((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
يلقيها نيابة عنه معالي الأستاذ الدكتور رضا عبيد |
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
في البداية باسم الشيخ عبد المقصود خوجه أرحب بكم وبالضيف الكريم وأقدم اعتذاره عن عدم تمكنه من الحضور ليكون في استقبال ضيفه الكريم للاحتفاء به نظراً للوعكة الصحية التي ألمت به، نسأل الله له الشفاء، ونقدم له خالص الشكر على ما يقدمه من خدمات لهذه الاثنينية، الآن ألقي إليكم الكلمة التي أعدها الشيخ عبد المقصود خوجه ترحيباً بضيفه الكريم: |
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وأصلّي وأسلّم على خير خلقك حبيبك وصفيك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
السيدات الفاضلات. |
الأساتذة الأكارم. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
كم هو رائع أن نلتقي الليلة بالديبلوماسي والكاتب الروسي المعروف الأستاذ الدكتور أوليغ بيريسيبكين، قادماً من موسكو خصيصاً استجابة مشكورة لدعوة "الاثنينية" لتكريمه، والتعرّف على تجربته المميزة في المجالين الدبلوماسي والأدبي، وتمتيناً للعلاقات الودية بين مثقفي بلدينا الصديقين. |
إن الحديث عن ضيفنا الكريم لا ينفصل عن "الاستشراق" نظراً لكتاباته العديدة التي تصنَّف في هذا الباب.. وقد أشارت الندوة العالمية للشباب الإسلامي إلى أن "الاستشراق" "تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق، ويطلق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم. ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته.. ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة، وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة، معبراً عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما". |
و "الاستشراق" كمدرسة فكرية وممارسة ذات أهداف في البحث والتحليل لم تنشأ في تاريخ محدد، إلا أن معظم الدارسين يتفقون على أن ظهوره في أوروبا بدأ مع نهاية القرن الثامن عشر، فقد ظهر أولاً في إنجلترا عام 1779م، وفي فرنسا عام 1799م، كما أدرج في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م. |
وقد تركت كتب المستشرقين المختلفة ردود فعل وانطباعات سلبية إلى حد كبير في أوساط بعض المثقفين في الدول العربية وتم تصنيفهم إلى منصفين، ودون ذلك، بناء على الأهداف الاستراتيجية التي عملوا على خدمتها.. فهناك كتابات مهدت الطريق أمام الغزو والاحتلال الأوروبي الذي ابتُليَ به كثير من الدول الأفريقية والآسيوية خلال القرون الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين الميلادية.. بيد أن هناك دراسات قام بها مستشرقون بهدف التوثيق، والرصد العلمي، بعيداً عن أي مؤثرات أخرى.. وقد عرفت مكة المكرمة المستشرق الهولندي سنوك خورنيه الذي قدم إليها عام 1884م تحت اسم عبد الغفار، ومكث فيها نصف عام، وعاد ليكتب تقارير تخدم الاستعمار في المشرق الإسلامي.. وقد سبق له أن أقام في جاوه مدة 17عاماً.. وصدرت الصور التي أخذها لمكة المكرمة والأماكن المقدسة في كتاب بمناسبة مرور مائة عام على تصويرها.. وبغض النظر عن أهدافه الحقيقية؛ يبقى مثل هذه الصور مرجعاً مهماً لنمط الحياة السائد آنذاك ورافداً تاريخياً يثري هذا الجانب. |
إن المتتبع لأنشطة المستشرقين يدرك مدى تفانيهم في عملهم. فإصدار ما لا يقل عن ستين ألف كتاب عن الشرق خلال القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين يشير بوضوح إلى الدعم المادي والسياسي الذي واكب ذلك النشاط.. وقد أشار معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة في كتابه (الالتفاف على الاستشراق)، قائلاً: "كان للاستشراق أثره الإيجابي والسلبي في الفكر العربي والإسلامي، منذ أن انطلق في بداياته من الأديرة والكنائس، ما جعل قسطاً من هذا الأثر لا يخدم الفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية، فأدى هذا المنحى إلى وقوف العرب والمسلمين، علماء ومفكرين، في مواجهة هذا الأثر السلبي للاستشراق، لاسيما ما له علاقة مباشرة بالتعاطي مع الحضارة والثقافة الإسلامية، ومقدِّرين تلك الآثار الإيجابية التي قدمها الاستشراق للثقافة الإسلامية" أ. هـ. |
وهذه وجهة نظر وسطية، تشكّل دعوة لغربلة أعمال المستشرقين والأخذ بأحسنها وأكثرها موضوعية، وعدم الالتفات إلى المتطرفين، إلا بما يخدم الصالح العام والرد عليهم بصورة علمية. |
وفيما يتعلق بضيفنا الكريم فإنه ينتمي إلى مدرسة المستشرقين الروس، وهي مدرسة تختلف عن الأوروبية.. حتى أنهم يطلقون على أنفسهم (المستعربين)، باعتبار روسيا بلداً مشرقياً، أقرب إلى العالم العربي تاريخياً وثقافياً، وبالتالي فهي أكثر إنصافاً وتعلقاً بالمنهج العلمي الاستقصائي، مع الاهتمام أساساً بالدراسات الأدبية شعراً ونثراً.. ولعل أجمل ما قرأت في هذا الإطار ما ذكرته المستعربة أولغا فرالوفا التي شغلت منصب رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة سان بطرسبورغ مدة خمسين عاماً: "إن أوروبا كانت خائفة من الإسلام ومن تأثير القرآن، منذ القرون الوسطى، كما تولَّد شعور بالحسد لدى الأوروبيين تجاه العرب المسلمين نتيجة المقارنة بين الحياة المتطورة للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس مع الحياة المتخلِّفة في أوروبا، رغم أن أوروبا أخذت الكثير من الثقافة العربية"، وتقول: "وأنا في محاضراتي للطلبة الروس في الجامعة، أشير دائماً إلى كتاب "تأثير الإسلام على أوروبا في القرون الوسطى"، للاسكتلندي مونتغمري واط الذي يقول: "علينا أن ندرك إلى أي درجة نحن الغربيين مدينون للعرب من ناحية الحضارة، ولو أغفلنا هذه الحقيقة، فهذا بدافع من كبريائنا الكاذبة". |
إن التوجُّس من كتابات المستعربين الروس ينتفي بدرجة كبيرة، خصوصاً بالنسبة لضيفنا الكبير، فقد اعتمد أسلوب ما يعرف بالدبلوماسية الشعبية كرديف حيوي للدبلوماسية الرسمية، واستمر على هذا النهج في كتاباته ونشاطاته التي اتسمت بتقوية العلاقات الإنسانية بين الشعوب، عن طريق جمعيات الصداقة التي رأسها بين اليمن، والسودان، ولبنان من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى.. الأمر الذي يؤدي إلى تعميق الصلات القائمة على أساس التفاعل الأدبي وترجمة إبداعات كل جهة بما يقربها من ذائقة المتلقي في الجانب الآخر.. وهكذا تحوَّل "الاستشراق" إلى "الاستعراب" لدى الروس وامتدت جسور التواصل دون يد عليا وأخرى سفلى.. فنشطت حركة الترجمة من وإلى العربية.. وقد أسهمت روائع الأدب الروسي في إثراء المكتبة العربية، ونقلت عنه صورة مشرّفة للمتلقي المهتم بهذا الجانب. |
جميل أن تمثل هذه الأمسية الإضاءة الثانية في سلّم تعرفنا على بعض الأدباء الروس عن كثب، بعد أن سعدنا بتكريم المؤرخ الأستاذ الدكتور أليكسي فاسلييف بتاريخ 4/2/1426هـ الموافق 14/3/2005م، ونحيي بهذه المناسبة سعادة القنصل العام الروسي السابق الأستاذ أمير باشا زينالوف، الذي أسهم بجهد مقدَّر في إرساء هذا التوجه الذي نسعد به، والشكر موصول لسعادة القنصل العام الحالي الأستاذ سيرجي كوزنيتسوف.. متطلعاً إلى استمرار هذه الجهود.. وأخص بالشكر ضيفنا الكريم الذي وصل بالأمس، وسيغادر بعد ساعات قليلة من الآن، نظراً لارتباطاته المتعددة، وهذا يدل على حرصه والتزامه بالموعد الذي أكده مع اثنينيتكم رغم حدوث بعض المتغيرات التي أدت إلى تكبّده هذه المشاق.. آملاً أن تقضوا وقتاً ممتعاً في معيته. |
وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم بمعالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة، وزير الشؤون الاجتماعية السابق، الأكاديمي والمفكر الذي له أكثر من عشرة مؤلفات عن الاستشراق، والتنصير، والعولمة والترجمة في الحضارة الإسلامية، وغيرها من العناوين المهمة بالإضافة إلى عشرات المقالات.. سعداء أن نستمع إلى تجربته العلمية والعملية، وعصاميته، وإسهاماته القيمة التي تذكر فتشكر.. ويسرني أن يرعى هذه الأمسية الأخ الأستاذ الدكتور جميل محمود مغربي أستاذ اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز. |
فإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير.. |
عريف الحفل: الآن كلمة سعادة الأستاذ الدكتور جميل مغربي راعي هذه الأمسية. |
|