شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
الحمد لله الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: 4- 5)، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيدات الفضليات.
الأساتذة الأكارم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تسعد اثنينيتكم هذه الليلة بتكريم سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن شريفة، عضو أكاديمية المملكة المغربية، والمربي الفاضل، وصاحب المؤلفات التي ذاع صيتها في تحقيق التراث، والاستشراق، وعلوم اللغة العربية.. تجشم مشاق السفر من المغرب الشقيق، استجابة كريمة لدعوتكم في إطار التوأمة بين "الاثنينية" و "النادي الجراري"، تلك الخطوة المباركة التي شرفت بمباركة العاهل المغربي جلالة الملك محمد السادس، وأسهمت في تنمية وشائج التواصل الثقافي والأدبي بين بلدينا الشقيقين.
الحديث عن ضيفنا الكبير عميق الغور بعيد الساحل، يتصف باتساع الإشارة وضيق العبارة.. تراه متسنماً الغاية في علوم كثيرة حتى ليظنه المتتبع لأحد منجزاته أنه قد تفرغ له، ومنحه صدارة وقته وعصارة جهده وزهرة عمره، ثم يفاجأ به عالماً متبحراً في أبواب عديدة لا تقل جدية ومثابرة في الطرح والاستقصاء.. فقد أدهش مجايليه وطلابه في المراحل الجامعية وفوق الجامعية بطريقته المميزة في دراسة التراث متكئاً على الأعلام.. فهو لم يسمع بعلم وإن ابتعد عن دائرة الشهرة إلا وغاص في بطون كتب التراث مستقصياً أدق تفاصيل حياته، وبيئته، والأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في عصره، ثم ينسج من ذلك التنوع بردة زاهية الألوان، تكتمل ملامحها بجهود مقدرة وصولاً بالكتاب المخطوط إلى القارئ للاستفادة من التراث الذي عفا عليه الزمن، وكاد يندثر في غياهب النسيان.
ومما تميز به أستاذنا الجليل تناوله التراث كوحدة متكاملة البنيان، فهو بالنسبة إليه ليس نصوصاً جافة وأوراقاً مهترئة بقدر ما هو كيان حي ينبغي التعامل معه بمهنية وروح فنية في السياق ذاته.. يعيد بحذق بالغ ينابيع الحياة إلى جداول جفت بعد طول عهد فيرسم لوحات مترعة بالحيوية والحركة واللون، فتنبض الكتابة معه بعوالم زاخرة بالعطاء الذي لا ينفصم عن تاريخ مجيد.. لكنك لا تجده قط متباكياً على طلل دارس أو مجد غابر.. ذلك أن عنصر الحياة لديه أكبر بكثير من أن يئده تقادم الزمان.. وبالتأكيد فإن هذه الرؤية العلمية والفنية لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة تزاحم علوم تلاقحت ثم أفرزت عناصر مختلفة وكأنها تفاعل كيميائي، أشبه ما يكون بصانع الزجاج الذي يصهر الرمل، ثم يخرج علينا بآنية لا علاقة لها بمكوناتها الأساسية.. هكذا يتعامل ضيفنا الكريم مع التراث، إنه يستنطق الصمت، ويبلور أكثر من موقف، ليمتعنا بألق غير مسبوق في دنيا تحقيق التراث، فله منا جميعاً وقفة إجلال وتقدير واحترام.
لقد أفادت المملكة المغربية الشقيقة، وكثير من المهتمين حول العالم، بما أفاضته "خزانة القرويين" من مراجع نادرة في مختلف التخصصات.. فقد أنشئت في منتصف القرن الثامن الهجري، ثم تأسست بصورة رسمية عام 1940م على يد الملك محمد الخامس "رحمه الله".. وكان ضيفنا الكريم خامس محافظ لها بعد الاستقلال.. وارتقى العمل بها إلى ما يقارب عمل وزارة بما تضمنته من أقسام مختلفة.. وهذه الزاوية تكشف لنا عن الجانب الإداري في شخصية ضيفنا الكريم.. فمثل هذا الصرح المهم يحتاج إلى كفاءة مرموقة لتسيير دفة العمل بما يضمن سلاسة الأداء، والمحافظة على مقتنيات الخزانة التي لا تقدر بثمن.
إنني أغبط أشقاءنا في المغرب على هذه الواحة الفواحة.. فمثلها قمين بأن تشد إليه الرحال.. وكم كنت أتمنى أن نجد في كل مدينة عربية مثل هذه الدوحة الباذخة.
وبالرغم من هذه الشواغل العلمية والإدارية، لم يبخل ضيفنا الكريم على طلبة العلم في الدراسات العليا بوقته وجهده، مشرفاً وموجهاً لطلابه في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، كما يمتد نشاطه إلى كثير من الدول العربية والأوربية محاضراً ومشاركاً في ندواتها وفعالياتها العلمية.. ونشط في جانب دراسات الاستشراق ومنحها ما تستحق من عناية ورعاية.. فهذه الدراسات على جانب كبير من الأهمية لا سيما من ناحية ارتباطها الأيدلوجي وفق مرئيات القائمين عليها.. فمنها ما هو علمي بحت يبحث أسس الحضارة الإسلامية وتفاعلها مع غيرها لإثراء الحياة الإنسانية أينما كانت، وهناك متنكب عن الحق وجادة الصواب.. بعض المستشرقين يرى أن الحضارة الإسلامية أسهمت في تطور الحياة الأوربية من خلال المشهد الأندلسي الذي نهض بكثير من معالم الحياة.. وقد شرفت بالمساهمة في ترجمة ونشر كتاب (الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس) الذي صدر في جزأين وبطبعتين متتاليتين عامي 1419/1420هـ الموافق 1989/1999م مترجماً عن الأصل الإنجليزي بإشراف الدكتورة سلمى الجيوسي.. كتبت مواضيعه بأقلام علماء غير عرب أو مسلمين.. تناولوا بأوراق رصينة أساليب الحياة التي أرساها العرب والمسلمون في الأندلس في شتى نواحي العطاء الإنساني.
لقد استفاض أستاذنا الجليل في دراسة وتحليل طبقات المستشرقين وحاول من خلال لقاءاته العديدة في جامعات إسبانيا وغيرها أن يدحض التيارات المتطرفة التي أجحفت في حق العرب والمسلمين.. خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001م التي عصفت ببقية ما كنا نأمله في شرح وتوضيح معالم النهضة الشاملة التي تحققت للغرب على أيدي العرب والمسلمين.. وكان لديَّ شخصياً مشروع طموح لطباعة سلسلة كتب بلغات حية لدعم هذا التوجه قبل أحداث سبتمبر.. وقد قطعنا شوطاً إلا أنه أجهض حيث أصبح بلا طائل بعد الذي شهدته الساحة من تقلبات سياسية، واقتصادية، واجتماعية.
إن النشاط الواسع لضيفنا الكريم في مجال التعليم الجامعي يستدعي أن نتوقف معاً لنلقي نظرة عجلى على مخرجات التعليم الجامعي في الوطن العربي بصفة عامة.. فالعلامة الفارقة في هذه المخرجات بُعدها النسبي عن متطلبات سوق العمل.. ولست بصدد مقارنة جائرة أو غير منطقية بين بلد عربي واليابان.. لكنني من منطلق واقعي أتحدث عن (المغرب) و(اليابان) لجهة تقاربهما من حيث المساحة والثروات الطبيعية، غير أن نظرة سريعة بموجب إحصائيات عام 2007م نجد الآتي: نسبة العاطلين عن العمل في المغرب 15% وفي اليابان 4% نسبة عدد السكان تحت خط الفقر في المغرب 15% وفي اليابان صفر.
نسبة عدد السكان في مجال الصناعة في المغرب 15% وفي اليابان 27%.
نسبة الناتج القومي للفرد في المغرب 3.800 $ وفي اليابان 33.800 $.
يستطيع كل منصف أن يرى بوضوح أثر التعليم في تشكيل خارطة الحياة.. وبالتالي فإن الناتج القومي الذي يختلف بنسبة 1100% (ألف ومئة في المئة) لا يمكن أن يكون بسبب عوامل طبيعية متقاربة المستويات بين البلدين.. إذن محصلة التعليم هي التي تفسر هذا الفارق الهائل، وتجعلنا أمام معضلة حقيقية تحتاج إلى إعادة النظر عاجلاً غير آجل في مسألة المناهج وأساليب التعليم في العالم العربي.. فالمعادلة بقدر ما هي سهلة، إلا أنها تحتاج إلى وقفة صلبة لرأب الصدع، وإعادة صياغة الإنسان العربي، وصهر مكوناته، في سباق مع الزمن، لإنتاج المواطن المتحرك مع عجلة الحياة، والقادر على الخروج من ربقة الاستهلاك والاستيراد إلى آفاق الإنتاج والتصدير، وهذا لن يتحقق إلا بنظام تعليمي متطور.
لا أود زيادة العبء على ضيفنا الكريم، فلديه الكثير الذي سيثري به هذه الأمسية مشكوراً، آملاً أن ننهل جميعاً من منابع عطائه الصافي النمير.. ناقلاً لاقط الصوت لمعالي الأخ الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الله الصالح، مدير جامعة أم القرى السابق، ليتفضل برعاية هذا اللقاء.. وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم لنحتفي بالدبلوماسي والأديب الروسي أوليغ بيرييسيبكين، الذي درس في معهد الاستشراق في موسكو، ثم معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية السوفيتية.. وقد ألف أكثر من عشرين كتاباً وعشرات المقالات العلمية.. وتدور مؤلفاته وأبحاثه حول قضايا الشرق الأوسط، والنفط، والدبلوماسية التي مكنته من التعرف على جوانب الحياة المختلفة في بعض الدول العربية.. وهو يجيد اللغة العربية، وله نشاطات اجتماعية وثقافية متنوعة.
فإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله،،،
عريف الحفل: الكلمة الآن لراعي الأمسية معالي الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الله الصالح مدير جامعة أم القرى السابق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1213  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 187 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج