((الحوار مع المحتفى به))
|
عريف الحفل: شكراً لسعادة فارس الاثنينية على هذه الكلمة الضافية ونبدأ على بركة الله ونفتح باب الحوار مع سعادته ونبدأ بسؤال من الأخوة الرجال. |
سؤال من الأخ خالد المحيميد من جريدة الوطن يقول: |
ما هي في اعتقادك الآثار التي ترتبت على حركة الثمانينات الأدبية فيما يتعلق بالرواية التي تكتبها المرأة اليوم؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: شكراً للأخ الكريم وأود أن أُشير إلى أن مرحلة الثمانينات كانت أشبه بمرحلة المخاض وبعد نهاية الثمانينات بدأت الأمور تستقر، لقد شهدت هذه المرحلة الكثير من الجدل والحوارات التي خرجت في بعض الأحيان عن مسارها والتي أنتجت بعضاً من الكتب غير القليلة التي تحدثت عن أُمور ربما أُسيء فهمها حيناً وربما كان بعضها على حق أيضاً لأنه كان هناك شئ من الشطط والغلو، أما فيما يتعلق بالمرأة فأنا أعتقد أن ما أنجزته المرأة في مجال الرواية كان نتيجة لمواكبة ثقافية وإبداعية سواء في مجال كتابة الرواية لدى الرجال أو لدى النساء؛ وإن كانت الرواية النسوية قد شهدت طفرة في الحقبة التي نعيشها وفي السنوات الأخيرة. |
الأستاذة نازك الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. |
أيها السادة والسيدات الحضور الكرام... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. من نهر الأردن إلى شاطئ البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية نرحب بسعادة الدكتور محمد صالح الشنطي الأكاديمي والأديب والناقد المعروف، الذي نشر شراع الحركة الأدبية والتجربة الشعرية والنقدية لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً، عندما قرر العيش في خضمّها حاملاً العلم مدرِّساً للغة في مدارس عدة من مدن ومناطق بالمملكة العربية السعودية إلى أن استقر في جامعة الملك سعود في الرياض أستاذاً مشاركاً في قسم اللغة العربية حتى الآن.. في سيرته الذاتية الكثير من المحطات المعطاءة.. وها هو اليوم بيننا نرحب به ونتمنى له أمسية جميلة في روضة التكريم بإذن الله. |
.. اسمحوا لنا بطرح بعض الأسئلة، السؤال الأول هو من الدكتورة أفنان الريس: |
تخصصت في اللغة العربية وآدابها وهي لغة قوية نعتز بها.. كيف نستطيع أن نجعلها لغة عالمية في الندوات والمؤتمرات أسوة باللغة الإنجليزية، أو في الدول العربية والإسلامية على الأقل؟ وما هي معوِّقات ذلك من وجهة نظركم؟ وماذا أضفتم لهذه اللغة؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: شكراً، أريد أن أستذكر قول ابن خلدون عن اللغة: "فقوة اللغة من قوة أصحابها وإن الأمم الغالبة تفرض لغتها وتفرض ثقافتها على الأمم المغلوبة".. ولا نستطيع أبداً أن نفصل بين وضعنا الحالي وبين لغتنا، وإن كانت لغتنا قد تفوقت عليهم وأصبحت من اللغات العالمية التي يُعتز بها ويُعترف بها في هيئة الأمم المتحدة، وهي لغة ثقافة وتراث، وأذكر أن "الدكتور أحمد الضبيب" ألّف كتاباً عن اللغة العربية والعولمة.. وقد أوضح في هذا الكتاب أننا نتهالك على قراءة اللغة الإنجليزية وتعلَّمها، بينما لا نجد لذلك نسبة كبيرة في بلد كاليابان أو الصين على رغم أن اليابان من أكبر البلدان الصناعية واقتصادها قوي، ولا تجد إلا عدداً ضئيلاً من أبنائها يتقنون اللغة الإنجليزية.. أنا هنا أستحضر هذا المثال وأُعزِّز ما سبق أن أشرت إليه من قول "ابن خلدون"، من أننا إذا اشتد ساعدنا وأصبحنا من أصحاب الصولة والسلطان والجاه وإن شاء الله الأمل كبير في أن تتطور أُمتنا وأن تتحد وأن تصل إلى ما نصبو إليه ولكن.. أما بالنسبة لكونها لغة علمية.. كيف تصبح لغتنا لغة علمية.. فإن منجزها العلمي في المستقبل وجهود باحثينا، وجهود علمائنا إذا كتبوا منجزاتهم بهذه اللغة سوف تصبح هذه اللغة لغة علمية، ومجمع اللغة العربية في القاهرة والمجامع العربية الأخرى في مختلف البلدان العربية تحاول أن تضع الأساس لهذه النهضة العلمية أو لتحويل لغتنا إلى لغة علمية، وإن كنت أعتقد اعتقاداً جازماً أن اللغة العلمية لا تضعها المجامع ولا تصنعها المجامع وإنما يصنعها العلم ويصنعها التقدم. |
الأستاذة نازك الإمام: عفواً.. لغة عالمية؟ كيف تصبح لغة عالمية مؤتمرات لغة؟ |
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: هي الآن لغة عالمية في ما أعتقد وهنا قد نختلف على تحديد مفهوم العالمية.. ماذا تعني كلمة عالمية إذا كانت لغتنا تُدرَّس في مختلف جامعات العالم، وهناك أقسام خاصة باللغة العربية وثقافتنا وتراثنا أشتغل فيها الكثيرين من المستشرقين. |
فإذا استطعنا أن نقدِّم شيئاً وأن ننجز وأن نؤلف في هذه اللغة كتباً علمية وأبحاثاً علمية وتخلَّينا عن عقدة النقص التي يمكن أن نشعر بها في لحظة من اللحظات حينما تدرَّس جميع العلوم بمختلف اللغات الأخرى أو باللغة الإنجليزية على سبيل المثال، ربما نكون قريبين جداً من أن تكون لغتنا لغة عالمية إن شاء الله. |
عريف الحفل: سؤال من الدكتور محمد عبد الفتاح عطوي جامعة الملك عبد العزيز يقول: |
درَّستم الأدب السعودي في حائل فهل ترى أن ثمة أدب يسمى بالأدب السعودي أم أنه ينضوي تحت الأدب الحديث وله سماته وخصائصه كأي أدب مرتبط ببيئته؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: هذه فرصة لكي أُصحّح بعض ما قيل، هل أنا أستاذ في جامعة جدارة في أربد في الأردن للدراسات العليا وأُدرِّس الأدب الأردني!! يعني هذا إننا ندرس الأدب السعودي وأيضاً الأدب الأردني ليس من منطلقات إقليمية وإنما من منطلق الوحدة التي يثريها التعدَّد في أدبنا العربي في مختلف أقطار العالم العربي لكي نُعرف به، يجب أن يكون هناك دارسون يدرسون هذه الآداب العربية المختلفة ويقدمونها لمختلف الأقطار العربية، وأنا دائماً كنت أقول لطلابي الذين أدرِّسهم الأدب الأردني، وكنت قبل هذا أدرّس طلابي في المملكة العربية السعودية الأدب السعودي وكنت أقول لهم دائما أن تدريس الأدب السعودي أو تدريس الأدب الأردني لا يعني أن هناك شخصية أو أن هناك أدباً يختلف عن الأدب العربي الحديث، كل هذا يدخل في إطار الأدب العربي الحديث، وإنما هذه التسمية "الأدب السعودي" و "الأدب الأردني" و "الأدب السوري"، وكنا ندرّس "الأدب المصري" في مصر أيضاً، إنما هي من باب الكشف عن تقديم هذا الأدب إلى مختلف المثقفين والدارسين في العالم العربي وليس من باب منطلقات عنصرية ولا حتى من منطلقات منهجية، كان هناك المنهج الإقليمي في تدريس الأدب وكان يتزعمه الشيخ أمين الخولى والدكتور شكري عياد، وجماعة الأمناء وكنا دائماً نقول إن التدريس وفق المنهج الإقليمي في العالم العربي لا يصح أن يكون مستلهماً من تلك المناهج الغربية التي ترى أن مصر هي هبة النيل وإن البيئة الجغرافية هي التي تكوِّن الأدب أو تؤثر فيه، ولكن أود أن أشير إلى أنّ وإن كانت مجتمعاتنا العربية كانت قريبة من بعضها البعض إلا أن هناك بعض الخصوصيات التي تتعلق بطبيعة المجتمعات والقضايا والتطور الاجتماعي وغيره؛ ما يقتضي إبراز هذا الجانب الخاص ومجموع هذه الخصوصيات يشكل خصوصية الأدب العربي الحديث بكامله وشكراً.. |
الأستاذة نازك الامام: سؤال من آمال عبد المقصود خوجه: |
ما هو أدب الطفل وما هي الموضوعات التي تتفرَّع منه؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: أدب الطفل يركز على أمرين أساسيين، الأمر الأول هو اللغة التي ينبغي أن يخاطب بها الطفل في الأدب، وهذه المسألة استغرقت كل جهد الباحثين في هذا المجال بل هي جوهر هذا الأدب، وأما الأمر الآخر فيتمثّل في الجانب التربوي. وإذا كان أدب الكبار يهدف إلى أن يقدّم فناً جميلاً له رؤية خاصّة للحكاية أو الكون فإن أدب الطفل يعمل على صقل شخصية الطفل وصقل وجدانه، وهو يتناول مختلف فنون الأدب سواء كان في السرد أو الشعر أو الدراما، حتى أنه يتطرق في بعض الأحيان إلى اللعب وتقديمه من خلال بعض القصص ومن خلال بعض النصوص، وهو يرتبط بعلم نفس النمو بالمراحل العمرية، لاسيّما وأن هناك الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة؛ وهكذا فإن كل مرحلة عمرية تحتاج إلى لون من ألوان الأدب يناسبه ويعمل على صقل شخصيته وصقل وجدانه. |
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ غياث عبد الباقي: |
في الفترة الأخيرة أصبحنا نشهد مع فجر كل يوم ولادة رواية سعودية جديدة فما رأيكم في هذه الظاهرة وهل لديكم مشروع كتاب يدرس هذه الظاهرة؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: شكراً.. ليت الأمر كذلك، نتمنى أن يكون لنا رواية كل يوم، الرواية في المملكة العربية السعودية في حقيقة الأمر تأخرت قليلاً وذلك لأسباب اجتماعية سبقت الإشارة إليها أكثر من مرة، فربما كانت القصة القصيرة أكثر انتشاراً وأكثر رواجاً نظراً لأن القصة القصيرة تناسب مراحل الانتقال وتناسب مراحل التحوُّل وتناسب الحراك الاجتماعي الذي بدأ منذ عقد في أوائل السبعينيات، ولذلك شهدنا طفرة في فن القصة القصيرة، أما الرواية وهي التي تمثّل الرحلة الطويلة من المنبع إلى المصب، فكانت تحتاج إلى شيء من الاستقرار، خاصة بعد الطفرة الأولى، ولذلك شهدت حقبة التسعينيات نشر عدد كبير جداً من الروايات، بل وقد تحوَّل بعض الشعراء إلى روائيين وبعض الباحثين وأساتذة الجامعات إلى روائيين وكأنهم يريدون أن يستوعبوا ذلك الحراك الاجتماعي الذي مر خلال العقدين السابقيْن، ولهذا نجد أن الرواية شهدت ازدهاراً في تلك المرحلة وفي أوائل هذا العقد، لكن السؤال هل يمكن أن تكون هذه جميعاً روايات، هل تدخل في مجال الرواية؟.. الرواية في حقيقة الأمر أمر ملتبس، هناك النظرية.. فنظرية الرواية فضفاضة ولذلك نجد كثيرين يزعمون أن ما يكتبونه روايات، والصحيح أن تداخل الأجناس الأدبية وتناول الأنواع الأدبية أدّى إلى هذا الزخم الهائل من كتابة الرواية، لأن البعض استسهل كتابة الرواية، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى تمحيص والرجوع إلى النصوص، لكن الملفت أن الرواية النسوية هي التي كانت أبرز وأظهر؛ وهذا له أسبابه الاجتماعية التي يمكن بالفعل دراستها. |
الأستاذة نازك: سؤال من منى مراد: |
درَّست الأدب الحديث الدور والإمكان، وأسهمت كثيراً في أدب الطفل، فأين نصيب المرأة من كتاباتك الأدبية والنقدية؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: طبعاً أنا لا أستطيع أن أزعم أنني درَّست أدب المرأة في المملكة العربية السعودية، ولكن هناك فصولاً كاملة في الكتب التي كتبتها عن الرواية وعن القصة القصيرة تتناول-وحتى في التجربة الشعرية- أدب المرأة. وأود أن أذكُر أن كثيراً من الأخوات الكاتبات والشاعرات لا يعجبهنَّ هذا المصطلح.. مصطلح الأدب النسوي أو أدب المرأة، على أي حال فإن أدب المرأة في المملكة العربية السعودية له حضور واضح وخصوصاً في الرواية والشعر.. أيضاً أستطيع أن أقول أني قدمت نماذجاً أو حاولت أن أُقدم نماذج من هذا الأدب. |
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي: |
لماذا انحدر سلوك وأخلاق الطالب السعودي إلى درجة ضربه المعلم-هكذا يقول السائل- في المدرسة والكلية وتحطيم سيارته.. لماذا انحدر سلوك المعلم ليلقى الطالب هذا الجزاء المشين، هذه الظاهرة الشنيعة انتشرت في المملكة العربية السعودية والأردن، ما سبب هذا، وما هي وسائل العلاج ليعود الاحترام للمعلم ونقف له إجلالا وتقديراً؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: أودُّ أن أوضح شيئا وهو أن مثل هذه الحوادث الفردية التي تحدث أحياناً وربما كمثال أظهر وأوضح لدينا الجامعات في الأردن، وقد أثارت هذه الحوادث ضجة كبيرة أدت إلى إقالة بعض رؤساء الجامعات في الأردن، أنا أقول إن هذه الظاهرة هي ظاهرة فردية حتى وإن بدت في الصحف على أنها ظاهرة حقيقية، ولكن هذا لا يعني أننا راضون عن المستوى التعليمي والتربوي لدى أبنائنا سواء في الأردن أو في السعودية أو في العالم العربي بشكل عام، ولا نقول إن التعليم قد انحدر ولكن نقول إن التوسُّع في التعليم ربما غلب فيه الكم على الكيف، لكن بدون شك فإن هذه الحوادث التي نستاءُ منها جميعاً هي حوادث فردية، كذلك فإنني أرى أن المعلم أو الحاجة إلى المعلم جعلت التدقيق في اختيار المعلم ليس بالمستوى الذي نريد، لهذا تجد حاجتنا إلى المعلم والمدارس تزداد بكثرة بسبب النمو السكاني.. والحمد لله.. وتزداد حاجاتنا يوماً بعد يوم لدرجة أصبح من الصعب معها ملاحقة هذا العدد الهائل من السكان بمدرسين منتقين كما نريد، ولذلك كانت هذه الوضعية وضعية إنسانية أو اجتماعية نأمل أن تأتي الأيام والسنين القادمة بدراسات استراتيجية من خلال مراكز للبحث،-وليس من خلال رأي عابر- تدرس هذه الظواهر وتقنن لها وتعمل على إعداد المعلم كما ينبغي أن يكون؛ ولكن لا نريد أن نتشاءم أو نُحمِّل المسألة أكثر مما تحتمل فبلادنا إن شاء الله بخير وأبناؤنا بخير وأن هذه الظاهرة إلى انقراض إن شاء الله. |
الأستاذة نازك الإمام: سؤال من الأخت وداد توفيق: |
لقد نشرت لك مؤلفات كثيرة، فكيف نجعل هذا الجيل يحب القراءة واللغة واستسهال الفكر وظهور رجال نوابغ وسيدات كذلك حيث لا يهتم هذا الجيل إلا بالفضائيات..؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: أنا أعتقد أنني لا أستطيع أن أزعُم أنني قادر على الإجابة، الجواب يحتاج إلى مراكز أبحاث ويحتاج إلى دراسات مطوَّلة، لأن الفضائيات والألعاب الإلكترونية والكثير من المغريات تجذب الصغار كما تجذب الكبار أيضاً، نحن نعاني من أزمة قراءة لدى الكبار، ولكن ربما كان لمراكز الأبحاث والدراسات والبحوث الميدانية التي تقدَّم إذا أحسنَّا استخلاص النتائج منها وإذا طبقنا التوصيات-وهي كثيرة- التي ترد في الرسائل الأكاديمية والأبحاث العلمية، ربما نستطيع أن نتغلّب على جزء من هذه المشكلة. |
عريف الحفل: الدكتور يوسف العارف يقول: |
لِمَ أصبح النقد الأدبي إهداء للعيوب أو إبرازها، لا بل تحول إلى نص موازٍ للنص الأصلي المنقود، وأصبح النقد الأدبي اليوم محركاً فاعلاً وناشطاً لإنتاج النص الجديد في الوقت الذي تتشكّل من خلاله لغة تسند النص وتظهر جمالياته؛ ما رأيك وأنت الناقد الذي نحترم رأيه ونتوق إليه؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: شكراً جزيلاً.. هناك في الحقيقة تحوّل في النقد، ولكن يفترض أن هذه اللغة أو هذا النص النقدي الموازي ألاَّ يقدَّم إلا من خلال مقاربة نص رفيع المستوى، وليس هناك أي نص يمكن أن يقوم الناقد بمقاربته بنص موازٍ واصفاً أو مفسّراً أو مؤوِّلاً أو كاشفاً عن البنية التي يقوم عليها النص، وأنا انتمي إلى جيل أو اتجاه يرى أن النقد لا ينبغي أن ينسى مهمته القديمة-وهي مهمة أيضاً- في إبراز بعض الخلل والعيوب التي في النص الأدبي، وإذا كان هناك من يرى أن النص هو فلسفة في الدرجة الأولى فنحن نوافقه على ذلك، وإذا كان يرى أن النقد فكر، لاسيّما وأن أغلب النقاد يتحولون إلى مفكرين بعد نضوجهم، إلا أنني أرى أن النقد لا يمكن أن يتخلّى عن مهمة تقويم النص، وتقويم النص مهمة من مهمات النقد الأساسية التي لا ينبغي أن يتخلى عنها النقد، وإذا كان النقد الحديث أو النقد الموازي للنصوص يقوم بمهمة أخرى قد تكون مهمة تفسيرية أو تأويلية أو وصفية لا بد أن يتم اختيار النصوص النموذجية أو النصوص التي تستحق أن تقرأ قراءة نقدية.. وشكراً. |
أستاذة نازك: سؤال من الأخت نهلة عبدربه: |
لم نعد نميّز القصة الجيدة، كيف أحكم على هذه القصة أجيدة هي أم لا؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: سؤال يحتاج إلى حديث طويل وربما البعض يرى من الناحية المنهجية أنه لا يجوز لنا أن نوصِّف النص الجيد أو نقدم تعليمات للنص الجيد، وإن كانت هناك كتب كثيرة كتبت في هذا المجال عن القصة القصيرة وعن الرواية، ولكن الكتابة في الدرجة الأولى موهبة وأعتقد أن الموهبة هي التي تدفع صاحبها إلى أن يطوّر نفسه وأن يقرأ كثيراً في مجاله، وأنا أرى أنه يجب أن تتناول القراءات النصوص المتميزة أو النماذج المتميزة عربياً وعالمياً، بتكريس جزء من الوقت من أجل قراءة الكتب النقدية التي تتناول نصوصاً متميزة كما يمكن لكاتب القصة الموهوب أن يقدم لنا شيئاً جيداً وجديداً؛ وأن نصحح مسيرته الإبداعية حتى يصل إلى مستوى راقٍ ومرموق. |
عريف الحفل: الأستاذ أشرف السيد سالم يقول: |
يرى البعض أن الوطن العربي يشهد صحوة أدبية وبالمقابل يرى آخرون أنها صحوة ورقية لا أدبية، فهل نحن أمام تأليف أم إبداع وشعراء أم نوابغ ومؤلفين أم مجرَّد مواهب؟ ما هو تقييم سعادتكم للحركة الأدبية المعاصرة في الوطن العربي؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: هذا سؤال كبير أنا لست من أنصار الأحكام العامة وإن كان في هذه الأحكام كثير من الصحة ومع أن من المعروف أن بعض الحقب قد تشهد ظهور نوابغ.. والنوابغ دائما قليلون ويُعدون على الأصابع، هؤلاء يصلون إلى مرتبه متميزة ولكننا لا نستطيع أن ننفي وجود كتّاب لدينا، أو ليس لدينا أدباء وبأن كل ما يكتب هو بغير مضمون وبأن هناك شعر بلا شعراء وما إلى ذلك، نحن لا نستطيع أن نقول هذا، ولكننا نقول إننا ربما افتقدنا قامات بحجم أولئك العمالقة من النقاد والشعراء والكتاب، ولعل السنين القادمة تأتي بمن هم عباقرة ومتميزون. |
الأستاذة نازك: حتى الآن ما زالت اللغة العربية تشكل هاجساً يؤرق طلاب وطالبات المدارس، فما هي الأسباب التي يكره فيها أبناؤنا وبناتنا اللغة العربية في التعليم، وما العلاج لتطوير ثقافة اللغة العربية في حياتنا؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: في ما يتعلق في هذه الملاحظة ربما شعر بها كثير من الزملاء الأساتذة في اللغة العربية سواء في الكليات والجامعات، وآخرها جامعة إربد الأهلية حيث عقدت ندوة لمعالجة لماذا يكره الطلاب قواعد اللغة العربية، ولماذا يكرهون درس قواعد الصرف؟ طبعاً لا نستطيع أن نأتي بوصفة سحرية، ولكنني أقول من خلال تجربتي المتواضعة أن مدرِّس اللغة العربية يتحمّل بعض المسؤولية عن ذلك، ففي كثير من الأحيان يتحول درس النحو إلى درس أصم يعني درس "لوغريثمات" وليس درس لغة، نحن لا ندرِّس اللغة العربية في النحو من خلال النصوص وإنما من خلال أمثلة عقيمة، لذا يفترض أن يدرَّس النحو من خلال الروائع الأدبية ويفترض أن تدرَّس البلاغة أيضاً من خلال النصوص الأدبية الرفيعة، وفي كثير من الأحيان نحس أن المعلم يبقى عشرين سنة يدرِّس الفصل نفسه والمادة نفسها دون أن يطور شيئاً ودون أن يقدم شيئاً؛ حتى أن كثيراً من الدورات التي تُعقد في كثير من الأحيان تُنسى ويبقى المعلم على طريقته التدريسية. إن التعليم فن وهذا الفن يحتاج أيضاً إلى معرفة وإلى علم. والآن لا أنكر بأن هناك أساتذة كبار متخصصون في طرق تدريس اللغة العربية وفي طرق تدريس النحو والصرف، وفي اعتقادي أن التغلُّب على هذه القضية لا يتم إلا من خلال أن يكون الطالب محباً للغة العربية من خلال أستاذه الذي يُحبِّب إليه هذه اللغة، ونحن في جيلنا شهدنا أساتذة دفعونا إلى أن ندرس اللغة العربية وأن نتعلمها وأن نتعلق بها، وأنا أتذكر قول الدكتور شكري عياد حينما كتب لنا مقالة في مجلة الأدب العربي حيث قال رحمه الله: "لا يمكن لدارس الأدب ودارس اللغة أن يفلح إلا إذا وجَّه هوى نفسه لدراسة الأدب ولدراسة اللغة"، فالدرس إذا كان معتماً من الناحية التربوية والتعليمية وإذا كان درساً جافاً لا يمكن للطالب في الفصل إلا أن يكره اللغة العربية، بينما إذا قُدِّمت له من خلال أمثلة ومن خلال نماذج يحبها قريبة إلى نفسه وتربي ذوقه دون إغراق في تفاصيل القاعدة النحوية وتبسيط هذه القاعدة من خلال النصوص فإنه سيحبها. وأنا أكرر ينبغي أن يكون ذلك كله من خلال النصوص فالتمثيل؛ هناك برامج تعليمية تُدرِّس النحو والصرف من خلال التمثيل. |
عريف الحفل: سؤال من الأخ عبد الغني حاووط: |
نعلم أن اللغة العربية سميت لغة الضاد لكننا نرى أن هناك من يخلط بين الضاد والظاء ما قولكم في هذا، وهل هناك رأي في صحة ذلك حيث إنها تسبب خلطاً في كلمات القرآن؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: في حقيقة الأمر هذه مشكلة أعيت المعلمين ولكنها ليست مشكلة خطيرة إذا كانت مقصورة في اللفظ، خصوصاً وإننا لا نستخدم الضاد في كثير من الأقطار العربية في لغتنا اليومية وإنما نستخدم الظاء، ولكن الخطورة تكمن إذا تحولت هذه المسألة إلى الكتابة، أما بالنسبة للهجة الظاء في القراءة رغم أنه يستحسن أن يبصر بها الذين يقرأون ويكتبون، لاسيما وإن لغتنا هي لغة الضاد فعلاً وإنها تتفرد بين اللغات الأخرى بذلك، إلا أن المسألة تحتاج إلى صبر وأناة وأنا أعتقد أن ضعفنا في القراءة ناجم عن أننا لا نطَّلع على القرآن الكريم كثيراً ولا نقرأه كثيراً، ولا يمكن أن يتأتى لأي طالب أو لأي كاتب أو لأي مثقف أن يتقن القراءة والكتابة إلا إذا كان قد دأب على قراءة القرآن الكريم والتمثُّل به وكذلك قراءة النصوص المتميزة والنماذج الجيدة؛ فلو إننا قرأنا القرآن الكريم ستختفي هذه الظاهرة.. ظاهرة الخلط بين الضاد والظاء حتماً. |
الأستاذة نازك الامام: نختم بسؤال من الدكتورة أفنان الريس مرة أخرى تقول: |
لقد أفدتم بلادنا من خبراتكم وعطائكم لهذا الوطن، ماذا استفدتم أنتم منذ وجودكم في بلدكم الثاني في مجال التربية والتعليم؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: لا مجاملة فقد استفدت بكل ما قدمته من عطاء لهذا البلد وقد استفدت من هذه الرفقة الكريمة التي اعتز بها ومن هذه الأخوَّة الحميمة التي تربطني بهذا البلد وبأعلامه وكتابه وأدبائه، فأنا الرابح من هذا كله وإن ما قدمته ما هو إلا الشيء اليسير وليس بشيء يُذكر في ميزان التقييم وفي ميزان ما كسبته أنا من هذا البلد الكريم. |
عريف الحفل: إذن نتابع سرد الأسئلة الواردة من السادة الرجال.. سؤال من الأستاذ خالد الحسيني يقول: |
لقد عملت ودرّست في مدينة تبوك عروس الشمال فترة طويلة جداً، ألم تشتق يا ترى إلى وضع دراسة أو وضع بحث عن مدينة تبوك، علماً بأنها غنية بالآثار والأحداث التاريخية؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: التخصص غلاّب ولكنني لا أملك إلا أن أرسل تحية إلى تبوك وإلى أهلها وقد قضيت بينهم ما يقرب من أربعة عشر عاماً، كانت في مستهل حياتي العملية. كلما دخلت إلى تبوك أحس-جئت إلى حائل عبر تبوك- أن هذه المدينة مدينتي وبأنها جزء مني كما هي حائل وجدة وغيرها من بلدان المملكة العربية السعودية، إلا أن مساهماتي في النادي الأدبي كانت محدودة والسبب في ذلك أنه ربما لم توجَّه إليَّ دعوة في تبوك وكنت أقول عجباً هذه البلدة التي أحبها وأقمت فيها فترة طويلة لم أحاضر فيها إلا حينما كنت في تبوك.. كنت أشتاق إلى أن اذهب إلى تبوك دائماً، لكن بالنسبة للدراسة كما قلت لحضرتك فإن التخصص غلاّب، وأنا متخصص في اللغة والأدب وربما كان غيري أقدر مني في دراسة آثار تبوك وفي دراسة تبوك بشكل أوسع. |
عريف الحفل: سؤال من الأخ عبد الرزاق صالح يقول: |
ما رأيك في الرمزية الموغلة في الشعر المسمى الحداثي، ولمن يكتب هؤلاء إذا كان القارئ يخرج من قراءة هذا الشعر بقبض الريح؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: أعتقد أنني كتبت كثيراً في هذا الموضوع وأبديت رأيي، وأقول إن الغموض الذي يصل إلى درجة الإبهام مكروه وإن كان هو لا يؤدي الغرض لأن الكلمة سواء كانت شعراً أو سرداً أو أي لون من ألوان الكتابة فهي لون من ألوان التواصل الذي يربط الشاعر بالمتلقي، ولهذا لا يمكن أن يكون الغموض إلاّ بغرض فني، إذ ربما كان الغموض الشفيف الذي يحتاج من القارئ إلى شيء من التأمل والمكاشفة وإلى شيء من الاستقراء جيد ومقبول، لكن أن تتحول الكتابة إلى طلاسم وتتحول إلى غموض وإلى ظلام مطبق؛ فهذا لا يجوز من وجهة نظري. |
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ صالح بن خميس الزهراني يقول: |
حضرتك لا تنتمي إلى أي مذهب أدبي، فأين تجد نفسك من تلك المذاهب المتعددة بعد هذا التاريخ الحافل بما قدمت للساحة الأدبية؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: أنا في حقيقة الأمر ليس لي شرف الانتماء إلى مذهب بعينه، لأن الذي ينتمي إلى مذهب لا بد أن يكون مؤسَّساً ولا بد أن يكون مؤصَّلاً، وأنا أعتقد من وجهة نظري أنني من الذين يرون أن للأدب رسالة وأن الأدب هو موازاة رمزية للواقع وإن أعادت إنتاج الواقع، بحيث يستنطق هذا الواقع بنية تغييره وبنية التأثير فيه، فربما كنت واقعياً من هذه الناحية ولكن ليست تلك الواقعية المرتبطة بفلسفة معينة أو بأيديولوجية معينة وأنا أربط هذه الواقعية وهذه الرسالة بالجانب الفني، فإذا كانت هذه الرسالة تأتي بالشكل المباشر من خلال قراءة النصوص فإن هذا ليس فناً وأما إذا كانت رؤية تنبثق من التفاصيل التشكيلية للعمل الأدبي فأنا أرى أنه لا بد أن يكون للأدب رسالة ولا بد أن تكون هذه الرسالة من خلال منجز فني أو من خلال بنية فنية قادرة على أن تشكل رؤية. فهذه الرؤية هي التي توصل تلك الرسالة وإن كان مفهوم الرسالة في الأدب ليس مفهوماً تبليغا أو إخبارياً محضاً وإنما هو مفهوم تتداخل فيه عناصر كثيرة ليس هذا مجال الحديث فيها الذي يستغرق وقتاً طويلاً. |
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ شاهين الجارم يقول: |
لماذا لم يأخذ الشاعر علي الجارم حقه بين أقرانه من الشعراء رغم جودة شعره وجزالته وديوانه المشهور؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: في اعتقادي إن علي الجارم أخذ حقه في دراسات الكثيرين وهو يتبوأ مكانة مرموقة في المدرسة الإحيائية والمدرسة المحافظة، وهو شاعر تربوي وربما كان تربوياً من الطراز الأول، وأيضاً هو كاتب رواية وهو شاعر، ربما كان موقعه من مدرسة الإحياء في الصف الثالث، لأن غيره ممن سبقوه سواء من الرواد أو المؤصِّلين أو المجددين، حتى عند جيل الساعاتي ثم البارودي ثم شوقي وحافظ وإسماعيل صبري وغيرهم، ربما يأتي بعد هؤلاء، ولذلك كانت المدرسة الإحيائية في دورها وفي تمكنها في التربة الأدبية لم يأخذ الشاعر علي الجارم مكانة توازي هذه المكانة وإن كان في اعتقادي بأنه اكتسب حقه من خلال تلك المختارات في الكتب المدرسية وفي بعض المختارات الأدبية وفي غيرها. |
عريف الحفل: الأستاذ الدكتور محمود حسن زيني يقول: |
في ليلة تكريمكم في عروس البحر الأحمر جدة هنا في الاثنينية المباركة أسألكم عن موقفكم النقدي من التحوُّلات السريعة من نقد أدبي إلى نقد ثقافي وما بعد الثقافي، وماذا عن النقد الوافد الجديد نحن في انتظاره؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: في ما يتعلق بالنقد الثقافي والتيارات النقدية الأخرى نحن نحترم كل جهد نقدي يقدم معرفة ويقدم ثقافة، وقد سبق أن أشرت إلى أن النقد الثقافي مرتبط بموضوع النقد البنيوي، وبأن الأنساق ما هي إلا صوره أخرى للبنية، والنسق الثقافي الذي يتحدث عنه الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه "النقد الثقافي" إنما يقدم بديلاً عن البنية، وإن كان ثابتاً حينما يتحدث عن الشعرنة، وبأن ميراث هذه الشعرنة التي امتدت منذ العصر الجاهلي حتى عصرنا هذا يتحدث عن نسق ثابت والنسق الثابت كالبنية الثابتة، وأنا من وجهة نظري أحترم هذا الجهد وأحترم كل ما يكتب فيه وإن من طبيعة العلوم الإنسانية أن تختلف فيها الآراء وأنا في حقيقة الأمر لست مشايعاً لأصحاب النقد الثقافي، لأني أرى أن النقد الثقافي ربما جعلنا نعيش حالة من الإحباط، لأن سلوكنا ارتبط بهذه السلسلة الطويلة من الأنساق وامتدت إلى عصرنا هذا، قد يكون من هدف النقد الثقافي تغيير هذه الأنساق ولكن تغيير هذه الأنساق يحتاج إلى وقت طويل؛ وأعتقد أن النقد الثقافي ربما يكون متمِّماً للمدرسة النقدية. |
عريف الحفل: سؤال يبدو سعادة الدكتور أجاب عليه من الأخ بهاء الدين الزهوري عضو اتحاد الكتاب بدمشق: |
بالنسبة للطفل وإقلالكم في تأليف كتب عن أدب الطفل؟
|
الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي: فيما يتعلق بأدب الطفل فعلاً أنا لم أصدر إلا كتاباً واحداً عن أدب الطفل، وارتبط هذا بأنني كنت أدرِّس هذه المادة ورأيت أن أقدم كتاباً في هذا المجال، وإن كنت قد جمعت نصوصاً كثيرة من أدب الأطفال وكان في نيتي أن أقوم بكتابة كتب أخرى وليس كتاباً واحداً ولكن تقدمت في العمر وكثرت المشاغل وأصبح تحقيق الأهداف ليس بميسور وآمل أن أستطيع أن أكتب مستقبلاً. |
|