شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حامد الرفاعي))
الحمد لله رب العالمين الذي خلق الإنسان في أحسن تقوبم وكرَّمه بنعمة العقل والاختيار وشرّفه بمهمة الاستخلاف في الأرض ليقيم العدل في ربوعها والحمد لله رب العالمين الذي كرَّم أمتنا فبوَّأها مواقع الوسطية بين الأمم وشرفها فأسند إليها مهمة الشهود الحضاري على الناس وأصلّي وأسلّم على المبعوث رحمة للعالمين إمامنا وقرة أعيننا وحبيبنا البشير المصطفى نبينا ورسولنا محمد بن عبد الله رافع لواء العالمية العادلة في الأرض ورائد العولمة الراشدة بين العباد وأصلّي وأسلّم على آل بيته الأخيار الأطهار وعلى جميع صحابته الميامين الأبرار. صاحب السعادة الأخ الأستاذ الكبير عبد المقصود محمد سعيد خوجه، معالي الأخ العزيز الحبيب الأستاذ الدكتور أنور عشقي، أصحاب الفضيلة أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، الأخوة الكرام جميعاً، الأخوات الكريمات الفضليات أبنائي وبناتي الأعزاء جميعاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من واجب الوفاء بدايةً أود أن أعرب عن خالص الشكر والتقدير للأخ الكريم المفضال الأديب الكبير والمفكر الحصيف المميز والمتميز سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه مؤسس وراعي هذه الاثنينية الغراء هذا الصرح الثقافي الشامخ والمتألق في آفاق مسيرة حركة الاستئناف الحضاري لأمتنا، ولا أحسب أنني أبالغ إن قلت إن الاثنينية منبر فكري مرموق يمثل واحدة من أبرز مراكز التجديد والتنوير الفكري المعاصر ومن أنشط وأغزر مصادر عصف العقول والتحارك والتقابس الثقافي بين أجيال أمتنا، حقاً إن الاثنينية درة وضاءة في جبين كل سعودي وعربي ومسلم تبعث على الاعتزاز تنتصب بها هامتنا وتشمخ بها رؤوسنا ونفتخر بها فنقول هذه اثنينيتنا في مدارج الإبداع والشمم فجئني بمثلها يا صاح في محافل الأمم. وقبل التحدث عن الحوار ومسيرته المعاصرة ومشكلاته والتساؤلات الكثيرة التي تُثار حوله أود أن أقدم لمحةً عن حوران حيث ولدت وترعرعت طفولتي. ولدت في بصرى الحرير من مدن حوران.
حوران هي موطن الحضارة الإغريقية والرومانية وهي مملكة الغساسنة، وبصرى الحرير التي ولدت فيها كانت محطةً رئيسية على طريق الحرير إلى الصين وحوران ذكرها شعراء العرب، ذكرها حسان بن ثابت وامرئ القيس:
ولما بدت حوران والآل دونها
نظرت فما وجدت بعينيك منظرا
يعلل الشاعر ويقول بأنه لم ير أبدع من هذا المنظر الذي رأيت وحوران تضم في تاريخها ثلة كبيرة من أعلام هذه الأمة من أبناء حوران: ابن كثير وابن القيم الجوزية وابن تيمية والإمام الأوزاعي والإمام الأذرعي والإمام النووي وهناك وجدت الحقيقة أن أئمة كثر شرفت بهم حوران وتشكل منبعاً ومصدراً من مصادر الثراء في التاريخ الإسلامي وحوران أيضاً وجدت أنها تضم آثاراً حضارية عجيبة وغزيرة حضارات آثار رومانية وإغريقية وغسانية وغيرها. ومن أشهرها المدرج الروماني في حوران وهو يتسع لعشرة آلاف متفرج وقد زرته منذ ثلاثين عاماً فوجدت هذا المدرج العظيم ينبئ عن حضارة وكذلك الآثار الإسلامية التي لا يتسع المقام لذكرها وحوران شاركت في النضال الوطني أيام الانتداب (الاستعمار) ومن أبرز أعلامها: سلطان باشا الأطرش ومحمد خير بيك الحريري الرفاعي الذي يلقب بشيخ مشايخ حوران والشيخ مثقال المحاميد والشيخ مصطفى الدخان المسالمة، هؤلاء جميعاً كانوا يمثلون قادة النضال في جنوب سوريا وقال عنهم الشاعر القروي يفتخر بنضالهم:
