كلمة الناشر |
الأستاذ السيد عبدالله الجفري أرعف كلماته لتخرج لنا نهر حب بعنوان (مشواري على البلاط!)، وهو عنوان له دلالاته عندما تأتي علامة تعجب في آخره.. بيد أنه من الثابت انصراف الذهن بشأن البلاط إلى (الصحافة) حصراً، ولم يخب ظن القارئ عندما أشار الكاتب إلى العنوان كاملاً تحت عنوان داخلي (مواقف عن "فصل" الصحافي) مفصحاً في معرض حديثه إلى (.... مشواري الصحافي على بلاط صاحبة الجلالة/الصحافة). |
الأستاذ السيد عبدالله الجفري بما وُهب من بلاغة وفصاحة وبيان، استطاع أن يحول هذا الكتاب الذي ينطق عنوانه بمحتواه، من مجرد سرد تاريخي، إلى ما يشبه القصة.. أو يحكي (قصة حياة) الكاتب بشيء من التفاصيل التي تميل إلى الناحية العملية والوظيفية أكثر من كونه (مدونة) يوميات تجمع شتات ما حفلت به سنوات العمر.. وهو بهذا يخرج من سمت كتب -المذكرات- إلى الرصد الدقيق لمسار الكاتب المبدع في المؤسسات الصحفية التي عمل بها منذ بواكير صباه، وحتى لحظة إنجاز هذا الكتاب. |
عرف عن الأديب الأستاذ السيد عبدالله الجفري التزامه بمدرسته الخاصة في الكتابة، وحنجرته التي صاغها على مدى عقود ليقول كلمته وفق أسلوبه الخاص الذي يميل إلى الرومانسية حتى اصطبغ بها والتصقت به، وقد رآها البعض تهمة؛ مما حدا به إلى الإشارة إليها قائلاً: (أعتز بهذه "التهمة" الجميلة التي تمنحني قدرة الانسكاب في وجدان كل قارئ وقارئة ينطقون باللغة الشاعرة).. بهذه العبارة كرس الأستاذ السيد عبدالله الجفري (الرومانسية) أسلوباً يستمتع بنثره وكأنه ينظم درر كلماته عقود جمان يزين بها عمراً قضاه على "البلاط"! |
بهذه الصفحات يلتفت الأستاذ السيد عبدالله الجفري ليقول كلمته محاولاً بقدر وافر من الجرأة أن يعبر حقول التجربة متلفعاً بما أشار إليه من ضرورة التمسك بالحلم على أساس أن (الحلم) هو الوجه المشرق للحياة ووقودها الذي يحترق لينتج نفسه من جديد متفرعاً لحلم آخر في سلسلة لا نهائية تمثل تياراً من العطاء المتصل، واتكاءات تساعد المبدع ليمضي سريعاً وسوياً على الطريق الذي اقتنع به وإن شابته الكآبة وحلت بواديه سباع وضباع وآفات قد يبارزها، أو يهرب منها، لكنه لا يستسلم لها. |
أهمية هذا (المشوار) لا تقتصر على زاوية الحدث ورد الفعل، وإن كان ذلك مدعاة تأمل في حد ذاته.. لكن الأمر يتعدى ذلك ليتأطر ذات المشوار في شكل حلقات أو دروس وعبر يفيد منها القارئ في كل مجالات الحياة، خاصة الراكضون على بلاط صاحبة الجلالة/الصحافة.. فالتاريخ إن لم يُعد نفسه، إلا أنه قد يكرر بعض فصوله بشكل أو بآخر.. والدارس المتأمل لتجارب الآخرين تستوقفه إشارات وعلامات في الطريق: تُسليه، أو تُنسيه، أو تُواسيه، أو تتألم معه. |
إن (مدرسة) الأستاذ السيد عبدالله الجفري الصحفية قمينة بتخريج أجيال ممن يحملون أمانة (الكلمة)، من زاوية أنها موقف، ورسالة، ومسؤولية.. فالصحافة لم تكن قط تسويد صفحات، وتصفية حسابات، بقدر ما هي نكران للذات في خضم تسابق محموم من أجل أهداف تنويرية، يتفاعل معا القارئ سلباً أو إيجاباً.. فالصراع على صفحاتها وساحاتها ليس صراع مكسب أو خسارة، بل صراع تحديات متصلة تنمو، وتزهر، وتثمر.. وأحسب أن مبدع هذا العمل قد أدى دوره قدر المستطاع ليبرئ ذمته أمام محبيه.. وليقول كلمته بكثير من الحميمية، والصدق، والعفوية، والجرأة.. ومثل سائر الأعمال الإبداعية يبقى هذا العطاء في إطار اتفاق أو اختلاف المتلقي مع المبدع، لكن تبقى القمم الإبداعية في شموخها تتحدى الزمن. |
كلماتي التي قرأتموها أصبحت يتيمة، والكتاب أصبح أيضاً يتيماً.. رحل الأديب الكبير رحالة "الرومانسية" ونحن جميعاً في مخاض ولادة هذا الكتاب بعد أن خطه بمداد دمائه.. وبهذا لم ير مولوده بين يديه يهدهده، وأنا لم أفرح بهذا المولود الشرعي في زمن كثر فيه والد وما ولد، وقلّت شرعيتهم؟ |
هذه رسالة بخط يد الأستاذ الجفري "رحمه الله" إلى زميله وصنو حياته الأستاذ محمد سعيد طيب بتاريخ 2/5/1429هـ الموافق 7/5/2008م، وقد أرفق بها صورة للغلاف وخط عليها بقلمه اسمه واسم الكتاب، وقد ذيلها الأستاذ الطيب بالآتي:- |
"سيدنا.. وتاج راسنا" |
لا عاش من يخصركم! |
الموضوع لدى [أبو محمد سعيد].. وهو محل اهتمامه وسأتابع معه. |
سلمتم دوماً. |
مع وافر التقدير،،، |
7/5/2008م". |
الرسالة مع صورة الغلاف منشورة بعد هذه الكلمة. |
كان هذا الكتاب محل اهتمامي جداً، وقد أرسلت نسخة منه للحبيب السيد الجفري قبل أربعة شهور من وفاته للتصحيح الذي يحرص عليه بنفسه، ولم تر النور لتزامنها مع مرضه "رحمه الله" وتوقفه عن الكتابة التي لازمها ولازمته عمراً مديداً.. وبوفاته "رحمه الله" صححنا الكتاب واعتمدنا صورة الغلاف التي استحسن. |
أترك القارئ الكريم ليستبين نزيف قلم الراحل الكبير.... نعم فقدناه!! |
والله الموفق.. وهو من وراء القصد. |
|
|
عبدالمقصود محمد سعيد خوجه |
|
|