شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاستقالة.. أم الإقالة؟!
كنت أختلف وأتفق مع الصديقين الناشرين/السيدين هشام ومحمد علي حافظ في العمل، وكانت يدي ممدودة لهما طوال سنوات عملي معهما: يد أخ ورفيق مشوار.. كأن هناك حبلاً سرياً (مشيمة) قد ربط بيننا.. كأننا توائم ثلاث، كان بيننا الصدق متبادلاً، والإخلاص للعمل.
حقاً... كانت فترة غير عادية في تاريخ الصحافة العربية الحديثة، سميتها: "العصر الصحافي الذهبي"، كان للناشرين فيه: الريادة لإصدار مطبوعة يومية تطبع في العديد من عواصم العالم ومراكز الطبع في الغرب والوطن العربي عبر الأقمار الصناعية من لندن، وكان عملاً غير مسبوق حقق تواجد صحيفة يومية (عربية) الانتماء.
كل منهما -السيدان هشام ومحمد- خط تاريخاً صحافياً مميزاً بالطموح، وقد ورثا عن والدهما وشقيقه (علي وعثمان حافظ): عشق الصحافة، منذ إصدار الوالد والعم صحيفة (المدينة المنورة)، فصار العشق مخاضاً لرسالة عظيمة ذات هدف يحتمي بشرف الكلمة... وعملي معهما كان يعبر عن امتزاجي مع خطوط الطول والعرض في شخصيتهما، فقد كنت -وسأبقى- عاشقاً للكلمة التي أفسحا (هما) المجال لانطلاقتها من أفكاري وإبداعي.. فمنحتني الصحيفة الخضراء هذه البوابة إلى القارئ العربي في كل مكان.
وأحسبني اليوم حين أكتب أطول فصل في مشواري على البلاط: حرصت أن أكون منصفاً، وصادقاً، ومتجرداً من الأنا... وقد اعتبروني (غاضباً) ورافضاً للتفاهم معهما فور إصدارهما قرارهما بفصلي أو الاستغناء عن إخلاصي وركضي حباً فيهما وفي مطبوعاتهما، وهذا الموقف يذكرني بمقال قديم كتبه/د. محمد حسين هيكل عن أمير الشعراء/أحمد شوقي، وشاعر النيل/حافظ إبراهيم، غضب منه شوقي لذكره مع حافظ في مقال واحد.. لأن شوقي كان يرى نفسه فوق حافظ في الشعر، وبلغ هذا الغضب حافظ فقال: لماذا غضب شوقي؟! إن الناس يقولون: "زفتي وميت غمر"، فهل غضبت زفتى من بيت غمر، أو غضبت ميت غمر من زفتى؟! كذلك يقول الناس: "خيار وفقوس"، "سميط وجبنه"، "عسل وبصل"... ثم أردف ضاحكاً: أما من يكون العسل ومن يكون البصل، فهذه مسألة أخرى!!
لقد كانا العسل في معاملتهما لي طوال عملي معهما، ولم أكن يوماً بصلاً طوال سنيّ هذه "الرفقة الجميلة".. حتى جاء الصحافي القادم من صفحات الرياضة المحلية/عثمان العمير، وأدخلوه الشركة معيناً رئيساً لتحرير مجلة (المجلة)، ثم بعد ذلك رئيساً لتحرير "الشرق الأوسط"، ودخل هذا البهو الذي قامت (أعمدته) على الحب.. واستطاع أن يغير في فم الناشرين طعمي، ونكهتي من عسل إلى بصل، وأقنعهما بفصلي من كل مطبوعات الشركة، وأن أواصل كتابة عمودي اليومي بمكافأة مقدارها عشرة آلاف ريال... وذلك حدث بعد أن فوجئت بالأخ/عثمان العمير يدخل إلى مكتبي ليبلغني قراره بإلغاء (المجلة 3)... ولم تزل سخريته من والد الناشرين وعمهما ترن في سمعي بصوته، وهو يقلد كل واحد منهما في ندائه على الآخر بكلمة: "أخويا"... فسبحان مغير الأحوال، ولو بقيت لك ما ذهبت لغيرك!!
وكان دخول الأستاذ/عثمان العمير إلى "عرصات" الشركة: مرحلة أخرى قلبت الكثير من الموازين، وبدلت الكثير من الوجوه، وقد جاء بقدراته وخلفياته.. فكأنه أحدث انقلاباً، خرج (الناشران) منه بعد ذلك، بتركهما الشركة!!
