مراحل التأسيس لصحافة مهاجرة!؟ |
البدايات الصعبة: |
في استعدادي لرصد "مشواري الصحافي" داخل أروقة الصحافة العربية/السعودية المهاجرة، عدت إلى المجلدات التي احتفظت بها لأنها تضم الفترة الهامة من انطلاقتي كاتباً، يتعرف عليه القارئ بالعربية في كل أنحاء العالم.. وأدين للسيدين/هشام ومحمد علي حافظ باحتواء قلمي ونشاطي الصحافي في مطبوعاتهما (الدولية) التي قدمتني إلى القراء في أنحاء العالم، وأفسحت طريقاً لإبداعاتي الأدبية... فكانت مرحلة هامة في مشواري على بلاط الصحافة، ونقلة ايجابية من الصحافة المحلية إلى الصحافة الدولية. |
وفي هذه المجلدات التي تضم: صحيفة "الشرق الأوسط" ومجلتي: "سيدتي" و "المجلة"، وحتى مجلة "قمر 14" التي لم تعمر طويلاً بمساحة الـ (14)... كان هناك تاريخ تدفق كالشلال من الذكريات وأصداء العمر، والمواقف التي لا تنسى، والأسماء التي حفرها إبداع أصحابها. |
وفي أعداد "الشرق الأوسط" الأولى: ظهرت ترويسة البيانات بهذا الترتيب: |
- الناشران: هشام ومحمد علي حافظ |
- رئيس التحرير: جهاد الخازن. |
- مدير التحرير: عبدالله جفري |
وبعد اختيار "عرفان نظام الدين" مديراً للتحرير: (تدحدر) اسمي: مديراً للتحرير في جدة. |
بعد فترة حذف اسمي من الترويسة. |
واختارني (الناشران) -بلا سبب ولا تفسير لي!- لموقع: "نائب الناشرين" كمسمى وظيفي، ثم منح الموقع للأستاذ/سعود علي حافظ، ولم أكن أمارس سلطات نائب الناشرين، بل كان الموقع -فيما لاح لي- تقديراً ومنحة. |
وفي العدد الـ (20) من الشرق الأوسط: أعلن الناشر/هشام علي حافظ بدء تجارب بث صفحات الجريدة عبر عشرات آلاف الكيلومترات بواسطة القمر الصناعي المتمركز على المحيط الهندي من مكاتبنا في لندن إلى مكاتبنا في جدة، لتكون "الشرق الأوسط": طازجة في أسواق توزيعها، وذلك بعد مصاعب جمة رافقت هذا المشروع الطموح والأول من نوعه حينذاك... فكانت "الشرق الأوسط" هي: أول مطبوعة عربية استخدمت أجهزة نقل صفحاتها عبر الأقمار الصناعية بعد تعاقد الشركة على شرائها من أشهر شركة عالمية متخصصة في هذا المجال... وكتب الناشران في بدء التجربة: |
- لقد أنجزنا تجربة اختبار الموجات بنجاح، وسيستغرق تركيب الأجهزة وإجراء التجارب إلى نهاية العام، وفي الساعات نفسها في كل من لندن والمملكة، وبعد ذلك في عواصم العالم!! |
وعندما فكر الناشران في إصدار أول مطبوعاتهما "الشرق الأوسط": كان رأسمال الشركة: مليون ومائتي ألف ريال سعودي، فعرضوا المشروع على عدد من البنوك السعودية والأجنبية لتمويله، وكعادة بنوكنا في تعاملها السلبي مع المشاريع المفيدة للوطن ولسمعته خارجياً: اعتذرت عن التمويل.. وكتب الناشران في رسالتهما إلى القارئ يومها بحزن شديد: |
- اعتذرت البنوك عن التمويل لأنها تفهم وتعرف فقط في معاني الأرقام، ولا تعرف ولا تطمئن إلى الاستثمار في الأفكار والكلمات!! |
وجازف الناشران، واقترضا وباعا عقاراً يملكانه!! |
* * * |
شركة الطباعة، وابنها البار: |
