شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مشوار الصحافة المهاجرة!؟
هكذا انطوت صفحات من مشواري على بلاط صاحبة الجلالة الصحافية المحلية، وذلك بخوضي عدة تجارب هامة كانت تبدو كالمداميك، لكل تجربة مذاق يراوح ما بين الحلاوة والمرارة، وكان سلاحي الذي أواجه به رعود الأزمات يتشكل من: الصبر، التريث، التفكير، الاستقصاء لأطراف كل أزمة.. وكان الينبوع الذي لا ينضب في حياتي وأخفف به آلام الأزمات هو: ينبوع (الحب) الذي أفيض به من وجداني على الناس.
وعلى امتداد مشواري هذا: نجوت من حجارة اليأس التي ترجمني.. ذلك أن اليأس يتفلح كالأرض البور، واليأس: جفاف، وكثيراً ما عكفت على أرض نفسي أسقيها من مطر الأمل حتى لا تعقم!!
وواجهت في بعض مواقف حياتي من: ثورة العاطفة عندما تهب رياح غضبي!
ثورة العاطفة: تتبلور في اختلاط الظلم بالتزوير، وإن كان السلاح الأجدى من الإنسان حينذاك للتصدي للظلم والتزوير: لن تكون العاطفة بل العقل، ولكن العاطفة -كإنسانيين ومنتمين إلى الروح- لا بد أن تتوسط همومنا ومواقفنا!!
وثورة العاطفة عندي: تواكب دائماً الدفاع عن الكرامة والقيمة الإنسانية، وذلك (القدر) الهائل للإنسان بعقله، وحصافته، ونضجه.
أما رياح غضبي... فإن موعد هبوبها يرتبط -في الغالب- بدفاعي عن مبادئي، وقيمي، ومنجزاتي... وقبل ذلك: دفاعي عن عقيدتي، وانتمائي، وشرف الإنسان في كياني وتكويني!
لذلك.... لم تكن في خارطة العمر: تلك (الحرارة) لانتظار المجهول، لأنني لست ممن يهوون قراءة خطوط مستقبلهم مسبقاً، ولا قراءة خطوط أكفهم، ولا وشوشة الودع... فالمجهول لا أنتظره لأنه بظهر الغيب، ويكفيني أنني أستقبل الواقع أو الحاضر، وأعيشه أو أتعايش معه، و (أحاول أن أبلوره) لأستطيع أن (أحيا) به بدلاً من أن (أعيش) فيه مجرد عيش!
وأردد مع "الخيام"... من رباعياته العظيمة:
- فاغنم من الحاضر لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان!
والشاعر الآخر الذي قال: "ولك الساعة التي أنت فيها"، كأنه يحرضك أن لا تعول على القادم، أو المنتظر، أو المجهول... والمجهول دائماً: شبح، يباب، غيوم.
فمن خضع لهذا الانتظار.. فلا بد أن ألمه سيتواصل في حياته حتى يقضي عليه... ولكن هناك الانتظار الأجمل، كما غنت كوكب الشرق/أم كلثوم: "أنا في انتظارك" فهو أحلى انتظار، وأمتع ترقب، وأكثر القلق شجوناً وجنوناً مرغوباً!!
لو كنت ورقة شجر... لقلت: إن لها عمراً افتراضياً، وكذلك "الإنسان"!!
لكنني أمام هذا الاصفرار/الشيخوخة: أتعامل بقدرات السن، وبحكمته، وبخبرته، وبأصداء ذكرياته الفياضة بالشجون... فالشجون في هذا العمر هي: الحب: وهي الوفاء أحياناً.
إنني (إنسان).. نجواه أعمق من نظراته، وقد بعت حزني للصدى، وللظلال، وللأماكن الغريبة... وقد رهنت صبري في بنك التفاؤل، وأترك أنفاسي تتكئ على الوقت وهو يتصلب، وتبحث عن الاستراحة في جيل النهار المقبل دوماً.... دون وصول!
وكلما كتبت عبارة، أو حتى كلمة: وجدت أنفاسي جيدة الصهيل في هذا العالم السيزيفي.
وكلما كتبت.. أزداد قناعة أن قدرة الإنسان تكمن في فعل واحد، ولو فشل هذا الفعل: تخلخلت أفعال الإنسان الأخرى... وفي هذا الزمن أصبحنا نكتب غزلاً من ثلوج الصدر، وننبش في وريد فواصل الكلمات الزئبقية.
والكتابة في إحساسي وعمق نفسي هي: الغناء في كل هذا الجفاف المادي الذي لوث حياتنا... فإذا غاب المغنى: تفقد الأرض صدرها، وقد تبيع حنانها للقسوة، وتسود الثعابين لتكون هي الأسود... ويدفعني إلى الغناء/الكتابة: الحب الذي يعمر المجتمعات، وينجب المتفوقين!!
* * *
الصحيفة الخضراء:
وبعد هذا المشوار المضني والجذاب حتى النخاع داخل أروقة الصحف المحلية، واختلاطاً بحبر كلماتها.. لاحت لي فرصة مغايرة عن كل ما خطوته داخل ردهات وفوق سكات الصحف المحلية، محاولاً أن أترك بصمة تدل على نشاطي وفكرتي وطموحي.
وجاءت الفرصة ممثلة في دعوة تلقيتها من الأخوين الكريمين السيدين/هشام ومحمد علي حافظ للانضمام إلى حزمتهما، والمشاركة في وضع أركان القاعدة التي يقف عليها حلمهما الكبير... ويا له من حلم قام على عزيمة الانطلاق إلى مساحات شاسعة، وركض مسافات الطموح بإصرار ملفت.
إنه ذاك الحلم الذي ازدادت قيمته، لأن من احتمل أبعاده وصعوبة تحقيقه: شخصان فقط، ملأهما الطموح والإصرار ليستنبتا في الأرض البور: حدائق غناء، وزهوراً ملأت الأيام عبقاً، وخطوات حثيثة جسدت النجاح المبهر... مستضيئاً كل واحد منهما "برضا الوالدين" أو التمسك بهذا الرضا... وقد كان والدهما: السيد/علي حافظ مؤسس قديم لصحيفة "المدينة المنورة" مع أخيه السيد/عثمان، وكانت لهما أحلام حققا منها بمقدار إمكانات عصرهما.
وفي أول لقاء انتظم بيني وبين السيدين/هشام ومحمد علي حافظ، قال لي السيد/هشام، رحمه الله، الذي تعودنا منه بعد ذلك أن يكون هو البادئ بالحوار تقديراً من شقيقه السيد/محمد لأنه الأكبر.. فقال:
- نحن ندعوك لتنضم إلينا وتركب معنا السفينة التي أعددناها، لنبحر سوية إلى: أمل وحلم، سينطلقان بنا إلى إصدار صحيفة يومية دولية اخترنا لها شعار: (جريدة كل العرب)، اخترنا لها اسم: "الشرق الأوسط"، وميزناها بإصدار ورقتها الأولى باللون الأخضر، وستكون مسئولاً عن أنشطة مكتب جدة متابعة مع الرياض.
- قلت: أولاً.. اعتز بثقتكم هذه، وأضع يدي في أيديكم على بركة الله.
- قال السيد/محمد علي مضيفاً: وستكتب عمودك اليومي، وأنت مسئول أمامنا عن ما تنشره.
وكان من أجمل نداءات هذين الفارسين على بعضهما البعض اختيار كلمة: (أخويا).. ومن قبلهما والدهما وعمهما يتداولان هذه الكلمة الدافئة الحميمة فيما بينهما.
* * *
كان مكتب السيدين "هشام ومحمد علي حافظ" داخل مبنى خشبي متواضع بدرجات تئن تحت قدمي الطالع والنازل في محلة (العمارية) بجدة.. وفي مدخل المبنى: درب يؤدي إلى مطابع "المدينة المنورة" للسيدين/علي وعثمان حافظ، وقد اتخذا لهما مكتباً في مدخل المبنى.
وقبل خروجي من ذلك المبنى المتواضع الذي تحول بعد النجاح إلى "إمبراطورية صحافية": حرصت أن أدخل إلى مكتب السيدين/علي وعثمان حافظ للسلام عليهما.. فإذا بهما يقولان لي بصوت واحد: مبروك الاتفاق... لقد كسبناك وأنت كسبتنا أيضاً!!
وأصغيت إلى نصائحهما المستمدة من خبرتهما الطويلة... هما الرائدان في الصحافة.
وكان لا بد لي أن أمعن التفكير في هذه (النقلة) المختلفة تماماً عن ما سبقها في صحفنا المحلية.. وهي تجربة لا تشبه ما مارسته من عمل صحافي/محلياً... فهذه صحيفة (دولية) ستوزع في أنحاء العالم، ولا بد للصحافي أن يكرس مصداقية العمل، وللكاتب أن يعمق حصيلته من المعرفة والمتابعة اليومية.
وأذكر أن صديقاً مقرباً لي سألني بعد هذا الاتفاق:
- ألم تكن لك تجربة عملت فيها مع السيدين/هشام ومحمد علي حافظ عندما تسلما تحرير صحيفة "المدينة المنورة" لفترة قصيرة، ولم يدم عملك معهما سوى عدة أشهر... فهل تتوقع أن يدوم بك الحال في التعاون معهما من خلال اختيارهما لك في صحيفة "الشرق الأوسط"؟!
- قلت: لقد كان دخولي إلى صحيفة "المدينة المنورة": حادثة في حياتي، مثل حادثة السير التي خلفت رضوضاً بين الضلوع، ولم يكن سببها: تعامل السيدين معي!
أما دخولي اليوم إلى صحيفة (الشرق الأوسط)، وبعد إصغائي لطموح وبرنامج عمل السيدين/هشام ومحمد علي.. فلا أظنه في معناه يتخذ فعل: تجربة عمل في صحيفة... بل سيكون (التزاماً) بهدف شاسع يفيض بأحلام يقظة... فقد قال لي السيدان: نحن نشركك معنا في شرنقة هذا الحلم وتجسيده، وسيكون تواصلنا في العمل: تعاوناً، ومحبة، وصفاء.
- سألني صديقي: وكيف هي نظرتك للصحافة المحلية؟!
- قلت: يبدو أن دورهما -حتى الآن- قد انحصر في ثلاثة "مؤثرات".... على القارئ، ولو أن البعض له وجهة نظر أخرى تقول: إن القارئ هو الذي (جر) الصحافة إلى تلك المؤثرات، وهي: الرياضة/كرة القدم بالذات، بدليل: أن أية صحيفة (لن تجرؤ) على تقليص صفحات الرياضة وملاحقها ولا حتى في المناسبات التي يتوقف فيها النشاط الرياضي/العيدين الدينيين: الفطر والأضحى، بينما تختفي صفحات الثقافة والعلوم!
المؤثر الثاني: ما تسمى بالصفحات الشعبية، وهي آخذة في التوسع واحتلال عدة صفحات من كل مطبوعة، دون الاقتناع بضرورة: انتقاء الشعر الأصيل والجيد من تدفق هذا الطمي!
المؤثر الثالث، وهو الأضعف بين المؤثرين الأساسيين: يتمثل في تراكض كتاب (المقاولات) ممن لا تتمتع كتاباتهم باشراقة الأسلوب، وتخلو من فنية البيان ومتانة العبارة، ولكنهم أكثر حرصاً على ظهور أسمائهم وصورهم، وهم يمارسون ألف باء التنظير!!
وهذه كارثة: أن يتحول (80%) من أساتذة الجامعة إلى (كتَّاب) غير علماء، و (60%) من الموظفين المتقاعدين إلى مؤثرين في القراءة، وقد تقلصت نسبة المبدعين إلى (20%)!!
* * *
هل توجد أزمة فكر؟!
وإذن... يلوب سؤال هام في هذه الزحمة (العجقة): هل توجد أزمة فكر في الوطن العربي عموماً، وفي وطننا على وجه الخصوص؟!
لا أعتقد أن الأزمة منحصرة في الفكر بقدر ما هي في المفكرين والكتاب، ووسائل النشر.. مما انعكس عليهم نفسياً وسياسياً، وبالتالي اجتماعياً.
المثقف هو باعث الفكر، وهو ماء الوجدان.. ولكنه الآن يتخثر في العديد من الأيديولوجيات والشعارات، وأصبح هاجس (الحرية) مثل حصان طروادة، بينما الحرية ضائعة.
حتى كأنك ترى المثقف وقد تحول إلى مجرد شريحة اجتماعية.. قد تؤدي دوراً محدداً بمقدار التنفس الذي يمنح له، والذي لا يستطيع في الغالب أن ينتزعه.
وضغوط الحياة المادية أيضاً.. من العوامل التي تأخذ المثقف العربي إلى دوامتها، وإلى معنى الاجتياح النفسي، وربما أحياناً: الاجتياح للسلوك وللقيم.
ولكن... إن سبب غربة المثقف العربي يتجسد أكثر فيما يتعرض له من ضغوط نفسية، وضغوط من حملة الشعارات والنظم السياسية المختلفة و (المؤدلجة) إن صح التعبير، وضغوط بسبب المادة والغربة التي سببتها خلافات وحرب الشعارات والنظم في عالمنا العربي.
كأن المثقف العربي لم يعد يثق في الغد، ولا يقدر أن يتبين الملامح الحقيقية للواقع الذي يعيشه في الانشغال بذلك التطوح وهذا الضجيج الفارغ، ففقد المثقف العربي القدرة على الرؤية المباشرة.. ويخيل إلينا أنه فقد أيضاً (الحلم)، وإذا فقد المفكر والكاتب والفنان القدرة على الحلم وعشقه.. أصبح زراً في مجموعة آلات.
وإذا كانت أجهزة الإعلام العربية المتنوعة متباينة في اتجاهاتها، فإلى أين يستقر المثقف العربي، ومن يخاطب.. وما هي الصورة الأصلية التي بقيت لإبرازها كملامح حقيقية لهذا الإنسان المطحون والمطعون؟!!
* * *
تعلمت من هؤلاء:
ويمكنني أن أقول الآن في خلاصة تجربتي الصحافية والإعلامية:
- إنني تعلمت من الصحافي الرائد الأستاذ/حسن عبدالحي قزاز، رحمه الله: الكثير من ركائز يقوم عليها نجاح الصحيفة، عندما كنت أحد المحررين في صحيفة (البلاد).
واستفدت من (رؤية) الأستاذ/محمد علي حافظ الصحافية، حين عملت بجانبه في صحيفة "الشرق الأوسط".
وتابعت فن (الإخراج) الصحافي في صحف ومجلات مصر (في عزها).
وفي الكتابة الصحافية: أعجبت كثيراً (بذكاء) أسلوب "علي ومصطفى أمين" الصحافي، وبرشاقة أسلوب "أنيس منصور" في عموده، وبطرح "أحمد بهاء الدين" كفكر إعلامي، وكخزينة ثقافة!
أما في كثير من محطاتي الصحافية/فقد شبهني صحافي وهو يحاورني: بأنني (عصفور الدوري) الذي يختبئ في الشتاء في فرع شجرة!!
وحتى الآن: لا أعلم إن كان يمتدحني أم....... ينتقدني؟!
لكن بعض تلك المحطات: لم تكن أكثر من مربط الفرس الذي يعلو صهيله، ولكنه يعاني مما حوله حتى ينطلق!!
وكنت أتمنى: أن تكون "الإبداعات" هي علامات تلك المحطات.. لا أن تكون المحطات هي التي تعرف بإبداعاتي...... ولكني حاولت!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :627  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.