((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلّي وأسلّم على خير خلقك حبيبك وصفيك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. |
السيدات الفضليات |
الأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
يطيب لي أن أرحب بكم أجمل ترحيب في هذه الأمسية الشتوية التي يدفئها نبض القلوب ودفق المشاعر، ويسعدني أن نلتقي مجدداً على طريق الكلمة لنحتفي بإحدى ثرياتها.. الشاعرة والأديبة المعروفة السيدة الدكتورة ثريا إبراهيم العريض.. ويغنيها عن التعريف صيتها الذائع في مختلف المحافل التي أثرتها بمشاركاتها الفاعلة في مجالات التنمية، والاقتصاد الوطني، وصناعة الزيت والغاز، وتخطيط التعليم، وشؤون التربية، وشجون المرأة والطفل.. فاسمها ولله الحمد يتصدر الكثير من الفعاليات الثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية داخل وخارج المملكة.. شاكرين لها عناء تجشمها السفر من المنطقة الشرقية لتضيء قناديل هذه الأمسية. |
وقبل أن تنداح دائرة كلمتي أترحم معكم على فقيد الوطن معالي الشيخ إبراهيم عبد الله العنقري، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورجل الدولة الذي قدم الكثير لوطنه ومواطنيه، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يتغمده برحمته وعفوه وأن يلهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء. |
فإذا فات "الاثنينية" شرف تكريم شاعر البحرين الكبير الشيخ إبراهيم العريض "رحمه الله" حيث حالت ظروفه الصحية آنذاك دون تلبية دعوتكم.. فإننا ولله الحمد نحظى هذه الليلة بتكريم فرع من تلك الدوحة الشامخة، وهو تكريم يشمل ذلك البيت الذي أسس بنيانه على تقوى الله وحب العلم والفضل ولا نزكيه على الله.. لقد استظلت ضيفتنا الكريمة بفيء والدها الكريم، وتعلمت منه الكثير مما لا يمكن تلقيه في الصفوف الدراسية، ثم صقلت تلك البدايات الجميلة بدراسات جادة ومعمقة مهدت لها السبيل لكي تقف في مقدمة الصف عطاء وبذلاً وإبداعاً نال ما نال من إعجاب كبار الأدباء والنقاد.. ولا أريد أن أثقل عليكم بسرد ما استحقته من ثناء وتقدير، فذلك متاح لمن أراده في مظانه. |
فالذي يهمني في هذا السياق أن السيدة الفاضلة الدكتورة ثريا العريض قد وظفت بذكاء كبير المعطيات الإيجابية التي أتاحتها لها تربيتها وثقة أهلها ومجتمعها لتنهل من معارف أعرق الجامعات بعيداً عن أي شعور بالإقصاء في مجتمع ذكوري، وبالتأكيد فإننا ندفن رؤوسنا في الرمال إذا قلنا إنه كان مجتمعاً محايداً في تعامله مع الأنثى خاصة في مجالات التعليم والعمل.. ورغم تلك الظروف التي لا تخفى على كثيرين، فقد تمكنت ضيفتنا الكريمة من الاغتراب وتحصيل أعلى الدرجات العلمية عبر المحيط، لتثبت للعالم ومواطنيها بالدرجة الأولى أن سيدات هذا الوطن قادرات على تجاوز كثير من السلبيات التي تحد بدرجة كبيرة من الانطلاق نحو آفاق المستقبل. |
ومما لا شك فيه أن محطة عملها في شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) كانت بمثابة القاعدة التي اتجهت منها لصقل مواهبها المتعددة، وقد مهدت لها الطريق في (ماراثون) طويل كانت له وقفات في كل قارات العالم.. فرفعت بجدارة اسم بلادها بكل فخر وإعزاز.. وازدادت ثقتها بنفسها وبإمكانياتها وحصيلتها العلمية التي سخرتها لخدمة أهدافها السامية. |
وبالرغم من أن تخصصها الأكاديمي وحده كاف لاستيعاب جل وقتها، إلا أنها تفوقت على نفسها، وكرست جهودها لتخرج من التخصص الضيق إلى رحاب العمل الإنساني والاجتماعي بمعناه الواسع.. فكان لقضايا المرأة والطفل القِدْح المُعلى في طروحاتها التي استقطبت اهتمام ذوي الشأن على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.. ومرة أخرى يتجلى ذكاؤها في الخروج من شرنقة الأبراج العاجية لتغوص في الشأن العام، وتُلقي بثقلها خلف قضايا يختلف حولها من يختلف ويتفق من يتفق، لكنها في جميع الأحوال لم تساوم قط على مبادئها، وقيمها، وقناعاتها الراسخة لما فيه خير الوطن والمواطنين. |
