شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سماحة الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بعد الاستماع إلى هذه الكلمات التي تفضل بها من قبلي في هذا الاجتماع الكريم والتي كانت غاية في اللطف والمجاملة والتكرم والإحسان أريد أن أعتذر لحضراتكم عن كل هذه الأوصاف التي خلعوها عليَّ وأراني دون ذلك بكثير، ولكن الله هو الحكيم والخبير الذي يدفع بالناس في خطرات وفي أوقات من حياتهم للقيام ببعض الواجبات على الوجه الذي يريده وهنالك الخير العميم والفضل الكبير للموحد الأحد الممجد سبحانه وتعالى.
هذه الاثنينية التي أختم بها اثنينيات كثيرة من نحو 24 عاماً تجعلني أنظر للاثنينية الأولى التي أحتفلت فيها في هذا المكان والاثنينية التي نعيشها الآن فهما توأمان إن شئتم ولكن الفارق بينهما كبير، كما يشير إلى ذلك علماء الأدب والشعراء عندما يتحدثون عن الإعجاز والصدور فقالوا رد الإعجاز على الصدور، فأنا لا أقبل هذا هو رد الصدور على الإعجاز لأن الذي أود أن أشير إليه هو أن المرحلة الأولى كانت عطاء من الله ومنة استطعت بها أن أجد نفسي بين إخواني وبين العلماء وأدباء ورجال الفكر وجماعات من المتخرجين من الجامعات السعودية ومن غيرها نلتقي كلنا في مؤسسات علمية ويدور الحوار ويكون العمل النافع بإذن الله.
أما هذه الاثنينية فبقدر تأثري بها وتقديري وابتهاجي بما سمعت فيها هي ساعة أولى بالنسبة إليَّ لأن ما سبقها كانت إمداداً عن الحياة وهذه أبعدتني عن حقيقة الحياة وعن الأعمال التي تمليتها طوال 25 عاماً. أريد قبل الجزيئيات التي أريد الحديث عنها أود أن أذكر أن أول شيء قادني إلى الإقامة الطيبة في هذا البلد الأمين هو مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي كان أمينه العام في ذلك الوقت هو المغفور له بإذن الله معالي السيد الحبيب الشطي، فعينت في ذلك الوقت لأن أكون أميناً عاماً للمجمع واليوم أجدني بين شيئين تقاسما حياتي ونشاطي هما الفقه الإسلامي وبما تمكنا من إحداث فيه لمؤسسات أخرى تابعة للمجمع مثل مجلة القواعد الفقهية التي يحتاج إليه الفقهاء والمجتهدون ومثل المؤسسة الفقيهة الاقتصادية وقد كانت أعمالنا في المجلة تتناول كل هذه الفنون بطريقة دقيقة علمية يتولى الكتابة والبحث فيها شيوخ اختصاصيون وعلماء بارزون، وأما الجانب الثاني فهو الذي نعيشه وهو تفضل الأستاذ النابغ الشيخ عبد المقصود خوجه بدعوتي لحضور الاثنينية والمساهمة فيها وكان ذلك سنة 85 ولما حضرت وجدت عالماً ومجتمعاً جديداً ومؤسسة ليست تكريمية بل تعليمية وتثقيفية تقوم بدور كبير في إحياء التراث من جهة وفي عقد أواصر الأخوة بين أعضائها وبيان الوجهات الصحيحة التي يجب أن نتمسك بها كمسلمين وكعرب، فالدور الذي قام به مضيفنا ورئيسنا في "الاثنينية" معالي الشيخ عبد المقصود خوجه، كان أمراً طلائعياً لم أكن أحسب أن يتمكن الإنسان أن يقوم بهذه الاجتماعات دورياً وفي كل أسبوع وأن يختار للعمل فيها هذه الوجوه النيرة والأفكار الراقية والاتجاهات والمواهب الغالية التي تحقق المطلوب من وراء "الاثنينية". ويتمثل أثر "الاثنينية" في حب البلاد والتعلق فيها وفي جمع الصفوف وتأكيد التعارف بينها وفي الاتجاه العملي لخدمة الإسلام وأنا عندما شرفت بهذا لقيت كما ذكرت في هذا المنتدى رجالاً قوَّامين للخير يتقدمون الصفوف بكل جهودهم وأفكارهم وبمواهبهم إلى خدمة الإسلام والمسلمين ومن ثم فقد كان عملي متناسقاً مع جهودهم ومتناسقاً مع عملهم، ذلك أن عملي كان مقصوراً في الأدب العربي وعلى الآداب الغربية الذي غلب على هذا الاتجاه هو الاتجاه القرآني ودراسات السنة الشريفة، ودراسة الفقه والشريعة والفروع هذا التغير الذي شهدته وعشته هو الذي يترجم الأعمال التي عشناها على رأس مجمع الفقه الإسلامي، وهو الخير الكثير، ودعاني هذا لأن أستجيب لدعوة الشيخ عبد المقصود خوجه حفظه الله بحضور هذه "الاثنينية" ولتقديم بعض الأفكار التي أراها متصلة بما أثاره وتحدث عنه الأساتذة الثلاثة قبلي وهو علم المقاصد، والمقاصد منبعها القرآن الكريم وكذلك السنة النبوية وهي بالنسبة للعلماء في دراستهم بدلاً من أن تكون علماً مستقلاً وبين أن تكون فرعاً أو جزئيات تناولاها علم أصول الفقه، والذي يهمني هو أن القرآن الكريم في سورة الرعد وفي سورة الحشر وفي سورة سبأ يقول مؤلفاً بالقرآن الذي هو مصدر التشريع عندنا وكذلك السنة وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (الرعد:1)، وفي سورة الحج وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الحج: 54)، ثم في سورة سبأ قوله تعالى وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ (سبأ: 6)، هنالك تكرار مقصود بألفاظ كثيرة، هنالك "هو الحق" وصف القرآن بأنه حق بمعنى أن التشريعات التي صدرت من القرآن هي التشريعات الحكيمة التي ينبغي أن تطبق في العالم كله، هذا أولاً ثانياً أنه وحي نزل من السماء وليس اجتهاداً بشرياً يصدق حيناً ويهرف حيناً آخر، وهو من جهة ثالثة أن يستطيع أولو العلم أن يفهموه وأن يتقدموا به، وعمل العلماء مختلف بينهم لما يوجد فيهم من تباين وتفاضل في العلم والاستنباط، لأن قضية الاجتهاد تحتاج أولاً للاستنباط، المسلم عندما يقرأ القرآن أو يطلع على السنة النبوية الشريفة التي شرحت كثيراً من نصوص القرآن يفهم الفرق بينه وبين الذين لا يعلمون من القرآن والسنة إلا الظواهر ولا يستطيعون أن يقوموا بحماية أنفسهم من التشريع الغربي الوضعي الذي فرض على البلاد الإسلامية، وهنا أقول بأن الشيخ ابن عاشور رحمه الله لفت أنظارنا إلى أن للإسلام دوراً كبيراً في تحقيق الإقبال على الشريعة الإسلامية والاهتمام بأحكامها، لأن المسلم يتكون له طبع خاص، متميز بخلاف غير المسلم، فهو يقول ممثلاً لهذا باهتمام الخليفة عمر بن الخطاب فقد كان في جاهليته قوياً ومتحدياً للإسلام ولما رزقه الله العقيدة الصحيحة ومنّ عليه بالهداية وأهل سبيله في القمة مع قادة المسلمين من الخلفاء الراشدين كان هو المعنى الذي أشار إليه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بقوله من أسلم رق قلبه وامتلأ صدره بالحكمة وانشرح صدره لشعائر الإسلام، واهتدى إلى الحق وإلى الصراط المستقيم وهذه المعاني لا يمكن أن يغفل عنها مسلم يريد أن يتمكن من الفهم الصحيح الذي جاء به كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا نقف أمام الشريعة، فالشريعة هي الأحكام التي وردت في القرآن الذي هو المنزل المحتج به في شرعنا عن الأحكام الشرعية وهي مستنبطة منه والسنة هي التي قامت بشرح هذه الإحكام ولذلك فإن ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم كله كان حجة يعتمد فيها على أقواله وأفعاله، وبقيت قضية أخرى هي من صناعة علماء الأصول والتي يحتاج فيها العلماء والمجتهدون وهي قضية الإجماع وقضية القياس ولا أريد أن أطيل في هذه المسائل لأن الوقوف عليها، واضح في كثير من الدراسات والكتب، السابقة واللاحقة، القديمة والحديثة وهذه الأحكام احتاجت منا إلى العناية بالفقه الإسلامي. فالشريعة أصل والفقه الإسلامي جهود بشرية وهذه الجهود تقوم على فهم النصوص فهماً دقيقاً من المصدرين الأساسيين، كتاب الله وسنة نبيه ثم على الاجتهاد وتدبر المعاني الواردة في الآيات والاتجاه إلى استنباط الأحكام في كل القضايا التي لم ترد فيها نصوص، ولذلك كان الناس يقولون وهم على حق وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الأعراف: 187) بأن هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، ويفسر هذا عمل العلماء والفقهاء المجتهدين فنجد أن العلم بالنصوص وحده لا يكفي بالنسبة للفقيه لأن العلم بالنصوص يحتاج إلى معرفة تعليل الأحكام وإلى الوقوف على الأدلة التي تثبت تلك الحكام في نفوس المؤمنين، وإلى معرفة المقاصد، وكأننا بهذه الإشارة ننتقل إلى قضية المقاصد التي تحدث عنها السادة الأكارم قبلي، عندما تحدثوا عن الدور الكبير الذي قام به العلماء في هذا المجال. إلا أنني أود أن أشير في كلمة صغيرة جداً بأن القرآن والسنة النبوية إذا كان القرآن وحياً في أن الله قد أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالكتاب وأوحى إليه بالسنة، فهو لا ينطق عن الهوى. وهذا المعنى هو الذي يجعل الشريعة الإسلامية بريئة من كل ضعف أو تقصير في مواجهة التحديات وحل المشاكل بالنسبة للمجتمعات الإسلامية وغيرها، أما القانون الوضعي فهو تشريع مصدره العمل الفكري الذي يستند إلى الواقع الملموس وما وضعه كثير من العلماء من أحكام كان إيمانهم فيها بدراسة المجتمعات المختلفة من خلال ما يكتنفها في حياتها من عوامل طبيعية واقتصادية وجغرافية وما كان لهم فيها من آثار وتطورات أملتها البيئة التي يعيشون فيها والدين الذي يعتقدونه والتقاليد الموروثة عن الأجيال الكثيرة وما حصل لهم من دراسات عن أنماط الحياة و غيرها، أما المقاصد فهي في اعتقادي الشخصي أولاً علم مستقل وليست من علم أصول الفقه، لكن هنالك بعض المسائل ترجع إلى أصول الفقه، ولكن هذه المادة قد تميزت في بعض العصور وأتى الناس فيها بأشياء عجيبة وكان أول من قام بهذا العمل العجيب والشهير هو إمام الحرمين عبد الملك الجويني وكان كتابه: "البرهان" هو اللاصق بهذه الفلسفة الجديدة في التشريع والتي تقوم على فقه المقاصد، والثاني كما تفضل فضيلة الشيخ من قبل هو الإشارة إلى عمل الشيخ الشاطبي في كتابه "الفرق"، والثالث هو عمل الشيخ الطاهر ابن عاشور الذي وضع كتابه في مقاصد الشريعة الإسلامية، هذه الكتب الثلاثة اعتبرت عند الفقهاء والأصوليين وعلماء الإسلام والشريعة بأنها هي الكتب الأساسية، ولكن، في المؤتمرات التي شهدناها بعد ذلك سواء في ماليزيا أو في لندن أو القاهرة فقد رأينا إقبالاً من الأساتذة والعلماء على علم المقاصد غير المنهج الذي كان يسير عليه، ومعنى هذا أن المقاصد كانت علماً فقط والآن أصبحت تجتذب إليها كل الاتجاهات الإصلاحية الفكرية والفقهية والاقتصادية والسياسية لتضمها إلى هذا التراث العجيب الذي هو الشريعة الإسلامية وما صدرت عنه، فنحن عندما ننظر في حقيقة المقاصد نجد أن بعض الناس يجعلها بمثابة الأمن