شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مكاسب الكتاب ومآزقهم!؟
لا بد أن محور انطلاقتي على درب الكلمة عبر الصحافة: قام على قيمة (الإنسان) وقضاياه، وحلمه، وطموحاته.. ولم يكن الكاتب، ولا المثقف، ولا الفنان: يعاني كل منهم من مشكلة ذاتية حيث تكبر الأحزان أو تذوب.. بل يجيبون على سؤال يقول: كيف يصبح الشعور/حياة، أو لا يكون هناك شعور.. كيف تتجسد الأماني، أو تنشرخ وترتطم؟!
إن كل مثقفي وأدباء وفناني العالم: كبر حسهم، وتبلورت رؤيتهم، ونضج تأملهم في: معايشة قضايا الإنسان والذود عنها: إن إبداعاتهم -حينئذ- ترتفع وتستقطب، وتلك هي علامات النجاح الفارقة في جهد هؤلاء المميزين بالفكر وبالإبداع!
ولكن.... ما هو حال المثقف، والأديب، والفنان اليوم؟!
إن كل واحد منهم (يصارع) في الحياة من أجل قواعد هامة، يأتي في مقدمتها: الحرية، والمبدأ، والقيم، ثم...... الخبز!!
- يقول "جون جارديز": لا يصل الإنسان إلى حديقة النجاح دون أن يمر بمحطات التعب والفشل واليأس.. وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات!
وفي مشواري على هذا البلاط الممتد: لم أرتطم بالفشل والحمد لله ولا باليأس، فقد نجحت في إثبات موقعي، واعتنزت على إرادتي وحلمي كلما راودني التعب بهاجس الراحة، لكن راحتي الحقيقية كانت في هدير المطبعة، والحبر، وألوان الغلاف.. وكانت في (كلمة) أكتبها لقارئ يتعنَّى بحثاًً عن كلمتي... كأن الكلمة بالنسبة لي هي: المدينة الفاضلة، وهي المدينة التي تجسد أمامي من أحببت وعشقت، مستذكراً مقطعاً من قصيدة "مدينة العشق" لجلال الدين الرومي، قال فيه:
- (قال معشوق لعاشق: أيتها المليحة.. لقد رأيت في غربتي مدناً كثيرة، ولكن... تلك المدينة التي تضم من اختطف قلبي هي المكان الأطيب)!!
والكلمة في مشوار حياتي: تبقى هي المدينة التي تحتضن من اختطف قلبي، وهي المكان الأطيب!
* * *
وإذا كانت (الكلمة) في وجدان كاتبها الأديب الفنان هي التي تمحو الغربة... فنحسب أن (المعلومة) هي الشريان الذي يغذي كل مطبوعة.. وقد كانت (المعلومة) في مطلع القرن العشرين (تنتقل من جيل إلى جيل شفاهاً غير مكتوبة، وتتناقل عبر أجيال متلاحقة دون تدوينها، وقد تعارف الغرب على هذا المصطلح: التراث الشفاهي، ولكن... ما يزال ثابتاً أن العلماء والمسلمين: هم أول من ابتكروا ونظموا مناهج علمية لنقد التراث الشفاهي وتنقيته من الأكاذيب والادعاءات، والحرص على التدوين)!!
وهذه المعلومة التي أوردتها من قراءاتي.. كانت انطلاقة: تدوين المعلومة وتسجيلها، وتبويبها، وتصنيفها.
ولذلك.. حرص (الناشران) في مطبوعاتهما على توفير المعلومة حتى في المقال، فهما (صحافيان) حتى النخاع، والصحافي يركض نحو المعلومة... وكانت توصيتهما لي ولرفيقي/السيد إبراهيم حافظ، ونحن نفتتح مكاتب للمطبوعات في الأقطار العربية: أن نختار شباباً صحافياً لا يهمل المعلومة.
* * *
الاتفاق مع/د. سعاد الصباح:
وانتقلنا إلى الكويت، سعياً وراء تطريز مطبوعاتنا بإبداعات نجوم من الأدب والثقافة والعلوم والفنون.. وكانت/د. سعاد الصباح حينذاك: النجم المثير للغط النقاد كثيراً: إعجاباً بشعرها المميز الذي اعتبره بعض النقاد ينتمي إلى مدرسة/نزار قباني، ولم يكن هذا الاتهام سبة للشاعرة، بل كانت تعتز بذلك... وتوجهنا بدعوتنا للشاعرة الكبيرة نلح أن تشارك معنا وتزود مطبوعاتنا بفكرها وبإبداعاتها، وقالت لي في ذلك الاتفاق الذي اعتبرناه مكسباً:
- إنني أكتب يا عبدالله تحت مسئوليتك، فلا حذف ولا شطب.. وتعرف مبلغ اعتزازي بك كاتباً مبدعاً وصديقاً.