من قمح حوران أرادوا وليمةً
فأتاهم سم الموت من حوران
إشادة بنضالهم في التحرير.. ومن أبرز ما تشرف به حوران أن وطأت قدم سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أرضها وشرفت أهلها وهناك آثار كثيرة ومكان ما بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أهلها مسجداً يسميه أهلها مبرك الناقة والحقيقة أن حوران غنية بالآثار كما قلت. وحوران أيضاً ينبع منها نهر اليرموك هذا الذي جرت على ضفافه المعركة الإسلامية الحاسمة بين المسلمين والروم. والحقيقة أن هذه المعركة كما تعلمون كانت حاسمة ومعجزة في الوقت نفسه، وكان عدد المسلمين قرابة 24.000 بينما عدد الروم 200.000 فاستطاع 24.000 مجاهد من أبناء هذا الدين العظيم أن يتصدوا ويغلبوا 200.000. وهناك في الحقيقة قصيدة أحفظها منذ 55 عاماً قالها أحد الشعراء يصف تلك المعركة فأقول لكم بعض أبياتها ثم ننتقل إلى الموضوع الذي نحن بصدده.. يقول الشاعر:
قف على اليرموك وأقرئه السلاما
وكلمه إذا فهم الكلاما
وقل يا نهر هل هاجتك ذكرى
شجت قلبي وحركت الغراما
قطعت سهول حوران
وشوقي إليك يثير في نفسي ضراما
هنا الإسلام ضاء له حسامٌ
يوم استل خالده الحساما
وهبَّ أبو عبيدة مثل ليثٍ
يقود وراءه الموت الزؤاما
وسار على روابي الشام يخطو
تخرُ له الربى هاماً فهاما
ثم يخاطب الشاعر النهر..
بربك أيها النهر المفدّى
بربك قل ولا تخش الملاما
أيشرق نجمه مِنْ بعد ذلٍّ
ويعلو بعد أن لعق الرغاما
أرى في الأفق نوراً من بعيد
يلوح ترى سينكشف الظلاما
وأسمع في ربوع الشرق صوتاً
أثار سماعُهُ البلد الحراما
في الحقيقة هذه قصيدة عجيبة وتعجبون أكثر إذا قلت لكم أن قائل هذه القصيدة هو أحد أبناء نصارى حوران. هذه القصيدة التي تطفح بالمعاني الإسلامية قالها الشاعر أنيس الخوري المقدسي وهو من أبناء حوران وهذا الشعر يؤكد لي مقولة مكرم عبيد عندما كان يُسأل فيقول نحن المسيحيين في الشرق مسيحيون ديانةً ومسلمون حضارةً فالمسيحيون الشرقيون يمتازون عن الغربيين ولعلي أمر عليه أثناء الحوار بأن لهم عاطفة نحونا ولهم مصير مشترك نحونا وحوران كانت موطن للصقور ومن أشهر وأنبل أنواع الصقور وكان مؤسس هذه البلاد الإمام الملك عبد العزيز رحمة الله عليه يعشق أرضها ويعشق طيرها ويعشق صقرها وتعلمون أن العرضة السعودية تبدأ في (زوجا) فتقول وتثني على أرض حوران وعلى الطير ويقول فيها:
يا دار ياللي تو سعدها ما جاها
يا دار ياللي سعدها تو ما جاها
من بعد ذل أو عقب ذل سعداً حماها
قام عبد العزيز شاد بنياها
يقول كذلك شيخنا الذي يحكم بشرع الله ويمشي به.. وأخيراً يقول:
يوم شافته عيني سعدت مساء وطير حوران اللي شاقنلي مضاري... قصيدة طويلة قالها عبد الرحمن الحوطي هذه بعض الأبيات منها.
والآن أنتقل إلى الموضوع الأساسي وهو قضية الحوار.. الحوار أيها الأحباب مسألة تشغل الآن العالم جميعاً والناس يسألوننا دائماً في ميادين الحوار أو يتهموننا بأنكم أنتم لم تأتوا على الحوار إلا بعد 11 سبتمبر لتدافعوا عن أنفسكم ولتكشفوا ما لحق بكم من أذى واتهام ونحن نرد عليهم بأن منهج قرآننا كله يقوم على الحوار وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم كلها تقوم على منطق الحوار لأن الإسلام أجلَّ العقل الإنساني وجعله موطن التكليف وشرَّفه بقضية الإيمان وبالتالي القرآن اعتمد في نهجه على الحوار ونذكر لهم مشاهد كثيرة من مشاهد القرآن الكريم في الحوار، وأخي معالي الدكتور أنور أشار إلى تاريخ تأسيس مؤتمر العالم الإسلامي وذكر حفظه الله ميثاق هذا المؤتمر الذي أسسه الملك عبد العزيز طيب الله ثراه عام 1926م بعد أن سقطت الخلافة في عام 1924م وجمع في مكة قادة النضال.. أقول قادة النضال لأنه لم يكن في ذاك الوقت أي دولة من دول العالم العربي الإسلامي متحررة كلها بل كانت تحت الانتداب جاء شكري القوتلي ورياض الصلح يمثلون سوريا ولبنان وجاء الملك السنوسي يمثل نضال ليبيا في وجه الاستعمار الإيطالي وجاء محمد علي جناح ومحمد إقبال وقد كانوا يطالبون باستقلال باكستان عن الهند ولم تكن باكستان قد تأسست بعد فجاء محمد علي جناح كما قلت ومحمد إقبال وجاء كذلك من اليمن وجاء من مصر وجاء علماء كثر وجاء من العراق (الكيلاني) وجاء العالم الشهير (الزهاوي).. وانعقد هذا المؤتمر بقيادة الملك عبد العزيز رحمة الله عليه ثم أسند رئاسته إلى الأمير فيصل والذي أصبح فيما بعد ملكاً لهذه البلاد وأسندت الرئاسة من بعد الأمير فيصل إلى الحاج أمين الحسيني تحية من مكة إلى القدس لهذا الترابط بين قبلتي المسلمين فأسندت أول رئاسة من خارج المملكة إلى الحاج أمين الحسيني تكريماً للقدس وتكريماً لفلسطين وتأكيداً على التواصل بين مكة والقدس بين القبلة الأولى والقبلة الثانية.. هذا المؤتمر أيها الأخوان له ميثاق ولكن من أبرز أهدافه هدفان أساسسيان هما: العمل على تحقيق التضامن العربي الإسلامي والعمل على فتح الحوار مع الثقافات والحضارات.. هذا منذ عام 1926م يوم لم يكن أحد قد فطن إلى حوار الحضارات وحوار الثقافات فكان هذا الملك الفذ عبد العزيز قد فطن لهذا الأمر فأسند إلى هذا المؤتمر هاتين المهمتين التضامن العربي الإسلامي وفتح الحوار مع أتباع الأديان والثقافات والحضارات وانطلق هذا المؤتمر (مؤتمر العالم الإسلامي) يعمل على تحقيق هذين الهدفين. طبعاً تتابعت الأحداث وتداخلت وتعقدت وكثر العاملون في الساحات الإسلامية والساحات العالمية إلا أن هذا المؤتمر بقي يتابع نشاطه في هاتين المهمتين وهو أول مؤتمر مسجل في الأمم المتحدة في مطلع الستينات. ولنا مندوب دائم في الأمم المتحدة لنا مندوب أيضاً في جنيف (مقر الأمم المتحدة في جنيف) ولنا ممثلين في بعض بلدان العالم في إندونيسيا، في اليابان، في بنغلاديش، في تركيا، وبعض الممثلين في العالم العربي. فإذاً هذا المؤتمر في الحقيقة مضى في طريقه يتعثر أحياناً وينطلق أحايين أخرى وقد نال جائزة من أكبر جوائز التقدير في السلام العالمي وكانت في مرحلة رئاسة دولة الأستاذ الكبير الدكتور معروف الدواليبي رحمة الله عليه وقد نال هذه الجائزة من أكبر مؤسّسة عالمية تسمى مؤسّسة أو مؤتمر الدين والسلام ولها مركز رئيسي في اليابان يسمى جامعة نيوانو فقدموا هذه الجائزة وهي جائزة مرموقة ومعها مبلغ من المال يقرب من الـ 200.000 دولار وأنا أشهد هنا أن الدكتور معروف الدواليبي عندما استقال فاجأني أنا والدكتور عبد الله عمر نصيف بأن قدم لنا شيكاً من المبلغ الباقي وقال هذه الجائزة أنا أخذتها نعم ولكني اعتبرتها هي جائزة لمؤتمر العالم الإسلامي وأحيل هذا المبلغ إليكم ليكون أمانة في عنقكم تستعينون به على عملكم. فكانت هذه التحية في الحقيقة التي يستحقها الدكتور الدواليبي.
المحطة الثانية في الحوار وهي مشهورة عند كثير من إخواننا هي محطة عام 1972م ولهذه المحطة المشهورة مناسبة أود أن أحدثكم عنها.. تعلمون أن المملكة العربية السعودية تحفظت على ثلاث مواد من ميثاق الأمم المتحدة ومن ميثاق العالم لحقوق الإنسان. المادة الثامنة والمادة السادسة عشر والمادة الثامنة عشر وفي كل عام كانت الأمم المتحدة ترسل خطاباً إلى المملكة العربية السعودية وكان في ذلك الوقت الملك فيصل هو ملك البلاد رحمه الله تعالى.
تقول الرسالة: نأمل من المملكة العربية السعودية أن تعيد النظر في تحفظها على ما تحفظت عليه من المواد الثلاث. مذكرين بأن ميثاق الأمم المتحدة هو فوق المواثيق الإقليمية. تقول الرسالة: مذكرين أن ميثاق الأمم المتحدة فوق المواثيق الدولية فكان الملك فيصل رحمة الله عليه يأمر الأستاذ السقاف رحمة الله عليه أيضاً وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية أن يكتب رسالة مختصرة ويختمها بقوله: المملكة العربية السعودية دستورها القرآن والقرآن فوق ميثاق الأمم المتحدة. وكانت هذه الرسالة تذهب ثم تعود إلى الأمم المتحدة فيرد الملك فيصل بنفس الرسالة ومرت سنون على هذه الرسالة وعلى هذا الجواب حتى فكر رئيس جمعية القانونيين الدوليين العالمية وهو البروفيسور ماكيبرايد هو وزير خارجية إيرلندا في ذلك الوقت وأستاذ في جامعة دبلن وكان مستشاراً للبابا بولس السادس وكان أيضاً رئيس المجلس الأوروبي في ذلك الوقت وكان المجلس الأوروبي لا يزال فكرةً تدور في أجواء أوروبا وكان هذا الرجل يرأس هذا المجلس فاتصل مع الدكتور الدواليبي وقال له: نحن نطّلع في كل عام على رسالة الملك فيصل التي يقول فيها:
إن المملكة العربية السعودية دستورها القرآن والقرآن فوق ميثاق الأمم المتحدة فهل تأذنوا لنا أن نأتي لنعرف ونتدارس معكم كيف القرآن فوق ميثاق الأمم المتحدة. وتشاور الدكتور الدواليبي مع الملك فيصل رحمة الله عليه فأذِن له وكذلك استشار بولس السادس وكذا فهمت من المذكرات التي سجلتها للدكتور الدواليبي أنه كان نوعاً من التفاهم بين البابا بولس السادس وبين الملك فيصل لأن البابا بولس كان معجباً بشخصية الملك فيصل وبقدراته السياسية وبإبداعاته الفكرية في ذاك الوقت، وبالفعل حصل اتصال وجاء الوفد إلى هنا في عام 1972م والتقى مع علماء المملكة وجرى حوار قرابة أسبوعين ونحن قد وثقنا هذا الحوار بكامله في إصدارات المنتدى الإسلامي العالمي للحوار. وبعد أن أجروا حوارات مع العلماء وطلبوا زيارة بعض المحاكم وبعض الدوائر الرسمية زيارات مفاجئة وأنهوا زيارتهم، فسأل مذيع التلفزيون السعودي ماكيبرايد في المطار. ما هو انطباعكم عن هذه الزيارة إلى المملكة فيجيب ماكيبرايد ويقول أستطيع أن أقول إن من حق المملكة الآن أن تقول بأن القرآن الكريم فوق ميثاق الأمم المتحدة وهذه موثقة لدينا كتابة، لكن للأسف بحثنا عن الشريط فلم نجده الآن وهو وثيقة كبيرة. هذه المحطة تبعتها محطة أخرى. ففي عام 1974م ذهب الملك فيصل وطلب من علماء المملكة وبعض علماء العالم الإسلامي زيارة الفاتيكان وزيارة أوروبا وذهب وفد وعلى رأسه كما تعلمون الشيخ محمد الحركان رحمة الله عليه ومعه نخبة من العلماء منهم دولة الدكتور الدواليبي والشيخ ابن خنين وكذلك الشيخ محمد بن جبير رحمة الله عليه رئيس مجلس الشورى السابق.. والحقيقة فقد زاروا باريس وأجروا لقاءات فيها وبسترايكس فور وفي جنيف وكانت محطتهم الأخيرة في روما والتقوا البابا بولس السادس وجرى حوار طويل في نهاية هذا اللقاء وإن بقي وقت سأحدثكم عن بعض تفاصيله فكان لقاءاً ثرياً. وفي عام 1992م، يعني بعد مضي 18 عاماً وجه الملك فهد رحمة الله عليه لأن تذهب في جولة حوار إلى الغرب وتزور الفاتيكان وكان رئيس الرابطة في ذاك الوقت أمين عام الرابطة معالي الأخ الدكتور عبد الله عمر نصيف وكنت أنا والشيخ عبد الله بن بية مستشارين له في الرابطة وشكلنا وفداً وذهبنا أيضاً إلى الأماكن نفسها إلى باريس، وإلى مدريد، وإلى جنيف، وإلى روما، وكانت محطتنا الأخيرة في روما، وهناك التقينا البابا بولس الثاني الذي رحل وحصل حوار بيننا لكن نحن قبل أن نذهب ماذا كنا نقول للفاتيكان بعد مرور 18 عاماً على لقاء العلماء معهم أيام بولس السادس فجلسنا نفكر واتفقنا على أن نقول لهم العبارة التالية وبالفعل عندما جلسنا مع البابا وحوله مجموعة من كرادلة الفاتيكان نحن لم نأتِ لنؤسلمكم، رغم أن هذه رغبة قائمة في نفوسنا لأننا نحب أن يكون الناس على ما نحن عليه من الإيمان والاعتقاد ونأمل ألاَّ تحاولوا أن تنصروننا أيضاً رغم أننا نعلم أن هذه رغبة قائمة في نفوسكم لأنكم تحبون أن يكون الناس على ما أنتم عليه من الإيمان والاعتقاد، إذاً لماذا جئنا؟ قلنا لو نحن جئنا لأن نرى أن المسيرة البشرية في خطر وإسلامنا يأمرنا ويحفزنا ويدعونا لأن نعمل ما يمكن عمله من أجل ترشيد المسيرة البشرية لتكون مسيرة عدل وسلامٍ وأمن وكرامة للإنسان وسلامة للبيئة وتعايش آمن بين المجتمعات فهل عندكم استعداد أن نعمل على تحقيق هذه المبادئ؟ قال البابا نعم ومنذ ذلك الوقت تشكلت لجنة مشتركة بيننا وبينهم بقيت سنتين تتدارس أسس هذا التعاون بيننا وبينهم من أجل تحقيق هذه المبادئ السبع التي ذكرتها. وبالفعل في عام 1994م خرج وفد عالمي وكان برئاسة الدكتور أحمد محمد علي كان قد أصبح أميناً عاماً للرابطة وكان برئاسة أمين عام الرابطة وعضوية معالي الدكتور عبد الله نصيف بصفته ممثلاً لمنظمة مؤتمر العالم الإسلامي وكذلك بعضوية الأستاذ كامل الشريف رحمة الله عليه الذي هو رئيس المؤتمر العام لبيت المقدس. وجاء شخصان من الأزهر كلفهما شيخ الأزهر الراحل جاد الحق رحمة الله عليه وهذان الشخصان هما الشيخ محمد جمعة الذي هو الآن مفتي مصر وشيخ آخر اسمه الدكتور محمد أبو ليلى أستاذ دراسات كلية أصول الدين في الأزهر ومثل منظمة مؤتمر العالم الإسلامي في حينها معالي الأخ الأستاذ الدكتور عبد العزيز التويجري، وتدارسنا الوثيقة واتفقنا على أن نلتقي في الأسبوع الثاني من يونيو في كل عام، يعني في الشهر السادس ونتفق على موضوعٍ محدد من قبل يعدون به بحثاً ونعد به بحثاً نحن نترجم بحثنا على مسؤوليتنا إلى لغتهم، إلى اللغة الإنجليزية وهم يترجمون بحثهم على مسؤوليتهم إلى لغتنا العربية ثم نلتقي ونتحاور على مدار يومين حول هذا البحث المقدم من الطرفين ونختلف على أمور والأمور التي نتفق عليها نصيغها في بيانٍ مشترك باللغتين لكل منهما أصل حسب الاتفاق باللغة العربية واللغة الانجليزية ويوقع عليه الطرفان كوثيقة رسمية لما اتفقنا عليه وأنا قد رصدتُ وثائق.. ووثَّقتُ البيانات المشتركة في كتابي "نحن والآخر" وهذه ليست دعاية للكتاب لأنه يوزع مجاناً ومن أراده يطلبه من المنتدى ونقدمه مجاناً أيضاً.. فوثقت هذه اللقاءات فوجدت أننا بعد ما حصلنا نحن وإياهم جلسنا في الدورة العاشرة وأردنا أن نقوِّم عمل عشر سنوات فوجدنا أنفسنا أننا متفقين على 54 مادة عندما رآها سمو الأمير سعود الفيصل قال لي وللدكتور عبد الله نصيف: (أنتم أين مختبئين.. إنتم عاملين ميثاق الأمم المتحدة)، فقال له الدكتور عبد الله يا سمو الأمير: نحن لسنا مختبئون ولكن الناس مختبئين عنا.. الإعلام لا يتعامل والإعلام له اهتماماته وأنا هنا أسجل عتبي على إخواننا الإعلاميين لأنهم قلما يتصلوا ونحن حتى نرسل ولا يكتبون.. يعني أنا تأتيني اتصالات من الكونجرس الأمريكي من المجلس الأوروبي من المجلس العالمي البوذي من المجلس العالمي الهندوسي.. أنا أعتب هنا وبحرارة وبمرارة أيضاً أنا لا تأتيني رسالة من أي منظمة إسلامية ولا من أي جهة إعلامية.. فقط يسألوننا سؤال ماذا حققتم بالحوار؟
هل اتصلتم بنا؟ هل اطلعتم على كتاباتنا؟ هل حضرتم وأقمتم معنا مقابلات صحفية؟ فكيف نوصل إليكم ما عملنا في الحوار.
واليوم سأحدثكم عن بعض ما عملنا في الحوار.. المحطة الثالثة، طبعاً حصل حوار كثير وأسئلة كثيرة أنا أحاول أن أقطع المسافات لأصل إلى بعض الأمور.
في عام 1995م ذهبنا أيضاً وأقمنا ندوة عالمية عن القدس في المركز الثقافي الإسلامي في روما وافتتح الندوة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف وكان أيضاً معالي وزير العدل السعودي ونائب البابا وعدد من الكرادلة وأخذنا معنا عدداً من قساوسة الشرق من الأردن ومن مصر ومن سوريا وفي الحقيقة قام أحد القساوسة الأردنيين واسمه قرمش وتكلم كلاماً يعني التفت إليَّ أحد علمائنا قال لي هذا القسيس يجب أن توضع له عمامة لكثرة ما تكلم عن القدس وعن الإسلام والأمن والمساواة وتحدث عن العلاقة الوثيقة بين المسلمين والقدس في الشرق. في عام 1997م أيضاً ذهبنا وكان أمين عام الرابطة معالي الأخ عبد الله العبيد الذي هو الآن وزير التعليم وعقدنا ندوةً حول حقوق الإنسان ودعونا إليها أيضاً كذلك علماء ومفكرين من أنحاء العالم من أمريكا وأوروبا واليابان، وكان حشد كبير والبابا أيضاً بعث بوفدٍ كبير وحشدنا أيضاً مجلس كنائس الشرق الأوسط بوفد كبير وكانت ندوة عظيمة وتحاور الناس فيها حول الإسلام وكان إخواني قد انتدبوني فقدمت بحثاً تحت عنوان "النظم الدولية وحقوق الإنسان" وقد أصدرته في كتاب وبدأت به رحلة حقوق الإنسان منذ حامورابي إلى شريعة مانو إلى شريعة بوذا إلى شريعة كونفوشيوس ثم إلى اليونان ثم إلى الرومان ثم إلى الشرائع الإسلامية ثم عقدت مقارنةً بين وضع الإنسان خلال هذه الشرائع كلها وأبرزنا القيمة العظمى التي أعطاها الإسلام للإنسان.
في عام 1998م شكلنا مجلساً عالمياً للتنسيق وفي إطار هذا المجلس تكوّن المنتدى الإسلامي العالمي للحوار وشرِّفت لأن أكون رئيساً لهذا المنتدى. هذا المنتدى يا أخواني يمثل الآن مائة منظمة إسلامية عالمية منها الأزهر ورابطة العالم الإسلامي ومؤتمر بيت المقدس والندوة العالمية للشباب الإسلامي والمنظمات الإسلامية في أمريكا والمنظمات الإسلامية في أوروبا وفي إندونيسيا وفي اليابان فإذاً هناك مائة منظمة إسلامية أشرف أنا بقيادة المؤتمر برئاسة المؤتمر في تمثيل هذه المؤسسات في ميادين الحوار والتنسيق بينها. وبالفعل عقد المؤتمر ووقع عدداً كبيراً من اتفاقيات الحوار وأول اتفاقية كما قلنا مع الفاتيكان ثم اتفاقية مع المجلس العالمي، مجلس الشرق الأدنى لكنائس المسيحية الأورثوذوكس، حتى يكون هناك توازن بين الكاثوليك وبين الأورثوذوكس ثم وقعنا اتفاقية مع المجلس العالمي البوذي ومع المجلس العالمي الهندوسي ومع المجلس العالمي للكنائس ومع المجلس الوطني الأمريكي لكنائس المسيح وهذه أكبر مؤسسة كنيسة في أمريكا وتعداد المنتسبين إليها قرابة الخمسين مليوناً، وهنا التاريخ يوثق بأن الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه هو الذي أشار عليَّ وقال لي: حاول أن تعمل اتفاقية مع هذا المجلس لأن هذا المجلس فيه حيادية وفيه نَفَسْ يدعم فيه القضية الفلسطينية وبالفعل ذهبنا ووقعنا معهم اتفاقية وهم الآن يتعاونون معنا وبالفعل كما قال الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه وجدنا نَفَسَهُم إيجابياً تجاه القضية الفلسطينية. طبعاً وقعنا اتفاقيات أخرى من أشهرها اتفاقية مع مركز الفخر الوطني الروسي وهذا أكبر مركز ثقافي في موسكو ونجري معهم حواراً وفي خلال هذه الأنشطة نحن ننشر رسالة المنتدى.. طبعاً نحن اقترحنا في عام 2000م على الأمم المتحدة وعلى معالي الدكتور كوفي عنان في حينها أن يعطي دوراً للمؤسسات الدينية واقتنع ودعا في ذاك الوقت إلى مؤتمر عالمي حضره ألف وسبعمائة شخصية من أنحاء العالم من كل الديانات والتقينا في نيويورك وعلى أساس أن هذه القيادات الدينية تقدم دراسات للأمم المتحدة ليكون الفعل المؤسسي الشعبي يدعم ويتناسق مع الفعل الدولي الرسمي حتى تسير المسيرة البشرية بفعليها الثقافي الشعبي وكذلك الرسمي. وبالفعل تشكلت لجنة من 12 نقيباً إن صح التعبير وكنت أنا ومعالي الدكتور عبد الله العبيد ممثلين للمنظمات الإسلامية في تلك اللجنة وانبثق عن تلك اللجنة مجلس عالمي للقيادة الدينية في إطار الأمم المتحدة الذي ذكر قبل قليل. نحن الآن ماضون في الحوار في هذا الاتجاه. المنتدى أصدر الآن قرابة 32 كتاباً محققاً والآن يوجد في المطبعة أربعة كتب، نحن نوثق في هذه الكتب مسيرة الحوار ماذا جرى معنا ماذا قلنا ثم كذلك نطرح بها أفكارنا التي نريد أن تكون منبراً من منابر التجديد الفكري في مسيرتنا الحضارية. والعناوين كثيرة ولا مجال لذكرها لعلها إن شاء الله تكتب إليكم في هذه الاثنينية. الحقيقة الذي أود أن أقوله إننا نحن في المنتدى وهذا تحدث عن مؤسسة وليس عن شخص نحن نتلقى الآن رسائل كثيرة كما قلت لكم من أنحاء العالم، نحن لدينا موقع على الإنترنت يزورنا أسبوعياً مليونا زائر من جميع أنحاء العالم. والحقيقة أحضرت لكم قائمة هذا الأسبوع فقط سحبتها من المشرف على الإنترنت أحضرها اليوم الاثنين. ففي هذا الأسبوع يزورنا 2.1 مليون ووجدت أن من المملكة المتحدة زارنا هذا الأسبوع 872.000 زائر ومن فرنسا 784.000 زائر ومن إيطاليا 186.000 زائر وقبل أسبوعين فاجأني المشرف وقال لي أنه زارنا من الصين 548.000 زائر. فطبعاً هذا النشاط ملفت للنظر.. لماذا؟ وهذا السؤال الذي طرحه الأستاذ عبد المقصود خوجه.. يعني ما هي فلسفة الحوار، ما هذا التحول من الكيمياء إلى.. أنا بتقديري أن الكيمياء لها بصمات في لغة الحوار لعل النهج العلمي ولعل النهج المخبري ولعل القارورة الكيميائية والمفاعلة كان لها بصمات في توجيه الفكر وفي توجيه معادلة العلاقة الثقافية بيننا وبين الآخر. وبالمناسبة أول مقالة كتبتها عام 1972م على أثر جدل تم بيني وبين الأخ المرحوم مالك بن نبي وكان قد زار جدة واستضيف بجامعة الملك عبد العزيز وكانت أهلية وقدم محاضرة وجرى بيني وبينه حوار طويل لا مجال الآن للدخول بتفاصيله وبعدها كتبت أول مقالة لي سميتها "كيمياء الحضارة". فالحقيقة الموضوع العلمي والموضوع الفكري موضوعان متكاملان وأنا في كتبي أركز على إنهاء ظاهرة الفصل بين العبادة الروحية والعبادة العمرانية. كل أمر في حياة المسلم هو عبادة الكيمياء عبادة، والفيزياء عبادة، والصلاة عبادة، والصيام عبادة، وتوظيف السوق عبادة، والاستقامة في السوق عبادة، ولذلك أقول في أحد كتبي أن العبادة في الإسلام نوعان عبادة روحية، وعبادة عمرانية وأن الأمة لا تنهض إلا إذا تكاملت وتلاحقت وتناسقت محاريب عبادة المسجد مع محاريب عبادة السوق. نحن اليوم أيها الأخوة بيننا وبين المسجد وبين السوق فصام نصلي فنخرج وكما يقول بعض أخواننا المصريين: دي حاجة ودي حاجة.. نحن نريد أن يكونوا حاجة واحدة.. نريد أن الشخص الذي يخرج من محراب المسجد ويدخل في محراب السوق أن يستحضر هذا الإسلام في ذهنه وهو تاجر في ذهنه وهو أستاذ وفي ذهنه وهو ينظف الشارع وفي ذهنه وهو في المصنع وفي ذهنه وهو في المؤسسة وفي ذهنه وهو في المتجر، نريد هذا التكامل وهو هذا سر تخلف هذه الأمة. أنا أطرح في كتابي "ولكنكم غثاء" ثلاثة أسئلة تقول: عجيب أن دولةً ملحدةً كانت أول من وطأت بقدمها سطح القمر أعني الاتحاد السوفيتي ودولة فصلت الدين عن الدولة وهي الآن تمسك بزمام مبادرة السيادة الدولية وأمة مسلمة التزمت دينها فأقامت حضارةً شامخةً غرَّاء بالتاريخ البشري أين الحقيقة؟ أيها السادة أجيبوني. التقدم هو مع الإلحاد أو مع فصل الدين عن الدولة أم التقدم مع الدين. نحن في هذا الكتاب نحاول أن نجيب. وإذا بقي وقت في الأسئلة سنجيب أيضاً.
أنا أريد أن أختم بشيء.. هذا الحوار أيها الأخوان نحن أسسنا ندوة سميناها الحوار الإسلامي الإسلامي.. في إطار هذا الحوار الإسلامي الإسلامي ينعقد كل سنتين مرة بحسب الظروف المالية.. في هذه الندوة نسميها ندوة الحوار الإسلامي الإسلامي ننظم أفكارنا وننظم رؤانا وندرس ماذا عملنا ونراجع ماذا قدمنا أين أخطأنا وأين أصبنا ثم نحاول أن ننطلق. ففي هذه الندوة مثلاً أول ندوة قرر العلماء فيها أن الحوار واجب ديني ومنهج حضاري ومسلك أخلاقي. ونحن عندما ذهبنا إلى الفاتيكان أردنا أن نؤصل مسيرة الحوار معهم وقلنا لهم أولاً نريد أن نتفق على أننا نحن نتحاور كأتباع أديان لا كأديان.. الأديان لا تتحاور وحوار أتباع لا حوار أديان واتفقنا على قاعدة ثانية أنه اختلاف أتباع لا اختلاف أنبياء لأن الأنبياء في الأصل أنهم يصدرون عن مشكاةٍ واحدة من ربٍّ واحد لكن البشر هم الذين اختلفوا اختلاف أتباع لا اختلاف أنبياء ثم اتفقنا على أن الحقيقة الربانية واحدة لا تتغير ولكن فهم البشر هو الذي يتغير نحوها فإذاً الحقيقة الربانية واحدة ونحن الذين نختلف حول هذه الحقيقة الربانية علينا أن نعيد النظر في فهمنا لنتفق حول الحقيقة الربانية واتفقنا على أن الدين يعرض ولا يفرض من شأن الإنسان أن يقدم دينه لكن لا يفرضه على الآخرين (لا إكراه في الدين) هذه أسس أصّلناها مع الفاتيكان ونحن نسير على هذا ولعل في الأسئلة أجلي شيئاً مما بقي وأختم بالصلاة والسلام على سيدنا محمد وشكراً لكم وأكرر شكري للاثنينية ورئيسها ورعاتها ولكم أيضاً أن شرفتموني بهذا الحضور الطيب المبارك وأنا مدين إليكم وأنا أقول هنا كلمة.. أقولها من قلبي أنا أكرَّم اليوم هنا كخرِّيج من خريجي اثنينية عبد المقصود خوجه فأنا خريج هذه الاثنينية فأقبل التكريم بصفتي متخرجاً وناشئاً في هذه الاثنينية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :797  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.