شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذة الدكتورة هند بنت ماجد بن خثيلة))
بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على سيد المرسلين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أصدقكم القول، الموقف الأكثر صعوبة في حياتي هو الذي أواجهه الآن وأنا بينكم، ولكن سوف أترك الحديث في هذا وأشارككم بعض المحطات كما ذكرت الأخت نازك فأنا أحييك أجمل تحية في هذا المساء الجميل مساء جدة التي تضفي عليه وجوهكم بهاءً ويزيده حضوركم جمالاً خاصاً هو جمال جدة وأهل جدة. الكثيرون هنا أو البعض كانوا زملاء على مقاعد الدراسة أو فضاء جامعة أو في بيئة عمل والبعض سمع عني من مثل ما تفضل به الشيخ عبد المقصود خوجه والأخت نازك وأصدقائي وزملائي أهلي أو قرأ لي على صفحة جريدة أو وجه مجلة. ولأنني موقنة أن لكل وجه لي رأيتموه أو كل إنجاز عرفتموه أو كل صفة قد تنسحب على ذاتي إنما مردها في التكوين الأول إلى السنوات الأولى من عمر الإنسان وهذا يعني أن تظل البداية واحدة فابدأ من تلك المرحلة. هذه الكلمات التي تأتي في هذه العجالة وأمام هذه الوجوه الطيبة وفي حضرة هذه العقول الراجحة ولمناسبة هذا التكريم الذي سيشكل فاصلة تاريخية في حياتي وليس فقط في حياة الاثنينية أود أن أعرِّج في حديثي على محطات ربما لا يعرفها الكثيرون أو لم تكن معروفة لأحد سواي. وفي هذا السياق لا بد لي من تقسيم هذا الحديث إلى منابر في الذاكرة وتوزيعه على محطات في حياة هند الخثيلة ويحلو لي أن تكون البداية من هناك حيث يتوسط والدي رحمه الله رَبْعَهُ في مجلسه الكائن في المربع يتناولون الأحاديث ويتسامرون بملء خواطرهم وحين أدخل عليهم كانت العيون تشخص إليَّ بينما لم يكن أحد يسبق والدي رحمة الله عليه في الترحيب والتهليل ألفاظاً وتعبيرات يتبعها احتضانٌ لهذه الطفلة التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها. كان ذلك يحصل في الوقت الذي لم يكن مألوفاً أن تدخل بنت ما مهما صغر سنها مجلس الرجال بل أذكر إنه كان من العيب أن يحمل الرجل ابنته أمام الرجال. أنا كسرت تلك القاعدة وتمرد ارتباطي بوالدي على كل الأعراف وساعدني في ذلك محبة استثنائية ورضى كنت أقرأه في عينيه وتعابير وجهه بينما كان يقابل ذلك سخطاً من والدتي عليّ وكثيراً ما تحدثت يرحمها الله إلى والدي ليمنعني من دخول مجلسه فكان غالباً ما يصمت مبتسماً أمامي على الأقل بعد ذلك بدأت وحين دخلت المدرسة الابتدائية أحس بتحول في النظرة والتعبير لم أتوقف عند أول خطوة لي للمدرسة التي سبقها صراع مرير بين الوالد ومن حوله من الذين يعارضون مبدأ ذهاب البنت إلى المدرسة لأن ذلك يطول الحديث فيه، لكنني أكتفي في هذا بأن أذكر ما كان يقول والدي لهم: يا الربع "العلم تراه فريضة على كل مسلم ومسلمة" فكان هؤلاء يستغربون رده عليهم مع ذلك ومع صراحة قول والدي ووالدتي لي بالابتعاد عن مجلسهم إلا أن ذلك لم يمنعني بين الحين والآخر من دخول المجلس دون استئذان بل والمشاركة فيما كان يدور من حديث وكان ذلك يشكل صدمة هائلة أراها مرسومة بوضوح في عيون الحاضرين. لقد بقيت على حالتي تلك حتى وفاة والدي يرحمه الله. وكنت آنذاك تخرجت من الجامعة. ذهب كل ذلك وبقي في ذاكرتي ونبضي ورئتي تلك الأحاديث وذلك الميدان الذي طبعني الطبعة التي أعيشها وتلك الرائحة التي كانت تنبعث من دخول المجلس على مدار السنة ورائحة مشلح والدي الذي كنت أتدثر به في طفولتي وشبابي لم أغادر هذه المحطة وفي نفسي ما يخالجها من قمة الذكريات والمواقف والتي أبرزها كان حين دخلت ذات مساء فوجدت أحد رفاق والدي والذي كان في سنه أو يكبره سناً يعرض ساعة مذهبة لامعة في ذهول على من كان في المجلس أهداها إليه الملك سعود يرحمه الله وحين رآني وكنت آنذاك في الرابع ابتدائي أراد أن يحرجني لعلني أن أنقطع عن مجلسهم فرد علي حين سألت عن الساعة قائلاً: سأريك إياها إذا قبلت أن تتزوجيني. توقع الجميع أن أخجل وأنسحب فقلت: أعطني إياها سوف أتزوجك حين أكبر، رج المجلس بالضحك وسحب الشيخ الساعة من يد أحدهم وأعطاني إياها. تلك الساعة لا تزال في ختمه كل ما رأيتها وعدت عدة عقود إلى الوراء أشم من خلالها من جديد عبق ذلك المجلس الذي تعلمت فيه أول درس في التربية، أرادني والدي يرحمه الله أن أتعلم من غير قصد وتمثل ذلك في قيمة الأنثى كبيرة وصغيرة في مجتمعها وأمام رجاله على وجه التحديد الذين ينظرون باهتمام لكل التساؤلات مهما كانت بريئة وساذجة لقد استقيت من ذلك المجلس كؤوس الحكمة والمعرفة والتجربة وارتشفت من تلك الكؤوس أرفع قيمة لمعنى الحياة الأسرية ولمعاني القيم الأسرية الفطرية قبل الغزو الحضاري الذي غيب ذلك كله بعد ما تمسكنا بالقشور ونسينا جوهر الحياة الأسرية الحضارية الدافئة. لا أزال أذكر ذلك الحي الذي ترعرعت فيه راكضة خلف كرة كان يلعب فيها من الأولاد الذكور إلا أنا ولا أزال أذكر ربما ركضت أميالاً طويلة دون أن تسنح لي فرصة واحدة بضرب أو إمساك تلك الكرة والتي كانت تبدو وكأنها مكتوب عليها للأولاد فقط، وحين أنظر اليوم إلى مختلف أنواع الرياضات ولا أرى أنثى واحدة تمارس إحداها أذكر تلك الكرة المنتمية إلى الذكور وصيحات هؤلاء الأولاد ومن ضمنهم إخواني تزجرني كي أغادر ساحة اللعب التي كانت في الغالب شارع الحي الذي وُجد للجميع، ولا تزال خطواتي تسير في كثير من شؤون حياتي في الطريق ذاته الذي بدأت به طفولتي وشبابي. فمنذ الصغر وأنا أحب منظر ورائحة الورد الطبيعي وحتى هذه اللحظة دون باقة ورد طبيعية أو ضمة زنبق أو فليلة في مزهرية على يمين مقعدي حيث أعتاد الجلوس وقد شكل ذلك في كثير من الأحيان شداً وجذباً مع زوجي الذي حاول أكثر من مرة أن يخفف من تعلقي هذا بالورود إلى درجة أنه أصر على أن الورد ينقص من كمية الأوكسجين في المكان الذي يكون فيه ولكنه ما أفلح في ذلك وبقيت مرتبطة بألوان الورود وعطورها ربما لأنها تعيدنا دائماً إلى رائحة ذلك الورد الطائفي الذي كان ينام على خيوط أزري بشت والدي يرحمه الله ومثل حبي للورود إخلاصي لذاكرتي ولأشياء صغيرة وقد لا يعلم أحد أنني منذ أول رشة عطر نسائي وحتى الآن لم أبدل عطري الخاص حتى بعد أن أصبح ماركة قديمة يتعذر عليّ إيجادها في الأسواق ما دفعني أن أتواصل مع مصانعه للحصول عليه وأؤكد هنا أن الصورة هذه ليست مثالاً أرستقراطية خاصة إذا كان سعر ذلك العطر مما يقدر كل من يرغب فيه وهذا قد كفاني البحث عن جديد العطور الذي له عند المرأة العصرية حيز كبير سواء في البحث عنه أو الحديث فيه ومثل عطري حبي لبيتي ولأعمال المرأة في بيتها فأنا لا أزال أتذوق الطبخ الكامل الطعم والرائحة حين يكون من عمل يدي وفي هذا المجال لا أزال أقوم بنفسي على الأقل بالإشراف اليومي على قائمة الطعام التي لن تكون إذا لم أحددها وأحدد كيفيتها لكل يوم، أما في شأن الخياطة فإنني لا أزال أعتمد على إبرتي وعلبة خيوطي في مختلف احتياجات ثيابي البسيطة على أنني لا أعرف من فنون الخياطة شيئاً لكنني أحبها لأنني أرى فيها لحظات لا تزال تعيش في ذاكرتي منذ تلك الأيام التي كنت أجلس فيها إلى والدتي يرحمها الله وهي تعلمني الكروشيه والذي تنتهي علاقتي به بعد صنع ثوب لكل مولود من أولادي. ذلك كله لن يغيب عدداً من المحطات التي شكلت فواصل أساسية في بناء شخصيتي وفكري وكانت ولا تزال نبعاً يمدني بالعزيمة والخبرة والحلم. أهم تلك المحطات وساكنيها كان والدي يرحمه الله الذي تركني قاموساً لا تنتهي فصوله من الإيثار والانتماء للوطن والتواضع للكبير والعطف على الصغير والتسامح مع المسيء والعفو عند المقدرة تلك صفات الإنسان العربي الأصيل لم أتلقفها على مقاعد مدرسة ولا من خلال سطور كتاب لكنها أخذت مكانها في قلبي وعقلي وذاكرتي لمجموعة مواقف وأفعال كنت شاهدة عليها ومراقبة لها ومسائلة عن معانيها وأهميتها، لقد ترك لي الشخصية الحاسمة والفكر المحاور وعدم التسليم بالقناعات، كنت ولا أزال أفضل الاستماع للآخر مهما كان ما يقوله وما يعنيه ومن ذلك كله عرفت الفرق بين القناعة والاقتناع لم يترك لي والدي مالاً وأزعم أنه أهلك ماله في ميادين الكرم والعطاء بل أهلك معظم أرضه في هذا المجال ولا أزال أذكر ذلك الجدل الذي دار بينه وبين والدتي يرحمها الله بشأن الأرض، كانت هناك مساحة واسعة من الأراضي أمام بيته كانت تعتبر ميداناً فسيحاً وحين جاء من يريد أن يعمر في جزء منها سكناً له ولعائلته وهبها والدي لسائله ما أثار حفيظة والدتي التي رأت أن يبيعها ولو بسعر رمزي فإن لم يكن فيهبها لها لاستثمارها. أذكر كلماته لها يا بنت الحلال هذه هبة من عبد العزيز بن عبد الرحمن يرحمه الله لهذا العبدلله الذي بدوره لن يبخل بها على عباد الله اعلميني أين عبد العزيز وأين نصير وهنا التراب الذي أنت خائفة منه سوف ينهد على وجوهنا حين نلحق من سبقونا إلى القبور الباقي بعده وجه الله هو الخير والعمل الصالح أنت تفهمين ولا ما تفهمين لا عاد تردين عليّ. ذلك الميدان الفسيح أصبح عنواناً لعشرات البيوت التي تقطنها عشرات الأسر ولن أغادر هذه المحطة قبل أن أروي قصة بسيطة في شأن الأرض، ذات يوم ولحاجتي لقطعة أرض في قريتي وتسمى الغطغط والتي ينتمي إليها والدي ولم أعش فيها إلا بعد مماته اتفقت مع صاحب الأرض على سعر معقول لكنه غالٍ قياساً على إمكانياتي المادية وعبثاً حاولت إنقاص الثمن وحين أصر البائع على طلبه نزلت عند رغبته وذهب إلى المحكمة للإفراغ فكانت تلك الأرض ولا تزال باسم والدي ولكنه تنازل عنها هبة لصاحبها تماماً مثلما لا يزال صك الأرض أمام بيتنا في المربع في علبة أسطوانية معدنية على الرغم من مآلها لعشرات الأسر لن تكون هذه المحطة الكبيرة الكريمة قادرة على تغطية المحطة الشخصية المؤثرة في تكوين شخصية الأنثى في هند الخثيلة وأقصد والدتي يرحمها الله. وللذين لا يعرفون فقد كانت حصة العبد العزيز، أي والدتي، زوجة للملك عبد العزيز يرحمه الله قبل أن يتزوجها والدي وكانت تلك المرأة مدرسة متكاملة في مختلف وجوه الحياة منها تعلمت الصبر في الحياة والعدل على بلوغ الأدب والطموح الذي ليست له حدود كانت دائماً تقول الناس كلهم سواسية في الخلق والعبادة لكنهم يختلفون في العلم والعمل. كانت يرحمها الله حصيفة وبعيدة النظر في الحياة تحب الخير وعمله. أذكر إنها وكان حين والدي أما في القرية الصغيرة أو حين لا تكون الليلة ليلتها تأتي إليها إحدى صديقاتها أو جاراتها وينطلقان ولأنني كنت كل مرة أتعلق بها وأبكي كي تصطحبني معها وما كانت تفعل فقد تسللت ذات ليلة إلى المقعد الأمامي في السيارة وبعد تواطؤ مع السائق انطلقت السيارة دون أن تدري والدتي وحين اكتشفت وجودي كانت المسافة بعيدة عن البيت واكتشفت إنها كانت تذهب لتحسس أحوال بعض الأسر التي تسمع من بعض صديقاتها أو جاراتها بحاجتهن وتقدم لها ما تستطيع. ولفتني في أحد البيوت أنها تحث الأُم على إرسال ابنها وبناتها إلى المدارس. كانت يرحمها الله تعمل من خلال العقارات والقروض الميسرة لكثير من المحتاجين وحين لم تكن البنوك تقدم مثل هذه الخدمة وهذا جعلها يداً ميسورة وتعلق بالجانب الاستثماري أكثر من والدي يرحمه الله ولا عجباً أن والدي ورَّثنا ديوناً اضطرتنا إلى بيع سيارته التي كنت أتمنى لو أنها بقيت ذكرى من بعده خاصة وإنها كانت هدية من الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله بينما كل ما ورثناه من عقار ومال كان من جهة والدتي يرحمها الله ولا أزال أذكر إلحاحها في السؤال عن مدارس محو الأمية لكنها لم تنتظر افتتاح تلك المدارس والتحقت مع ابنتها في المدرسة السابعة بالرياض، أما مصدر الحنان والعنفوان والرابط الأسرى المتين فقد تعلمته من أخي خالد يحفظه الله ولا أزال أحمل في قلبي ذلك الموقف المؤازر المؤكد على خطورة أن أكمل دراستي خارج الوطن والذي لولا الله سبحانه وتعالى ثم ذلك الموقف ربما تغير مجرى حياتي إلى الأبد هذا لا يقلل من الدور المحب والمؤازر لكل إخواني وأخواتي وذوي أهلي ومن حولي. ومن المحطات الكثيرة محطة غير عادية تمثلت في موقف للرجل الملك والملك الرجل فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله حين ذهبنا لمقابلته وكنا آنذاك بضع طالبات في المتوسطة حين كان علينا دراسة ثلاث سنين لإنهاء الكفاءة وربما أننا كنا قد تجاوزنا الأول والثاني المتوسط بنجاح ما يعني استحقاقنا للكفاءة آنذاك في عام واحد صدر القرار الذي يحتم اختبارنا في ثلاث سنوات دراسية لنيل الكفاءة ذلك يعني أنه لا بد لنا من دراسة سنة إضافية فقط للامتثال للقرار دخلنا عليه يرحمه الله في ذلك المجلس البسيط المرتب استقبلنا استقبالاً مميزاً ورحب بنا ترحيباً كبيراً وسألنا مطالبنا فتقدمت ولا أدري كيف عرضت عليه قضية الكفاءة تلك لكنني لا أزال أذكر تماماً ذلك لأنني حين أنهيت الثانوية العامة وقفت أمام واقع عدم وجود جامعة للبنات إلا بالانتساب في الآداب دون غيرها هنا كان أول تحدٍ يواجهني من مرحلة مهمة من صنع الحياة ولأن كل العائلة ومن حولها كانوا يعارضون رفقتي إخوتي لإكمال دراستي في الخارج فقد كان الصراع على أشده وكانت الغلبة تبدو للمعارضين الذين لوّح بعضهم بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال سافرت مع إخوتي. هنا كان موقف أخي ووالدي المؤازر والذي تغلب على الأغلبية وهو ما كان في الحالات النادرة في طبيعة الصراع، قطعت قصتي مع الملك فيصل يرحمه الله، فأقول حين استمع إليّ باهتمام ولكنه لم يجبني بكلمة واحدة وغادر المجلس بعد ذلك مباشرة الأمر الذي تركني في صدمة امتزجت فيها نظراتي الحائرة بدموعي الغزيرة ولعله يرحمه الله سمع صوت بكائي والتفت فرآني أبكي بحرقة فقال: (إيش فيها)، قالت له سمو الأميرة كريمته العنود بنت فيصل يرحمها الله تقول: (ليش ما سمعتها)، فابتسم وواصل طريقه إلى خارج المجلس دون أن ينبس ببنت شفة وفي اليوم التالي مباشرة صدر قرار يعتمد الكفاءة لكل طالبات الصف الثالث المتوسط نظام السنة الواحدة. تلك الحادثة وذلك الموقف لا يزال يعيش في خاطري وفي جوارحي خاصة وأنني الآن أعلّم مادة صنع القرار لطالبات برنامج الدكتوراه في الجامعة ويقودني هذا الموقف إلى محطات أولادي الذين هم الآخرون أضعهم في ميادين تجارب صنع القرار وسوف أختصر بعض المحطات التي قد يثيرها بعض الأسئلة ولكن على أن محطة أستاذي الجليل الشيخ عثمان الصالح هي رمز لكل محطات العطاء والتفاني وفيها أقف أمام كل أساتذتي لأنها تختصر كل مشوار العمر التعليمي الذي انتهى بعودتي من الولايات المتحدة بثلاث شهادات أكاديمية هي الجامعة والماجستير والدكتوراه في إدارة التعليم الأكاديمي وبعد أسابيع من وصولي إلى الرياض التحقت كأستاذة بجامعة الملك سعود ووكيلة لمركز الدراسات الجامعية للبنات وبعد أقل من عامين كنت أول عميدة سعودية في جامعة بالمملكة وكان عدد الطالبات آنذاك في مختلف عدد الكليات لا يزيد عن ألفين وثمانمائة طالبة وبعد اثنتي عشرة سنة من العمادة غادرتها وفيها سبعة عشر ألف طالبة وفي تلك الفترة تم استحداث ستة أقسام جديدة للمرأة في الجامعة ولن أنسى طوال تلك الفترة الزاهية ما لاقيته من مؤازرة ومواقف إدارية سامية من الأستاذ الدكتور منصور التركي الذي كان مديراً للجامعة ولمدة سنتين والأستاذ الدكتور منصور الحازمي كعميد لمركز الدراسات الجامعية للبنات قبل أن أصبح عميدة له الذي كان يتلقف كل اقتراح وتوصية وأقصد كليهما أو رؤيتهما وقد عودوني أنهما كانا يأخذان ذلك وهم يفكرون أن يحققوا لنا في مجال تعليم المرأة الجامعي ولست أبالي إن قلت إن مفتاح الإيجاز الذي وفقت إلى تحقيقه إنما كان مرده إلى تلك المنهجية القيادية التي كان ينتهجها منصور التركي في شأن العمادة ولن أنسى أنني استطعت احتلال منصب الأستاذ الدكتور منصور الحازمي وقطعت الطريق على أن يتولى ذلك المنصب رجل آخر إلا أنني في تلك السنوات لم أستطع أن أقنع إدارة كليات الجامعة بحاجة المرأة إلى التخصص بالقانون والإعلام وكان ذلك مضمون آخر مذكرتين رفعتهما إلى الأقسام المعنية وحين لم يحدث ذلك التفت إلى جامعتي الصغيرة، وأقصد أسرتي، فأكرمني الله بتحقيق ذلك من خلال بناتي وبعد تخرجهن، أما أولادي الذين أنظر إليهم كأغصان باسقة تمتلئ أزهاراً ومحبة وهم في الوقت نفسه ميدان تنافس تربوي حقيقي وحقل التطبيق المتواصل للأمومة أولاً وعندما أريد غرسه من نظريات تربوية ثانية ولست أزعم أنني خيراً من غيري من الأمهات لكنني أستطيع أن أقول باطمئنان إن الجو العام الذي يسود علاقتي بهم يمتلئ بعناصر الأمومة كلها وبمفردات الصداقة جميعها وفي هذا الإطار أستطيع رصد المعادلة التالية التي توضح المنهج الذي أسير به معهم منذ لحظة ميلادهم وحتى لحظات استقلالهم واعتدادهم بأنفسهم هذه المعادلة تبدأ بالعنوان الأكبر وهو الحب لا إطار الحب دون تفريط ثم الحزم من غير إيذاء ويليه التوجيه بلا مباشرة ثم النقاش والحوار ليس في شؤونهم فحسب ولكن في شؤوني أيضاً وشؤون البيت وفي شؤون وهموم الحياة لقد درجت العادة أن أقف في وسط صالة المنزل أنادي يا بنات فيصل فيأتون من مختلف الأبواب إما إلى اجتماع غالباً ما أدعو إليه وإما إلى أمر طارئ كثيراً ما كانوا يخشون تفاصيله ونتائجه لكنهم يبدأون في الهدوء لحظة طرح الموضوع ورأيت نفسي مصغية إليهم باهتمام أما اليوم فلم أعد أقف في منتصف الصالة أناديهم كي يستمعوا إلى زاوية كتبتها أو خاطرة سطرتها أصبحوا هم من ينادون كيف أُلبي وأستمع إلى ما يشغلهم وما صنعوه من فكر وإنجاز. كنت وهم صغاراً تربوية بامتياز وأعني بذلك الجانب الأكاديمي والتطبيقي من التربية والإدارة أما الآن فإنني أجد نفسي إلى جانب ذلك أفهم في القانون من عدول وفي السياسة الدولية من "أسيل" وفي علم الاتصال من "عهود" وعلم الاتصال السياسي من "نورة" وفي بعض الهندسة من "فيصل" وفي مشكلة المناهج والتدريس من ابني بالتبني "عبد الله" الذي أرجو أن أتعلم منه شيئاً عن الطب الذي يحلم به، قبل مغادرة أسمعاكم النقية وقلوبكم المحبة أؤثر أن أذكر هنا مجموعة من اللحظات الأولى في عدد من المحطات ولكي لا أطيل سأكتفي برصد لحظة هنا دون تفكير أو تعليق وجعلت ذلك كله تحت عنوان (مجموعة أوائل) أول بيت لي هو مسقط رأسي في جدة؛ أول مدرسة ذهبت إليها باكية هي مدرسة مبرة الملك عبد العزيز بالرياض؛ أول شهادة علمية شعرت بأهميتها هي الابتدائية؛ أغلى شهادة علمية حصلت عليها هي الكفاءة؛ أول سفرة تعليمية خارج الوطن كانت إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ أول يوم عمل لي كان في جامعة الملك سعود؛ أول مشاركة لي في مؤتمر كانت في العين بالإمارات العربية المتحدة؛ أول كتاب صدر لي هو "أسس الإدارة التربوية"؛ أول كتاباتي الخاصة هي آخر إصداراتي والتي هي بين أيديكم وتضم بعض خواطر شاردة بقيت في أدراجي وطي دفاتري وخرجت إلى المطبعة خصيصاً لهذه المناسبة قبل أسبوع من الآن؛ أول تكريم يضعني وجهاً لوجه أمام كل محطات حياتي هو هذا التكريم الذي يشرفني به أخي الفاضل الشيخ عبد المقصود خوجه ومن حوله هذه الوجوه السمحة التي تزين الحضور أمام عيني وتزين الشاشة. للشيخ عبد المقصود الشكر والفضل والتحية وله صفحة ناصعة في تاريخ التكريم على مدى عقود سلفت أدعو الله مخلصة أن يستمر هذا العطاء بامتياز إلى عقود آجلة وتكفي يده البيضاء ومبادرته الكريمة هذه لأن تجعلنا مدينين له في هذا اللقاء الحميمي الذي عنوانه مودة خالصة ومادته إيثار منقطع النظير لكم جميعاً، تحيتي وشكري ولكم التقدير الذي يليق بكم والاعتزاز الذي أنتم أهل له في الختام رجائي أنني ما كنت ثقيلة عليكم ودعواتي أن تتواصل لقاءات المودة والمحبة بين كل أبناء الوطن على ثرى أغلى وطن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه: يا أخت الرجال يا بنت الرجال ويا أم الرجال كنت رائعة كنت قامة وقيمة كما عهدناك استمعنا إليك بآذان مشنّفة وسبحتِ بنا وما أحلى أولوياتك. شرف كبير للاثنينية أن تكون من ضمن أولوياتك سعادتنا غامرة بك وبكل من هم من أمثالك سعدتِ وطابت لك الحياة ودمت معنا ونحن معك على خير ما نحب لك مع من تحبين سلمت أيتها الأخت الكريمة وأترك لك السيدة نازك لإدارة الأمسية، وشكراً لك.
عريفة الحفل: شكراً لسعادة الدكتورة هند الخثيلة على هذه الإضاءة الجميلة وهذه الكلمة التي أخذتنا بها كثيراً نبدأ بالأسئلة:
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2265  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 100 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج