نرتكز على قاعدة هذا التميز، أو "الالتزام" بآداب الإسلام، وتشريعه، وهو التزام ضروري... لكنه لا ينبغي أن يكون التزاماً جامداً يعطل التلاقي والانسجام مع مميزات العصر الذي نعيشه، من اتصالات شاملة، ومن علوم مزدهرة، ومن معلومات تتفجر في اللحظة وتصل إلى الإنسان في كل بقعة من العالم! |
فالالتزام يعني: التوعية بالحوار، وبالعقل، وبالحجة التي تدحض الفكر الوافد، أو ما نسميه "الغزو الفكري" عبر وسائل الاتصالات الحديثة... ولا يعني الالتزام: الجمود، والتقهقر بالحوار إلى فرض الرأي.. بل "وظيفة" الإعلام، تتخذ من النهج المحاور والمقنع: قاعدة تقف عليها لتنجح في أهدافها ورسالتها. |
والعبارة التي قالها "توم بين" تفسر: أن كل هذا العالم بالنسبة لأي إنسان في داخله -سواء كان في عاصمة، أو مدينة، أو ساحل، أو قرية- هو عالم صار صغيراً في متناول أيدينا، وأسماعنا، وأعيننا... وقد أورد الأستاذ "حسن قزاز" في كتابه هذا: أمثلة على شمولية العالم في وعي الإنسان وفي معلوماته... ومن هنا تتجسد "خطورة" وظيفة الإعلام، وذلك من خلال: وضوح النهج الإعلامي، أو تعميته وقصوره عن مواكبة التطور في العالم، وملاحقة العقول التي قبل ركضها إلى هذا التطور.. نجدها تركض إلى (المصداقية) التي تقدم بها كل ما تريد الإعلام عنه، أو إقناع المتلقي به! |
* * * |
من هنا... تأتي أهمية البحث الجاد عن الرؤية (الواعية) بذلك التعادل المطلوب بين: وظيفة الإعلام ونهجه، وبين الطرف الآخر/المتلقي... ليجيء البحث: حفياً بمنطقية التعامل مع: التطور، ومع المتغيرات، ومع التسابق اليوم بالاتصالات الأسرع.. فلا نكون كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمل!! |
|