(( كلمة المحتفى به سعادة الدكتور عبد الرحمن الشبيلي ))
|
ثم أعطيت الكلمة لضيف الاثنينية سعادة الدكتور عبد الرحمن الصالح الشبيلي عضو مجلس الشورى، فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ورسولنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. |
- منذ أن تلقيت - قبل عدة أسابيع - هذه الدعوة لهذه الأمسية، لم أكن أتصور أو أعرف كيف يمكن لإنسان أن يتحدث عن نفسه، وكيف يمكن له أن يكتب، أو يعد أفكاراً أو كلمات يتحدث بها عن نفسه..؛ وأحسست هذه الليلة أن الموقف أصعب، لأنني عرفت أنَّ الضيف لن يكون المتحدث لوحده أو بمفرده، أو لن يكون أول المتحدثين، فإذا به يتحدث في مثل عادة هذه الاثنينية بعد أن يكون الجميع - أو بعض الحاضرين - غمره بمثل هذه المشاعر الكبيرة، وقد يكون اكتشف نفسه أو بعضاً من جوانب نفسه، بعد أن يكون قد سمع حديث غيره عنه، وأجدُني أُرثي لحال من يدعى ليستمع إلى إنسان يتحدث عن نفسه؛ بالنسبة لي على - وجه التأكيد - لا أجد في حياتي من المعالم أو من الصور ما يمكن أن تستحق أن يضيع جمع من أمثالكم وقتهم للاستماع إليها، خاصة إذا كان هذا الجمع مثل جمعكم، يتميز بالكثير من الكفاءة، والفكر، والثقافة، والعلم والوقار..؛ لكنني استجمعت ذهني يوم أمس، وحاولت أن أتوقف وقفات قصيرة في بعض المحطات التي تذكرتها، لعلكم تجدون فيها صوراً أو معاني تهمكم. |
الأولى:
|
|
- لقد ولدت ونشأت في بيئة معدمة، أعزو لها كثيراً من منحى الجدية، الَّذي اتسمت به حياتي فيما بعد، وما رافق ذلك من نجاحات نسبية، ومن مقارنة بسيطة مع حالات مغايرة، يمكن للمرء أن يستنتج ارتباطاً نسبياً بين الوضع الاقتصادي للأسرة، وبين الحال التعليمي لأفرادها، إلاَّ في حالات نادرة. |
الثانية:
|
|
- في ست سنوات متواصلة من حياتي الدراسية ثم العملية، قدّر لي أن جمع بين دراستين مختلفتين، في تخصصين متغايرين، في جامعتين منفصلتين، في مدينة واحدة حيث حصلت من كل واحدة منهما على شهادة بكالوريوس، في اللغة العربية ثم الجغرافيا، دون أن يتأثر أحدهما كثيراً، وكنت قبل ذلك قد حصلت على شهادتي ابتدائية ومتوسطة وثانوية. |
- هذه التجربة، التي فرضتها رغبتي في الحصول على شهادة جامعية من جامعة الملك سعود، بينما كنت في الوقت نفسه، أسير في منهج جامعة الإمام، عززت في ذهني فيما بعد إمكانية الجمع بين الدراسة الأساسية ودراسة أخرى، أو التدريب، أو مسؤولية رعاية الأسرة أو العمل، أو غير ذلك. |
- ثم قادتني هذه التجربة إلى تصحيح مساري التعليمي مرةً أخرى، بعد أن اكتشفت في نفسي الميل إلى حقل الإعلام، وأنه يتلاءم مع رغباتي أكثر من التخصص الأول والثاني.. |
- ومع ما صاحب ذلك من هدر، إلاَّ أن التخصص الأخير وهو الإعلام استفاد كثيراً مما قبله. |
- المهم في الأمر، أن قضية تعديل المسار الدراسي، بما يتناسب مع اتجاه الطالب ورغبته أو سوق العمل، قضية يستبعدها الكثير من الشباب في الوقت الحاضر؛ مع أن الكثير من الشباب يلتحقون في بعض التخصصات الجامعية المتاحة، قبل أن يكونوا تمكنوا من بلورة رغباتهم، أو أن التخصص الَّذي يميلون اليه لا يكون متوفراً في الجامعة التي يلتحقون بها. |
الثالثة:
|
- لقد التحقت بحقل الإعلام، بمجرد الصدفة، حيث كنت من أوائل خريجي اللغة العربية، الَّذين دعتهم وزارة الإعلام في عام 1383هـ للعمل لديها. |
- شاء الله أن يدلّني على ضالّة لم أكن أبحث عنها، لكنني كنت أفتقدها، وأفتقر إليها؛ فلقد التحقت في تخصص اللغة العربية ثم الجغرافيا، لأنهما في نظري كانا أفضل التخصصات المتاحة، لكنهما لم يكونا رغبة لي. |
- لقد وجدت في الإعلام وفروعه، التي تجمع بين العلوم، والتقنية، والأدب، والفنون، إنه التخصص الَّذي يتناسب مع رغبة كامنة، فشُددت إليه، وتفاعلت معه، وانهمكت فيه وتأثرت به. |
|
- قصدت من إيراد هذه النقطة، الاستشهاد بأن الإنسان قد يكتشف المهنة أو التخصص أو حتى ميوله، بشكل متأخر، لا يكون قد سبقه تخطيط أو تهيئة، ولذلك فإن فكرة الإرشاد الأكاديمي، أو السنة التحضيرية التي تسّنها بعض الجامعات، قد تساعد الشاب في اكتشاف موهبة أو رغبة كامنة، وتنقذه من حيرة تلازمه سنوات في بعض الأحيان. |
الرابعة:
|
|
- وكما يصحّح الطالب أو يعدّل مساره التعليمي، يمكن أيضاً أن يوجّه دربه الوظيفي ودراسته العليا فيما بعد؛ فلقد تحققت لي أمنية الابتعاث للحصول على الماجستير والدكتوراة، في وقت كان المجتمع في أوج اهتمامه بالتلفاز، كما كنت في غمرة انبهاري بوظيفة قيادية جديدة، تحيطها هالة الإعلام وبريقه الأخّاذ في ذلك الوقت. |
- كانت تلك الخطوة، تمثّل في نظر البعض، تضحية بمجد اجتماعي ووظيفي، لكنني غبت أربع سنوات درست خلالها اللغة، وحصلت على الماجستير والدكتوراة، وعدت لأجد كل شيء على ما كان عليه. |
- أسوق هذه الذكرى الصغيرة، لأنه لا شيء يعدل أن يطور الإنسان نفسه علمياً وثقافياً وفكرياً..، مهما بلغت إغراءات الوظائف والأعمال. |
الخامسة:
|
- كان من النتائج الإيجابية للزواج قبل البعثة، أن تتاح للزوجين فرصة السير معاً في تجربة الغربة والدراسة، ومواجهة تحديات الإقامة في مجتمع مختلف، مما ينعكس أثره الطيب على الدراسة نفسها، وعلى مستقبل الأسرة الصغيرة وأطفالها؛ هذه التجربة التي تحرص بعض أجهزة الدولة على الأخذ بها لمبتعثيها، هي في الواقع من أفضل خصائص التجربة السعودية في مجال الابتعاث. |
السادسة:
|
- كان من مسوغات الحصول على الدكتوراة في بعض الجامعات الأميركية العريقة إجادة لغة ثانية، إلاَّ أن بعض الجامعات تعفي الطلبة الأجانب، باعتبار أن اللغة الإنجليزية تعتبر بالنسبة لهم لغة مكتسبة. |
- ومع هذا فقد أوحت لي هذه الفكرة بدراسة اللغة الفرنسية، ودرست فعلاً في الجامعة نفسها بعض المواد التمهيدية فيها. |
- وظل هاجس التمكن من هذه اللغة يلازمني بعد التخرج، فوجدت الفرصة، عندما تقرر أن تتبنى المملكة نظام سيكام الفرنسي في التلفاز، إلاَّ أن ظروف العمل لم تمكنني من التفرغ مدة كافية. |
- وقبيل انتقالي من وزارة الإعلام مررت بفترة انتقالية، اغتنمت الفرصة خلالها للإقامة عدة أشهر في مدينة فرنسية على المحيط الأطلسي، والالتحاق بأحد المراكز الخاصة بدراسة اللغات. |
السابعة:
|
- لقد انتقلت من حقل الإعلام إلى حقل التعليم العالي، وهما حقلان متجاوران، يجمع بينهما العديد من السمات والخصائص، إلا أنني كنت أشعر أن كثيراً من المثل والأفكار لم تتحقق، ولم يعد بالمستطاع - في ظل أوضاع إدارية معينة - الاستمرار في تحقيقها، فعملت على نشر مجموعة مقالات تحليلية موضوعية نقدية، لا تمس شخصاً أو وضعاً أو عهداً بعينه، وصدرت عام 1412هـ في كتاب بعنوان: "نحو إعلام أفضل"، تتوفر نسخ منه في هذه المضافة الكريمة، ولعل أقوى ما اشتمل عليه الكتاب هي تلك المقالات التي تتحدث عن الإعلام إبَّان حقبة أزمة الخليج. |
- وإن كنت بحق لا أعتبر نفسي كاتباً ولا مؤلفاً محترفاً، إلا أنني أسأل العون من الله أن أتمكن يوماً من كتابة تاريخ الإعلام السعودي وتدوين مذكراتي فيه، في مؤلف يستفيد مما ضمّنته في رسالتي الماجستير والدكتوراة، ممزوجاً بتجاربي المتواضعة خمسة عشر عاماً في وزارة الإعلام، ثم خمسة عشر عاماً في عضوية المجلس الأعلى للإعلام. |
الثامنة:
|
- وكما أتيت إلى مجال الإعلام بمحض المصادفة، فلقد أتيت إلى التعليم العالي بمصادفة أخرى؛ وأمضيت في رحلتي مع التعليم مدة تزيد على خمس عشرة سنة، أستاذاً للإعلام في جامعة الملك سعود، ثم وكيلاً للوزارة، وأميناً عاماً للمجلس الأعلى للجامعات؛ إلاَّ أنني أعتقد أن محصلة هذه الفترة كانت محدودة وغير منظورة، وذلك بسبب الدور الهامشي للوزارة في علاقتها مع الجامعات، ومع بقية مؤسسات التعليم العالي، قبل صدور النظام الأخير. |
- وكما تعلمون فإن وظيفة الوزارة يغلب عليها الطابع التنسيقي والإشرافي والتنظيمي، أكثر من الدور التنفيذي، فهي بذلك تختلف عن غيرها من الوزارات التنفيذية والتخطيطية كوزارة المعارف.. |
- وكما ذكرت بالنسبة للفترة التي أمضيتها في وزارة الإعلام، فلقد تمنيت لو مكنتني الظروف من تحقيق آمال محددة قبل تفرغي الأخير لمجلس الشورى؛ لقد كان التعليم العالي - رغم حداثة خبرتي فيه - مجالاً محبباً إلى نفسي بعد الإعلام، بسبب الصفات المشتركة بينهما، ولقد تفاعلت معه، رغم تصوري أن من يلفّه وهج الإعلام وبريقه، يصعب عليه أن يندمج مع فن آخر أو ينجح فيه. |
التاسعة:
|
- كان في أسرتي رجل شهم كريم، حقق - بأخلاقه ودبلوماسيته ووطنيته - شهرة واسعة على مستوى الوطن، والدول التي عمل فيها سفيراً والدول المجاورة لها. |
- وكان صدور سجل يوثق للأجيال سيرة هذا الرجل الطيب، أقل مطلب تلقته أسرته - بعد وفاته يرحمه الله - من كافة محبيه وعارفيه، وحاولت لجنة - كنت أحد أعضائها - تحقيق هذه الرغبة، إلاَّ أنها لم توفق؛ ولما كانت فكرة الكتاب المأمول واضحة في ذهني، فقد بادرت في العام الماضي إلى التصدي لتأليفه، فصدر - بفضل من الله وعونه - بالشكل الَّذي رأيتموه عليه، وإن كان يتواضع أمام مكانة هذا الإنسان في قلوب الناس؛ والكتاب تتوفر نسخ منه، في هذه الأمسية الندية، وبهذه النسخ تكون الطبعة الأولى من الكتاب، وهي عشرة آلاف نسخة، قد نفدت في ستة أشهر، راجياً أن يصدر قريباً في طبعة ثانية مطورة. |
- هذه وقفات تسع، لم أقصد من إيرادها ذكر ما تتضمنه من إشارات إطراء مباشرة أو غير مباشرة لصاحبها، لكنني ظننت أنها قد تحمل أفكاراً يمكن أن يستفيد منها المتتبع لهذه الندوة الاثنينية. |
- أما الوقفة العاشرة والأخيرة، فهي هذه الدعوة الكريمة التي يشملكم وشملني بها صاحب هذه الدارة العامرة، وهي الدعوة التي وضعني فيها مع أخوة وأصدقاء أعزاء، أقف أمام البعض منهم موقف التلميذ حتى اليوم. |
|
- فأشكركم وأشكره، ودامت ندوته المزدهرة، أحد منارات الثقافة والمعرفة في المدينة العروس. |
- وفق الله الجميع والسلام عليكم. |
|
|