((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيك، سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز. |
السيدات الفضليات.. |
الأساتذة الأكارم.. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
جميل أن يلتئم شملنا بعد فترة توقُّف أعتدنا عليها في موسم الحج وبداية العام الهجري الجديد، أعادهما الله عليكم وعلى المسلمين باليمن والخير والبركة.. لنبدأ مشوارنا الذي تظلله أجنحة المحبة والود والإخاء.. مرحبين بفارس أمسيتنا صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز.. رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.. والتحية موصولة لصحبه الأفاضل الذين اقتطعوا الثمين من وقتهم لإمتاعنا بصحبتهم الماجدة. |
يسعدنا أن نحتفي الليلة بعلم بارز في فضاءاتنا الحضارية، لكي نلقي الضوء على جوانب من أعمال سموه الذي يزين مجالس العالم والدبلوماسية بحضوره، وعطائه، وفكره، وطموحاته.. فقد استطاع أن يكسر كثيراً من جليد الاتكاء على صروح الماضي ليبني جسور عز في معترك الساعة وبين جنبات العالم المعاصر.. باذلاً جهوده الخيِّرة، ومكرساً وجاهته الاجتماعية، وخبراته التراكمية، لخدمة دينه، ومليكه، ووطنه. |
إن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية كما تعلمون يمثل الذراع البحثي والوثائقي في منظومة مؤسسة الملك فيصل الخيرية.. ذلك الصرح الباذخ الذي لا يمكن أن تحيط به كلمة عجلى مهما تضافرت أسباب حذق البلاغة والفصاحة.. فقد بزغ نجم هذا المركز الرائد في عام 1403هـ الموافق 1983م، (من حسن الصدف أنه تاريخ يتزامن مع انطلاقة فعاليات الاثنينية التي احتفت بتاريخ 24/1/1428هـ الموافق 12/2/2007م، بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على إنشائها.. مما يجعلهما توأمين حقيقة لا مجازاً). |
نجد في كثير من الأحيان أن الحديث عن بعض المؤسسات الفكرية والثقافية لا ينفصم عضوياً عن الإشارة إلى القياديين الذين يتوجون مفاخر إنجازاتها، بالرغم من عدم ميلهم إلى دائرة الضوء، بالإضافة إلى آليات العمل التي ترفع من قيمة الأداء المؤسسي بشكل عام، غير أن (كاريزما) القيادة تطل بوهجها واضعة ميسمها في أكثر من سياق.. وأحسب أن هذا ينطبق على فارس أمسيتنا، فقد أسهم بجهود مقدرة في ترسيخ الأمن الوطني برئاسته جهاز الاستخبارات العامة لفترة تناهز الربع قرن تقريباً، ثم بسط ألقه أثناء عمله الدبلوماسي من خلال أعرق وأخطر عاصمتين مؤثرتين في صياغة أحداث العالم: لندن وواشنطن.. ونرى الآن تضافر خبراته الواسعة تواصلاً في مسيرة العطاء الخير عبر بوابة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بجانب عضويته للعديد من مراكز البحوث العالمية والاقليمية.. فهذا نثار كلمات تبقى كنقاط ضوء لا تغني عن شموس الحقائق الساطعة التي تنضح بالقوة والجسارة والعطاء الكبير. |
إن حالة التشرذم في ميدان البحث العلمي الذي تعاني منه الدول العربية والأمة الإسلامية بصفة عامة ليس بالأمر الجديد، فقد تناوله كثير من العلماء الأفذاذ وآخرهم الأستاذ الدكتور أحمد زويل في محاضرته التي ألقاها في الرياض بتاريخ 27/12/1428هـ الموافق 5/1/2008م موضحاً أن من أهم شروط التطور العلمي وجود مناخ مهيأ للعلماء والباحثين تكتنفه حرية البحث والتفكير بعيداً عن البيروقراطية والمؤثرات السلبية التي تعيق عملية البحث والتطوير، وارتباط كل ذلك بعجلة التعليم العام، وخفض نسبة الأمية، والنهوض بالناتج القومي ما يرفع الحد الأدنى لدخل الفرد.. فهذه سلسلة من المعطيات التي لا تنفصم عن بعضها البعض، وأي خلل في جزئية منها سوف يؤثر سلباً بطبيعة الحال في قاعدة ومؤشر النمو والتطور العلمي في سياقاته المختلفة. |
