شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صاحب الاثنينية سعادة الشيخ البر عبد المقصود خوجه الموقر حفظه الله (1)
عليك سلام ـ وهل مسعدي إلا عليك سلام؛ وأعجل لأشكر لك هديتكم القيِّمة والتي لا زلت ولن أنفك أنعم بصحبتها. جاءت في وقت كنا نحسب أن المعين قد نضب وسامر الأدب قد انفض فإذا ببشير البعث يصلني من بعد أن تهنا دهراً طويلاً.
بدأت بالاثنينية وأبحرت معها في كل إبداعاتها وإشراقاتها ووقفت مرتين وقفة إجلال ـ الأولى مع صاحبة الجلالة التي لم يكن طريقها إلى العرش سهلاً وأحسنتَ وصفه بقولك ((نحت الصخر بالأظافر)) وذات الوقفة كانت مع ذلك الأدب الرفيع والشعر النابض بالأحاسيس المرهفة والذكريات الثرة العطرة ـ وكانت وقفتي الثانية إعجابي بتكريمكم لهؤلاء المبدعين وهم على قيد الحياة. فقد تعودنا أن نكرِّم مبدعينا بعد موتهم ونضع أكاليل الزهور على قبورهم وكان الأحرى بنا أن نوفهم حقهم بحب وافر وعميق وهم أحياء ـ ونضع تلك الأكاليل على رؤوسهم وصدورهم. فللَّه درك يا صاحب الاثنينية. فلك أنت الفضل الأكبر والشكر الأجزل والمحبة والتقدير.
إنما يقدر الكرام كريمٌ
ويقيم الرِّجال وزن الرجال
وسيظل عملك هذا مضيئاً في تاريخ أمتنا نعتز به كما سيعتز به غيرنا من أجيال الغد المشرق بإذن الله.
فجزاك الله عنا وعن أمتنا كل الخير ونسأل الله أن يمتعك بالعافية ويمد في أيامك لكي تكمل هذا الصرح برصد كل كتب الاثنينية وفعالياتها في الإنترنت.
ثم عجت على نثر المرحوم الأريب والشاعر الجزل والناثر الفدْ أحمد إبراهيم الغزاوي.
وإنك إن أرسلت طرفك رائداً
لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله ـ أنت قادر
عليه، ولا عن بعضه أنت صابر
هكذا بدأ الأديب الناثر الغزاوي مقالته ((تفاريح العيد)) ورغم تحذيره هذا ولجت ـ وحمدت الله إذ إنني أدركت أن الأديب المرحوم عرف كيف يفتح شهية القارئ بأسلوبه الممتع السهل الممتنع.. وعيبه أنه لا يتيح لك فرصة الراحة ولا رفع منظارك من فوق أنفك وما كنت له قارئاً فقط بل متدبراً وفاحصاً ومدركاً على قدر الحال. وأشهد أنني توقفت كثيراً أحياناً أخاصمه وأحياناً أجادله وأخرى أحمد هذه العبقرية وكنت كالوجل لم أجد فكاكاً من هذه المتعة إلا بعد أن جعلته هو نفسه الخصم والحكم ـ وكم كنت أمنِّي النفس بقراءة شعره الثر كاملاً وكنت قد اطلعت على شذرات منه ومما حدا بي لأعجل بقراءة شعره هو ـ في رأيي: جنوح بعض النقاد المحدثين بنقده ووصفه أنه شاعر مناسبات وشاعر مدح فقط.. فولجت دواوينه وأيقنت تماماً أن هؤلاء النقاد قد رموا عين الشمس بالحول وحمدتُ لك أنك قد أحسنت صنعاً بتصنيفك لشعره وأغراضها ـ فهو شاعر وجدانيات رائعة وشاعر وصف ورثاء واجتماعيات وإسلاميات وتحايا وتهاني ولم ينج من الهجاء:
ثكلتك أمك يا رشيد
وهوت عليك عصا العبيد
وما عيب أن يكون الشاعر مادحاً لمن يستحق المدح.
ومن شاء نسب سائر أغراض الشعر إلى المدح والهجاء إذ الغزل مدح والرثاء مدح والوصف مدح وهجاء، والنسيب مدح والفخر مدح وكفاني بيت زهير:
وإن أحسن بيت أنت قائله
بيت يقال إذا أنشدته صدقاً
وهذا شاهد عدل بمثله الأعلى في النشيد. ما يقوله شاعرنا المرحوم في قوافيه هو ما آمن به هو نفسه والذي يعجب سامعيه من قوله هو عينه الذي يعجبه ويعجبنا منه وهو الصدق والصحة اللتان كان يصور بهما ما كان يعلمه ويعلمه سامعوه وتضمين هذا في أجود ما ينتقي من اللفظ وفي أنبل شكل بياني تسمح به وتجيزه لغتهم.
كان الشعراء دعاة الدولة وألسنتها وكانوا لحيوية الشعر واللغة وأهلها نفاذين إلى الأغراض.
مدح الحطيئة عمر بن الخطاب فقال:
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه
ألقت إليك مقاليد النهى البشر
ما أثروك بها إذ قدموك لها
لكن لأنفسهم كانت بك الأثر
فكان ذلك مما شفع له عند عمر.
ومدح الفرزدق سعيد بن العاص فقال:
ترى العز الجحاجح من قريش
إذا ما الأمر في الحدثان حالا
بني عم النبي ورهط عمروٍ
وعثمان الذي علوا فعالا
قياماً ينظرون إلى سعيد
كأنهم يرون به هلالاً
ومدح جرير خلفاء بني أميَّة وولاتهم بأروع أصناف المدح في ميميته ولاميته وبائيته وكفانا منها:
دعا الحجاج مثل دعاء نوح
فاسمع ذا المعارج فاستجابا
شياطين العراق شفيت منهم
فأضحوا خاضعين له الرقابا
ومن ميميته:
تواصت عن تكرمها قريش
برد الخيل دامية الكلوم
فما الأم التي ولدت قريشاً
بمقرفة النجار ولا عقيم
ووصف عمر بن عبد العزيز أصدق وأجود وصف وخاطبه بما يلائم ما أثر في نفسه وموقفه إزاء الشعر والشعراء إذ أبدى الكراهية لدعايته ومع ذلك لم يقدر على التخلي عنها لحاجة الدولة لها.
يعود الفضل فيك على قريش
وتدفع عنهم النوب الشدادا
وتدعو اللَّه مجتهداً ليرضى
وترقب في رعيتك المعادا
إلى الفاروق ينتسب ابن ليلى
ومروان الذي رفع العمادا
تعوَّد صالح الأعمال وإني
رأيت المرء يفعل ما استعادا
تزود مثل زاد أبيك فينا
فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وما كعب بن مامة وابن سعدى
بأجود منك يا عمر الجوادا
وما أردت أن أستقصي القصيدة المادحة في الشعر العربي فهذا بحر زاخر ـ وحتى ذكر أسمائهم فقط يعدل ديوان شعر كامل. وندرك أن بعد أبي الطيب خبت وقدة سراج المدح ما عراها من فرط التطويل والجد.
عابوا الغزاوي لأنه أفاض في المدح. فكم من شاعر أفاض في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كعب بن زهير نال بقصيدته عفواً وجائزة وذكراً مجيداً. ونحا نحوه الكثيرون فما أبدع قول الإمام أبو زكريا يحيى ابن يوسف الصرصري يتمثل بقول زهير في قصيدته ((بانت سعاد)).
يا سيد الناس في الدنيا وسيدهم
يوم القيامة منك الخير مأمول
إلى أن يقول..
نظمتها وزن من قال مبتدئاً
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
تبركاً لاتباعي ما نحاه ولم
أبغ المضاهاة أين الطَوْل والطُول
ونهج الوصيري نهج الصرصري وكذا فعل برهان الدين القيراطي وشمس الدين النواجي والبرعي والزمخشري وأبو حيان الأندلسي وصاحب القاموس مجد الدين الفيروزابادي وابن الخطيب ناهيك عن شعراء الصحابة مثل حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وصولاً إلى شوقي وحافظ وغيرهم من شعراء العرب والعجم.
فهل دفاع الغزاوي عن دينه ووطنه ومليكه ذنب يدان به ظلماً؟ ولو مدَّ الله في عمر الغزاوي لتمثل بقول البارودي:
فهل دفاعي عن ديني وعن وطني
ذنب أُدان به ظلماً واغترب
فلا يظن بي الحساد مندمة
فإنني صابر في اللَّه مُحْتَسِبُ
أثريتُ مجداً فلم أعبأ بما سلبت
أيدي الحوادث مني فهو مكتسب
وما أبالي ونفسي غير خاطئة
إذا تخرص أقوام وإن كذبوا
ها إنها فرية قد كان باءَ بها
في ثوب يوسف من قبلي دم كذب
رحم الله الشاعر الجزل الفحل أحمد إبراهيم الغزاوي فقد كان شعره سهل العبارة جزلها متوقدها يخلص كلامه خلوصاً إلى القلوب ولوزنه رنين فيه تأمل وروح حكمة وفيه بعد حرارة العاطفة رحم الله الغزاوي فقد كان من دهاقنة القريض أسكنه الله دار المقامة ترضى به نفسه المطمئنة.
ولمن أتحفنا بهذا العمل كل الشكر والتقدير وجزاه الله عنا وعن الأدباء وطلاب الدراسات الأدبية كل خير وأتوق للقائك في أعمال أخرى.
أخوكم
د. سعيد عبد الله سلمان
رئيس جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :437  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 184 من 296
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.