شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الفريق يحيى المعلمي ))
ثم أُعطيت الكلمة لسعادة الأستاذ الأديب الفريق يحيى المعلمي، فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.
- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- لم أكن مستعداً للحديث هذه الليلة، ولم أطلب الكلمة، ولكن أخي العزيز فاجأني بذلك، ونزولاً على رغبته سأتحدث إليكم حديثاً مقتضباً عن الضيف المحتفى به وعن والدنا الشيخ عبد الله عمر بلخير.
- فالضيف المحتفى به - كما سمعتم من ترجمته - أديب ومعلم وكاتب وناقد، ولعل أبرز كتبه - في نظري - هو كتابه عن معالي الشيخ عبد الله عمر بلخير، فقد أنصف الرجل أيما إنصاف، وتحدث عنه بإعجاب كبير؛ ولعلي أقول إنه لم يَفهِ حقه كما ينبغي، ولكن أعرف أنَّ طبيعة الشيخ عبد الله بلخير تأبى أن يبالغ أحد في مدحه، أو في وصفه، أو في الإعجاب به؛ ولعله أثَّر عليه في هذه الناحية، وقد اطلعت على الكتاب قبل أن ينشر، فوجدت أن الأستاذ عبد الله بلخير قد حذف منه أجزاء وشطب بعض العبارات التي تتحدث عنه بإعجاب وتقدير، وهو يستحق.. ولكنه لا يريد أن يظهر ذلك في كتاب يتحدث عنه، لأنه يكفيه أعماله.. فأعماله تتحدث عنه.
- سمعت باسم الشيخ عبد الله عمر بلخير وأنا طالب في المدرسة الابتدائية، في السنة الأولى الابتدائية، يعني السنة الأولى تعادل السنة الرابعة، سمعت به ورأيت صورته في كتاب الأناشيد الَّذي كنا نقرؤه ونحفظ بعض أناشيده؛ وسمعت به عندما جاءت فرقة من الكشافة العراقية وطافت في مكة المكرمة تردد أناشيد عبد الله بلخير، فهو شاعر العروبة والإسلام منذ أكثر من خمسين سنة؛ وعفواً إذا كنت قد ذكرت ذلك.. فعفواً، فأنا قد تجاوزت الثلاثين في الحقيقة، نعم، لا أزال أذكر بعض الأناشيد التي كان يرددها الكشافة العراقيون في أثناء سيرهم في شوارع مكة المكرمة، وهذا الكلام كان سنة 1358هـ على ما أعتقد، أو 1359 والله أعلم؛ فشاعرية الأستاذ عبد الله بلخير شيء لا تحتاج إلى إيضاح، فهو معروف ولا ينكر ذلك، ولا ينكر أنه شاعر الأمة العربية إلاَّ شخص له غرض في الإنكار، وإلاَّ فالشيخ عبد الله بلخير شاعر العروبة منذ زمن بعيد، قبل أن تظهر فكرة القومية العربية أو تنتشر في البلاد العربية، وإنما كان هو يتحدث عن العروبة باعتبارها منطلقاً إسلامياً، لأنه إذا عزت العرب عز الإسلام، ومن هنا كان إعجابه بالعروبة وتأييده لها ودعايته لها.
- لا أريد أن أطيل عليكم في الحديث عن الشيخ عبد الله بلخير أو عن الأستاذ محمود رداوي، ولكني سأنتقل بالحديث إلى موضوع آخر وأقص عليكم قصة عن قصيدة، من حسن الحظ أني وجدتها في جيبي ولم أكن أرغب في قراءتها، ولكن ما دام وجدتها فلعلها تلطف الجو بعض الشيء..
- لي صديق أعده كنفسي، أعده توأم روحي وشقيق نفسي، وهو دائم الالتصاق بي ولا يكاد يفارقني لحظة، بل إنه يدأب على تقليدي في كل خصلة من خصالي، ويقوم بمحاكاتي في كل صفة من صفاتي، فإذا لبست الأثواب العربية لبسها مثلي، وإذا ارتديت البدلة الإفرنجية ارتداها معي، بل إنه يشاركني في اختيار ربطة العنق ولون الحذاء، وإذا وقفت أمام المرآة برز أمامي ويكاد يتحدث إلي؛ ولقيته في القاهرة فأخرج من جيبه قصيدة وأراد أن يقرأها عليَّ فقلت له: أمسك عليك ولا تقرأ عليّ ما تنظمه من شعر، فإنك لا تلبث أن تنحلني إياه وتلصقه بي؛ وقال وماذا في ذلك؟ إذا رأيت في شعري ما يشين فلك أن تتبرأ منه، وأما إنْ لم يكن فيه ما يشين فماذا يضيرك إذا نحلتك إياه؟ قلت إذا كان شعراً وطنياً فأنا أرحب به أما إن كان شعراً عاطفياً فإنِّي لا أريد أن تنسبه إلي، لأني أخشى من رواية الشعر العاطفي ما لا تخشاه؛ قال أمَا سمعت قول الله عز وجل: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون؟ قلت نعم، لقد قال الله تعالى بعد ذلك: إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلموا وسيعلم الَّذين ظَلموا أي منقلب ينقلبون.
