((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
يلقيها نيابة عنه معالي الدكتور مدني علاقي |
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وأصلّي وأسلّم على خير خلقك حبيبك وصفيك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
السيدات الفضليات |
الأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
نسعد الليلة بالترحيب.. على جسر المودة والإخاء.. بالمربي الفاضل، والأكاديمي الناقد، والإداري الحصيف، والسياسي المتمرس، والأديب الشاعر، الأستاذ الدكتور خالد عبد العزيز الكركي، رئيس جامعة عمّان، أعرق الجامعات الأردنية على الإطلاق.. ضيفاً مكرماً وعالماً فاضلاً نسعى للإفادة من علمه وأدبه وتجاربه المميزة والمتشعبة. |
لقد ظل سلك التدريس يرفد غيره من مسارب العمل الاجتماعي والأدبي والسياسي بكثير من الرجال والنساء الذين أسهموا في صناعة الحاضر بقراراته الحازمة وتجاوز منحنياته وتحدياته الكبيرة، فسلك التدريس على مختلف مستوياته شكل بوابة حرضت الطاقات الإبداعية لتنتشر كما خلايا الوعي في جسد الثقافة والفكر، وتصل إلى مختلف القطاعات الفاعلة في حركة النشاط اليومي الذي يأتلف منه الحاضر ليصنع المستقبل.. فكانت خير بوابة لخير ثلة من الكرام الفاعلين والمؤثرين في الشأن العام. |
معالي ضيفنا الكريم وجد نفسه في حضن التدريس، داعبت مخيلته جحافل الطلاب تترى قبولاً وتخرجاً لتنتظم في النهاية صفوفاً في ساحات العطاء والبذل داخل النسيج الاجتماعي والوطني.. من ذلك السيل استهل شجرة حياته العملية والإبداعية التي ضربت جذورها في عمق الأصالة ومدت فروعها نحو السماء لتثمر شهد الكلمات شعراً ونثراً، وتأخذ منحى الإبداع الإداري حنكة وصرامة، ونجد في إهابه أديب السياسة، لا سياسة الأديب.. وشتان بين هذا وذاك. |
لقد ضخ حب التعليم بمراحله: العام، والجامعي، وفوق الجامعي-الدراسات العليا- زخات دماء متجددة في شرايين إبداع ضيفنا الكبير.. ذلك أن متعة الحرث والغرس ومتابعة النشء في السلم التعليمي لا تضاهيها متعة ولا تفوقها نشوة.. فحرص أن يتفيأ هذه الظلال كلما عصفت به الأيام أو وجد نفسه في غير توافق مع حقيبة وزارية أو عمل إداري يسلبه حرية التحليق في فضاءات الكلمة.. فما أسعده وهو يلجأ إلى صدر التعليم الرحب، أو أجنحة الشعر التي تحمله إلى آفاق قوس قزح. |
إن الكلمة الشعرية في قاموس ضيفنا الكريم تتمرد على كثير من نصوص أعماله الإبداعية حتى في مجال السرد.. فترى الشعر يخرج من خلال النص ويتململ بين السطور.. فسطوة الشعر لا تضاهى، ومملكته لا ترضى بأن تكون الثانية في أي ترتيب.. لا سيما وأن معاليه من محبي (أبي محسَّد) الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.. أبو الطيب المتنبي.. يجول معه الفلوات.. ويبحر في محيطات لا نهائية من الصداقة الوطيدة التي اختصر من خلالها الوقت وتجاوز الحاضر وعتبات المستقبل ليعود فرحاً مسروراً إلى خيمة المتنبي، يجد في رحابها جماليات إبداع قل نظيرها، وصوراً يندر تكرارها.. وموسيقى يهش لها الوجدان وتسمو بها القرائح. |
أما شأن معاليه مع السياسة-باعتبار الوزارة صنو السياسة- شئنا أم أبينا.. فقد عمد دائماً إلى توظيف الشق السياسي في حقائبه الوزارية المختلفة لخدمة النتاج الأدبي.. فكان بذلك المخلص الوفي لمنابع النور الصافي الذي ينساب من عرصات إبداعاته، مانحاً متتبعي عطاءاته جذوة لا تخمد من الجمال والألق الذي ينبض من بين حروفه الجذلى، وممهداً الطريق لكوكبة من الأدباء والشعراء لتنطلق حناجرهم في مناخ تسوده الحرية والأمن من غوائل الزمان. |
فالحرية عند معالي ضيفنا الكريم تعني الإطار العام الذي إذا ضاق فقد عز الشفاء واستشرى الداء.. يؤمن بأنها ماء الحياة الذي يسقي الإبداعات وينتشي به كل من يتعامل مع الحرف.. هي الراية الناهضة التي لا تقبل أنصاف الحلول.. لذا منحها دائماً جل اهتمامه، واستمات في الدفاع عنها وسكب عصارة جهده وعمره لتبقى جذوتها متقدة بين جيل الرواد وطليعة الشباب الذين يشكلون نسيج الحاضر، وأمل المستقبل، في كل مظاهر التقدم الثقافي والفكري: صحافياً، وأدبياً، وإعلامياً.. وأحسبه قاسى في سبيل ذلك الكثير، إلا أن اتكاءه على رصيد مرموق من العمل الجاد والحب الحقيقي وسط الساحة الثقافية منحته حصانة تفوق الحصانة الرسمية ليقول كلمته غير هياب أو متواكل.. فنالت الحركة الثقافية الكثير من المكاسب، وحققت المزيد من الانتشار. |
أما واحة الشعر في دنيا معالي أستاذنا الكبير فهي مزيد تمرد على النسق السردي في بقية إبداعاته.. الكلمة الشعرية أصلاً موجودة بكل عبقها وقلقها.. وعندما يفرد لها قصيدة ثم ديواناً فهو إنما يؤوي إليه النصوص المتمردة التي صارت شعراً!! مستصحباً في تجربته الشعرية ثروة هائلة من المعاناة التي لم يتنكر لها قط، بل يفتخر بها كمشكاة أنارت طريقه وعبدته بمرئيات ما كان لها أن تدخل قاموسه المتجدد لو لم يفرد لها مساحة من الحب ومظلة وريفة في وجدانه. |
ولضيفنا الكريم وقفات في مجال التعليم الجامعي والدراسات العليا.. وما موقعه كرئيس لأعرق الجامعات الأردنية إلا إكليل غار يشرف به.. كما أنه بحكم معترك الدرس والتحصيل الذي حصد غربته علماً وتجربة في جامعات الغرب، أصبح رباناً ماهراً يحاول جهده أن يكسر بعض الحواجز البيروقراطية التي تعيق مسيرة التعليم العالي في واحدة من الدول العربية المشهود لها بطول الباع في هذا الحقل.. غير أن الأطر التنظيمية والإدارية قد تئد الكثير من الإبداعات وتقف سداً منيعاً في وجه التغيير.. فمن الناس رغم كفاءته العلمية إلا أنه يخشى التحديث، ويتوجس خيفة من كل أمر جديد.. في الوقت الذي نجد أن التعليم الجامعي-بل السلم التعليمي كله- في حاجة ماسة إلى إعمال يد التغيير نحو الأفضل في كل سانحة ممكنة.. فالعالم لم يتغير حولنا بمعايير السكون.. وخير دليل على ذلك التجارب اليابانية، والكورية، وبقية النمور الآسيوية، فنحن إزاء حقبة التغيير والتحديث أو الانزواء ومن ثم الاختفاء من خارطة المشاركة في إحداثيات العالم المعاصر.. وبحمد الله فإن ضيفنا الكريم بما لديه من تجارب ثرة، وموقع فاعل في اتخاذ القرار أو القرب من دوائره المختلفة، سيكون خير معول للإسهام في هدم القناعات والأقنعة التي تصر على تهميش التعليم والحفاظ على القمقم الذي تجاوزه الزمن. |
وبنظرة حزينة ألقي الضوء على ما تناقلته الصحف خلال الأيام الماضية ناعية (مهرجان جرش) الذي ظل واحة أدب وثقافة وفن يستشرفها كثير من الفعاليات في معظم الدول العربية.. واستبداله بمهرجان (الأردن السنوي).. ومهما كانت الأسباب والمسببات فإن شطب ربع قرن من العطاء يستحق أن نذرف عليه دمعة وفاء.. فقد خالجت "جرش" مشاعرنا وشكلت جانباً مهماً في روزنامتنا الأدبية.. وآمل أن تسعى الجهات المعنية-وضيفنا قريب من منابرها- لتوثيق ذلك الوهج المثير الذي تراكم تحت رماد "جرش"، وأن تعمل على إذكائه وجعله متاحاً للمثقف العربي أينما كان بأي شكل من أشكال الحفظ والتوثيق، كتاباً أو اسطوانة مدمجة، أو موقعاً شاملاً في الشبكة العنكبوتية.. حتى تعم الفائدة ولا تذهب تلك الجهود المضنية سدى، وكثير منا يعلم المعاناة التي يتطلبها مثل هذا العمل الكبير الذي استمر زهاء خمس وعشرين سنة.. وتاريخنا الأدبي مليء بذكريات الفعاليات الأدبية التي ضاعت بسبب عدم التوثيق، راجياً ألا نضيف إليها جرحاً جديداً. |
أتمنى لكم أمسية مفعمة بالفائدة مع علم جدير بالتحية والتكريم.. آسفاً أن الظرف الصحي الذي أمر به حال دون سعادتي بلقائه.. وفي جمعكم الكريم ذؤابة الخير والفضل للنهوض بما نقوم به يداً واحدة بقلب رجل واحد.. وقبل أن يُنقل لاقط الصوت لمعالي أخي الأستاذ الدكتور مدني علاقي، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء السابق، ليرعى هذه الأمسية بجميل فضله.. أذكركم أن ضيفة أمسيتنا القادمة إن شاء الله السيدة الفاضلة الدكتورة هند صالح باغفار.. الأديبة، والشاعرة، والإعلامية، والكاتبة المعروفة.. والتي صدرت لها خمسة عشرة رواية، بالإضافة إلى أكثر من عشرة عروض مسرحية، وغيرها من الإبداعات. |
فإلى لقاء يتجدد وأنتم على خير ما أحب لكم. |
والسلام عليكم ورحمة الله،،، |
عريف الحفل: مرة أخرى نرحب بمعاليه ضيفاً كبيراً وعزيزاً ويسرني الآن أن أنقل لاقط الصوت لمعالي الدكتور مدني علاقي وزير الدولة عضو مجلس الشورى سابقاً والأستاذ في إدارة الأعمال بجامعة الملك عبد العزيز سابقاً. |
|