شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لمحات عن مجلة (سيدتي)!؟
لقاء غير عادي مع "الختيار":
من أهم اللقاءات الصحافية التي (عشتها) قبل أن أكتبها وأنشرها في صحيفة "الشرق الأوسط" ومجلة "سيدتي".. ذلك اللقاء المميز مع القائد الفلسطيني الذي تبلور -فيما بعد- رمزاً لنضال شعب فلسطين: ياسر عرفات.
بدأت اللقاء الصحافي بالركض خلفه وبجانبه من غروب الشمس وحتى اقتراب طلوع الفجر.. ألاحقه من مكان إلى آخر، ومن موقع إلى غيره، كما يفعلون به كل ليلة حفاظاً على حياته من الاغتيال.. وكان يبدو متعباً بعد منتصف الليل وهو يجلسني بجانبه في دعوة عشاء كرم فيها حزب الخضر القادم من أوروبا، ويهمس في أذني مداعباً: لقد جعلناك تعيش ليلة من معاناة المناضل.
لقد استقبلني الرئيس عرفات في مكتبه بعمان/الأردن، وكان مزاجه (الإنساني) معتدلاً ومشجعاً على الحوار معه في موضوعات السياسة والجهاد، وفي موضوعات الحياة: الأطفال، والمرأة، والمجتمع.
ولم يكن هذا اللقاء الصحافي بالرئيس هو الأول، ولكن يمكن اعتباره: الأول (غير العادي) بلا شك.. فقد جئت إليه أحمل أسئلة تختلف تماماً عن كل ما يسأله الصحافيون، أو يسمح هو للصحافيين بأن يسألوه، حتى وجدت الدهشة على وجوه كل النساء والرجال ممن حوله داخل المبنى الذي دخلته للالتقاء برئيس منظمة التحرير الفلسطينية.. وذلك (الكل) كان يسألني بعد المقابلة، وكانت أكثرهم إلحاحاً: السيدة (الوزير)!!
تدفقت أسئلتهم علي حتى أغرقتني:
- هل سألته عن الحب.. عن المرأة؟!
- هل (اعترف) لك بأسباب إحجامه عن الزواج؟! (لم يكن قد اقترن بزوجته بعد).
- هل كان يضحك ويجيب على أسئلتك مرتاحاً؟!
- أجبتهم محاولاً الخروج من زحامهم حولي: كل ذلك ستقرأونه في صفحات (الوجه الآخر) بمجلة "سيدتي"، فقد أوصاني الرئيس أن لا أبوح بحوارنا لأحد قبل نشره!!
كان هذا "الختيار" بمثابة الدم النعناح داخل وريد منظمة التحرير الفلسطينية، مثلما كان في انطباع زملاء درب الكفاح، كما وصفه الشاعر/محمود درويش بعد التيه من بيروت، فقال:
"كان يقفز في قطار الموت كل يوم و.... يبتسم"!
"في الحرب.. لم نكن نخشى على حياتنا بقدر ما كنا نخشى عليه، لقد تحول قائدنا في قلوبنا إلى طفل يحتاج إلى الحماية والحنان"!!
وعندما كنت أسأل "الرئيس" ياسر عرفات عن: أبعاد "وجهه الآخر"، وعن الحياة، وعن الحب.. لم أكن أجد في إجاباته المتعددة والعميقة إلا وجهين في حياته:
وجه فلسطين/الأرض والحلم.
ووجه الطفل الفلسطيني/الغد!
* * *
وفي ذلك اللقاء الذي نشر بمجلة (سيدتي) -العدد 202- في الشهر الأول من شباط عام 1985م: وضعت له عناوين صحافية، حسبتها جذابة -من وجهة نظري- ولم تكن كذلك من وجهة نظر رئيسة تحرير "سيدتي" آنذاك: السيدة/فوزية سلامة.. فقاموا في الجهاز الرئيسي بلندن بالعبث بتلك العناوين، وإلغاء المقدمة، رغم قصرها (!!)
وكنت قد حرصت أن أضع عناوين للحوار: هامة، وفيها الطرافة مع الجاذبية، فحذفوها، ثم... أنصفني -بعد النشر- الناشر الصحافي حتى النخاع: محمد علي حافظ بالكتابة إلى رئيسة التحرير، وطلب منها: الالتزام بما أرسله دون حذف أو تشويه... وكانت "سيدتي" قد أحرجتني أيضاً حين حذفت صورة للرئيس عرفات مع طفل وأمه، برغم أن محور اللقاء كان إنسانياً، وأبوياً.. وكان الرئيس عرفات قد أوصاني بنشر تلك الصورة مع اللقاء... لكن (الحس الصحافي) فيما يلوح لدى من كانوا زملاء في مكتب لندن: كان عاليا وغير طبيعي!!
وامتد عبث جهاز تحرير "سيدتي" بعد المقدمة والصور.. إلى (المانشيتات) التي لم تسلم من عبثهم... وكانت بهذه الصيغة:
الوجه الآخر للفدائي/ياسر عرفات:
- أنا من مواليد برج "الليث".. لا "الأسد"!
ويتضح الإسقاط في هذا العنوان يومها على الرئيس: حافظ الأسد، بكل ما كان من مشاكل بينه وبين منظمة التحرير!
- السياسة العربية اليوم: سلطه (بفتح السين واللام)!!
ويبدو أن الإخوة في لندن يعيشون بعيداً عن تلك "السلطة" إلا السلطة اللبنانية!
- لم أجد "واحدة" ترضى بي!!
وكيف ترضى "امرأة" بزوج ينام في الليلة الواحدة كل ساعة في مكان؟!
- أتمنى لو كانت حياتي قصة حب!!
ويبدو أن (الإخوان) في لندن: يحرِّمون الحب.
- هذه الأمة قدرها أن تواجه دائماً وأبداً: الغزاة.
والعنوان.. بلا تعليق.
- الوجود العربي/الدولي: لله يا محسنين!
لقد صعب هذا الوجود على الزملاء في لندن، فحذفوه.
- كان نساؤنا يقفلن باب الخيمة في وجه الرجل المنهزم.
فهل كانت "الخيمة" تشكل حساسية لدى الزملاء؟!
- أقسى "يتم" عانيته.. لما سقطت القدس من أيدي مليار مسلم!
العنوان الوحيد الذي نجا من التشريد!!
* * *
فاتنة أمين شاكر: أول رئيسة تحرير:
كانت أول رئيسة تحرير لمجلة "سيدتي" هي الأستاذة الأكاديمية المربية، الأديبة/د. فاتنة أمين شاكر.. ولاختيارها لرئاسة تحرير "سيدتي" حكاية:
كان الناشران/هشام ومحمد علي حافظ قد طرحا عدة أسماء لكاتبات وإعلاميات، على قلة عددهن حينذاك، وذلك لانتقاء أول رئيسة تحرير سعودية لمجلة المرأة العربية.
واستدعاني الناشران ليطرحا هذا السؤال:
- ما رأيك في الدكتورة فاتنة أمين شاكر لتكون رئيسة تحرير "سيدتي"؟!
- أجبت: يدكما في السمن والعسل، ولكن... إن وافقت على ذلك.
- قالا: إذن نترك لك هذه المهمة لتبدأ محادثات الرئاسة.
- قلت: اعترف لكما أن المهمة صعبة... فهذه السيدة ذات امتيازات حتى في (الإصرار) وفي الاعتزاز برأيها، ولا أقول التمسك به.. والأهم من ذلك كله: أنها مرتبطة روحياً، وأمومة بطالباتها اللواتي تسميهن: (بناتي)، فكأنما نأتي لنقتلع الشجرة الوارفة من جذورها.
- قالا: عليك في البدء أن ترمي حجراً، لترى رد فعلها.. هل تطرح عليها فكرتنا ودعوتنا لها لتولي هذه المهمة، أم تظن أنها تقفل كل أبوابها؟!
- قلت: سأرمي الحجر، وأدعوها باسمكما لزيارة مكتبكما، والباقي على شطارتكما!
- قال السيد هشام: ول... هل هي صعبة لهذه الدرجة، أم تراك أنت يا سيدنا رفيقاً بها؟!
- قلت: أترك الإجابة على هذا السؤال لكما بعد لقائكما بها.
فكرت في الحجر الذي سأرميه أمام هذه المرأة المتعددة "اللاءات" نحو ما لا يعجبها ولا تميل إليه.. وعلي أن أختار حجراً من الأحجار الكريمة، لعلها تصغي إلى الفكرة ولا تصدها مباشرة وفوراً.
- قلت لها: عندي لك حجر، كلفت بأن أرميه أمامك، تحت قدميك، في حجرك كطفل جميل.. ولكنه حجر من الزمرد، وأعرف حبك لذلك الحجر.
- قالت بابتسامة موناليزيه: لديك شيء خبئ، فأفصح ولا تدخلني في جب لغز.
- قلت: ما رأيك أن تصبحي رئيسة تحرير مجلة للمرأة العربية؟!
فاجأها السؤال (بزحمة) العرض فيه... وقد أخلدت إلى الصمت فوق الثواني إلى الدقائق.
تركتها تسبح في فضاء المفاجأة لحظات... ثم أدخلت صوتي في (تون) يرتفع به قليلاً قليلاً، وقلت لها:
- مجلة أسبوعية تصدر من لندن.
- رفعت رأسها وشخصت بعينيها في وجهي وقالت: وتريد أن تغربني من بلدي أيضاً.. ألا تكفي سنين الدراسة غربة؟!
- قلت لها: أعرف أنك تربوية وأستاذة جامعة وترتاحين في بحر الهدوء، ولكنك أيضاً أديبة مبدعة، وصحافية قادرة سيغريك بحر العواصف.
