شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نجاة طبق الأرز من التحطيم!؟
بدأت مآزق مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والتسويق مع الكتَّاب الذين اعتبرنا مشاركتهم بالكتابة في "الشرق الوسط" ومجلة "المجلة" مكسباً للمطبوعات، والذين أدخلونا فيها ببعض ما كتبوه ونشرناه لهم، وكذلك المآزق التي نشأت مع السياسيين، وببعض المواقف الأخرى على الهامش.. وكادت تلك المآزق أن تحطم طبق الأرز الخاص بي تشبهاً بما يعتقده الصينيون: أن الأرز طعامهم الأساسي كالخبز لدينا، وبالنسبة لي فقد ارتبط مصدر رزقي ومنبع دخلي بالصحافة والعمل فيها، وقد كانت -وما زالت فيما يلوح- هي: طبق الأرز الأساسي.. وقد قيل: إن من أعظم الذنوب لدى الصينيين: قطع عيش أحد الموظفين أو العاملين، خصوصاً إذا كان رب أسرة، أي تحطيم طبق الأرز!!
ولذلك حرص (الناشران) في تعاملي معهما -حتى أزفت لحظة تبدل الأحوال والانطباعات- أن لا يحطموا طبق أرزي، بقناعة تامة لديهم: أن العمل بالصحافة تحفه المشكلات... وكانت أولاها مما واجهني في بداية مسئوليتي عن صفحات الثقافة في "الشرق الأوسط" و "المجلة" هذا الموقف:
كان الصحافي اللبناني اللامع الدؤوب/عبدالكريم أبو النصر: صحافياً حتى النخاع، وقد اختاره الناشران أول رئيس تحرير لمجلة (المجلة) وحقق انفرادات وسبق صحافي وحوارات هامة، ولم تكن عليه سوى (مؤاخذة) واحدة: أنه يضخم الحدث الذي يكتب عنه مدعياً الانفراد بنشر تفاصيله!
وقد جيء بالأستاذ/عماد الدين أديب من القاهرة، وكان مراسلاً "للشرق الأوسط"، وبعثته الشركة في دورة صحافية ومراسلاً للشرق الأوسط من أمريكا.. وبقي هناك فترة مزدهرة بالنسبة لخاصته ولعمله، ثم أعيد إلى لندن ليتسنم رئاسة تحرير (المجلة) بعد الاستغناء عن/عبدالكريم أبو النصر، وممن دعم "عماد" في لندن: مدير عام الشركة في بريطانيا الأستاذ/سعود علي حافظ متفائلاً بحسه الصحافي.
وكنت أقوم برسم وتخطيط (ماكيت) صفحة الثقافة بالشرق الأوسط وصفحات الملف الثقافي: (المجلة 3) وأبعث بهم من جدة للتنفيذ في لندن.. فلم يرض الأستاذ/عماد أديب، وأصر أن يتم رسم ماكيت الملف بلندن... فامتثلنا جميعاً في جدة لطلب رئيس التحرير!!
* * *
وفوجئت أن (الزميل) يومها الأستاذ/عماد الدين أديب يبعث إلي ضمن بريد الشركة بقصيدة للشاعر الكبير/عبدالوهاب البياتي، الذي كانت تربطني به وشائج صداقة قامت بيننا من لقاءاتنا في مناسبات ثقافية.. كان من أهمها: مهرجان "أصيلة" بالمغرب، وكان يتحفني ببطاقات بريدية يبعث بها من مدريد حيث إقامته، ومن كل مكان يذهب إليه.. لذلك دهشت أن يبعث الشاعر البياتي بقصيدته إلى "عماد الدين أديب" الذي كان حينذاك: رئيساً لتحرير مجلة (المجلة)، ولم يبعثها إلي وهو يعرف أنني مسئول عن (المجلة 3) الثقافية ضمن مجلة "المجلة"!!!
ورغم هذا الشك.. فقد دفعت بالقصيدة إلى النشر لأنها جاءت من رئيس التحرير، ولم أشتم من ورائها رائحة مؤامرة بأسلوب: ضرب عصفورين بحجر واحد.. ضرب البياتي وضربي (لقلعي) من الإشراف على الملف الثقافي!!
ولم أشك لحظة أن شخصاً آخر هو الذي بعث بالقصيدة لأنها تحمل توقيع "البياتي" نفسه!!
وبادرت بنشر القصيدة فرحاً، وضمها العدد (261) من مجلة (المجلة) -ملفها الثقافي- وعنوانها "أوتار ناعمة في غمار الحرب القائمة".. وهذا نصها:
(1)
ها أنت.. هذا أنا
ماذا سيجدي السنا
من بعد ما سمموا في حقدهم خبزنا؟
بحيرة من دم
تفصل ما بيننا
وعبرها أرضهم
تصقل أغلالنا
وكلبهم في المدى
ينبح أمواتنا
وليلهم ليلهم
يأكل أصباحنا
لكننا لم نزل نحب.. لكننا.
(2)
يا أم "دعبول" الحزينة
هل مررت بعقر داري؟
الكل يهتف في جواري
"يم دعبول لا تبجين
كل أصبع بداله أربعة"
يا أم دعبول هل أبكتك ساجدة
وهل تقلدت الأحزان عيناك؟
تالله لو سمعت روما بمصرعه
لرددت ساحتا مدريد: جئناك.
(3)
ورأيته في شارع الخلاني
صدر إلى صدر لقاني
اسمي يأكل حرفه
نهري يأكل جرفه
بدني تأكله روحه
وأرى "ولهي" في الشله
وتقول لأهل الحله
"كسيها وضاع الغلك".
(4)
ما يفصل بيني وهناك
حيث يتشمس نخل باسق
بسماء الأفق الشرقي
أهمر الدمع على نهر المجرة
وأضغط زنادك وارتجل رجزا
وصح بين المنادين الحيارى
".... يهل التفك صيدوه
يهل التفك صيدوه
يهل التفك صيدوه
ميه وألف سيف
ما قارشن وياه".
(5)
طافت الزيتونة الأولى
طافت الزيتونة الثانية
طافت الزيتونة الثالثة
طافت الزيتونة الرابعة
وأنا ما زلت فوق السطح طاف
وأنادي "مثل النكس بالماي
جيتك مطوف".
(6)
وذهبت للمقهى الوك الصمت
أجري وإناء الشاي يستهوي المسافات الجميلة
وحبيبي الأسمر في غرناطه
هل أتركه؟!
الحمراء تندب بانيها
وراقص الفلامنكو يعرف أن الرقص عربي
أن اللون عربي
أن الليل عربي
أن الفجر عربي
أن النغم عربي
وسمعت الجد عليوي في قصر الحمراء
صوتاً مبحوحاً في عمق المقهى
"خدري الجاي خدريه"
وبكت وضحه، نادبة حظ الدنيا
"عيوني المن أخدره"؟
(7)
يا ذاك الممعن في "النهران"
أكتب مجدك
فأنا منذ البدء الأزلي
"لا والله قلبي"
(8)
ولماذا تصمت يا "صبري"
هل عدت لشغلتك الأولى مثلي؟
فأنا منذ البدء الأزلي
"لا والله قلبي".
(9)
ألا يا قطار الشمال البعيد
إلى شرق برلين عجل بنا
فعما قليل يشق السماء
هتاف الجماهير أنا هنا
وغاب رصيف القطار البعيد
ومنديلها لم يزل في يدي
منديل ساجدة النظيف
آه على ذاك الزمان
الكل يهمس في المآذن
سحب الهموم من المواقد
واعتلى قمراً.. وكان.
النمسا -فيينا كانون أول- 1984
* * *
وأقام "البياتي" الدنيا ولم يقعدها، واتصل بالعديد من الصحف والمجلات مؤكداً: أن هذه القصيدة المنسوبة إليه زوراً لم يكن بالإمكان نشرها دون عملية تواطؤ، وذلك لأن معظم مقاطع القصيدة المزعومة عبارة عن مقتطفات من الزجل البذيء المكتوب بلغة عامية غير مقبولة، وأضاف البياتي:
- (لقد كان الاعتذار الذي نشرته "الشرق الأوسط" بمثابة محاولة غير ذكية لتمويه هذه المسألة، وهذا ما جعلني عازماً على أن أمضي في الدعوى القضائية التي سأقيمها على مؤسسة الشرق الأوسط أمام المحاكم البريطانية للمطالبة بالتعويض المادي والمعنوي عما لحق بي من إساءة وإجحاف)!!
وقد قيل: أن "البياتي" سيطلب تعويضاً مقداره مليون دولار!!
وهكذا انتشرت رائحة (المؤامرة) العفنة!
- وتساءلت بعض الصحف العربية والمهاجرة: من قام بعملية التزوير التي تهدف أساساً إلى توتير علاقة الشاعر بوطنه الأم؟!
كانت المقاهي الأدبية تتبادل أسماء عديدة شاركت في المؤامرة على شاعر كبير.
وكنا بين كواليس "الشرق الأوسط" و "المجلة": ضحية هذه المؤامرة مثل الشاعر تماماً، وإن ألمح بعض الكتاب العرب إلى أن (شخصي) كان هو المستهدف لإقصائي... فمن كان المستفيد؟!!
ولم تهدأ الضجة حتى بادرت بكتابة رسالة شخصية إلى الشاعر الكبير/عبدالوهاب البياتي، رحمه الله، وشرحت له ملابسات تسلمي للقصيدة، وأنني كنت المستهدف الآخر بالمؤامرة مثله.... وأتبعت الرسالة باتصال هاتفي بعد نصف شهر، وكان "البياتي" حزيناً ومتألماً بعد غضبته، وقال لي:
- اندهشت أن تأتي منك، لكني الآن تفهمت الخلفية، ومن أجلك سأطوي هذه الصفحة السوداء!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1136  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.