أما الشركة فهي: شركة المدينة للطباعة... وابنها البار هو: (الباشمهندس) كما أناديه/عبدالهادي بافقير، الذي بدأ من "الروضة" كعامل طباعة صغير، ثم "مطبعجي" نبيه وطموح، حتى أصبح: مدير عام المطابع... وقد وصفته يوماً بأنه: صاخب مثل هدير مطابعه، ومتحرك في كل مكان مثل "بستم" المكنة الطباعية، وهو ظريف، سريع النكتة، سباق الخطوة، لا يستقر في مكان، ولا يكتفي بـ (ملزمة) واحدة، بل يعطيك عدداً كاملاً -كالمجلة- من حيويته، ومن حبه للمرح، ومن قدرته على السهر!! |
- قال لي ذات يوم وهو يضحك: بحكم عملي في المطابع، أنتم تتحركون من مكاتبكم في بداية المساء وأنا آتي إلى المطبعة مع خروجكم لأتابع الطبع، وأعتني بالصور، وبالألوان وكمية الحبر، فلا أخرج إلى بيتي إلا مع الفجر. |
- قلت: إذن.. تأثرت بالليل إلى درجة الضحك؟! |
- قال: الليل جميل وجذاب، وأعرف عنكم أيها الكتَّاب أن الوقت المريح للكتابة عندكم هو الليل.. فلماذا تحسدونني؟! |
ولكن "عبدالهادي بافقير" اكتشفته في إحدى اجتماعات الشركة السنوية، وكنا ذلك العام في جنيف: لم يكن يسهر ليشرف على طباعة الصحيفة والمجلة.. كان شاعرياً جداً بعكس عمله الآلي في المطابع.. وجئت إليه ذات ليلة يغني بصوت مرتفع "ليلة خميس" وكنا في ليلة الجمعة، وسنسافر إلى جدة في الليلة التالية: |
- وسألته: تغني سعيداً لأنك ستعود إلى جدة.. أم لسبب آخر؟! |
- قال: بل وعندي استعداد أن أنافسك وأكتب "ورقة سفر"!! |
- قلت: يا عيني.. ماذا حدث.. هل أنت بخير؟! |
- قال: حدثني عن جنيف برؤيتك أنت! |
- قلت: لا أريد أن أتركها!! |
- قال: إلى هذه الدرجة عشقت "البحيرة"؟! |
- قلت: مدينة هادئة ولكنها أثارتني.. مدينة صغيرة ولكنها صفة للتأمل... مدينة منحتني من الذكريات الأجمل، ومن الوقفات الأمتع، ومن الحزن الأعمق! |
- قال مندهشاً: الحزن هنا أيضاً؟! |
- قلت: نعم... لأن الفرح هنا أيضاً، لأن الحب هنا، لأنك تكتشف الحياة!! |
- قال: ولكني لا أحبها كثيراً.. أتصور لو أنني بقيت فيها شهراً فلا بد أن أصاب بالسأم! |
- قلت: ممكن.. لو كنت وحدك! |
- قال: ومن لك هنا؟! |
- قلت: هنا في جنيف استقر "فولتير" ردحاً من الزمن، ومن أبناء هذه المدينة في القرن الثامن عشر: جان جاك روسو، جاكو نيكر، البرت جالوتين، وجبال الألب، والبحيرة... هنا رؤية ورؤى، والشيء الواحد بعدة ألوان! |
- قال: فقط؟! |
- قلت: وليلة عمر رائعة في جوف مطعم صغير على ضوء الشموع، يذكرني بعبارة قالها "فولتير" ومعناها: |
- الحنان يدفئ قلوبنا.. كما تدفئ النار جسومنا! |
- قال: لا أميل إلى الفلسفة. |
- قلت: ليست فلسفة.. لكن الإنسان باختصار هو "قالب" صنع من أجل أن يحمل من الصفات ما لا يحمله غيره، وأحياناً يتمرد الإنسان على هذا القالب، ويشقى، ويتعذب، ويكافح، ويصر، ويتعب.. ولكن "الحب" هو الحصيلة، لأننا نركض إلى لحظة مميزة.. لا تضاهي العمر كله! |
* * * |
من اليوم الأسود إلى الذهبي: |
يحكي لي هذا (الإنسان) الودود القوس قزحي/عبدالهادي بافقير عن جوانب من مشواره مع المطابع والطباعة، ويضحك وهو يقول لي: ضع مانشيتاً باسمي ليقول: شركة المدينة للطباعة وعبدالهادي بافقير: من اليوم الأسود إلى اليوم الذهبي!! |
كيف يا عبدالهادي.. احكي لي؟! |
- قال: بدأت العمل مع (الناشران هشام ومحمد علي حافظ) وكان عمري (12 سنة)، كنت أدرس ليلاً وأعمل نهاراً، وشغفت بالآلات.. كنت مغرماً بها حتى إني كنت أقوم بخدمة خمس آلات وتنظيفها كي أحصل على رضا رئيسي لإعطائي الفرصة لأتعلم، وطغى حبي لآلات الطباعة على دراستي ولم أفلح في الدراسة إذ لم أحصل إلا على الشهادة الابتدائية بكل كلفة. |
وحبي الشديد للطباعة وفضولي وتدخلي فيما لا يعنيني، لقد مكنني من أخذ الفرصة بفضل الله، وما أكثر ما أوقعني فضولي في مواقف حرجة جداً ولكن لا حياة لمن تنادي.. ومرت الأيام حتى أصبحت مهندس إصلاح ماكينات الطباعة الوحيد لعدم وجود مهندسين متخصصين في ذلك الوقت فأتيحت لي الفرصة للعمل على جميع آلات الطباعة بيدي وبالذات ماكينة (الدبلكس اللتربرس) التي كانت الورقة الرابحة لاستمرار شركة المدينة للطباعة، كما عملت على آلات "الأوفست البيسر" التي كانت بداية ازدهار الشركة بالإضافة لغيرها من الآلات، ولم أكن أغادر المطبعة طيلة الـ 24 ساعة نظراً لوجود السكن داخل الشركة (في الدرج)!! |
وكنت أنصِّب نفسي رئيساً على بعض الأقسام بدون قرار إداري، ويقبل الجميع مني ذلك نظراً للثقة التي حزتها: ثلاثون عاماً قضيتها مع الناشرين قدما لي فيها فرصة كبيرة لممارسة العمل الذي أحبه ولم يبخلا عليّ بالنصح والتوجيه وتطورت بفضلهما -بعد الله- من عامل إلى مدير عام أكبر دار للطباعة في المنطقة العربية، وهما صحفيان بالدرجة الأولى إلا أنهما لم يهملا الجوانب الأخرى للصحافة كالطباعة مثلاً، فهما يتابعان العمل بدقة، ولهما شغف خاص بالطباعة التي عرفاها قديماً من والدهما وعمهما اللذين اشتريا مطبعة السلندر من مصر وكانت تدار باليد قبل أن تتطور بمحرك كهربائي، وهذا تم قبل مولدي بخمس سنوات. |
سألته: كيف جاءت فكرة تأسيس شركة المدينة للطباعة والنشر؟! |
- قال: في جدة عام 1382هـ، ونبعت هذه الفكرة من أجل طباعة جريدة المدينة بعد انتقالها من المدينة المنورة إلى جدة وتحويلها إلى جريدة يومية عام 1381هـ، وتم تأسيس الشركة وبدأ التنفيذ في إنشاء المطابع على مساحة تقدر بحوالي 8000 متر مربع، منها مكاتب ومطابع ومستودعات، وتعتبر هذه المطابع صرحاً كبيراً آنذاك لا مثيل له في المملكة، وكان تهوراً في ذلك التاريخ، ولكن آل حافظ جازفوا بكل ما يملكون من أجل تحقيق أمنيتهم في طباعة جريدتهم (المدينة) في مطابعهم الخاصة بهم، ولكن حلمهم لم يتحقق!! |
وفي عام 1383هـ صدر نظام المؤسسات الصحافية وتم اختيار عضوين من آل حافظ في مؤسسة جريدة المدينة، هما: المرحوم السيد/عثمان حافظ، والسيد/محمد علي حافظ الذي عمل كرئيس تحرير لفترة وجيزة بعد نظام المؤسسات... وأذكر أن السيد/هشام حافظ وصل من جنيف في إجازة بعد غياب حوالى خمس سنوات عن المملكة، واستقر الرأي على الاستدانة من أحد أصدقائهم وعرضا عليه الشراكة... لكن الصديق اعتذر عن الشراكة، وفي الوقت نفسه أقرضهم مبلغ مائتي ألف ريال على أن تسدد بأقساط، وسافر السيد/محمد إلى لندن في نهاية عام 1388هـ لشراء ماكينة طباعة الجرائد الدبلكس وقسم الزنكوغراف الخاص بعمل الاكلشيهات، وتعتبر ماكينة الدبلكس هي التي حافظت على استمرارية شركة المدينة، وبالفعل وصلت المعدات في حوالي الشهر السادس من عام 1398هـ وتم تركيبها في الشهر الثامن من عام 1398هـ. |
وفي بداية عام 1393هـ: تفرغ السيد/هشام بتركه العمل الحكومي للعمل مع أخيه السيد/محمد، وبدءا بتأسيس شركة تضامنية باسم: "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" في مقر متواضع، وفي عام 1393هـ نفسه جاءت فكرة إصدار جريدة (عرب نيوز) باللغة الإنجليزية، ولكن المشكلة تكمن في الاستعداد الطباعي وبالذات قسم الصف باللغة الإنجليزية، خصوصاً أنه لا توجد لدى الشركة إلا ثلاث ماكينات تستعمل في صف المادة العربية، ولكن بالإصرار تم التغلب على هذه العقبة بعد شراء ماكينتين مستعملتين وبالتقسيط. |
أما المشكلة الأخرى فكانت: قسم التحرير الذي كان يرأسه الأستاذ/أحمد محمود، لعدم توفر محررين باللغة الإنجليزية داخل المملكة، وقد عانت الشركة من ذلك. وبعد حوالي سنتين من الصدور قرر الناشران تحسين الوضع الطباعي والدخول في نظام (الأوفست الويب) ولكن الشركة تحتاج إلى ماكينة طباعة (أوفست ويب) وأقسام مساندة تختلف عن النظام المعمول به، وأهم من ذلك يحتاج إلى تمويل مادي كبير، لذا اتخذا قراراً باستدانة مليون ريال من أحد أصدقائهما وسافرا لشراء ماكينة الأوفست من إنجلترا بطاقة استيعابية (12) صفحة وسرعتها الميكانيكية: عشرون ألف نسخة في الساعة... وهذه الماكينة كانت صرخة في ذلك التاريخ، وكانت ماكينة الطباعة (البيسر) هي بداية ازدهار شركة المدينة للطباعة، أي عام بداية الطفرة، وهذا الكم الهائل الذي كان يطبع على ماكينة البيسر لا يصدق لولا أني كنت أقوم بعمله وبنفسي طوال الأسبوع بدون إجازة. |
أما قصة إنشاء المبنى الجديد فهي النقلة الثالثة في تاريخ شركة المدينة، ففي عام 1400هـ تم الانتهاء من جميع المخططات والخرائط الخاصة به، بتكاليف قدرت بـ (12) مليون ريال تم اقتراضها. |
في ذلك التاريخ أدخلت الفاكسميلي لاستقبال صفحات جريدة (الشرق الأوسط) من لندن بعد أن كانت تصل أفلاماً عن طريق الطيران كل مساء وتعتبر متأخرة يوماً كاملاً عن طبعة لندن، لكن بعد دخول الفاكس انتظم صدورها. |
ونظام الفاكس يعتبر أول نظام تستعمله جريدة (الشرق الأوسط) في المنطقة، وبعد تنفيذه انتظم صدور الجريدة مما أدى إلى ارتفاع الكميات المطبوعة والطلب على الجريدة... وفكر الناشران في الطباعة في الرياض في أحد المطابع التي تقوم بطباعة صحف يومية، ولكن لم ينتظم الحال نظراً لوصول أفلام (الشرق الأوسط) وقت انشغال المطابع بعمل آخر، فقررا إنشاء مطابع هناك عام 1400هـ في نفس توقيت إنشاء مبنى جدة، وقد أعطى انضمام (شركة المدينة للطباعة) لكوكبة شركات "المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق" أكبر دار نشر صحفية عربية الدفعة الأقوى خلال الأعوام الستة الماضية نحو تعزيز مسيرتها واتساع أعمالها أفقياً وعمودياً، وتقدر طاقتها الإنتاجية السنوية حالياً من مختلف الأعمال ككتب مدرسية وأعمال تجارية وصحف يومية ومجلات أسبوعية وشهرية حوالي "60.000 طن" ورق. |
هذه التطورات بدون المرحلة التي أقرت أواخر عام 1997م، وكلفت الشركة (220) مليون ريال، وبدأت الإنتاج عام 2003م... وقد قرر الباشمهندس "عبدالهادي بافقير" ترك العمل بعد تسليم المشروع في عام 2004! |
|