 
- قال فإني أرجو أن تكون منهم، ولا عليك إذا قلت شعراً أو نسب إليك شعر عاطفي فيه من الغزل البريء ما لا يجرح الكرامة ولا يخدش المروءة؛ قلت فاترك ذلك الآن فأنا على عجل وعلى موعد لدخول المستشفى، وإجراء عملية جراحية لاستئصال المرارة؛ وسافرت فعلاً وعدت إلى أرض الوطن ودخلت مستشفى قوى الأمن، وفي الصباح الباكر من يوم الأحد 24/12/1989 كنت مستلقياً على سرير المرض ونقلني المكلفون بنقلي إلى غرفة العمليات، وأجريت لي العملية بنجاح والحمد لله، ولم أكد أفيق من غشاوة المخدر - البنج - حتى رأيت صديقي جالساً على حافة السرير وفي يده القصيدة ويطلب مني أن أستمع إليها؛ قلت: فأرني ما كتبت أو اقرأ عليَّ ما نظمت؛ فبدأ يقرأ عنوان القصيدة، فإذا هو: (استسلام) قلت: إنك بهذا العنوان تدعوني أن أستسلم لك وأقبل ما تقول؛ قال: هذا ما أرجوه ولكن كان للقصيدة وقع آخر؛ قلت: اسمعني، فبدأ ينشد:
- إليك يا ساحرة المبسم.. قلت: هذا أول القصيدة؟ قال: نعم أول قصيدة الشعر.. وعاد ينشد:
إليك يا ساحرة المبسم
يا فتنة للشاعر الملهم
ياصبوة للشمس قد أشرقت
منيرة في أفقي المظلم
يا من من الأضواء صيغت ومن
خلاصة الإشعاع في الأنجم
ومن ورود الروض فواحة
ومن زهور الفل في الموسم
إليك أشكو منك فلتنصفي
ولترفعي جورك ولتحلمي
ظمآن والماء بقربي ولا
أجسر أن أدنو منه فمي
إن كان ذنبي أنني مغرم
فهل يجيز الحب أن تظلمي؟
فيا منى قلبي وأنشودتي
يا منيتي يا شعلة في دمي
إن كان إطفاؤك نار الجوى
إثماً فإنَّ البر أن تأثمي
قد كنت عن حبك في منعة
محارباً كالفارس المعلم
وكنت مثلي فغلبنا معاً
وها أنا استسلمت..
 
- وما كاد يصل إلى البيت الأخير منها حتى هتفت مكملاً: فاستسلمي؛ قال نعم هذا هو ما يوجبه وزن البيت واتساق المعنى، ولكن التي استمعت إلى القصيدة كان لها رأي آخر؛ قلت: ماذا كان رأيها؟ قال ما كدت أصل إلى هذا البيت الأخير حتى وضعت يدها على فمي قبل أن أكمله وقالت: فلا تستسلمي. قلت لها: إن وزن البيت ينكسر ومعناه لا يتسق؛ قالت ما علي من وزن بيتك ولا معنى شعرك، وإنما عليَّ ما أريد أن أقول، فأنت تريد مني أن أستسلم وأنا لا أريد أن أستسلم، إنك إذا استسلمت رفعت يديك أما أنا.. وأمسكت ولم تكمل العبارة، ولكن كل لبيب بالإشارة يفهم؛ احترمت رأيها وقدرت وجهة نظرها، واعتذرت إلى الخليل بن أحمد وقلت: فها أنا استسلمت فلا تستسلمي.. فهل يقبل الخليل عذري؟ قلت له لقد قبل الخليل عذرك، وأرجو أن تقبلوا عذري.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :875  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 71 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج