(( كلمة المحتفى به سعادة الأستاذ حامد مطاوع ))
|
ثم تحدث المحتفى به سعادة الأستاذ حامد مطاوع، فشكر المحتفي والحضور والَّذين تحدثوا عنه، فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.. نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. |
- لقد أضفى عليَّ الإخوة كثيراً من الفضل، سأظل أعترف به كجميل مدى الحياة؛ إنني أشكر المحتفي سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه، وبهذه المناسبة.. فإنني أودّ أن أحيي هذه الدار التي يلتقي فيها نخبة من أهل الفكر والكرام الكاتبين، وأهل الرأي والمثقفين، فأقول: |
ألا يا دار لا يدخلك حزن |
ولا يغدر بصاحبك الزمان |
فنعم الدار أنت لكل ضيف |
إذا ما ضاق بالضيف المكان |
|
|
- ومن خلال ما كتبته من مقالات في الصحافة منذ أن كنت في البلاد السعودية، ثم البلاد، ثم الندوة، ثم كاتباً متعاوناً بعكاظ، اخترت مقالاً واحداً أريد أن أقرأه الآن، لأنه يتصل بحياتنا كلها تقريباً، وأعني بذلك بعد إرادة الله، هو: "البترول" والحديث عن البترول يتطلب الحديث عن أرامكو؛ المقال يصور مرحلة زمنية يظهر فيها الفرق بين ما كنا وبين ما أصبحنا عليه، وكيف كنا نعالج مشاكلنا بعقلانية وإنصاف وعدل..؛ المقال كتبته في جريدة البلاد في يوم 7 صفر عام 1382هـ، سأقرؤه الآن وقد أتيت بالعدد لمن أراد أن يستوثق؛ للمقال عنوانان: أحدهما نريد استعادة الحقوق المهدورة، والثاني: لا شيء لنا ولأرامكو كل شيء؛ وقد كتب بمناسبة بدء مفاوضات بين الحكومة العربية السعودية وبين أرامكو يوم 19 صفر عام 1382هـ.. |
- سيكون يوم 19 صفر 1382هـ هو اليوم الَّذي ستبدأ فيه المفاوضات بين الحكومة وأرامكو، وإن كان لم يعرف بعد بالتحديد شيء عن جدول الأعمال، وذلك إذا نظرنا للموضوع من الناحية التقليدية بالنسبة لكل مفاوضات تحصل بين طرفين، ولكن إذا نظرنا من ناحية العموم والشمول فإنَّ جدول الأعمال معروف وواضح، وهو استعادة حقوقنا المهدورة لدى أرامكو، نستعيدها بهيبة السيادة وبجلال الحق. |
- تاريخنا مع أرامكو بدأ بعام 1352هـ الموافق سنة 1933م عندما حصلت على الامتياز شركة استاندرد أويل أوف كاليفورنيا، وهي التي ضمت إليها شركة تكساس سنة 1936م، بعد أن حصلت الأولى من الثانية على مبالغ طائلة في مقابل إشراكها في الامتياز، وكانت نصيب الحكومة العربية السعودية لا شيء، وأخذت هاتان الشركتان توسعان رقعة الامتياز، ثم مددتا مدته ست سنوات، وكان نصيب الحكومة من هاتين العمليتين لا شيء؛ وفي ديسمبر عام 1946م انضمت إليهما شركتا نيوجرسي وسوكوني فاكوم، بعد أن دفعتا مبالغ ضخمة للشركتين الأوليين، وكان نصيب الحكومة لا شيء؛ ويدل هذا على أنَّ المفاوض السعودي في ذلك الوقت قد فعل كل ذلك تحت وطأة اليأس، أو تحت الضغط الملح الصارخ إلى المال، أو لأنَّ الظروف الاقتصادية وما يرتبط بها من سياسة واستراتيجية في ذلك الوقت كانت تلوح بالقبول. |
- ولكن يجب أن نعترف بأن المفاوض السعودي كذلك لم يكن بمستوى الأحداث، ولم تكن خبرته وأبعاده لتصل إلى مستوى الإلمام بتفاصيل التفاصيل بالنسبة لعقود امتياز الزيت، وهكذا بدأت سلسلة الغبن والتلاعب بالمقدرات، وعلى سبيل المثال فقد طلبت أرامكو في عام 58 مطالب معينة وربطت استجابتها وعدمها بالتهديد، وفعلاً هددت بتخفيض الإنتاج إلى النصف دفعة واحدة، في الوقت الَّذي كنا قد سحبنا فيه كمبيالات في حدود الإنتاج الكامل المقدر، ولكن تحطمت مطالبها على صخرة صلابتنا، ولم تعد أرامكو تذكر تلك المطالب، ولكنا نذكر ولا ننسى لهذا هذه الحادثة وهذا الموقف. |
- ولا أريد الآن أن أناقش أو أتحدث عن جزئيات، ولكن أحب أن أذكر خطوطاً عريضة كبرهان على الضياع الَّذي بدأ منذ عام 52 ولا يزال مستمراً إلى عام 82، وواردات الزيت في ميزانية كل من السنوات الآتية هي كما يلي: |
- 313.000.271 ريال في ميزانية عام 79/80، و 470.344.500 ريال في ميزانية عام 80/81، و 564.391.000 ريال في ميزانية 81/82، وبلغ مجموع ما اشترته ألمانيا الغربية فقط من الزيت العربي السعودي في عام 59، 463.500.271 مارك، وهذا الرقم من إحصائية المؤسسة الألمانية للشرق بهامبورج، والمبلغ يزيد عن كل ميزانية وارد البترول في عام 79/80 الموافق عام 1959م، هذا ما اشترته ألمانيا الغربية فقط، فماذا عن بقية مشتريات دول العالم؟ وكم سيبلغ رقمها؟ لا شك إنها أرقام ضخمة مذهلة، تذهب إلى أميركا لتخلق فيها المجتمع الموسر، ولتجعل من الولايات المتحدة دولة الرفاهية؛ والامتياز يتضمن التنقيب، والحفر، والإنتاج، والتكرير، والتسويق، ومعالجة الغاز الطبيعي، ورعاية موظفي وعمال الشركة، والحفاظ على حقوق المملكة في جميع العمليات داخل الشركة؛ فماذا عملت أرامكو؟ |
- بالنسبة للتنقيب: فإنها لم تقم بواجبها التام نحوه، ويبرهن ذلك أنها لا تستخدم سوى حفارة واحدة في المنطقة المغمورة، وثلاث حفارات برية، بينما فنزويلا استخدمت ثلاثاً وأربعين حفارة كما جاء في إحصائية عام 60، واستخدمت ليبيا 76 حفارة كما جاء في إحصائية عام 61، مع أنَّ رقعة امتياز كل من الدولتين أقل من الرقعة التي تتمتع بها أرامكو، والاهتمام بالتنقيب والحفر للبحث عن مصادر جديدة للزيت لزيادة الإنتاج، ولكن منطق أرامكو يقول: إنها تحافظ على معدل الإنتاج، وهذا يؤدي إلى المحافظة على مستوى السعر الَّذي يحدده قانون العرض والطلب، والإحصائيات تدل على أنَّ احتياج العالم للبترول سيزيد إلى حوالي الضعف في خلال العشر السنوات القادمة، وهذا يجعل حجة المحافظة على معدل الإنتاج والسعر أشبه بحديث خرافة، لأن زيادة الإنتاج مضمون المقابلة بالتصدير والاستهلاك، ما دام أنَّ الطلب على الزيت في ازدياد، وأرامكو لا تريد أن تكلف نفسها عناء التنقيب وحفر آبار جديدة، مكتفية بمعدل الإنتاج الضخم للآبار التي تم حفرها. |
- فمعدل إنتاج البئر في الولايات المتحدة 4.400 برميل يومياً، بينما معدل إنتاج البئر في منطقة امتياز أرامكو حوالي 6.800 برميل يومياً، وبالنظر إلى الرقمين نجد أن أرامكو ستؤمن زيادة الطلب على حساب طاقة الآبار بالاغتراف منها، بطريقة من لا يهمه إلا الربح العاجل وأما مستقبل الحقول والآبار، فذلك شيء لم يحسب له حساب، والإنتاج هو العملية الوحيدة التي نحصل منها على العوائد، وأما التكرير والنقل والتسويق.. فذلك أرباحه للشركات الأم أو للأمهات الأربع، أو الشركات الأربع التي تملك أرامكو، ومصفاة رأس تنورة على الرغم من أن الَّذي يكرر فيها جزء أقل من البسيط بالنسبة لمعدل الإنتاج الضخم، فإنَّ أرامكو تعيد في بعض الأحيان كميات مكررة إلى الآبار لتتهرب من ضرائب التكرير. |
- وبالنسبة للنقل.. فقد كونت الشركات الأربع التي تملك أرامكو شركة مستقلة وسمتها تابلاين، وفي 22 شعبان سنة 1366هـ الموافق 11 يوليو سنة 47 عقدت اتفاقية التابلاين مع الحكومة بدون أن يدفع أي مبلغ لهذا الامتياز، بحجة أنه عقد أصلاً من أجل زيادة تصريف الزيت العربي السعودي، وقد بني الخط بقطر 30 - 31 بوصة، وبدأ تشغيله في أواخر سنة 1950م، وطوله من بقيق إلى صيدا بلبنان 1099 ميلاً، بلغت تكاليف بنائه 200 مليون دولار تقريباً، وطاقته 470.000 برميل يومياً، ولكن أرامكو لا تنقل سوى 255.000 برميل فقط، لئلا تدفع ضريبة دخل عن الفرق، مع أن النقل بكامل الطاقة ينقص التكاليف. |
- وقد قامت أرامكو بلعبة وجدت من يجيزها أو لم تجد من يكتشفها، فقد اشترت أرامكو جزءاً من خط التابلاين ابتداءاً من بقيق إلى القيصومة بمبلغ 50 مليون دولار، وبذلك أصبح صافي الخط 150 مليون دولار، وأقدمت على الشراء بدون إذن من الحكومة، وفي عام 1950 عند توقيع اتفاقية ضريبة الدخل ذكرت فيها موافقة الحكومة السعودية لأرامكو، على أن تقوم بقياس الزيت وتسليمه لشركة التابلاين في القيصومة، وبذلك أصبح بدء الخط من القيصومة بدل أن يكون من بقيق، وخصمت قيمة شراء الجزء المذكور من الدخل، وضاعت على الحكومة جزء من ضريبة الدخل كان يجب على أرامكو أن تدفعها، كما أضاع رسم مرور دائم على المملكة على الجزء من بقيق إلى القيصومة، بالإضافة إلى هذا فهي تحاسبنا على ما ينقل في الأنابيب بقيمة 1.43 دولار للبرميل الواحد في القيصومة، بينما هذا البرميل نفسه يباع بـ 2.41 دولار في ميناء الزهراني بصيدا بلبنان، وندفع الضريبة على مجموع المباع على أساس السعر 1.43 دولار، وأما التسويق فلا نعلم عنه شيئاً، أين يباع الزيت؟ وعلى من يباع؟ لا ندري.. وكل الَّذي أدريه أنَّ المباع على ألمانيا الغربية في عام 59 يزيد عن كل وارداتنا من عوائد البترول بـ 151.291.000 مارك، هذا إذا احتسبنا أنَّ الريال لا ينقص عن المارك، وأنَّ المارك لا يزيد على الريال، أما المباع على غير ألمانيا الغربية فعلمه عند الشركات الأم.. وبالمناسبة في ذاك الوقت كان المارك يساوي ريالاً، هذا الكلام قبل 33 سنة. |
- والغاز الطبيعي كيف تعالجه أرامكو؟ إنها تحرقه، وهذا كل معالجتها له، تحرقه ليذهب هباءاً تماماً كما تذهب حقوقنا للضياع، ومجلس إدارة أرامكو الَّذي يجتمع مرتين في العام هو عبارة عن تقليد فقط، فإنَّ الَّذي يدير أرامكو - فعلاً - لجنة تنفيذية مركزية مكونة من عضو من كل شركة من الشركات الأم ورئيس مجلس إدارة أرامكو، وباللاسلكي والمراسلات تدار الأعمال من المكتب الرئيسي بنيويورك لا من الظهران، ثم نأتي وندفع نصف تكاليف مكتب نيويورك؛ أي أنَّ المملكة لا تشترك ولا حتى شكلاً في إدارة أرامكو، في الوقت الَّذي كان يجب أن يكون من حق عضو مجلس الإدارة السعودي أن يتمتع بكامل الحقوق والامتيازات، التي تخول له حق فحص جميع الحسابات والسجلات المتعلقة بعمليات وأعمال الشركة؛ ولأنَّ الاتفاقية لم تكفل حقوقنا كما يجب ولم تحتو على الاحتمالات المتوقعة، وكما هو طبيعي فلا بد من نشوء مشاكل، وفعلاً حدثت مشاكل، ولكنها - مع الأسف - ظلـت حـتى الآن معلقة وازدادت تعقيداً بمرور الزمن؛ منها تعديل الأسعار إلى ما قبل 59/60 والمساهمة في رأس مال الشركة، وأن تكون الشركة متكاملة وتتخلى عن المناطق غير المستغلة ودفع أجور عن المناطق المستثمرة. |
- وبهذه المناسبة أرجو أن يعلم القارئ أن رقعة الامتياز كانت 440.000 ألف ميل مربع، تركت منها أرامكو حوالي140.000 ميل مربع، يقع جزء منها في الشمال بالقرب من الحدود الأردنية، ويقع بعضها بالجنوب بالقرب من حدود اليمن ومحميات عدن، وهي مناطق لا يؤمل وجود الزيت فيها ومن أجل ذلك تركتها أرامكو، وبذلك أصبحت منطقة الامتياز التي تتمتع بها أرامكو 300.000 ميل مربع، فيها أكبر حقل للزيت في المناطق المغمورة.. وهو حقل السفانية، وفيها أكبر حقل بري في العالم وهو حقل الغوار، وأرامكو لا تدفع أجوراً لمناطق الامتياز، مع أنَّ أكثر شركات الزيت في العالم تدفع أجرة لرقعة الامتياز تتراوح بين 280 دولار و7000 دولار لكل 100 كلم أو هكتار مربع، حسب الغزارة وحجم الإنتاج. |
- وبعد: فإنَّ الاستمرار في الاستعراض سيطول حتماً، لأنَّ له بداية ولست متأكداً إن كانت له نهاية، فنكتفي بما ذكر لنترك المجال للمفاوض السعودي الَّذي يعرف كل هذا وأكثر من هذا، ويعرف كذلك أنَّ الغرض من وجود الحكومات هو خدمة مصالح أهلها، يتطلب أن يكون من حقها التحلل من التزاماتها الواردة في عقود الامتياز، أو تخطيها في ظروف معينة إذا ما أصبحت متعارضة تعارضاً حقيقياً مع خير مصالح أفراده، ولا توجد أي اتفاقية أو أية أنظمة ذات أهمية في عالم البترول عمرت مدة طويلة ولم تتعرض للتغير أو للتبديل أكثر من مرة، رغم ما كانت تتضمنه من نصوص تحظر ذلك. |
- هذا ما تقوله القوانين، فإنَّ عقود الامتياز محل الاحترام والإجلال والتنفيذ إذا كانت تضمن مصالح الأمة، وأما إذا أهدرتها فهي حبر على ورق؛ وبصراحة ووضوح فإنَّ الامتياز يجب أن يُلغى باسم المصلحة العامة، لأنَّه أصبح يتعارض تعارضاً أساسياً مع خير ومصالح الأمَّة، وينظم عقد امتياز جديد يضمن المصالح والحقوق، على أساس أن تكون أرامكو إمَّا شركة متكاملة، أو ننظم عقد امتياز مع كل شركة من الشركات الأم على حدة، ونحدد لها منطقة امتياز تستثمرها على ألاَّ تكتسب غير صفة الخدمة العامة. |
- لقد اخترت هذا الموضوع وسمعتم كيف كنا مع أرامكو، واليوم ومن قبل سنوات أصبحت أرامكو شركة سعودية من الألف إلى الياء، كان ذلك وضعنا في ذلك الوقت، وبدأت قيادتنا بالحل السليم العقلاني الَّذي يوصل إلى أحسن النتائج، كثفت البعوث إلى الخارج للتخصص في صناعة البترول، ثم أنشأت كلية البترول والمعادن التي أصبحت الآن جامعة، وخرجت كوادر في جميع صناعات الزيت لأجل أن يكون الانتقال وئيداً وعاقلاً ورشيداً، يضمن المصلحة ولا يؤثر على الاستثمار؛ وبالتدريج أصبحنا الآن نملك أرامكو، وحتى إن رأيتم بعض الأميركان يشتغلون فيها فهم لا يخرجون عن كونهم موظفين، ينطبق عليهم نظام التوظيف وليس نظام الامتياز، وتملكتها الحكومة ولكن بأسلوب عاقل لم يؤثر على الإنتاج ولم يؤثر على سمعة الامتياز في بلادنا؛ وأرجو أن أسمع الأسئلة إن كانت هناك أسئلة لأجاوب عليها. |
|
|