ومن المعلوم أن الاستثمار في مجال البحوث والدراسات العلمية باهظ التكلفة، ويحتاج إلى نفس طويل، وإدارة تجمع بين الحزم والعزم، والبعد عن النمطية، والدوائر المستندية المعتادة التي تسهم في وأد كثير من الإبداعات.. فالمسألة ببعديها العلمي والإنساني تدعو إلى تكريس الجهود واختراق المألوف وصولاً إلى آليات مبتكرة لإدارة دفة العمل وتهيئة المناخ الملائم للنهضة العلمية الشاملة التي نتطلع إليها.. فقد كان العالم الإسلامي سباقاً في هذا المجال، وما التمهيد الذي يزين موقع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية إلا شعار صادق يتكئ من خلاله المتلقي على رصيد السلف الذي أسس بنيانه على انفتاح المسلم تجاه الثقافات التي عاصرها دون استثناء، وأخذ عنها المفيد وطرح السالب ليصوغ من كل ذلك تجربته الخاصة التي أرغدت العالم وأسهمت بدور فاعل في التطور الحضاري الذي تنعم به البشرية.. فانطلق المركز من نقطة (التركيز على القيام بالبحوث والدراسات والأنشطة الثقافية والعلمية التي تسهم في إبراز عطاءات الحضارة الإسلامية في الميادين المختلفة، وما أنتجته عقول أبنائها من المفكرين والعلماء لإغناء الحضارة الإنسانية، ودفع عجلة تقدمها، ما يمثل رداً ودحضاً للمزاعم والادعاءات التي تحاول النيل من مكانة الحضارة الإسلامية، والتعتيم على إشراقاتها وإبداعات أبنائها في مختلف المجالات التي تخدم البشرية، وتدعم مسيرتها نحو الارتقاء والتطور). |
إن التصدي للمهام الصعبة من شيم الكبار، ويتفق الكثيرون على أن فارس أمسيتنا قد تمرس في أكثر من مركب خشن وسط الزوابع والأعاصير ليصنع مجداً يفخر به الوطن، فكلنا يعرف حساسية منصب رئاسة الاستخبارات العامة، حيث ينظر إلى هذه المؤسسة بعين الريبة وسط قطاعات البسطاء، وحتى بعض المثقفين، الذين يظنونها أداة حجر على خصوصياتهم وحرياتهم الشخصية، وهو بلا شك مفهوم خاطئ أسهمت عدة أسباب في ترسيخه، وقد تبادر وسائل الإعلام المختلفة في تصحيحه بطريقة منهجية تعود بالخير على الوطن والمواطنين. |
أما الجوانب الدبلوماسية في حياة سموه الكريم فهي صفحات ناصعة من العطاء في ظروف صعبة وسمت علاقة المملكة بالعالم وشهدت هجمة شرسة استهدفت الإسلام وفق سلسلة محاولات سعت ولم تزل تسعى جاهدة لربطه بالإرهاب، والتخلف، وتهميش المرأة، وهضم حقوق الإنسان.. فما أصعب أن يقف مسؤول على رأس هرم دبلوماسي في أي مجمع دولي ليواجه عواصف الاتهامات الباطلة، وألسن الكذب والافتراء، في الوقت الذي لا تعينه بعض المعطيات على تقوية حججه، وما يرتكبه الصغار من أخطاء تنوء الأمة بحملها عبر سنوات عجاف تضع معياراً لأسوأ ما مر على الدبلوماسية العربية والإسلامية المعاصرة في المحافل الدولية. |
وهكذا يصطحب سموه الكريم تجاربه الصعبة متسنماً أحد أهم المراكز البحثية والعلمية، في زمن تقفز فيه الدول شرقاً وغرباً قفزات عالية في سلم العلوم والاختراعات، وتتنافس على رعاية الكراسي العلمية، وتمويل الدراسات المتخصصة، ورعاية المواهب التي قد تسهم بدرجة أو أخرى في ترقية الأداء، وإضافة المزيد من الوهج لما هو قائم من صناعات تمسك بعصب اقتصاد العالم الذي يئن تحت وطأة الجوع والجهل والمرض. |
هنيئاً لسموه الكريم المعارك التي خاضها بكل جسارة رغم الظروف غير المواتية، فقد استطاع أن يوظف إمكاناته المتعددة لخدمة قضايا وطنه وأمته بكثير من الحنكة والذكاء وحسن التصرف، وليس ذلك غريباً عنه، إذ رضع السياسة وتقلب في دهاليزها منذ نعومة أظفاره، وصقل مواهبه بالعلم النافع لما فيه خير وطنه ومواطنيه. |
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيئ له كل أسباب النجاح والتوفيق في مهمته التي تشرئب إلى أعماق المستقبل، لإيجاد أجيال من العلماء والمفكرين والباحثين الذين يترسَّمون خطى أسلافهم الذين وضعوا أسس كثير من العلوم، واستفاق العالم من سباته على ينابيع فضلهم وعلمهم التي غمرته ثم انتشلته من وهدة الظلام إلى مرافئ النور والتقدم والرقي. |
أجدد الترحيب بسموه الكريم وصحبه الأفاضل باسم مجلس رعاة "الاثنينية"، وباسمكم جميعاً، وباسمي، متمنياً لكم أمسية ماتعة تبحر في شتى ضروب العطاء، وعلى أمل أن نسعد في أمسيتنا القادمة بالاحتفاء بالدكتورة الشاعرة والأديبة المعروفة السيدة ثريا إبراهيم العريض، وهي كما تعلمون تمتاز باهتمامات مهنية متنوعة تشمل مجالات التنمية، والاقتصاد الوطني، وقد شاركت في فعاليات محلية وخليجية وإقليمية وعالمية فيما يتعلق بصناعة الزيت والغاز، وتخطيط التعليم وشؤون التربية، ومشروعات الاقتصاد الوطني، وشجون المرأة والطفل.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم لنسعد جميعاً بتكريمها ومحاورتها من خلال اهتماماتها المتشعبة.. فإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير،،، |
والسلام عليكم ورحمة الله،،، |
|