شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور عبد الله مناع))
أسعد الله مساءكم بكل خير، الحقيقة فاجأتني أنفلونزا حادة منذ يوم أمس وكان يمكن لي أن أقدم اعتذاراً عن رعاية هذه "الاثنينية" ولكن هناك سببين، الأول أنها "الاثنينية" التي نتردد عليها ونحتفل بها وفيها وبنجومها وبضيوفها، كل أسبوع، والأمر الثاني أن هذه الاثنينية تختلف كثيراً عن اثنينيات سبقت واثنينيات تلحق فهي تكريم للشاعرة الفنانة الأستاذة ثريا قابل، فما كان لي أن أعتذر ولا كان لي أن أتأخر وهي من هي بالنسبة للأدب، وهي من هي بالنسبة للثقافة، وهي من هي بالنسبة لي شخصياً كواحد من الذين يقدرون فنها وإنتاجها وإبداعاتها الكثيرة التي سنذكر الكثير منها في هذه الجلسة، في الحقيقة لم أكن أنوي أن أكتب شيئاً ولكني وجدت أنه من الأفضل أن ألخص أفكاري حتى لا تأخذنا الكلمات ونستنزف الوقت بدون فائدة، فأعتقد أن في حياة المرأة على مستوى العالم محطات من النمو والتقدم عبرتها النساء على امتداد القرون الماضية حتى بلغن أعلى المراتب وأصبح منهن الملكات ورئيسات للجمهوريات وللوزارات. أما حياة المرأة على مستوى العالم العربي والإسلامي، فقد كانت حقيقة مليئة بالحواجز والقيود والسدود، من ميراث النكران القديم، قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (النحل: 58). إلى ميراث القيود الاجتماعية المخلوط بالعيب والفضيحة، إلى تغييبها عن ساحات العلم والمعرفة حتى بعد أن أصبحت مع سقوط الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين جزءاً من طقس الحياة العربية وطموحها، فقد كانت المرأة مغيبة عن التعليم النظامي تغييباً يكاد أن يكون كاملاً، لولا ذاك التعليم الأهلي للفتيات الذي كان يركز فقط على القرآن وعلى بعض الأحاديث وعلى شيء من التجويد، مع شيء من أشغال الإبرة والتطريز. وهدف هذا التعليم كان في الحقيقة إعداد الفتيات ليكن زوجات، أما بقية جوانب الحياة الأخرى، أن تكون طبيبة أو أن تكون معلمة، أن تكون صيدلانية، باحثة، مذيعة أي شيء آخر فلم يكن وارداً في أذهان تلك المجموعة من المعلمات والفقيهات اللواتي كن يعلمن المرأة في النصف الأول من القرن العشرين. ولذلك كان ظهور الشاعرة الفنانة والرائدة ثريا محمد سليمان قابل في بداية الستينات مفاجأة أدبية لكل الوطن ولمجتمعه ولأبنائه، ربما كمفاجأة العالم بظهور الأديبة الفرنسية الشهيرة فيما بعد "فرونسواز ساغان" في أواخر الخمسينات عبر رواياتها الجميلة "صباح الخير أيتها الأحزان"، فقد ظهرت ثريا في أوائل الستينات دفعة واحدة، وبيدها ديوان شعر هو ديوان "الأوزان الباكية" وفيه تحكي وتقول وتعبر عن نفسها وعن مجتمعها، وهو أمر لم يكن مألوفاً على وجه الإطلاق، ولذلك كان حضورها مدوياً لكن استقبال المفكر والأديب والشاعر الأستاذ محمد حسن عواد كان ضخماً ومدوياً بالقدر ذاته، حتى أنه وصفها في أحاديثه بأعظم شاعرات الرثاء "الخنساء"، لينقسم الأدباء والشعراء في ذلك الزمان إلى قسمين جديدين، فقد كان عواد معتاداً على تلك الانقسامات، قسم معه في هذا التقدير الذي قدمه لهذه الموهبة الشابة وقسم ضده في هذا الانفلات الأدبي الذي نعت به شاعرة مبتدئة بالخنساء رائدة شعر الرثاء، لكن المشكلة عند الشاعرة نفسها كانت أعقد، فقد كان استقبال عواد لها مربكاً إلى أبعد الحدود بل أخافها إلى أبعد الحدود بل أعتقد بأنه ربما كان سبباً في أننا لم نر ديواناً آخر لها غير ديوان "الأوزان الباكية"، أعتقد أنها خافت من تشبيهها بالخنساء، خافت من تلك الضجة، وكانت على ما أعتقد أنها كانت تسأل نفسها ثم ماذا سأقدم بعد "الأوزان الباكية"؟ فخشيت وخافت وانقطعت عن أن تقدم ديواناً جديداً، لكنها انصرفت إلى الشعر الغنائي الذي يقع بين الزجل أو العامي الجميل والشعر العربي الفصيح، لتقدم مجموعة من أجمل الأغاني، على أي حال كان معها أو حول مرحلة ظهورها أخريات ولكن كن يتخفين تحت أسماء مستعارة، كـ (ريم الصحراء) في ديوانها زهرة حنان، وكالشاعرة نجاة في ديوانها "عيناي فداك" إلا أنها مع ذلك قادت زميلات لها في محاولة الإبداع سواء شعراً أو نثراً، كما فعلت وهي تقدم أول مجموعة قصصية للكاتبة الشابة في ذلك الوقت نجاة سليم الخياط "مخاض الصمت"، بل وشكلت فيما بعد ثالوثاً فنياً منها ومن الفنان الموسيقي والمطرب فوزي محسون ومن الشاعر الغنائي صالح جلال، ثالوث يكتب ويلحن ويغني ويظهر للناس إبداعاتها التي وصلت حتى سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي كانت عندما تأتي إلى جدة في طريقها لزيارة الحرمين مكة والمدينة، كانت تقضي بعض الليالي في جدة، فكان من نصيب هذا الثالوث أن تمضي معهم ليلة. لتستمع إلى جديدهم الذي بلغوه. لا أريد أن أطيل عليكم حتى أعطي الفرصة للمتحدثين والمتحدثات وللسائلين والسائلات ولكني أختتم بقصيدة جميلة تضمنها جزؤها الأول، هذه القصيدة عنوانها كتابي وأعتقد أنها لا تقصد كتابها، وإنما تقصد محتواه:
إذا ما أتاك كتابي خذيه
وعلى صدر الأماني دعيه
ينام هناك ولا توقظيه
ففيه غرامي وشوقي فيه
إذا ما أردت أن تفتحيه
قبليه اشتياقاً ولا تجرحيه
دعيه يناجي غرامي دعيه
وأنّات أشواقي ذوبت فيه
وأنغام أهلي إذ تداريه
له الحب في قلبي لن أسمّيه
ولكن صلاة حنيني في معانيه
واعملي تمثال عطر من قوافيه
كحل الدمع من عيني في مآقيه
ألا فامسح الدمع في رفق وراعيه
الأستاذة ثريا عاشت وتعلمت في لبنان، وأعتقد أن تلك الحياة كان لها الأثر البارز على حياتها وعلى عطائها فكانت أشبه ما تكون في لحظات بروزها الأولى بالكاتبة اللبنانية الجميلة ليلى بعلبكي وروايتها "سفينة حنان إلى القمر" والكاتبة الأخرى العظيمة غادة السمان وروايتها "لا بحر في بيروت" في المكانة التي احتلتهما، ولكن إذا خسرنا الأستاذة ثريا كشاعرة فقد كسبناها شاعرة غنائية برومانسيتها وبأفكارها، بتلك المفردات التي يعرفها كل أبناء الحجاز ويعيشونها ويتمثلونها في حياتهم أو كأنها جزء من حياتهم، الأغاني التي تركتها والتي كتبتها ما تزال موجودة ولكنها تعرضت في وقت من الأوقات إلى الإيقاف إذاعياً وكان السبب في هذا أن بعض أبناء الأستاذ فوزي رأوا أن في استمرار هذه الأغاني يعود بالضرر على والدهم فطالبوا بإيقافها وأعتقد أن الكثيرين يشاركوني في هذا.. بأن هذه الأغاني التي غناها فوزي أو الأستاذ طلال لم تعد ملكاً لأبناء المتوفى سواءً كان كاتباً أو مغنياً أو كان ملحناً إنما أصبحت ملكاً للأمة وجزءاً من تراثها وهي التي تملك حتى إيقافها أو استمرارها. أرحب بالأستاذة ثريا وأرجو من الأخوان أن يتقدموا بالأسئلة التي لديهم كالمعتاد ونبدأ في الحوار ولكن قبل ذلك فلنستمع إلى كلمات السيدات وأن أترك المكروفون لهن في البداية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1105  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.