شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إمبراطورية الصحافة العربية!؟
عندما بدأت كتابة فصول هذا المشوار، تذكرت حكاية رواها في مجال الطرفة: الكاتب المصري الساخر/محمود السعدني عن شاعر النيل/حافظ إبراهيم، الذي كان يعتز بصداقة رجل كانت مهنته: الجزارة، وقد هجرها واحترف الأدب، ولا ندري: كيف نجح الأدب في تحويل جزار إلى: أديب.. إلا أن يكون أديباً (ناقداً) ينتمي إلى هذا العصر؟!
وأراد الشاعر/حافظ إبراهيم أن "ينكش" صديقه الجزار المتأدب بسؤال غير معتاد: الجزارة أحسن وإلا الأدب؟!
وقبل أن يفتح الجزار فمه، تدخل على الفور: الزجال الأديب الساخر/إمام العبد، قائلاً:
- (هوا لما كان جزار، كانت الكلاب تمشي وراه.. دلوقت لما أصبح أديب، بقي يمشي ورا الكلاب)!!
وكأنه أراد أن يفلسف واقع الأديب والمثقف في الوطن العربي آنذاك، برغم أن تلك المرحلة شهدت ازدهاراً وتميزاً في الإبداع، وريادة في الأدب والعلوم والفنون في مصر بالذات!
فماذا ستراه يقول لو بقي "إمام العبد" إلى هذا العصر.. بعد أن تبدل الحال، وشهد الإبداع والأدب والثقافة: انقلاباً ساد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، حتى أن كاتباً عربياً مقهوراً أطلق هذه العبارة:
- "لا أمل اليوم في أي تقدم علمي، إذا كان لاعبوا كرة القدم -وكثير منهم متواضعوا المعرفة- يتقاضون أجراً أكبر من أساتذة الجامعة"!!
* * *
غير أن تلك الفترة التي أسجل هنا أبعادها ومواقفها: شهدت (هجرة) صحافية وثقافية من الأقطار العربية إلى لندن بالذات، أو قبرص... فكانت الصحيفة الخضراء: (الشرق الأوسط) هي الرائدة الجريئة التي اقتحمت التجربة الفريدة وفتحت الأبواب أمام إصدار وهجرة صحف عربية أخرى.
ويسجل للأخوين "هشام ومحمد علي حافظ": أنهما الغارسان لبذرة الصحافة المهاجرة بتقنية عالية غير مسبوقة من الصحف العربية.. حتى أن كاتباً عربياً من الذين غنى فيهم: محمد عبدالمطلب "يا حاسدين الناس" وصف هشام ومحمد علي بـ (الأخوين رايت): الرائدان في صناعة الطيران، وقد طارا بالصحافة العربية وبكتابها إلى خارج الحدود الإقليمية، ربما بحثاً عن مناخ أشمل لحرية الرأي والكلمة التي كانت محاصرة بأنظمة الرقابة العربية.. فحق للأخوين: (حافظ) أن يطلقا شعار صحيفتهما الأولى: (صحيفة العرب الدولية).
ويبقى تأسيسهما للصحافة المهاجرة: تاريخاً مسجلاً في هامة كل مطبوعة أصدراها من داخل خيمة شركتهما: "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" ومقر إدارة وتحرير هذه الإمبراطورية الوليدة: مدينة (جدة)، ومقر صناعة طبعها، وإخراجها ومخاض كل الولادات: مدينة (لندن)!
هذا التاريخ الذي صنعت فيه أنجح المطبوعات العربية وأكثرها شهرة واتساعاً في التوزيع: شهد الجهد المضاعف، والمال، وسهر الليالي، والقلق، والمواقف الأصعب، والمفاجآت المباغتة.. وبعد أن كان "هشام ومحمد علي" يعتزان بكونهما: (الناشران) لإمبراطورية من الصحف والمجلات التي تتحد مع الأرض العربية: (بتتكلم عربي)، وتنزف بكلمات محرريها وكتابها "الأكثر انتقاءً"، وبرغم أن أحد الناشرين: (هشام) كتب ذات يوم: أن جدته التركية قالت له عبارتها التركية أيضاً: (عرب خيانات)، فثار عليه كتاب ومحررو مطبوعاته.... لكن بقيت (الشرق الأوسط) ترفع شعارها الذي ثبتت عليه بعمر إمبراطورية الأخوين حافظ: "جريدة العرب الدولية" الناطقة بلسان عربي مبين، والمعبرة عن وجدان عربي غير مهين، والمدافعة عن قضايا العرب والمسلمين.. وبقيت هي "العين الباكية" بدموع كل العرب وأحزانهم وعجزهم، وهي اللسان المزغرد بأغاني العرب، على قلة ما غنى العرب لوطنهم العربي الكبير على امتداد القرن العشرين، وحتى اليوم.
وهكذا... حافظت صحيفة العرب الدولية وشقيقاتها على مضمون وأبعاد الشعار باختيار منتقى لرؤساء تحريرها ومحرريها... حتى اقتحم هذه الصدارة فيها بعد ذلك: رؤساء تحرير، ومدراء تحرير، كانت مهمتهم الأولى: نسف شعار الصحيفة، والخروج بقضايا العرب المصيرية إلى جولات من التطويح بها، والترغيب في عملية لغسل الضمير العربي عامة قبل غسل العقل العربي الذي كان أيضاً مستهدفاً!
والشيء بالشيء يذكر... ومن باب (التذكر): لن أنسى تلك المرحلة الجميلة بحق التي شاركت فيها الأخوين العزيزين "هشام ومحمد علي حافظ" التأسيس، والاختيار، وكيف كنا نخطب ود وتعاون وأقلام المميزين لينضموا إلى أسرة "الشرق الأوسط"، ثم "المجلة" و "سيدتي".
وقد تعامل معي "السيدان هشام ومحمد علي حافظ" بروح الإخاء والمودة، وقرباني إليهما بدافع الثقة، ومنحاني الفرص لأكتب ما أؤمن به، وأعرف من خلال مطبوعاتهما: كاتباً عربياً سعودياً يفرح بصندوق بريده المكتظ من أنحاء العالم!
* * *
ترقية إلى نائب رئيس تحرير:
وبتاريخ/23-2-1981م: صدر قرار من الناشرين "هشام ومحمد علي حافظ" بهذا النص:
نظراً للجهود الكبيرة التي قام ويقوم بها الأستاذ/عبدالله الجفري شخصياً في مجال الثقافة والأدب بالنسبة لمطبوعات "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" العربية، مثل: الكلمة اليومية التي يكتبها في جريدة "الشرق الأوسط"، والقصص والموضوعات التي ينشرها في "المجلة"، والالتزام الأسبوعي لمجلة (سيدتي) في: "العالم رجل"، والاتصالات التي قام ويقوم بها مع الكتاب والأدباء السعوديين وغير السعوديين الذين يساهمون بالكتابة في مطبوعات الشركة.. نظراً لكل هذه الجهود بالإضافة إلى المسئولية الإخبارية اليومية والأسبوعية، فقد قررنا بناءً على ذلك:
1- أن يتفرغ الأستاذ/عبدالله الجفري كلياً لإغناء مطبوعات الشركة العربية في المجال الثقافي والأدبي بجهده الخاص في الكتابة، بالإضافة إلى أن يكون إحدى حلقات الوصل بين مطبوعات الشركة العربية وبين الكتاب والأدباء السعوديين وغير السعوديين الذين هو على علاقة واسعة بهم في العالم العربي.
2- ترقية الأستاذ/عبدالله الجفري من رتبة مدير تحرير في جريدة "الشرق الأوسط" إلى رتبة نائب رئيس التحرير للشئون الثقافية والأدبية.
3- الإشراف على تطوير صفحة الآداب والفنون في جريدة "الشرق الأوسط" وتحويلها إلى صفحة ثقافية وأدبية ممتازة، والإشراف على صفحات الثقافة في المطبوعات العربية وله في سبيل ذلك الاتصال المباشر بمدراء مكاتب الشركة في أنحاء العالم للتنسيق والإعداد.
4- على رؤساء تحرير المطبوعات العربية ومدراء المكاتب في كل مكان الاتصال بالأستاذ/عبدالله الجفري ليقوم بتزويدهم بإنتاجه الأدبي والثقافي الخاص بالإضافة إلى تزويدهم بإنتاج الأدباء والكتاب السعوديين أو غيرهم في العالم العربي.
تمنياتنا للأستاذ/عبدالله الجفري بالتوفيق ومواصلة النجاح الإبداعي,,,
* * *
الانطلاقات التي سبقت:
وقبل أن يصدر الناشران هذا التنظيم، كانا قد كلفاني والسيد/إبراهيم حافظ، المسئول المالي في الشركة لنقوم بجولة عربية لها عدة أهداف.. من أهمها:
افتتاح مكاتب في بعض الأقطار العربية: (المغرب، تونس، السودان، اليمن، سورية)، واختيار مسئول عن إدارة كل مكتب من نفس القطر، وتنظيم تعامله المالي.. والالتقاء بكتاب كل قطر من النخب المعروفة للاتفاق معها على تغذية مطبوعات الشركة بإنتاجهم الأدبي والفني لقاء مكافآت شهرية، بعضها: يصرف من الإدارة المالية بجدة، وبعضها الآخر يتولى المكتب الإقليمي صرفها، كما يفعل "مكتب القاهرة" الذي كان يعد أكبر مكاتب الشركة في الوطن العربي، وأكبر من يمد الصحيفة وبقية المطبوعات بمقالات الكتاب البارزين وريبورتاجات وتحقيقات الصحافيين المصريين التي يكتبونها (حصرياً!!) لمطبوعات الشركة.
و "الرفقة": بجانب صديقي السيد/إبراهيم علي حافظ: كانت ممتعة جداً، فقد شكلنا معاً "عينين" في رأس واحد، وتفكيرين في عقل واحد... وكان متعاوناً معي في اختياراتي لمسئولي وكتاب هذه الأقطار... وفي السودان (نقح) ضرسي بشكل مزعج جداً، فاقترح "أبو خليل" أن أتناول عدة حبات من "القرنفل"... فمن أين نأتي بهذا العلاج الشعبي بعد المغرب؟! اقترح رفيقي أن نسأل موظفة الاستقبال التي فاجأتنا بمخزون غير استراتيجي لديها، ونفحتنا (بخمشة) من ذلك المخزون، وشكرنا للقرنفل ذلك التعارف بعد النقح!!
وتعددت رحلاتي بصحبة السيد/إبراهيم، أو كأن كل واحد منا كان يطلب من الناشرين الموافقة على هذا التشكيل من سرب الشركة لإرساء قواعد (مكاتب) في الأقطار العربية.
وفي المغرب العربي انتقينا صحافياً لامعاً ونشيطاً ليدير المكتب هو الأستاذ/طلحة جبريل، وقد فتح أمامنا أبواباً عديدة للقاء مسئولين كباراً، كان على رأسهم: معالي الأستاذ/أحمد بن سودة، مستشار الملك الحسن، وقد أجريت معه حواراً مفيداً ومغذياً للعقل وللروح، وله أبعاد سياسية، نشرته مجلة (سيدتي) في صفحات بعنوان: "الوجه الآخر" كان محل استحسان لفائدة المعلومات التي تضمنتها إجابات الضيف.. وتعددت بعد ذلك اللقاءات مع نجوم السياسة، والثقافة، والفن في المغرب.
واخترنا الصحافي المتخصص في التحليل الاقتصادي، والبترولي على وجه الخصوص: "السر سيد أحمد" الذي عمر حتى اليوم مع مطبوعات الشركة، رغم أننا اتفقنا معه وهو في ريعان شبابه، وأحسبه اليوم يدرج إلى الستين من العمر.. وهو لن يخاف من هذا الإعلان بعد أن تزوج وأنجب/قواه الله.
وفي تونس: استقطبنا المدير العام لمؤسسة الثقافة والتربية والعلوم التابعة للجامعة العربية/د. محي الدين صابر، وكان وزيراً سابقاً للتربية والتعليم في تونس، فجاءت مشاركاته إضافة هامة لصفحات الثقافة.
وفرحنا بإسهام الشاعر والأديب "أحمد القابسي" بشعره الحديث، وروحه المرحة،... واستطاع أن يبدي تعاوناً ملحوظاً بمشاركاته وتغطياته للأنشطة الثقافية، وقد كان "القابسي" شعلة نشاط أضاءت في درب الثقافة، حتى اختفى نهائياً، واختفت قصائده ومساهماته!
واخترنا الأديبة التونسية المعروفة: "خيرة الشيباني" لتكون المسئولة عن التغطية الثقافية في تونس، ومتابعة الكتَّاب والكاتبات ممن أسهموا بالكتابة في مطبوعاتنا.
وتمتاز الأديبة "خيرة الشيباني" بالثقافة ومتابعة ما ينشر وما يصدر من الجديد، وهي تنضح من روحها الشاعرة بكلمات نحسبها شعراً وهي تمتاز بالموسيقية... وقد اختفت "خيرة" على المستوى العربي، فلم نعد نقرأ لها أو حتى نسمع عن نشاطاتها بعد صولاتها وجولاتها!
وفي السودان: أقمنا ندوات وحوارات، وكانت السودان تعرف بأنها: (سلة الثقافة والأدب) مثلما عرفت بأنها: سلة الغذاء.. فنسبة المثقفين والمبدعين فيها عالية، وعشاق القراءة كنا نشاهدهم يقفون في طابور صباحي أمام المكتبة التي تبيع "الشرق الأوسط" بأمل أن يحصل كل واحد على نسخته الخاصة.. لكن المشكلة التي لم يستطع رفيقي "إبراهيم حافظ" أن يحلها: كانت تخص العائد المادي للشركة من دخل البيع والاشتراكات والإعلانات.. فالنظام (النميري آنذاك) كان يمنع إخراج أية عملة صعبة من السودان، ومكتب السودان ليس كبيراً بحجم مكتب القاهرة ليصرف العائد على ما يستهلكه... وسعينا إلى مسئولين في الدولة، وإلى وزير الإعلام، وطلبت مقابلة فخامة الرئيس بصحبة زميلي/السيد إبراهيم حافظ... ودخلنا في دائرة: سوف، أنتظر، حتى تفضل وأذن لنا، وشرحنا له المشكلة، وكان -بحق- محباً لصحيفة "الشرق الأوسط" وكما قال لنا: إنه من قرائها المدمنين عليها.
ومن أجل ذلك كله: كسر فخامته النظام (بيني وبينكم/كما قال وهو يضحك) وسمح لنا بتحويل فلوس الشركة إلى القاهرة!!
وخرجنا من لقاء فخامته... ولا أدري ما الذي ذكّر السيد/إبراهيم حافظ لحظتها، فالتفت نحوي يقول: تحتاج قرنفل؟!
وفي السودان.. كنت أهمس بين حين وآخر في سمع صديقي الشاعر الدبلوماسي السابق/"سيد أحمد الحردلو" بكلمات المحبة والإعجاب بشعره... وقد تذكرته الآن، يوم تذكرني إثر إعلان استقالتي الأولى من الشركة، وقد كتب لي يومها/5 إبريل 1984م، وكان يقيم في تونس:
لأخي الصديق والمبدع الصدوق/عبدالله
لك الود الذي تعرف..
نعم.. طال الزمان بالصمت بيننا، وإن كنت دوماً في القلب والذاكرة.
حين أعلنت استقالتك كتبت لك محتجاً، وكتبت للأخوين حافظ -كذلك- محتجاً، وجاءتني من مسئول التحرير رسالة عنهما، ولم أسمع عنك ولا منك - بعدها-.
ثم عدت.. وكنا -كما تعودنا- نلقاك كل صباح، ونحزن معك علينا، ونغضب معك علينا!!
أما صفحة القسم الثقافي، فقد أصبحت بعدك باهتة.. ثم انزوت خجلى في ركن قصي وسط الإعلانات، ولم تعد تقول شيئاً.
حمداً لله أنك تعود إليها، ونعود إليك... وها أنا -بأمر الصداقة والحب- أرد حالاً بدفعة جاهزة.. وسأواصل.
أعرف أن بعض قصائدي جارحة.. وأقدر.. ولكن!
لك محبتي
أخوك
سيد أحمد الحردلو
* * *
لكن حزني العميق قد تكثف بعد أن صدر قرار إقالتي من مطبوعات الشركة (نهائياً) ففوجئت أن الكثير من الكتَّاب والمثقفين الذين كانوا يتواصلون معي عبر الهاتف والرسائل: (لا حس ولا خبر)، لقد قطعوا أي اتصال من ذلك التواصل الغزير يوم كنت مسئولاً عن الثقافة، و.... حتى الآن!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :783  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 20 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.