وكان هذا "الشرط" يقابلني كلما التقيت بأديب، أو شاعر، أو قاص.. وكلهم قد ألغى تسلط الرقابة العربية وما تجره على المطبوعة من مشكلات.
وكان الدرس الأول، أو التجربة الأولى... مما أعتبره خلفية لحكاية أرويها الآن بعد حدوثها في 5/8/1985م... فقد بدأنا نشر مقالات/د. سعاد الصباح في صفحات: (ثقافة وآداب وفنون) واختارت أن تضع عنواناً جانبياً لهذه الحلقات، فكان: (أوراق مهربة من سجن النساء)، وعنوان المقال: أنا مليون امرأة.. في امرأة واحدة!! اقتطف هنا جزءاً من مطلع ذلك المقال الذي أقام الدنيا ولم يقعدها... وقد استدعاني السيد/هشام علي حافظ مع أخيه محمد إلى مكتبهما لنعالج أبعاد الضجة.. فقال لي السيد هشام بلهجته وابتسامته: (يا واش يا واش.. يا سيدنا)!!
- قلت: نحن صحيفة دولية لا نتبع لأي نظام سياسي أو ديني.
- قالا لي معاً: صحيح... لكن لا بد أن نوزع الجريدة في كل الأقطار العربية!
أما المقال... فقد كتبت الأديبة الشاعرة/د. سعاد الصباح، تقول فيه:
حين أكتب، أشعر أن جميع النساء العربيات يولدن من قلمي، ويخرجن من بين شفاهي.
إن كتاباتي، ليست صوتاً مفرداً.
بمعنى آخر، إن ما تكتبه سعاد الصباح ليس عزفاً منفرداً تؤديه امرأة واحدة، وإنما هو نشيد كورالي تتداخل فيه ألوف الأصوات، وتشارك في أدائه ألوف النساء.
فالحب الذي أكتب عنه ليس حبي الخصوصي وحسب، والحزن الذي أعبر عنه ليس حزني الذاتي، والدمع الذي أذرفه يهطل من عيون جميع نساء بلادي.
إن صوتي، ليس صوت المرأة الكويتية وحدها.. ولكنه صوت المرأة السعودية، والقطرية، والعمانية، والبحرينية، والمصرية، والمغربية، والتونسية.
نعم.. إنني كل هؤلاء النسوة معاً.. بل أنا مليون امرأة في امرأة واحدة.
إنني فيما أكتب، أحاول أن أكون الناطقة الرسمية بلسان جميع المقهورات، والمسحوقات، والمذبوحات من الوريد إلى الوريد من أجل جريمة وهمية.
هكذا تأخذ الكتابة أبعادها الشمولية والإنسانية.. وإذا كنت -بحكم موقعي وظروفي- أستطيع أن أحول الآهات إلى كلمات، وأحول الجرح إلى قصيدة، وأمزق لحم الورق بأظافري، فإن الغالبية من نساء وطني تعيش في الإقامة الجبرية، وتموت في الإقامة الجبرية، دون أن يسمح لها بحق البكاء، أو حق الصراخ، أو حق الكتابة.
إن المرأة التي تدخل غابة الكتابة في عالمنا العربي هي امرأة مفقودة أو انتحارية، فأكثر الشوارع مقفلة، وإشارات المرور معطلة، وشرطي السير يعطي أولوية المرور للسيارات التي يقودها الذكور فقط، أما المخالفات فهي من نصيب السيدات.
سفينة الفضاء الأمريكية كان فيها رائدة فضاء.. وسفينة الفضاء الروسية كان فيها رائدة فضاء.. أما الرجل العربي فلن يسمح لزوجته أو لابنته إلاّ أن تدورا حول أنانيته فقط!!
* * *
وجاء رد الفعل (الذكوري) في شكل خطابات رجالية أكثر سخطاً واحتجاجاً على (ما ارتكبته) هذه الشاعرة العربية... وهذه الرسالة: مثال لمضمون الرسائل التي انهمرت، جاءتنا بتوقيع: قارئ محزون، أو ربما كان يومها: (محزوق) وهو يذهب في أحكامه إلى المطلق، والمغالاة، وإلغاء الحوار تماماً... فكتب لرئيس تحرير الصحيفة:
لفتت نظري كلمة في صفحة -ثقافة وآداب وفنون- العدد 2442 بعنوان: أوراق مهربة من سجن النساء، فظننتها من سجون الأعداء، وما أكثر ما تحوي في جنباتها من النساء الفضليات، فأحببت أن أقرأها لأطلع على أحوالهن... فإذا بهذه السجون هي بيوت النساء العفيفات المحجبات في السعودية وقطر وعمان والبحرين ومصر والمغرب وتونس.
ومن سجنهن في بيوتهن ومن فرض عليهن الإقامة الجبرية فيها حتى أنهن يمتن في الإقامة الجبرية، كما تقول الكاتبة؟!
وكنت أظن أن أصحاب الشرق الأوسط الذين يهتمون بقضايا المسلمين والدفاع عن الإسلام -كما يقولون- لا يسمحون بنشر مثل هذه الكلمات المسمومة التي تدعو إلى الإباحية والسفور، ونبذ الآداب الإسلامية والتقاليد العربية الأصيلة، ولكن خاب ظني حين قرأت هذه الأفكار الهدامة، فهل علموا بها حين سمحوا بنشرها، أم نشرت من وراء الظهور، ولحساب من؟!
إن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.
وأي ثقافة وأي أدب وأي فن هذا الذي تنشرونه على القراء الذين وثقوا فيكم فأضعتم ثقتهم؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
هكذا قرأ هذا الرجل (الذكر) كلمات الكاتبة، وكأنه قرأ خطوطها الإنسانية!
وهكذا -أيضاً- يتضح أن موجات الإرهاب الفكري بدأت منذ ذلك الوقت!!
- وقال لي الناشران في ورقة لفت نظر: (سيدنا، ألا ترى، بارك الله فيك، أن العنوان الجانبي: "أوراق مهربة من سجن النساء" واسع.. أوي، أوي، أوي؟! عبقريتكم تستطيع الاستنجاد بتعديل، أو تغيير أو... فرطحة العنوان)!!
هكذا كان يتعامل معي "الناشران"، بهذا الفهم لأسباب، وبهذا التوجيه منهما لأسباب الرقابة، بل وأسباب هذه الشريحة من القراء!!
* * *
الدكتور/محمد جابر الأنصاري:
وما لبثت أن هبت علينا نسمة من "البحرين" الشقيق، نفحنا بها المفكر العربي الكبير/د. محمد جابر الأنصاري، الذي استجاب يومها مشكوراً لدعوة مطبوعات الشركة فتتوج صفحاتها بفكره وآرائه (العربية) الحصيفة... ففرحت برسالته التي أرسلها بتاريخ 2/1/1985م، ومنحني هديته التي قال عنها:
- أخي العزيز الأستاذ/عبدالله الجفري.
ها أنت حققت "توريطي" في الالتزام بالكتابة، وربطتني بحبال ناعمة جداً ولكن قوية، من لطفك الذي لا يقاوم!
وها قد تحايلت على وقتي وعلى الأعمال الكثيرة التي ينتظرها مني الأخ الدكتور/محمود سفر (كان الدكتور سفر مديراً لجامعة الخليج، ود/الأنصاري مستشاراً أو مساعداً له) وجلست خالي البال لأكتب لك المقالين المرفقين، بعد أن عجز/رجاء النقاش (كان رئيساً لتحرير مجلة الدوحة) في الحصول على أكثر من مقال واحد خلال خمسة أشهر!
ولكن.... لي رجاء واحد: أن يكون التزامي مرة كل أسبوعين -أي مقالين في الشهر- حتى أتمكن عملياً من الوفاء ومن الاستمرار.... وأوصيك خيراً بأرجيلة الجراك، فلي فيها مآرب أخرى، واسلم لأخيك!!
* * *
التوجه نحو سورية:
وخرجنا من البحرين، لنحط رحال اتفاقاتنا مع نخبة من كتاب وشعراء ومبدعي القطر السوري، وقد اخترنا لإدارة المكتب في دمشق: الأديب، والشاعر/خيري عبدربه الذي أخبرني: أنه التقى بالعماد/مصطفى طلاس للاتفاق معه مبدئياً حول كتاب السيدة/كوليت خوري بعنوان: (أوراق فارس خوري) حيث إنها أعطت للعماد طلاس حق طبعه ونشره كصاحب دار نشر في المكان الذي يشاء، وقد وافق على نشر كتاب "كوليت" عندنا إذا ما رغبنا.
- قلت له: جميل جداً.. هذا مكسب كبير أن ننشر أوراق الفارس العروبي/فارس الخوري.
- قال خيري: وتقديراً من العماد لمنشورات ومطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، فقد أسر لي أنه أنجز كتاباً جديداً عنوانه: (آفاق الاستراتيجية الصهيونية)، وهو يتمنى نشره في "الشرق الأوسط" أو "المجلة" ومستعد بإعطائنا حق نشره على حلقات.
- قلت: وهذه سنأخذ موافقة (الناشران) عليها.
و..... تتواصل (فتوحات) مكاتب مطبوعات الشركة العربية للأبحاث والتسويق في الوطن العربي... وللحكايات بقية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :622  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج