(( كلمة معالي الشيخ عبد الله بن بيَّه ))
|
ثم أعطيت الكلمة لمعالي الدكتور الشيخ عبد الله بن بيه، فقال: |
- الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الَّذي جعل الأرواح جنوداً مجندة.. ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل: "إنَّ أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الَّذين يألفون ويؤلفون". |
- أصحاب المعالي: معالي الشيخ عبد المقصود صاحب الاثنينية، لا نستطيع إلاَّ أن نقدم إليك الشكر مرةً أخرى، وهو شكر معاد ومكرر على هذه الأمسيات المشرقة، التي يضوع شذاها بالسير الكريمة لرجال الفكر والعلم والإدارة في العالم الإسلامي؛ سيدي اسمح لي أن أقول: إنك تجد متعة رفيعة بهذا.. كتلك التي كان يجدها الشافعي عندما يقول: |
وإذا جلست إلى الرجال وأشرقت |
في جوفِ باطنك العلوم الشرد |
|
|
- الشافعي كان إذا وجد هذه المتعة الروحية يقول: أين الملوك؟ يتحدى الملوك بهذه المتعة الروحية. |
- أراني الليلة لن أحرم نفسي قليلاً من شيء من هذه المتعة، وكبار السن يجدون المتعة في الحديث عن ذكرياتهم؛ سأذكر محطة هي مقدمة للانتقال إلى ضيفنا الليلة، وإلى المهمات الجسيمة التي قام بها من خلال البنك الإسلامي للتنمية. |
- المكان هو فندق الكندرة، والزمان هو سنة ألف وتسعمائة وسبعين؛ ومن غرائب الصدف أن يكون بجانبي أخي معالي الأستاذ محمد المصمودي، الَّذي كان شاهد عيان وكان مشاركاً معي في هذا الملتقى، كان لقاء وزراء خارجية الدول الإسلامية لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، وكنا نناقش جدول الأعمال، ويغادر وزير خارجية بلادي، فقد دخلت الحكومة حديثاً، كنت أرأس الوفد.. وطرحت إشكالية العضوية في المؤتمر، فكانت بعض الدول الإسلامية تقول: إنها لا ترضى أن تكون أعضاء كاملة العضوية في منظمة اسمها إسلامية، منها: تركيا ولبنان على حد ما أذكر؛ وفي ذلك الوقت طلبت الكلمة فأحالها إلي معالي الشيخ عمر السقاف رحمه الله فقلت: إننا لا نرغب في وجود دول غير كاملة العضوية، إذا لم ترض أن تكون إسلامية فلتخرج من المؤتمر وتبقى دولاً صديقة؛ فالشيخ عمر السقاف تناول الكلمة وقال: باسم الوفد السعودي - وليس باسمي رئيساً للمؤتمر - أوافق وأصدق على ما قاله الآخ رئيس الوفد الموريتاني. |
- ثم انتقلنا بعد قليل مع معالي الأخ المصمودي والوزراء الموجودين في ذلك الوقت إلى القصر، لتهنئة الملك فيصل بالإنجاز العظيم الَّذي أنجزته المملكة، والَّذي كان حلماً يراوده، جاهد فيه جهاداً عظيماً؛ هذا التردد بعد سنوات زال لما أسس بنك التنمية الإسلامية، لما ظهرت بوادر التعاون الاقتصادي جاءت الدولة الإسلامية، التي كانت بالأمس تبتعد عن الصفة الإسلامية لتعلن انضواءها تحت لواء الإسلام، وانضمامها إلى المؤسسات الجديدة، التي كدنا من خلالها أن نشاهد نظاماً عالمياً إسلامياً في صوت كانت تقوم به بلادكم هذه. |
- نحن نعرف أنَّ النظام الاقتصادي، النظام الأوروبي الحالي، الوحدة الأوروبية، كان أساسها اتفاقية الفحم والصلب في سنة 1951م، هذه الاتفاقية التي جاءت على أساس الخطة التي أعدها روبير شوبان الوزير الفرنسي سنة 1949م؛ لقد كدنا نشهد هذا النظام حتى جاء النظام العالمي الجديد بأنانيته، وجشعه، وإقصائه لكل ما ليس داخلاً في حيثياته. |
- البنك الإسلامي - حقيقة - كان مؤسسة غير مسبوقة، واختيار الدكتور أحمد محمد علي لرئاسة هذه المؤسسة كان أمراً عظيماً جداً، ومفخرة للمملكة وللعالم العربي والإسلامي؛ يوسف عليه السلام يقول لملك مصر: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، إذا اجتمع الحفظ وهو الأمانة إلى العلم وهو الخبرة، يكون الرجل قادراً على إدارة المؤسسات العظيمة الجليلة، هكذا أدار ضيفنا هذه الليلة المؤسسة المتعددة الجنسيات بإجماع من الدول الإسلامية، التي لا تكاد تجمع على شيء أجمعت على إعطائه الثقة وعلى منحه الثقة، وكان يعمل في صمت.. هو الصمت السعودي المألوف، حتى أننا كنا نقول: إنَّ المملكة كانت تعمل بالشطر الثاني من الآية: إن تبدو الصدقات فنعماً هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. |
- كانت مساعداتها كلها سرية تدفع إلى الدول في أنحاء العالم، كان لا بد لمؤسسة لإدارة الأموال العظيمة، ولتكوين الآليات والقنوات لتوصيل هذه المساعدات إلى الجهات الإسلامية، ولخط برنامج تنموي في العالم الإسلامي؛ هكذا أدار ضيفنا بقوة، وأمانة، وإخلاص، وجدٍّ، وتواضع. |
- أذكر - والوقت لا يتسع - مناسبة واحدة تبين مدلول شعوره بالمسؤولية والخلفية الدعوية، التي جعلت الرجل يتحرك من خلال هذه المؤسسة ليصلح بين المسلمين منذ سنوات؛ كانت أحداث بين موريتانيا والسنغال، وكان على رأس الرابطة رجل من أبرز وجوه الدعوة في العالم الإسلامي، هو الدكتور عبد الله نصيف، وتحرك لعقد مؤتمر في غينيا للجمع بين الدولتين، واستجاب د. أحمد محمد علي لهذه الدعوة، وانطلقنا منها في دائرة خاصة، وفي الطريق كان معاليه - مـن لطفه المعهود وتواضعه - يقدم ويطلعني على الخطاب الَّذي أعده لإلقائه في هذه المناسبة، وأعجبت بهذا الخطاب الَّذي قدم الموجزات التي أشرف عليها البنك في هذه البلاد، ودعا في النهاية إلى الاستقرار، وإلى الوئام، والتعاون، والتضامن؛ ليستطيع البنك وليستطيع المستثمرون أن يستمروا في هذا البرنامج؛ ولكن إعجاب الحاضرين للمؤتمر كان كبيراً عندما ألقى هذه الكلمة، التي قوطعت بالتصفيق، والتي أثرت تأثيراً بالغاً في المندوبين من الطرف الموريتاني والسنغالي، والأطراف الإفريقية الموجودة معنا. |
- هكذا وظف رصيد البنك، وظفه في خدمة الإسلام والمسلمين، وظفه في الإصلاح بين المسلمين، إنه رجل صادق متواضع مخلص، وإذا اجتمع الصدق إلى التواضع، والإخلاص، والخبرة، والإدارة، تكون أوجه الخير قد تجمعت، وأسباب القدرة والتسيير قد توفرت، وهكذا كانت هذه كلها متجمعة في ضيفنا. |
- مرةً أخرى ينتقل ضيفنا إلى رابطة العالم الإسلامي، وهي محطة مهمة لخدمة الاسم التي جعله الله - سبحانه وتعالى - في طريقها، كل ميسر لما خلق له، كما جاء في الحديث، وقال مالك - رحمه الله تعالى -: (إن الله قسم بين الناس أعمالهم كما قسم بينهم أرزاقه) ونستقبله في هذه المؤسسة الجديدة، ويقوم فيها - إن شاء الله - بأعمال جليلة لم تنته بعد، والمرجو - إن شاء الله - أن تكون كتلك الأعمال الجلى التي قدمها إلى العالم الإسلامي في بنك التنمية الإسلامية. |
- أخيراً هنيئاً لمعالي د. أحمد محمد علي بالثقة الغالية التي حظي بها، وهنيئاً له بالأعمال الجليلة التي قام بها، وهنيئاً لصاحب الاثنينية بالكرم والمكارم التي أسداها إلى المسلمين في أنحاء العالم؛ وأرجو أن أكون معذوراً من طرفكم، وأشكركم على صبركم، فكبار السن عادةً - كما قلت - يودون أن يتكلموا، وقال لبيب: |
أليس ورائي إن تراخت منيتي |
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع |
أخبر أخبار الزمان الَّذي مضى |
أدبُّ كأني - كلما قمت - راكع |
|
- فنحن نذكر شيئاً من أخبار الزمان الَّذي مضى؛ ونشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله. |
|
|