وهو هذا الاتجاه نحو الشيء الذي يراد الوصول إليه، وفي الحديث أن من العلماء إذا شاء أن يقصد إلى مسلم فقصده بمعنى وصله وقتله، فالقصد هو الوصول والقتل، ثم أطلقت على المعنى ما هو القصد من هذا الكلام، ثم عن العلة التي تفسر ذلك ثم الحكمة المناطة بتلك الأحكام وهنا يأتي علم أصول الفقه مع علم المقاصد ليبحث قضية مهمة جداً هي حرية المصالح، والمصالح كما عرفها علماء الشريعة هي الأغراض النفعية والدفعية، ومن الأغراض النفعية والدفعية ما جاء على ألسنتهم من جلب المنفعة ودرء المفسدة، فكل عمل يقوم به الإنسان من أجل جلب المنفعة ودرء المفسدة هو مقصد من مقاصد الشريعة لا بد من المحافظة عليه، وإلى جانب هذا أود أن أشير إلى أن كلمة قصد في اللغة العربية والذي يجعلني أعتز بهذه اللغة وهي لغة القرآن الكريم والتي تتميز عن كثير من اللغات القديمة والحديثة بأن المفردة الواحدة يمكن أن تنتقل وتدخل من معنى إلى معنى ومن دلالة إلى دلالة كما هو الشأن بالنسبة لكلمة "المقصد" وقد بحث اللغويون هذا الموضوع بدون شك ومن أميزهم تعمّقاً وعكوفاً على تحديد معنى المقاصد ابن منظور في لسان العرب وكذلك تاج العروس، هذان المصنفان عجيبان، فإن المعنى الأول الذي تشير إليه المقاصد كما ذكرنا هو استقامة الطريق ولذلك فسر مجاهد قول الله تعالى وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ (النحل: 9) أي الوصول إلى المقصود بطريق ميسور ليس فيه تعقيد ولا صعوبة، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما أن المقصود هو أن الله أخذ على نفسه أن يبين للناس طريق الحق والهدى، فهو إذن متصل بالطريق. وبين هذه الحقيقة المعنى الآخر الذي دلت عليه مادة "قصد" هو الاعتدال والتوسط، ولذلك قال تعالى وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ (لقمان: 19) في سورة لقمان، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القصد القصد تبلغ، يعني التوسط الذي يؤدي إلى بلوغ الخير، وقد أخرج هذا الحديث الإمام البخاري في باب القصد والمداومة على العمل، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الجمعة في باب تخفيف الصلاة والخطبة، ووصف جابر بن سمور رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً أي وسطاً بين الطول والقصر، والقصد في الإنفاق ولذلك قال الشاعر:
على الحاكم المهدي يوماً إذا
قضى قضيته "ألاّ يجور ويقصد"
والثانية كذلك بمعنى الكسر والطعن. وهناك معان كثيرة أخرى، أخشى أن أكون قد أطلت عليكم لكني سردت هذه المعاني اللغوية في كلمة "قصد" لأبين الاصطلاح عند علمائنا في علم المقاصد. والذين قاموا بهذا العمل هم الشاطبي، الشيخ الجويني، والشيخ ابن عاشور، لكن الجويني والشاطبي لم يفسرا قضية المقاصد اصطلاحاً ولكنهما تعرضاً للمسائل الجزئية التي تكشف عن هذه المقاصد وأما الذين بدأوا بشرح المقاصد وتعريفها فهنالك ولي الله الدهلوي الذي يشاطرنا أو نشاطره الفكرة لقوله وإن أدق الفنون الحديثية بأسرها عندي وأعمقها محتوى وأرفعها منارة وأولى العلوم الشرعية فيما أرى وأعلاها منزلة وأقيمها مقدراً هو علم أسرار الدين الباحث عن حكم الأحكام وأسرار خواص الأعمال هذا مأخوذ من كتاب حجة الله البالغة، فعلم المقاصد عنه وهذا الذي جرى عليه الناس بعد ذلك وخصوصاً في عصرنا أنهم أثروا في موضوعات علم الشريعة، لأن القرآن الكريم والسنة نبها إلى المقاصد. ووضع الشيخ ابن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية باباً خاصاً يعلم فيه الناس الطريقة التي يتوصّلون بها إلى إدراك المقاصد كما يبين حاجة الفقهاء إلى علم المقاصد، وأما التعريف الثاني فهو تعريف الشيخ ابن عاشور رحمه الله، فهو يقسم المقاصد إلى نوعين: مقاصد عامة ومقاصد خاصة، فالمقاصد العامة هي المعاني والحكم الملحوظة للشرع في جميع أحوال الشريعة أو أمورها، فلا تختص ملاحقتها في نوع خاص من الأحكام، ويقول رحمه الله بأن المقاصد بهذا المعنى العام تشمل أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحقتها وتدخل في ذلك المعاني من الحكم التي ليست ملحوظة في سير الأحكام ولكنها في كل حال ملحوظة في عنوان كثير منها. وأما المقاصد الخاصة فهي مقاصد تتعلق بموضوعات معينة، وقد وضع لها الشيخ ابن عاشور في كتابه أبواباً، المقاصد المالية مثلاً، ومقاصد الأسرة وتكوينها، مقاصد المعاملات في الحياة اليومية في الاقتصاد فهذه كلها من الموضوعات المتعلقة بالمقاصد في ميادين محصورة وهو مع ذلك يشير إلى أن المقاصد قد تكون مقاصد تشريعية، أي من مقاصد الشارع وقد تكون من مقاصد الناس وحاجاتهم وهذا هو الذي يجعلنا نتهيأ إلى الجمع بين النوعين من المقاصد لنأخذ بما يكون الحكم فيه بتلك المقاصد الشرعية على المقاصد البشرية، لأن المقاصد البشرية قد تكون ضعيفة وقد تنحو بالناس منحى آخر، وأريد ألا أطيل عليك ولا أضيق بكم فالمقصد العام هو حرص نظام الأمة والتزام فلاحه بفلاح القائمين عليه والقائمون عليه هم البشر، فالإنسان هو الذي بإصلاحه وتكوينه التكوين الإسلامي الشرعي الصحيح يستطيع أن يقوم بالمحافظة على نظام العمرة واستدامة صلاحها وأرى بأن هذا الكلام الذي لا يمكن أن نتحدث عنه في مثل هذا الوقت الضيق يقوم في الواقع على التفكير بأن بالإيمان بالله تعالى والاستقامة على طريق الإسلام والاحتكام بشريعة الله في كتاب الله وسنة رسوله هي الدوافع الأساسية التي تقتضي منا القيام بواجبات وحالات تلقيها مدارك حسية وعقلية شريفة.
فإذا ما نظرت للكعبة الغراء
فاسجد لفاطر الأكوان
فهنا بيته وهذا حماه
فاز فيه الحجيج بالغفران
حرم آمن وبيت حرام
وبناء مطهّر الأركان
قد طافت به الخلائق
والتفَّت بأطرافه كعقد الجمان
والمنارات حوله شامخات
رجّعت في السماء صوت الأذان
صور كالنجوم بل هي أسمى
بالمعاني وبالهدى وبالبيان
يا نبي الهدي إليك التحيات
كنفس الورود والريحان
كنت فينا ولم تزل خير آدم
جاء للعالمين بالبرهان
أيقظ الناس من شرور الخطايا
ودعاهم لطاعة الرحمن
فاللهم صل وسلم على سيدنا وقائدنا وشفيعنا وإمامنا محمد وأبلغه الوسيلة والدرجة الرفيعة من الجنة، اللهم واجعل في المصطفين محبته وفي المقربين مودته وفي العالمين ذكره.
وسلام الله ورحمته وبركاته عليه وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم جميعاً ما توالى الليل والنهار واتخذت الحكم والمعاني المقاصدية في نفوسنا حتى تبلغنا المقصد الإلهي من وراء التشريع ونحقق بذلك خير ما يمكن أن تختم به حياة المؤمنين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ودمتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :506  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 62 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج