شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حوار خاص مع/عبدالصبور وبهاء الدين!؟
صلاح عبدالصبور:
رأيت الشاعر المصري العروبي الكبير/صلاح عبدالصبور: يجلس أمامي في مكتبي بجدة ذات مساء، وكان يصحبه رفيق مشوار الكلمة الناقد والمسرحي المبدع/د. سمير سرحان، رحمهما الله!
- وفي البدء.. سألت الشاعر عبدالصبور: يبدو أن قدميك انتصرتا على سلالم المكتب الخشبية فلم تتعثر فيها والحمد لله.. فنحن نتعامل معها يومياً أكثر من مرة حتى توحدنا معاً، والخوف: أن (نطقطق) مثلها، فيكفي أننا نتحمل سقف المبنى الخشبي أثناء المطر وهو يخر علينا.
- قال صلاح عبدالصبور ضاحكاً: يبدو أن سلالم مبناكم مثل الشعر الذي لا يعترف بالتفعيلة الواحدة ولا بأية تفعيلة، ولكن جريدة (الشرق الأوسط): تمثل واجهة عربية مشرفة للصحافة الناطقة بكل حروف اللغة العربية!
- قال سمير سرحان وهو العاشق "للأستاذ" -كما كان يناديه- لقد حرص الأستاذ أن يزور مكاتبكم وأن يلتقي بك شخصياً فهو معجب بعمودك اليومي (ظلال)، ونحن في طريقنا إلى أوروبا معاً لحضور مهرجان عن الشعر.
كانت هذه الكلمات: شهادة أعتز بها، ووددت لو سجلتها صوتاً، بعد أن التقطها مصورنا.
رأيت "صلاح عبدالصبور" من قريب، وتأملته وهو يبدو: مبتسماً حزيناً، مبدعاً مبدداً، نضاحاً مسبلاً.
رأيته الحقيقة المجسدة التي قرأتها قبل ذلك: قصيدة، وديواناً، ومسرحية شعرية... فتخيلت بكل ذلك: رؤى الحسن، ورؤية الفكر، وروية التأمل، وارتواء من حس عروبي صادق ومتفاعل وموار حتى الحزن.
وتمنيت لحظتها لو سألت الشاعر/صلاح عبدالصبور عن: "مأساة الحلاج" في الواقع العربي!!
وانتظرت أن "يقول لكم" بواسطتي: حكاية الحقيقة التي تضيع خصوصياتها دائماً عندما يغضب صاحب الحقيقة... ووددت لو جلست معه في: "تأملات زمن جريح".. ولكنه -فيما يلوح- كان يبدو وكأنه: "مسافر ليل".. وقته قصير، ووقتي حزين، فلم أجد الفرصة التي رغبت فيها أن أصف له: "الناس في بلادي"، وكيف أحبوا مصر من قديم الزمان، وكيف واصلوا السهر حباً لمصر في هذا الزمن الجريح!!
كنت أنظر إلى وجه "صلاح عبدالصبور"، فأرى على ملامحه: "أحلام الفارس القديم"، وكنت أصغي إلى نبرة صوته المميزة، كأن هذا الصوت جمع فيه: "أصوات العصر".. وفكرت أن أطرح عليه التساؤل المأخوذ منه: "ماذا يبقى منهم للتاريخ"؟!
استأذنته حينذاك في سؤال لا يحتمل التأجيل مثل كثير من قضايا العرب التي أجلت.. فسألته:
- ماذا يبقى للتاريخ من هؤلاء الذين ذهبوا إلى العدو المحتل لفلسطين: مفكرين، وشعراء، وفنانين بعد القادة السياسيين؟!
هل ذهبوا ليقهروا الموت حقاً، أم لإبعاد شبح الموت؟!
أم أن ذهابهم كان قد شكل طعن الحياة العظيمة والحافلة بتراثنا العربي والإسلامي، التي أهداها الفكر والأدب والفن في مصر لكل العقول العربية ولكل وجدان عربي؟!
وطفرت دمعة من عينيه ساخنة كحرارة أسئلتي، ورفع رأسه نحوي قائلاً:
- أنت متعب يا عبدالله، ولكنك أصيل.. كل أسئلتك التي تريد أن تعرف أجوبتي عليها نؤجلها إلى ما بعد عودتي وسمير من الرحلة، بشرط أن تأتينا إلى مصر ونسمع النهر الخالد صوتاً عربياً يتحدث عن الحياة في الموت، ويرفض الموت في الحلم بالحياة!
- قلت له: أعدك... وأطلب منك: "قراءة جديدة لشعرنا القديم".. وتجيبني: هل اختلفت قراءتنا اليوم للشعر القديم عن قراءاتنا في عام 1968 للشعر القديم؟!
- أسألك أيضاً: أما زالت "الأميرة تنتظر" -الأميرة مصر- ومن تنتظر... أم أنها استمرأت الجلوس ليجلس كل العرب معها، وهي تواصل قراءة: "ليلى والمجنون"؟!
التفت إلي صديقنا/سمير سرحان وعلى شفتيه ابتسامة الحزن ذاتها، وقال له:
- من أي عصر هذا الرجل، وكيف اكتشفته؟!
وقبل أن يصافحني مودعاً.. قال لي: لا تنسَ أنني أنتظرك في حضن الأميرة التي ستنتظرك معي!!
- قلت له حين صافحته سعيداً بزيارته، ومبتسماً في صدق فرحتي به: "وتبقى الكلمة" يا صديقي... تبقى أبداً دون أن تكون: "كتابة على وجه الريح"!!
جذبني إليه، وعانقني.. ولوح بيده قائلاً: لا تتأخر!!
ولم أتأخر أنا... بل هو الذي تعجل وركض نحو الموت قهراً وإحباطاً.. تاركاً لعشاق شعره: الزمن الجريح، والليل المسافر، و.... أحلام الفارس القديم!!
* * *
أحمد بهاء الدين:
كان الناشران السيدان/هشام ومحمد علي حافظ أكثر حرصاً مني على ضم قلم الصحافي الرائد/أحمد بهاء الدين إلى باقة كتاب "الشرق الأوسط" أو "المجلة" وكنت أقول لهما:
- هذا الرجل الجميل فكراً، الأصيل انتماء لعروبته: سيتعبنا حتى يأتي.
- قال السيد هشام رحمه الله: هل تراهن؟!
- قلت ضاحكاً: أراهن على ماذا، على من... مكسبي من هذا الرهان: قلم أحمد بهاء الدين.
- قال السيد محمد علي: نحن قدها وقدود... بعد يومين سيكون/أحمد بهاء الدين أمامك هنا في جدة!
نعم... أحمد بهاء الدين: نسج بكلماته وأفكاره وآرائه: زمن الطموح في المكابدة، وبكل العشق الذي لم يغيره تراب الزمن... وكان يشرئب نحو أحلام لم يعتدِ عليها فساد الانكسار، بل انكسار الحزن.
كان كاتباً كبيراً.. لم يمارس كيف يلوك الصدى مثل بعض زملائه من كتاب تلك المرحلة، لكنه كان من المتحدثين/الكاتبين بصوت مرتفع إلى حد الصراخ أحياناً.
و.... فجأة: رأيته أمامي، بعد أن عقد (جلسة) اتفاق ووفاق مع الناشرين، ودلاه إلى طريق مكتبي بعد أن تحدثا عن افتتاني (بمبادئه) أولاً.
- قال وهو يتوسط غرفتي: أنت عبدالله الجفري؟!
- قلت: وأنت القمر الذي لا يخفى/أحمد بهاء الدين.
- قال: نشكر "الشرق الأوسط" أن اكتشفت لنا كاتباً رومانسياً يكتب في السياسة كما يغازل حبيبته، ويخاطب حبيبته في بعض المواقف بلغة القرار الديكتاتوري!
ضحكنا... وقلت له مازحاً:
- هل هو اتهام اشتراكي؟!
- قال ساخراً: معقول، وأنا في عقر الرأسمالية؟!
- قلت: أحببناك بعد سؤالك عن: معنى الوطنية؟! ويوم أجبت وعرفتها لنا بقولك: "وطنية اليوم هي: حب الوطن من خلال حب المواطن، لا من خلال تقديس الفرعون الذي يقسم المناصب والأرزاق"!!
حدق في وجهي، وقال: ها أنت (تسمع) لي عبارتي.. هل هو عشق للكاتب أم للفكرة؟!
- قلت: الفكرة هي التي تحبب الكاتب لقارئه.
- قال: نعم... وكأنك تذكرني بشبابي يوم كنت أحفظ العبارات التي تفتنني أثناء قراءتي لها... قل لي: من أين أنت؟!
- قلت له: من مكة المكرمة.
- قال: تقصد أنك من "البدء".. بدء أشياء أصيلة وثوابت وجذور ورواسخ.
- قلت: أعدك يا سيدي أن أرعى كل هذا البدء في ضميري، ومبادئي.
- قال: والله.. وكأنني أعرفك من زمن.
- قلت: ربما لأنني أنا الذي عرفتك منذ أخذت أقرأ لك، فوجدتني في تضاعيف بعض ما تؤمن به، وما تفكر فيه.
- قلت للكاتب السياسي المميز و "المحترم" بأبعاد معنى الكلمة/أحمد بهاء الدين: هل تسمح لي بسؤال ربما بدا لك من طالب في الابتدائية، وأنا كذلك أمامك (قال العفو)، والسؤال هو: لماذا صرنا نشعر باليأس من الأمل.. ولماذا أصبح الحب مملاً؟!
عاد يحدق في وجهي.. هذا الكاتب الذي "يموجني" تفوقه.. فأتحول إلى موج، وكأنني لحظتها كنت أبحث في ما أقوله، أو أتقدم به نحو فكر هذا الكاتب: عن الرائحة، واللون، والطعم!!
- قال: بتنا نشعر باليأس من الأمل لأن موجات الفساد تلاحقت، أو تكثفت، في فقداننا للمصلح الحقيقي، وللقدوة الأصلي -غير التقليد أو الممثل- وللراعي الذي يملك القدرة أن يضرب بيد من حديد على الفساد والمفسدين.. وفي كل هذا وبأسبابه: أصابنا اليأس!
أما الحب.. لماذا أصبح مملاً؟! فربما لأننا حولنا المشاعر إلى رغبات وشهوات وممارسة جسدية، وبمجرد أن ننعظ: يبرد الحب.
وإذن... فإن الحقيقة هي: ضالة الإنسان كما علمونا في المدارس، وحتى الآن لم نكتشف الحقيقة، ولم نجدها.. ولكنها قد تتحول من حقيقة إلى ضالة الإنسان!
* * *
وامتد الحوار مع هذا (الكبير) أحمد بهاء الدين، وهو يقول لي ضاحكاً:
- لقد سرقت وقتي يا عبدالله.. عدني أن أراك ثانية.
حقاً... كان الزمن قصيراً، خاصة إذا كان المتحدث إليك مفكراً سياسياً وكاتباً متمرساً في حجم/أحمد بهاء الدين.
كان الإبحار في فكره ورؤيته ورؤاه: إمعاناً في الدفء.
وقد حسبته هذا الشلال، نقي المياه وقد انسكب في حميميتي كإنسان.
أحمد بهاء الدين/كما أشعر به كلما قرأت له وقرأته: إنه كاتب إنسان زرعته الأشواق والسلامات في فضاء "الوقت" الذي يضطهده الزمن.
وعندما كنت أصغي إلى حديثه.. خلته وكأنه يأتي من رجع نغم قديم، لا ينفك يركض بين المبدأ وقيمة الإنسان.. بين حرية الفكر وعبودية الفساد.
لقد شكل "أحمد بهاء الدين" رحمه الله ذلك النسيج من "الرأي" السياسي الأكثر نضوجاً ورؤية لأبعاد اللعبة السياسية، ومن "الشجاعة" التي لا يخشى بها لومة أو غضبة رئيس دولة، أو نظام سياسي.. ولذلك بقي "أحمد بهاء الدين" متمسكاً بقرائه الذين تكاثروا، والذين كسبهم بطرحه الصريح والموضوعي والمنطقي.. وبقي "أحمد بهاء الدين" حسب تعبير الأخوة في مصر: (معلماً) في التعليق السياسي، مثلما برز في الصحافة العربية والإعلام: (معلماً) حضارياً يدل على استقلالية الرأي، وعلى ديمقراطية الحوار.. وكان فارساً خيَّالاً في ساحة الوغى السياسية يسابق الحدث، ويفضح المؤامرة، ويضع النقاط المسروقة على الكلمات التي أرادوا لها أن تبقى بكماء!
أحمد بهاء الدين: هو الكاتب الذي عالج الكلمة السياسية من بكمها، وأنطقها بالحقيقة وبالأدلة وبالشواهد... فما لبث أن تفوق وأعاد خفافيش الكتابة النفعية إلى جحورها.
تلك هي -إذن- أبعاد (المسئولية) بدور الكلمة لدى/أحمد بهاء الدين... احترم كلمته ورأيه، فاحترمه قراؤه من المحيط إلى الخليج.
ومن أراد أن يدرس التاريخ السياسي الحديث أو المعاصر، فلن يجد أوسع وأشمل وأصدق من كتابات/أحمد بهاء الدين السياسية التي نحسبه قد أرخ فيها: اكتساح مرحلة الضياع العربي، وفساد السياسة العربية، وبدء مرحلة الهوان والذل للعرب!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :635  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 22 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.