* * *
الاستقالة أم الإقالة:
وقررت تقديم استقالتي متذكراً عبارة "براونبخ" الألماني/السويدي: (نحن نسقط لكي ننهض، ونهزم في المعارك لنحرز نصراً أروع.. تماماً كما ننام لنصحو أكثر قوة ونشاطاً)!!
وهكذا أسقطتني (نظرية المؤامرة) التي كانت تقتحم منطقة الشرق الأوسط، فبلغت الأشخاص، وذلك للتخلص من مساحتي الكبيرة التي منحني إياها الناشران في مطبوعاتهما!!
وصدر قرار الناشرين (بتسريحي)، واعتبرا هذا التسريح: استقالة مني... وهكذا نجحت "المؤامرة" في قطع الحبل السري الذي توأم بيني وبين السيدين/هشام ومحمد علي حافظ.
ودارت عجلة جديدة لهذه العربة بعدة (حوذيين).. فلم يعد الترتيب التعيين والتغيير في هذه المطبوعات بيد الناشرين، وهما من أقاما هذه التركيبة:
الشرق الأوسط: أول رئيس تحرير لها كان/جهاد الخازن، ثم عرفان نظام الدين، ومحمد معروف الشيباني الذي لم يستمر طويلاً، وعثمان العمير، ثم عبدالرحمن الراشد/تلميذ ورفيق درب عثمان العمير.
المجلة: عبدالكريم أبو النصر، عماد الدين أديب، عثمان العمير، عبدالرحمن الراشد الذي كان يأتي دائماً خلفاً للأستاذ العمير!!
سيدتي: فاتنة شاكر، عماد الدين أديب، فوزيه سلامه، مطر الأحمدي، عبدالله باجبير.
وقد ذكرتني رحلة الأستاذ/عثمان العمير في مطبوعات الشركة بالقفشة التي رويت على لسان كوكب الشرق/أم كلثوم، التي كانت في مجلس أحد الوجهاء وهو يتحدث عن سيارته الفخمة، وقال:
- لقد ورثتها عن أبي الذي ورثها عن عمي المتوفى بعد شرائها بشهر!
- فقالت أم كلثوم: العربية دي زي الدنيا... كل من عليها فان!!
و.... لملمت أوراقي، وذهبت إلى بيتي العامر بالحلم (ما زال)، بعد أن بعثت إلى الناشرين بخطابي هذا:
أحبائي الأخوين/هشام ومحمد علي
بالود الذي التقينا عليه، وبدأت به مرحلة عزيزة على نفسي معكم، تلقيت رسالتكم الموقرة ورغبتكم الاجتماع بي لتوضيح موقفكم تجاهي بعد اتخاذ قراركم بفصلي، وإنه ليعز عليّ مقدار حبي لكم، وقد فاتتكم هذه الفرصة قبل اتخاذ هذا القرار، إلا أن أحتفظ بوفائي وحبي رغم المواقف الأليمة، وفي ذلك راحة كبرى لضميري، مع قبول أحسن تحياتي.
وبتاريخ 14/1/1407هـ: رد عليّ الناشران بهذا الخطاب:
أخونا العزيز السيد عبدالله جفري وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: كان من المفروض أن نجتمع إليكم لننقل لكم بعض أفكارنا بخصوص الإجراءات التي اضطررنا لعملها بعد بدء الإعلان في التلفزيون وقيام المعلنين وشركات الإعلان بإلغاء حجوزاتهم في المطبوعات مما أعطانا مؤشراً كان لا بد التحرك بعده على كافة الجبهات لتوفير الأموال اللازمة لاستمرار العمل... وعلى ذلك وبكل أسف فإننا ننقل إليك أنه سيتم الاعتماد على جهاز التحرير لإنتاج الصفحة الثقافية وعلى ذلك فسيتم إلغاء جميع الجهاز العامل حالياً، وستصل إلى الأخوة العاملين جوابات من الشئون الإدارية بذلك، ولقد أحببنا إخباركم مسبقاً.
أما بالنسبة لشخصكم الكريم فإنه يسعدنا استمراركم في كتابة العمود اليومي (ظلال) ومقال سيدتي الأسبوعي مقابل مبلغ عشرة آلاف ريال شهرياً وذلك بدءاً من أول أكتوبر.
إننا لواثقون أنكم ستقدرون الظروف التي أملت علينا هذا الإجراء، ونأمل منكم التعاون والوقوف مع الشركة في أيام الشدة كما هو متوقع من جميع الذين عاشوا معها أيام الرخاء.
ولك حبنا ومودتنا وصداقتنا الدائمة.
وبعد أيام على صمتي الذي قابلت به رسالتهما، فوجئت برسالة أخرى يقولان فيها:
- الأخ العزيز أبو وجدي:
لا يجب أن يظل الموضوع هكذا دون أن نتحدث فيه وعنه، وكنا نفضل أن نتقابل أولاً، لكن حراجة الموقف أملت علينا الكتابة إليك أولاً، وإعلامك بالموضوع قبل أن يعلم به أحد، فالمواجهة في مثل هذه الأمور صعبة على النفس خصوصاً مع الأخوة والأصدقاء، ولكنها الآن أكثر من ضرورية، فإذا أذنت فإنه يهمنا أن نجتمع ونتحدث ولك الفضل.
أما على مستوى النشر: فقد كان (الأخوان) كرماء في منحي شهادة بمشواري الطويل معهما، فكتبا في عمودهما "أبيض وأسود"، هذا المقال:
- (سيدنا) السيد عبدالله عبدالرحمن الجفري قدم استقالته من عمله في "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" كنائب للناشرين وكاتب ومسئول عن الصفحة الثقافية والأدبية اليومية في "الشرق الأوسط"، واختفى عموده اليومي (ظلال) من "الصفحة الأخيرة"، كما أنه توقف عن كتابة (العالم رجل) في "سيدتي".
الحقيقة أن هذه الخسارة كبيرة لـ "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" لا نعرف كيف سنعوضها، ولكننا واثقون أن (سيدنا) سيعاود الكتابة في المستقبل بإذن الله وذلك أن مطبوعات الشركة تدين له بالكثير، كما أننا متأكدون وواثقون أنه لن يستغني عن الكتابة فيها بأي شكل من الأشكال، ذلك أنه لا يحلِّق إلا مع سربه ولا يغوص ويستخرج اللؤلؤ إلا من بحره، ومطبوعات الشركة هي سربه وهي بحره.
ولكن لماذا استقال السيد عبدالله عبدالرحمن الجفري؟
بصراحة.. نحن نفضل عدم ذكر الأسباب فذكرها لا يقدم ولا يؤخر في الأمر شيئاً، ونفضل ويفضل (سيدنا) -كما نعتقد- أن تمر ريح استقالته بدون خسائر بالنسبة لنا وله وللقراء.
كم كتبنا في هذا الحيز عن عبدالله الجفري؟
كثيراً.. قلنا دائماً أنه يحمل روح الشاعر، وقلب الفنان، وفكر الأديب، وهو لذلك إنسان رقيق المشاعر وحساس بدرجة مفرطة!
ولكي نثبت لكم ذلك ننقل إليكم نص خطاب استقالته:
- الأخوان الكريمان السيدان/هشام ومحمد علي حافظ- حفظهما الله
بعد التحية والتقدير:
في طيب العلاقة التي جمعتنا في الزمن الأحلى..
وبأطيب المنى: مشاعري التي أكنها لكما صدقاً ودوماً.. أستأذنكما -الآن- لأن أضع في هذه الصفحة التي بلغناها في الكتاب: "ريشة".. لن تكون إلا المحبة، وهي في نفس الوقت الوداع!!
أخوكما
عبدالله عبدالرحمن الجفري
وبعد... فهل رأى أحدكم كتاب استقالة بهذه الدرجة من الود والشاعرية والرقة؟
وهل يكون جوابنا غير الانتظار؟.. انتظار عودة (سيدنا) من رحلته الصحفية في إندونيسيا، عسى أن يناديه (القرب) من (البعد) بـ (العودة) إلينا وإلى قرائه في كل مكان.
والله الموفق.
هشام ومحمد علي حافظ
* * *
وفي تاريخ 17/1/1407هـ، بادرت بكتابة هذا الخطاب إلى الأمير سلمان بن عبدالعزيز/الأب الروحي لهذه الشركة:
- صاحب السمو الملكي/الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكل عام وأنتم بخير:
فإنني أستأذن سموكم الكريم في أن أرفق مع رسالتي هذه صورة من خطاب السيدين/هشام ومحمد علي حافظ، والمتضمن: الاستغناء عن خدماتي كمشرف على الصفحة الثقافية التي سيتم الاعتماد على جهاز التحرير لإنتاجها، كما ورد في خطابهما.
وفي لحظة توديعي للفترة التي خدمت فيها داخل هذه الشركة التي تشرفت بأن تكونوا على رأس مساهميها.. أود أن أرفع إلى سموكم أنني سأعتذر عن مواصلة الكتابة في "الشرق الأوسط" و "سيدتي"، كما أنني في لحظة توديعي، أرفع إلى سموكم امتناني، وتأكيد محبتي.. شاكراً ومقدراً رعايتكم الكريمة طيلة فترة عملي بتوجيهاتكم.
وتفضل سموه الكريم فأجابني بهذا الخطاب:
المكرم الأخ الأستاذ/عبدالله عبدالرحمن الجفري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وردتني رسالتكم المؤرخة 4/12/1982م وأشكركم كثيراً على ما ورد بها من معان تدل على صدق ونبل مشاعركم، إلا أنه في الواقع أساءني ما أشرت إليه بترك العمل مع الأخوين هشام ومحمد علي حافظ وما كان يجب أن يحصل هذا بينكم.
مكرراً شكري وتمنياتي لكم بالتوفيق المستمر ولكم تحياتنا.
أخوكم
سلمان بن عبدالعزيز
* * *
ردود فعل صحافية:
وتناولت الصحف المحلية في المملكة خبر انقطاع الحبل السري (المشيمة) بيني وبين الناشرين بعدة أخبار ومقالات... أختار هنا نموذجاً منها:
الجفري/الخلاف والاستقالة:
فوجئ الوسط الصحفي الأسبوع "الفائت" بتنحي أحد الكتاب البارزين عن عمله ومنصبه الذي شغله منذ سنوات.. وعنصر المفاجأة في الحدث هو أن أحداً لم يكن يتوقع أن هناك ركاماً من "الخلاف" أدى في النهاية إلى هذا الانفجار!
عبدالله جفري أديب وكاتب وصحفي له اسمه وقيمته وقد فاجأ أصدقاءه قبل أيام بما لم يكونوا يعرفونه وهو الخلاف مع الناشرين الأستاذين/هشام ومحمد علي حافظ أصحاب "الشرق الأوسط" وأخواتها.
وعلى ذمة الأستاذ حسن عبدالحي قزاز فقد واجه الجفري عدة تحديات أثناء عمله في "الشرق الأوسط" أدت إلى "تطفيشه" في النهاية، فكان من نتائجها هذه السلبية الكبيرة وهي استقالة أبي وجدي وتركه العمل في "الشركة السعودية للأبحاث".
من الخاسر ومن الرابح في هذه التفاعلات الجديدة؟!
في نظرنا كلاهما خاسر.. فالجفري خسر مطبوعات ممتازة ومقروءة وتتمتع بسمعة محلية وعربية لا يضاهيها في ذلك إلا القليل من المطبوعات الأخرى.. وآل حافظ -هم بدورهم- خسروا قلماً رشيقاً مبدعاً له ثقله على المستوى المحلي على الأقل.. فالجفري في طليعة الرعيل الأول من أدباء الشباب وكتّابه الذين ساهموا إلى حد بعيد في إعطاء الكتابة هنا الكثير من ملامحها المتميزة.. وهو من الجيل الذي مهد لخروج الجيل الأخير من الشباب والذين -ربما- ينكرون على عبدالله حالياً لونه الكتابي الذي لا زال يصر على المضي فيه.. لكنهم لا يستطيعون أن ينكروا عليه دوره في التأسيس لميلادهم بهذا اللون وهذا الطعم.
* * *
وبعد... تلك هي الفترة الأكثر زهواً في "مشواري على البلاط"... أعتز بها كثيراً وبمنجزاتها، وحتى بمناكفاتها وخلافاتها، وعسلها وبصلها.
لقد كنا نعمل كأسرة واحدة، وصفاً واحداً، ورأياً متحداً، ورؤية أبعد.. وإن حملت أسباب الإقالة بما حشد لي من أخطاء وتجاوزات، لم تكن إلا ذلك (السر) بين إخلاصي وتقديراتهم!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :771  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج