شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد صالح الشنطي))
إنه لشرف لي أن أمثل بينكم وقد تملكني إحساس شديد بالاعتزاز بما أوليتموني إياه من كريم عنايتكم ولا يسعني إلاّ التعبير عن خالص الشكر والامتنان للدعوة الكريمة التي حظيت بها من لدن صاحب هذا الصرح الثقافي الزاهر ممثلاً بالاثنينية بوصفها حاضنة تاريخية لأجيال من رجال الفكر والأدب أهدت للأمة العربية ذاكرتها الثقافية المعاصرة واستنت سنة صالحة في تكريم رجال الأدب والفكر.
وإذا كان شيخنا صاحب الاثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجه قد زهد في عبارات الشكر والتقدير والإطراء التي لا تفيه إلاّ اليسير من حقه فإن لسان الحال يغني عن لسان المقال، أما الأخوة المتحدثون في هذه الأمسية فمن الظلم البين لكريم وفائهم أن تزجى إليهم عبارات الشكر والتقدير فحسب فالماثل أمامكم لا يملك ما يرد به لهم بعضاً ولو قليلاً من جميل صنيعهم.
أيها الأخوة الأعزاء:
محدثكم الماثل أمامكم لم تكن حياته إلاّ نموذجاً لحياة أبناء جيله في مرحلة تاريخية مثخنة بالحوادث الجسام، ولد في قرية منسية من قرى فلسطين الساحلية بالقرب من مدينة يافا، تفتح وعيه على صقيع النزوح حيث اقتلع مع من اقتلعوا من جذورهم ليلقى بهم على قارعة الرحيل فتحملهم الأمواج إلى مرفأ اللجوء في مدينة خليل الرحمن التي تلقّى فيها تعليمه الأولي والثانوي وبدأ فيها يقع على ضالته من الكتب التي وجدت هوى في نفسه واستجابت لنوازعه الداخلية في تلك السن الحالمة فكانت كتب المنفلوطي وجبران خليل جبران زاده الأساس في تلك الحقبة، وقد أسست في داخله الميل إلى الاطلاع، كان مع بعض أصدقائه من هواة الأدب ينمّون محفوظهم الشعري ويتبارون في زيادة ذلك المحفوظ لعدد من الشعراء القدامى، بل وكان بعضهم يقرضون الشعر ويصطفون من بينهم رواة ينشدون أشعارهم على ملأ من زملائهم وكانت هناك محاولات شعرية في تلك السن المبكرة حتى إذا استحدثت الخصومات الفكرية والأدبية في أوائل الستينيات حاول محدثكم أن يدلي بدلوه وهو في المرحلة الثانوية خصوصاً حول ما كان مطروحاً إبان تلك الحقبة فنشر مقالين في عام 1963م تحت اسم مستعار هو ابن الكنانة، أولهما عن القومية والإسلام والثاني عن رواية إحسان عبد القدوس ثقوب في الثوب الأسود، وفي المرحلة الجامعية بعد أن التحق بجامعة القاهرة عمل وثلة من أصدقائه على إصدار أول مجلة مطبوعة تصدر عن قسم اللغة العربية وهي مجلة الأدب العربي وكان معه الأديب المعروف نزيه أبو نضال والشاعر فارس سليمان والقاص العراقي جهاد الكبيسي، وقد لاقوا من جراء ذلك عنتاً مادياً وغير مادي، فكان العدد الأول هو العدد الأخير من تلك المجلة، وكانت قاهرة الستينيات تعج بالمنتديات والندوات وشهد المسرح العربي طفرة هائلة، وكذلك المجلات الثقافية ومعارض الكتب الرمضانية وغيرها مما كان يثقل ميزانيتنا من جراء النفقات المتزايدة من أجل شراء الكتب والمجلات حيث كانت تصدر في أول كل شهر مجلة الكاتب ومجلة القصة وكذلك الطليعة والفكر المعاصر ومجلة المسرح والفنون الشعبية وغيرها، وكان مسرح توفيق الحكيم ومسرح رشاد رشدي والمسرح القومي وغيرها من المسارح تقدم عروضها المستمرة وكانت الحركة النقدية مزدهرة في ذلك الإطار وكان قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة حيث كان محدثكم يحفل بمشاهير الأساتذة كسهير القلماوي وشوقي ضيف وشكري عياد ويوسف إدريس وعبد الحميد يونس وأبو الوفا والتفتازاني، وكان الجيل التالي لهم من مشاهير النقاد أمثال عبد المحسن طه بدر وعبد المنعم تليمة وطه وادي وجابر عصفور ونعمان القاضي وغيرهم ما زالوا معيدين أو محاضرين. وكنا قريبين منهم بحكم السن، عشنا كذلك المناخ الأدبي الخصب وشهدنا بداية التحولات الهائلة في المزاج الأدبي والفكري بعد عام 1967م، وأعتقد أننا وقفنا على مشارف ثلاثة منعطفات مهمة، الأول ذلك الذي احتدم فيه جدل الهوية والانتماء عبر مدرستين نقديتين مهمتين مدرسة عبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم في كتاب في الثقافة المصرية، ومدرسة طه حسين في كتاب مستقبل الثقافة في مصر.
وفي إطار هذا الجدل برزت قضايا التغريب والانتماء الحضاري ومعركة العامية والفصحى وما إلى ذلك.
أما المنعطف الثاني فهو ذو طابع أدبي فني الجدل الدائر فيه حول المدارس الأدبية والتجديد معركة الشعر الحر والرواية والمسرح.
أما الدائرة الثالثة فكانت مشرعة الأبواب مفعمة بالصخب والضجيج حول أسباب الهزيمة الحزيرانية وجذورها والحديث عن عودة الرومانسية والتحليق في آفاق العبثية والسريالية والانفتاح وما إلى ذلك وما أصاب الذات العربية من تصدعات هائلة، فكانت مرحلة الصدمة بعد الخيبات المتتالية على مستوى الأمة وما انعكس في آدابها وما ظل يتردد، حتى إذا كانت تلك الحقبة قد شارفت على السبعينيات الميلادية وتحديداً في عام 1968م حيث كانت المقاومة قد بدأت تشتد ويستعر أوارها وبدأت تلوح ملامح عصر جديد تعاقدت ومجموعة من زملائي مع وزارة المعارف في المملكة العربية السعودية وكان نصيبي في ثانوية تبوك، وكانت المرحلة التبوكية وهي مرحلة الانطلاقة. ففي منتصف السبعينيات الميلادية كان الجدل محتدماً حول الشعر الحر وحول الكثير من القضايا ما دفعني إلى المشاركة في هذه الحوارات في المدينة والرياض وعكاظ وفي أواخر ذلك العقد كنت أدعى إلى المشاركة في القراءات النقدية في جريدة اليوم، وشهدت عدداً من الأمسيات في الأحساء والدمّام مع النقاد والمبدعين أمثال محمد العلي وعبد الله نور وعبد الكريم العودة وعلي الدميني. وقد أصدرت أول كتبي، "متابعات أدبية" وهو يضم حصاد تلك الفترة من القراءات والدراسات والأمسيات وكذلك كتاب رحلة في آفاق الكلمة، وقد كان من أبرز الأمسيات أمسية الشاعر أحمد الصالح (مسافر) في الأحساء. والأمسية القصصية التي شارك فيها خليل الفزيع وجبير المليحان وشريفة الشملان.
ثم كانت المرحلة القاهرية الثانية التي تفرغت فيها للدراسة والتقيت فيها بمجموعة من أدباء مصر ونقادها مثل مدحت الجيار ويسري العزب والسيد عيد وإبراهيم السعفان وأمل دنقل وعدد من الروائيين والشعراء.
وعدت في أوائل الثمانينيات الميلادية إلى حائل حيث عملت في كلية إعداد المعلمين التي كانت تشهد مرحلة التأسيس وكانت مرحلة القراءات المكثفة للأعمال الشعرية والسردية في الصحف والمجلات، ولعلّ أبرز ما شهدته هذه المرحلة ظهور كتاب "الخطيئة والتكفير" للدكتور عبد الله الغذامي الذي أثار جدلاً واسعاً شاركت فيه ودعيت إلى مناقشته في نادي جدة الثقافي وكانت الحوارات التي دارت حول الكتاب مقدمة لحوارات أخرى صاخبة حول الحداثة التي شهدت تصاعداً لظهور بعض الكتب التي أدانت هذه الحداثة، وكان موقفي وسطياً يدعو إلى التجديد في بعده الفني والجمالي مع احترام لثوابت العقدية، وكانت الحداثة قد تحولت إلى قضية محورية في الصحافة الأدبية والثقافية بل تعدتها إلى منابر أخرى، لقد كنت دائماً أتمثل الآية القرآنية الكريمة وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة: 143)، وقد نشرت في هذه المرحلة كتابين: الأول عن فن القصة القصيرة في المملكة وصدر عن دار المريخ والثاني عن القصيدة المهاجرة وقد وزعته دار المعارف بمصر.
وفي حقبة التسعينيات أوليت جلّ اهتمامي للمسألة التعليمية والتربوية فنشرت عدداً من الكتب المتعلقة بالأدب القديم والأدب الحديث وفن الكتابة والمهارات اللغوية والأدب الإسلامي وأدب الأطفال، وكان همي الأساس توجيه طلابي إلى وسائل التعامل مع المراجع والمصادر التي يستقون منها مادتهم، وحاولت أن أنمّي أدواتي النقدية وأن أوسّع مشاركتي المنبرية ولا أذكر أنني اعتذرت عن دعوة قدمت إليَّ من أي نادٍ أدبي أو جمعية ثقافية أو مؤسسة أكاديمية أو أدبية، ووجهت اهتماماتي لدراسة الأدب السعودي بخاصة لأنني كنت أشعر بضرورة الوفاء لهذا الأدب ووضعت نصب عيني التأليف في الشعر السعودي فأصدرت ثلاثة مجلدات عن التجربة الشعرية في المملكة، والتأليف في السرد السعودي وأصدرت كتاباً في الرواية وكتابين في القصة القصيرة وأنا الآن بصدد إصدار الكتاب الثاني في الرواية السعودية.
كما أنني عملت على استكمال مشروعي النقدي عن الأدب في المملكة بإصدار مجلدين عن النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية وقد استكملت بهذا الكتاب هذا المشروع.
كنت أؤمن وما زلت أن النص الأدبي ينبغي أن يكون الحقل الرئيسي لأيّة مقاربة نقدية وأن يكون الكشف عن قوانينه الجمالية الخاصة الهدف الأساس، وأن لا قيمة لأية رؤية لا تنبثق من التشكيل الجمالي، وإذا كنت ممن يؤمنون أن الأدب هو إعادة إنتاج للواقع وفق رؤية خاصة للمؤلف وعبر أدوات الإبداع وخصوصية كينونته في سياق الشرط التاريخي والاجتماعي والإنساني فإنني لا أُقيّد نفسي بمذهب أدبي بعينه أو بفلسفته وإنما أرى أن جوهر الرؤية الإسلامية يتسع لهموم الإنسان وأشواقه واجتهاداته ومنجزه الجمالي وأحلامه وضروراته ورؤاه دون تكبيل لطاقاته أو تصفيد لملكاته.
أما الموقف التربوي الذي تعلمته في رحلة العمر فيقوم على: تربية الإرادة، إن لله عباداً إذا أرادوا أراد، وعلى استثمار الرفق كقيمة إنسانية في التربية تمثّلاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الرفق في الأمر كله ونبذ العنف في التربية الأسرية والمدرسية، وتعويد الإنسان على النظر الكلي للأشياء في منظومة عضوية لا تجزيئية وقراءة الواقع بموضوعية لا تستسلم لمعطياته ولكن بنية التأثير فيه. وأنا أعلم أن هذه المواقف النظرية تحتاج إلى إعداد عملي، وإلى مربٍ يمتلك روح الفنان ودربة المعلم. إن أزمة العالم العربي أزمة تربوية في الدرجة الأولى، وليست أزمة بنيوية عقلية كما يزعم البعض، وليس ثمة شك في أن لهذه الأزمة أسسها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إنّ التوسط والاعتدال كمبدأ إسلامي ليس موقفاً توفيقياً أو تلفيقياً، وإنما هو موقف جوهري يرفض الحدّية القائمة على التعصب والتطرف وإنما تنهض على اتساع الأفق الذي يرى مختلف وجوه الحقيقة ولا يحبس العقل أو يغتصبه، فإذا كان ثمة من يتحدث عن العقل المستقيل فإن ثمة ما هو أقسى من ذلك وهو العقل المستلب.
إن الإيمان بالتجدّد والتغيير سنّة من سنن الله في الكون، وإن لله في خلقه شؤون، لذا فإن من المخالف لهذه السنة التمترس في الاتجاه الآخر لهذا التعدّد بل إن الترشيد وتثبيت المرجعيات وقراءة التحولات مرفأ آمن.
وأخيراً فإن فلسفة الرضا ومشروعية الطموح وضرورة التخطيط مما تعلمته من هذه الرحلة الطويلة.
عريف الحفل: السادة والسيدات نوجِّه عناية حضراتكم بأنه سوف يفتح باب الحوار-إن شاء الله- مع سعادة ضيفنا الكبير وستكون هناك أسئلة من السيدات ومن السادة، أما بالنسبة للسادة الرجال فنتمنى عليكم موافاتنا بالأسئلة التي تودّون أن نطرحها على ضيفنا الكبير، وحبذا لو كان سؤالاً واحداً حتى نتيح الفرصة لأكبر عدد من حضراتكم، فالكل الآن يتشوق للاستماع إلى ضيف الاثنينية هذا الأسبوع سعادة الأستاذ الدكتور محمد صالح محمد الشنطي فليتفضل..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :505  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج