| أُمَّاهُ أَيْنَ أَبِي؟ أُمُّاهُ أَيْنَ أبِي؟ |
| قَـدْ طَـالَ صَمْتُكِ يَـا أُمَّاهُ لَـمْ تُجِـبِ |
| تَسَاؤُلاَتٌ وَأَفْكَارٌ لَنَا كَسَدَتْ |
| علَى شِفَاهِـكِ رَهْـنَ العَـرْضِ وَالطَّلَـبِ |
| فَقَدْتُ رِيْحَ أَبِي في البَيْتِ يَعْمُرُهُ |
| بِنَفَحاتٍ كَزَهْرٍ بَاسِمٍ رَطِبِ |
| فَقَدْتُ طَلْعَتهُ في البَهْوِ مَاثِلَةً |
| تَشُدُّنِي نَحْوَهُ القُرْبَى وحُبُّ أَبِي |
| وَصَوْتُ نَبْرَتِهِ تَشْتَاقُهَا أُذُنِي |
| لِيَطْرَبَ السَّمْع في إِيْقَاعِهَا العَذِبِ |
| قَدْ غَابَ عَنَّا ولَمْ نَظْفَرْ بِنَظْرَتِهِ |
| إِلاَّ لِمَاماً وَلَمْ نَنْظُرْهُ عَنْ كَثَبِ |
| مَا بَالُهُ عَافَنَا وازْوَرَّ جَانِبُهُ؟ |
| عَـنْ عُشِّنَا وتَوَارَى فِـي ذَرَىَ الْحُجُـبِ |
| هَلْ نَالَهُ مِنْكِ أَمْرٌ قضَّ مَضْجِعَهُ؟ |
| أَمْ أَنَّهُ غَاضِبُ دَوْماً بِلاَ سَبَبِ؟ |
| أَمْ أَنَّ وَاقِعَهُ أَمْلَى تَهَرُّبَهْ؟ |
| مِنْ الْحَياةِ ومِنْ تَيَّارِهَا اللَّجِبِ |
| أَمْ أَنَّ فِي صَدْرِهِ هَمٌّ يَنُوءُ بِهِ؟ |
| هَمُّ الحَيَاةِ وَعِبْءُ الْبَيْتِ والتَّعَبِ |
| أَمْ أَنَّ فِي قَلْبِهِ سِرٌّ يَحِيْكُ بِهِ؟ |
| فَلاَذَ عَنْ كَشْفِهِ بِالصَّمْتِ وَالْهَرَبِ |
| أَمْ أَنَّهُ قَلَّدَ الأَقْرَانَ فِي طُرُقٍ؟ |
| سَارُوا عَلَيْهَا مَسِيْرَ الشَّدِّ وَالْخَبَبِ |
| إِنِّي بِحَاجَتِهِ في كُلِّ آوِنَةٍ |
| أَحْنُوْ إِلَى عَطْفِهِ خَيْرُ الأَنَامِ أَبِي |
| أَحْتَاجُ مِنْهُ سُوَيْعَاتٍ يُلاَطِفُنِي |
| أَوْ أَنْ يُذَاكِرَ مَا دَوَّنْتُ في كُتُبِي |
| أَحْتَاجُ تَوْجِيْهَهُ حَزْماً وتَرْبِيَةً |
| أَشُقُّ دَرْبِي سَلِيماً غَيْرَ مُرْتَهِبِ |
| قَدْ طَالَ صَمْتُكِ يَا أُمَّاهُ فَانتفضَي |
| نَفْسِي فِداكِ أَجِيْبِيْنِيْ عن السَّبَبِ؟ |
| * * * |
| فَاغْرَوْرَقَتْ مُقْلَتَاهَا وهِيَ وَاجِمَةٌ |
| وَانْهَالَ مِن وِجْنَتَيْهَا لُؤْلُؤُ الْحَبَب |
| وَلَمْلَمَتْ خصَلاَتٍ فَوْقَ حَاجِبِهَا |
| وَكَفْكَفَتْ عَبْـرَةً فِـي صَدْرِهَـا الرَّحِـبِ |
| ونَفَثَتْ زَفْرَةً حَرَّى وفي يَدِهَا |
| مِنْدِيْلُهَا عَبِثَتْ فِي وَرْدِهَا الرَّطِبِ |
| وَرَبَّتَتْ بِحَنَانٍ فَوْقَ عَاتِقِهِ |
| بُنَيَّ لاَ تَجْزَعَنْ يَا خِيْرَةَ النُّجُبِ |
| يَـا نُـوْرَ عَيْنِـي وَرُوْحِي كُلَّمـا خَفَقَتْ |
| بَيْنَ الجَوَانِحِ يَا سَلْوَايَ يَا طَرَبِي |
| بِيْ ضِعْـف مَــا بِـكَ يَطْوِيْنِي وَيَنْشُرُنِي |
| لَكِنَّ صَبْرِي يُعَزِّبْنِي بِمُرْتَقِبِ |
| لَعَلَّ أَوْ رُبَّمَا يَهْدِي الإِلَهُ لَنَا |
| مَنْ نَرْتَجِي عَوْدَهُ لِلْمَرْتَعِ الخَصِبِ |
| أَبُوكَ يَعْملُ صَدْرَ اليَوْمِ مُكْتَسِباً |
| لِرِزْقِنَا فَيَقِيْنَا حِدَّةَ السَّغَبِ |
| وَقَدْ يَنَامُ سُوَيْعَاتٍ يُحَدِّدُهَا |
| يَرْتَاحُ في ظِلِّهَا مِن شِدَّةْ التَّعَبِ |
| وَبَعْدَهَا يَتَعَلَّى صَدْرَ "مُوْثَرِهِ" |
| مُغَادِراً بَيْتَهُ والشَّمْسُ لَمْ تَغِبِ |
| مُيَمِّماً صَحْبَهُ في أَيِّ مُنْتَجَعٍ |
| جوْفَ الصَّحَارِي وفـي الأَجْبَـالِ والهَضَبِ |
| إِمَّا إِلَى طَلْحَةٍ في الوَادي بَاسِقَةٍ |
| اغْصَانُهَا عن شُعَـاعِ الشَّمْسِ كَالْحُجُـبِ |
| أَوْ يَقْصُدُ الكَهْفَ تَحْتَ الصَّخْـرِ مَجْلِسـهُ |
| مَعْ الرِّفَاقِ بِقُرْبِ النَّارِ والْحَطَبِ |
| أَوْ تُؤْوِهِ خَيْمَةٌ قَدْ جُهِّزَتْ سَلَفاً |
| يرْتَادُهَـا الصَّحْـبُ مـن قَـاصٍ وَمُقْتَرِبِ |
| أَوْ فِـي اسْتِرَاحَـةِ أَحْواشٍ قَـد اتُّخِـذَتْ |
| مَقَرَّ ثُلَّتِهِ في الجَانِبِ الرَّحِبِ |
| هُنَاك يُمْضُونَ سَاعَاتٍ بِلاَ ثَمَنٍ |
| مِنْهَا شُهُوراً وَأَعوَاماً عَلى الْهَبَب |
| يَقْضُـونَ وَقْتاً وَصُلْـبُ الوَقْـتِ يَسْحَقَهُمْ |
| بِعَجَلاَتٍ لِيَجْنُوا شَرَّ مُنْقَلَبِ |
| وَيَمْضَغُونَ أَحَادِيثاً مُكَرَّرَةً |
| تَجْتَرُّهَا أَلْسُنٌ من أَعْجَبِ الْعَجَبِ |
| يَحْنُونَ أَظْهُرَهُمْ واللِّعبُ غَايَتَهُمْ |
| امْسَى "الْبَلَوْتُ" لَدَيْهِمْ عَالِــيَ الرُّتَــبِ |
| أَوْ يَطْبَخُونَ طَعَاماً في مَوَاقِعِهِمْ |
| سُوْقُ التُّيُوسِ بَدَا في غَايَةِ الطَّلَبِ |
| وَرُبَّمَا جَلَبُوا أَشْيَاءَ ثَانِيَةً |
| عِنْدَ الْكَثِيرِ مَحَطَّ الشَّكِّ والرِّيَبِ |
| شَطْرُ النَّهَارِ وجُلُّ اللَّيْلِ جَلْسَتَهُمْ |
| والبَعْضُ عَادَ وضَــوْءُ الفَجْــرِ كَاللَّهَبِ |
| وَقَدْ تَفُوتُ صَلاةُ الصُّبْحِ أَغْلَبُهُمْ |
| إِنْ نَامَ من شِدَّةِ الإِعْيَاءِ وَالتَّعَبِ |
| وَذَاكَ دَيْدَنُ أَدْنَاهُمْ وأَكْثَرُهُمْ |
| يَرَى البُيُوتَ مَقَرَّ النَّوم والْعَقِبِ |
| تَبْقَى الْمُرَيَّةُ جَوْفَ البَيْتِ قَابِعَةً |
| تُكَابِدُ اللَّيلَ تَرْمي الهَمَّ في الشُّهُب |
| تُقَطِّعُ الوَقْتَ في التِّلْفَازِ آوِنَةً |
| ثـمَّ تَمِيْلُ إلَـى "الفِدْيُو" عَلَـى "الكَنَبِ" |
| وَالبَعْضُ تَلْهَثُ نَحْوَ "الدُّشِّ" لاَهِثَةً |
| بَيْنَ المَحَطَّاتِ بَين اللَّهْوِ والطَّرَبِ |
| تُصَارعُ النَّومَ تَسْتَجْدِي عَوَاطِفَهَا |
| لَعَلَّ فَارِسَهَا يضوى مَعَ الْعَتَبِ |
| وحَوْلَهَا صِبْيَةً في صَحْوِهِمْ قَلَقٌ |
| وَعِندَ نَوْمَتِهِمْ تَرْتَاحُ من تَعَبِ |
| طُولُ النَّهارِ تُعَانِي من مَشَاكِلِهِمْ |
| بِالْجِدِّ حِيْناً تُرَبِّيْهِمْ وَبِاللَّعِبِ |
| فَلاَ أَنِيْسَ لَهَا إِلاَّ تَعَابُثهمْ |
| ولاَ جَلِيْسَ سِوَى الإِرْهَاقِ والوَصَبِ |
| هَذِي حَيَاةُ كَثِيرِ النَّاسِ يَا وَلَدِي |
| وَأَنْتَ مِـن خَلفِهَا فَتِّشْ عَــنْ السَّبَـبِ |