- قالت: من سلطك علي؟!
- قلت: قدرك، ونجاحك، وقدراتك، وحلمي أن تبذري في أرض الصحافة غرسة ستعلو هامتها التي تبقى تحمل اسمك.
وبعد صمت حزمنا معاً في أنشوطته.. قلت لها:
- فكري ملياً يا عاشقة الزرع والغرس.. وبعد يومين سآتي لاصطحابك وزوجك العالم/د. أحمد نبيل أبو خطوة إلى مكتب الناشرين، لتسمعي ما عندهما ويسمعا ما فكرت فيه، وأرجو أن لا تخذليني.
- قالت وهي تودعني حتى الباب: لا أدري... هل أنت تجني علي، أم تفتح أمامي طريقاً شاسع الأبعاد والمسافات.. وأنت تعرف ارتباطي الحميمي بـ (هنا): بلدي، وبناتي، وحتى الزرع الذي تراه في أرجاء البيت.. أكلمه ويكلمني كلما بقينا وحدنا، كل واحد منا يشكل للآخر: الحبيب العاشق!!
* * *
وحان مساء الموعد.. أوصلت هذه "الموناليزا" إلى مكتب الناشرين، وأصرا أن أكون حاضراً الحوار، وإن لزمت الصمت بعد أن اشتعل الحوار بينهم ما بين مد وجزر.. وتحدثا إلى العالم الدكتور/أحمد نبيل أبو خطوة:
- نحن لا نغمط حق الزوج في اصطحاب زوجته، وأنت رجل أكاديمي وأستاذ جامعة وعالم... ونعرض عليك رئاسة القسم العلمي في مطبوعات الشركة كافة.
- قالت/د. فاتنة: هل اعتبر هذا العرض رشوة؟!
- قال لها السيد محمد علي: رشوة علم ليستفيد القارئ.
في ذلك المساء.. أكد لي (الناشران) قدرتهما على الإقناع، وأخذا موافقة/د. فاتنة على قبول العرض.
وعند باب بيتها.. قالت لي/د. فاتنة:
- والله لن أسامحك... أنت "سوسه"!!
- قال/د. نبيل: والله إنه يريد لك الخير، والمزيد من الانتشار الإعلامي.. فتوكلي على الله.
- قالت: لن أستكتبك في "سيدتي".
- قلت لها: "سيدتي" تحتاج إلى "سيدي"، وسأهديك صفحتين أسبوعيتين بعنوان: (العالم رجل)!!
- قالت: كمان... وتتحدى المرأة في عقر دارها؟!
- قلت: صدقيني أنني سعيد بأنك تخطين في أجندة تاريخ المرأة السعودية: أنك أول رئيسة تحرير لمجلة خاصة بالمرأة العربية تصدر أسبوعياً... فليوفقك الله!
* * *
ونجحت/د. فاتنة أمين شاكر في أداء هذه المهمة باقتدار وإبداع، وحققت سبقاً صحافياً عدة مرات، وجعلت من (سيدتي): مجلة المرأة العربية الأولى ملتزمة بالطرح الموضوعي، وبتغطية مشكلات المرأة العربية في الوطن العربي، ومستقطبة لها أنجح الكتاب والمحررات والمحررين.
وفي شخصية هذه المرأة التي وصفها بعض الذين عملوا تحت رئاستها وتوجيهها: بالمرأة الحديدية.. نتلمس أبعاد امرأة صلبة في العمل، دقيقة في طرح الرأي، رقيقة الأنوثة.
وهذه الشخصية بمتابعتي لمشوارها الصحافي: واجهت المعاناة بالصبر، واحتملت عدة ضغوط... حتى فوجئنا بها يوماً تكتب استقالتها وتعود إلى (جدة) مشتاقة إلى جامعتها وبناتها، والزرع الذي سقته ابتسامتها الصافية، فلما افتقدها: ذبل وجف وتصوحت غصونه.
وبقي "سر" الاستقالة مبهماً.. هل هو نتيجة خلاف مع الناشرين، وقد وعداها بتحقيق أمنية لها، ولم يحققا ما تمنته، بل واشترطته.. وأطلقا يدها وإبداعها -في البدء- لتبني صرح مجلة مميزة/مادة، وإخراجاً، وجهداً صحافياً، وطرحاً فكرياً.. أم هو خلاف مع الغربة التي عصفت بها؟!
وهكذا... انطوت صفحة من أجمل صفحات مجلة (سيدتي) انتشاراً، وتميزاً... ليتراكض إلى رئاسة تحريرها خلفاً لهذه المرأة التي غرست النجاح، كل من: عماد الدين أديب، فوزيه سلامه، مطر الأحمدي، عبدالله باجبير، هاني نقشبندي، محمد الحارثي... فكانت د/فاتنة هي الغلاف والصفحة الأولى في تاريخ مجلة "سيدتي"، ومن جاء بعدها: لم يكونوا أكثر من صفحات متلاحقة!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :937  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.