إن الشعر والصحافة لم يكونا القناتين الوحيدتين اللتين صرفت ضيفتنا الكبيرة من خلالهما ما يجيش في نفسها من انفعالات وإبداعات خلال مسيرتها الأدبية، بل اتجهت إلى فن آخر من ضروب الإبداع في ميدان التخطيط التربوي والإدارة، فاستطاعت أن تزاوج بين الإبداعين الأدبي والعلمي، فأسهمت مشكورة في وضع اليد على مكمن الوجع لكثير من القضايا التي تؤرق المجتمع وتعيق إلى حد كبير اندماج المرأة في مسيرة العطاء إلى جانب شقيقها الرجل. |
وقد يقول البعض إن هذه الجوانب لا تستهوي إلا أصحاب التخصص، فأين الشعر الذي ينساب كالنسيم العليل فيطرب الخاص والعام!!.. وكم نحن سعداء أن فارسة أمسيتنا لها باع طويل في هذا المضمار.. بدأت علاقتها به من جذور علاقتها بوالدها "رحمه الله".. ونبتت بذرة الشعر في مراحل تعليمها الابتدائي، ثم تدرّجت وتوهّجت في ما بعد.. ومع ذلك فهي مقلة إلى حد ما.. فصدور أربعة دواوين يشير إلى اهتمامها الكبير بمراجعة وإعادة مراجعة ما تكتب قبل أن تدفع به إلى المتلقي.. لأنها تؤمن بأن خروج المارد من القمقم.. أي الكلمة من المبدع.. لن تعود بالتالي إليه مهما بذل من جهود، فذلك فراق أبدي تصير بعده الكلمة ملك المتلقي في كل زمان ومكان.. وله حق تأويلها وتشريحها ونقدها والحكم لها أو عليها.. وهذه طبيعة العمل الإبداعي على امتداد التاريخ.. وقد وعت ضيفتنا الكريمة هذا الدرس وعملت على تطبيقه في منجزها الشعري، وأحسب أن من تربت في كنف علامتنا الشيخ إبراهيم العريض "رحمه الله" قادرة على كبح رغبة الانتشار السريع على حساب الجودة، فحققت بذلك الحسنيين: عطاء مذهلاً، وساحة تتطلع باستمرار إلى الجديد الممتع. |
وقد يطرح بعض المتتبعين لمسيرة ضيفتنا الكبيرة الأديبة الشاعرة تساؤلاً مشروعاً حول عدم دخولها عالم الرواية حتى الآن؟ فهي من ناحية تمتلك ناصية البيان، وتطاوعها اللغة بشكل أخّاذ، ومن ناحية أخرى لها قدرة كبيرة في الاستحواذ على حواس المتلقي وفق صور جمالية غير مسبوقة.. تمتاز بعمق الدلالات وإيجاز الألفاظ.. وبالتالي فإن دخول عالم الرواية يكاد يكون تحت أطراف أصابعها، لا سيما إذا علمنا من آخر إحصائية أن السعودية شهدت خمسين عملاً روائياً خلال عام 1428هـ/2007م، وهو مؤشر يوحي بأن عصر الرواية قادم بقوة، خاصة في ظل الأعمال التي اشتهرت واجتازت الحدود رغم أن مبدعيها في بداية سلم العطاء. |
هذه مجرد نقاط ضوء على خارطة المنجز الثقافي والاجتماعي والتربوي والشعري لضيفتنا الكريمة.. ولا أزعم أنها تحيط بكل نوافذ عطائها وألوان طيفها، بيد أنها تمهد الطريق لنسمع منها المزيد من الإيقاعات التي تؤلف في مجملها رؤيتها الإبداعية وتشكيلات غيومها الراعفة في زمن لم يعد يتسع لتقصّي ما تقدمه الصحف، والمطابع، ومواقع الإنترنت، والقنوات الفضائية، والإذاعات، وغيرها من وسائل التواصل الإعلامي.. فهنيئاً لنا جميعاً بهذا الألق الذي نأمل أن نقضي معه أطيب الأوقات وأمتعها. |
سعداء أن نلتقي الأسبوع القادم لنحتفي معاً بفضيلة العلاّمة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه، أمين عام مجمع الفقه الإسلامي، والعضو السابق بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو المجمع العلمي العراقي ببغداد، وغيرها من الأنشطة المتعددة، لنشرف بفضيلته في احتفالية تجمع بين التكريم والوداع، بعد أن أدى دوره كخير ما يؤدي الرجال أماناتهم، وترك للأمة الإسلامية رصيداً كبيراً من العلم والفضل.. وسوف يتفرغ لمزيد من العطاء إن شاء الله.. وقد سبق أن سعدت "الاثنينية" بتكريم فضيلته بتاريخ 30/4/1405هـ الموافق 21/1/1985م، أي قبل أربعة وعشرين عاماً.. فهو أهل لكل تكريم.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم لنمنح فضيلته ما يستحق من تكريم وإجلال وتقدير.. وعلى أمل أن نلتقي مجدداً وأنتم بخير. |
والسلام عليكم ورحمة الله،،، |
عريف الحفل: يسرني الآن أن أنقل لاقط الصوت لسعادة الأستاذ الدكتور جميل مغربي راعي اثنينية هذه الليلة. |
|