بقايا كلام.. على مقعدين!؟ |
هذا العنوان اختاره الشاعر الفلسطيني/محمود درويش: لافتة، "مانشيتاً" لقصيدة أحدث ضجة حين نشرناها على صفحات "المجلة 3" بمجلة المجلة بتاريخ (3) أبريل/نيسان 1985م وقد استقبلها قبلي (الناشران) في كلمتهما الافتتاحية إلى القارئ في العدد نفسه، فكتبا يومها هذا الترحيب بالشاعر/محمود درويش: |
نحن نشعر بأن محمود درويش، هو من أفضل الشعراء العرب الذين استطاعوا في السنوات المؤلمة الأخيرة أن يجسدوا الجرح النازف لأمتنا العربية. |
إن قصائد محمود درويش لها موقف واضح من القضية الجوهرية لأمتنا، وهي قضية فلسطين، وفيها كل عناصر الخبر: من المسئول؟ ماذا حدث؟ كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ إن مشاعر درويش هي مشاعر الطبيب والجريح في آن واحد، هي مشاعر الألم والمتألم، الأمل والخنجر.. إنها مشاعر أمة تريد النهوض من كبوتها، لكنها في الوقت نفسه تعيش تجربة يومية عصيبة. |
ومنذ فترة طويلة و "المجلة" على حوار مع الشاعر محمود درويش من أجل أن تستريح قصائده على محطتها، وبالفعل نجح عماد الدين أديب رئيس تحرير "المجلة"، و "سيدنا" عبدالله الجفري في الحصول على أول مجموعة من القصائد الجديدة للشاعر العربي المبدع. |
نحن نعتقد أن الكلمة، سواء كانت شعراً أو نثراً أو خبراً، هي أمانة لا يمكن التفريط فيها، ومن يقرأ مجموعة قصائد محمود درويش التي تنشرها "المجلة" في هذا العدد، سوف يجد أن الشاعر جمع بين أمانة الجرح وأمانة الصدق... في الوقت نفسه علمنا أن "المجلة 3" لديها مفاجآت أخرى جديدة في الأعداد القليلة المقبلة سوف تساهم في إعطاء متعة القراءة الثقافية حقها. |
* * * |
ومقدمة لنشر هذه القصيدة كتبت عنها: |
- ذلك الخروج الفلسطيني الكبير، الخروج العظيم من جسد الجرح النازف في لبنان، من دمعة بيروت التي لم تذرف الدمع إلا يوم الخروج، الوداع الباكي، المغمس بنشيج المفجوعين، وزغاريد أمهات الشهداء من روعة الحصار/الانتصار. |
ذلك الخروج الفلسطيني من الحب، البطولة، إلى أزمنة الهجرة والتشتت في شوارع العواصم العربية -الصديقة- وفي موانئ العواصم الأخرى -الشقيقة-! |
ذلك الخروج الفلسطيني الكبير من ضجيج الصرخة المذبوحة إلى صراخ الصمت الممتد جثة يابسة فوق مسام شعيرات الصحاري العربية المضاءة بزهر البرتقال المرصوص في عقود تزين بها أعناق الاحتفالات! |
ذلك الخروج الفلسطيني الكبير الذي عاشه الشاعر "محمود درويش" كما عاش قبله حصار عروس العواصم، زمان انتظار العاصفة التي لم يأت طقسها، وانتظار المستحيل العربي الذي لا ينبثق من بيانات التأييد والتنديد ومشاطرة الحزن البائس. |
ذلك الخروج الفلسطيني الكبير تفجرت ندوبه التي كبرت في قلب الشاعر إحساساً بقساوة الرحيل، ورعب الفجيعة، وخيبة الحلم بأمل أصدق منه السراب، فترنح القلب في "لارنكا"، لكنه لم يسقط، بل سقط الانتظار والحزن واليأس، وولدت القصيدة -الملحمة- (بقايا كلمات على مقعدين) آخر قصائد محمود درويش التي تنشرها "المجلة 3" بعد أن خصها بها الشاعر، وكان الاتفاق بين "المجلة" و "الكرمل" مجلة "محمود درويش" الأدبية، الفكرية، الشعرية، التي يقدمها للناس مع مقدم كل فصل.. كأنها أحد همومه! |
إنها القصيدة الخارجة من آخر الحصار إلى أول الحصار.. تغني وتبكي "على اللي فارقوا الدار أحباب". |
* * * |
ومن لوحات هذه القصيدة التي صارت شهيرة بعد ذلك: |
- خرجنا قبيل الخروج، فلا ترفعوا إشارة النصر فوق الجثث |
هنا نحن، نحن هناك، ولسنا هناك، ولسنا هنا |
ها نحن تحت العناصر، نحن دم كامن في الهواء الذي تذبحونه........ |
قلنا: سنخرج، فلتقصفوا ظلنا.. ظلنا |
خذوه أسيراً إلى أمه الأرض أو علقوه على شجر الكستنا |
تكونون أو لا نكون، أدخلوا وهمكم، واحرثوا وهمنا |
لبيروت أقنعة تحت أقنعة لا تزاح لكم.. أو لنا |
وخمسون بيروت في حرب بيروت، لكن بيروت ليست هنا |
سنخرج قلنا سنخرج من أول البحر |
بعد قتيل وخمسة جرحى وخمس دقائق |
وبعد سقوط الطوائف حول اشتباك الحديد المدوي مع العائلة! |
|
* * * |
نزل.. على بحر: |
نزل على بحر زيارتنا قصيرة |
وحديثنا نقاط من الماضي المهشم منذ ساعة |
من أي أبيض يبدأ التكوين؟ |
أنشانا جزيرة |
لجنوب صرختنا وداعاً يا جزيرتنا الصغيرة |
لم نأت من بلد إلى هذا البلد |
جئنا من الرمان، من سريس ذاكرة أثينا |
من شظايا فكرة جئنا إلى هذا الزبد |
لا تسألونا كم سنمكث بينكم، لا تسألونا |
أي شيء عن زيارتنا... دعونا |
نفرغ السفن البطيئة من بقية روحنا ومن الجسد. |
|
* * * |
حيدر محمود: |
واستضافت مجلة (المجلة) الشاعر الفلسطيني الأردني/حيدر محمود كل أسبوع، وقد كان اتفاقي معه في إحدى زياراتي للأردن: أن يكتب لـ (المجلة 3)، فسرقه مني رئيس تحرير "المجلة" ليضع لوحته الشعرية الأسبوعية في صفحات المجلة الأولى. |
وكنت قد عدت من الأردن بعد لقاء مطول لي مع "أبو عمار" الزعيم الفلسطيني/ياسر عرفات، نشر الجزء السياسي منه في صحيفة (الشرق الأوسط)، والجانب الإنساني منه في مجلة (سيدتي) وقد أحدث ضجة، وله حكاية سأرويها لكم في فصل قادم. |
وبعد عودتي إلى "جدة" كتب لي مدير مكتبنا في عمان آنذاك الأستاذ/عرفات حجازي، هذه الرسالة: |
كان حديثكم الذي نشر في (الشرق الأوسط) مع "أبو عمار" له أصداء واسعة، ويعتبر من أنجح المقابلات الصحفية على هذا المستوى، فأهنئكم عليه من صميم القلب. |
أما الأسئلة الأخرى فقد سلمتها للقصر ونرجو الخير في القريب. |
التقيت مع الأخ/حيدر محمود، الذي تنشر له المجلة قصائد قديمة على الصفحة الثقافية، وأرفق لكم ثلاث قصائد من إنتاج جديد لم ينشر قبلاً لنشرها في المجلة، وقد وعد بكتابة زاوية نثرية للشرق الأوسط قريباً. |
وبالمناسبة للأخ حيدر محمود ديوان بعنوان: (القبائل) وهو من عيون الشعر الذي نظمه حتى الآن ولم ينشر منه أي شيء، ويعتزم طباعته، فرأيت أن أعرض عليكم فيما إذا كانت الشركة ترغب في طباعته ونشره آملاً أن أسمع رأيكم. |
* * * |
الناقد/رجاء النقاش: |
ونخرج من فلسطين والأردن لنعود إلى القاهرة، وكانت -لما تزل- تمور بالنشاط الثقافي، وبالكتاب المميزين، وعلى رأسهم الناقد الكبير/رجاء النقاش الذي اعتبر امتداداً لمدرسة الناقد/محمد مندور، وقد دعوته للكتابة أسبوعياً في الصفحة الثقافية اليومية بالشرق الأوسط، فاستجاب لدعوتي وقد ربطتني به صداقة جميلة منذ كان رئيساً لتحرير مجلة (الدوحة) التي استكتبني شهرياً في أكثر أعدادها، وجمعتنا -معاً- لقاءات ومسامرات أدبية في منزله بالدوحة. |
وبعد ترحيبه بدعوتي للكتابة: تقدم باقتراح تفرغه للكتابة في مطبوعات الشركة ضمن إطار اتفاق يسري اعتباراً من مطلع شهر يناير 1986، بعد عودته للقاهرة وتخليه عن رئاسة تحرير مجلة (الدوحة) القطرية. |
واستعد الناقد الكبير/رجاء النقاش بتقديم: عشر مقالات شهرياً على الأقل. |
وكسبت موافقة (الناشران) من مكاسب مطبوعات الشركة بضم كاتب بهذه القيمة لها. |
* * * |
محمد جلال: |
وكتب إليَّ الروائي الذي أخذ يلمع في نهاية السبعينات من مدرسة "نجيب محفوظ" في كتابة الرواية الشعبية عن الحارة وتاريخها، وهو الأستاذ/محمد جلال، الذي صدرت له روايات: قهوة المواردي، ولعبة القرية، وعطفة خوخه... وعرض انضمامه إلى باقة كتاب مطبوعات الشركة في الجانب الثقافي والإبداعي، وقال لي في رسالته التي بعثها إليَّ من لندن بتاريخ 14/11/1979: |
أخي الكاتب الكبير الأستاذ/عبدالله الجفري |
لا أعرف لماذا تذكرتك في لندن؟! أحسست برغبة شديدة في أن أكتب إليك، لقد سألت الزميل/عرفان نظام الدين عنك، وقد أخبرني أنك كنت في لندن منذ فترة، لماذا لم ألقاك منذ فترة طويلة بعد اليوم الذي جلسنا معاً في فندق شبرد؟! لقد سافرت إلى أوروبا في رحلة طويلة منذ أغسطس زرت روما وأسبانيا وباريس وبروكسيل وأمستردام. |
لقد صدرت لي عدة روايات: محاكمة في منتصف الليل، وقهوة المواردي، ولعبة القرية.. والآن في الطريق إلى المطبعة: "عطفة خوخه" سأرسلها لك بمجرد عودتي إلى القاهرة. |
لا بد أن يتصل اللقاء يا صديقي الغالي... إني أقرأ بانتظام مقالاتك في الشرق الأوسط خلال رحلتي في أوروبا.. أهنئك من قلبي أيها العصفور المغرد!! |
* * * |
شطحات إحسان عبدالقدوس: |
وكانت مطبوعات الشركة سعيدة بانضمام الكاتب المصري الكبير/إحسان عبدالقدوس، الذي تميز بصفحته الأسبوعية في مجلة (المجلة) بعنوان: على مقهى في الشارع السياسي. |
أما نحن في الصفحة الثقافية اليومية في (الشرق الأوسط) فقد كان يكتب لنا من خواطره الفنية مقالاً أسبوعياً بعنوان: "خذ عقلي وأعطني فنك"... وكنا نحتفي بهذه المقالات: إخراجاً و.... قراءة رقابية، حتى توقفت ذات مرة أمام مقالين.. كان في الأول منهما يكتب عن: (الراقصة المصرية الوحيدة التي اعترفت بها الدولة/فريدة فهمي) كما وصفها، وهي نجمة أو راقصة فرقة رضا الفلكلورية الشعبية، وأطلعت الناشرين على ملاحظتي في المقال الأول، أمام عبارته هذه: (إن فن الرقص هو فن ينطلق من طبيعة الخلق، ورغم ذلك لم تعترف الدولة براقصة لا قبل ولا بعد فريدة فهمي.. كأنها تعتبر هذا الفن رجس من عمل الشيطان، وليس حلالاً إلا على فريدة فهمي)!!! ولا أدري لماذا كثف هجومه على هذه الراقصة؟! |
والمقال الآخر: كتبه عن "فيروز" والحرب في لبنان والعقلية الإنتاجية التي فقدت مركز إدارتها في بيروت... حتى قال في عبارة/قفلة المقال: (إن السيطرة على الإنتاج الفني قد انتقلت من أيدي المنتجين اللبنانيين إلى منتجين من أصحاب الأموال بدول الخليج، لأن مراكز إنتاجهم تتجمع حول آبار البترول)!!! وهكذا كان يشتمنا في عقر دارنا ولا يختلف عن الذين تعاملوا مع منتجي الخليج!! |
وكتبت إلى (الناشرين) أسألهما: ما رأيكما... صرت أخاف من هذا الكاتب؟! |
- فردا علي: من خاف.. سلم!! |
وشطبنا على تلك العبارات، ونشرت المقالين دون أن يعترض الكاتب!! |
* * * |
حكاية نزار قباني: |
بقيت حكاية "نزار قباني" الذي كانت علاقته مع (الرقابة) في المملكة على غير ما يرام، وكتبه ممنوعة من الدخول وبيعها في المكتبات... وقبل أن تربطني به وشائج المحبة الشخصية والصداقة قبل مرضه ثم وفاته: تلقيت اتصالاً غير مباشر من الشاعر الكبير/نزار قباني، وكان عن طريق مندوبة (المجلة) آنذاك: السيدة/هدى المر التي التقت به في بيروت وأجرت معه حواراً أدبياً لنشره في (المجلة).. وقد تواجد الشاعر في البحرين حينذاك ودبي لإقامة أمسيات شعرية، وسبق له أن أقام قبلها أمسيات مماثلة في الكويت وقطر... وقد أبدى الشاعر/نزار قباني رغبته في زيارة المملكة العربية السعودية وإقامة أمسيات شعرية في كل من الرياض وجدة، وقال لي عبر الصحافية/هدى المر: |
- "إنني أشتاق لزيارة بلدكم، ولي فيها قراء كثر، ويسعدني أن تكون أنت على رأسهم بعد أن كتبت عني الكثير من الأجمل في بذور الكلمة الشاعرة... وسوف أحرص حين حضوري على تقديم ما تودون بما يلتزم بالإطار العام للتوجهات الاجتماعية في ظل العقيدة الإسلامية". |
وكان للكاتب آنذاك كتاب تحتجزه له إدارة المطبوعات، وعنوانه: (العصافير لا تطلب تأشيرة دخول) وهو كتاب نثري. |
وقد وافق الشاعر الكبير على الالتزام بالكتابة في مطبوعات "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" باعتبارها -آنذاك- كانت أنجح المطبوعات العربية المهاجرة وأكثرها انتشاراً. |
وبادرت بالكتابة إلى الجهات المسئولة موصياً بالموافقة على دعوته لنكسبه معنا وليس ضدنا... وكان تاريخ تلك الرسالة في 5/12/1984م....... و...... لم تجب دعوته!! |
|