أَلقٌ من البلدِ الحبيبِ زهاني |
فلكَزتُ مُهرَ الشعرِ دون عِنانِ |
فانسابَ منطلقاً يُسابقُ ظِلَّهُ |
وكأنه متحفِّزٌ لِرهانِ |
كالسهم يخترقُ المدارَ لينتقي |
غُرَّ القوافي البكرِ غيرَ عَوانِ |
فاخترتُ أغلاها نفائِسَ حُرَّةً |
تهفو القلوبُ لجَرسِها الرنَّانِ |
ونظمتُها عِقداً يليقُ بفارسٍ |
هو في رياضِ الفكرِ دوحةُ بانِ |
أُهديكَ يا ابنَ الرافدين تحيةً |
هي ذوبُ عاطفتي ودفقُ بياني |
ولقد جَهَدتُ بأن أصوغَ حروفَها |
لتنالَ منكَ مواقعَ الرضوان |
يا ابنَ العراق وأيُّ فخرٍ أن أرى |
عَلَماً يُشارُ له بكلِّ بَنان؟ |
غَذَّتهُ أثداءُ المُروءة والتُقى |
ورعاهُ بيتُ العلم والإيمان |
حتى إذا بلغَ الأَشُدَّ تفتَّحتْ |
أكمامُه فإذا القطوفُ دوانِ |
أوقفتَ عمرَكَ للمعارفِ باحثاً |
ومعلِّماً فذاً عظيم الشان |
ووهبتَ للأدبِ الرفيعِ عُصارةَ الـ |
ـفكرِ النقيِّ مشمِّرَ الأردانِ |
أعليت للفُصحى دَعامةَ مجدِها |
ورعيتَ ذاتَ الصرحَ شيمةَ باني |
وطرقتَ بابَ الشعرِ فانسابَتْ على |
أوتارِ عُودِكَ أعذبُ الألحانِ |
يا ابن العراق وأنتَ بعضُ عطائهِ |
أيَّامَ كانَ محجَّةَ الرُكبانِ |
أيَّامَ كان المبعدون أئمَّةً |
فيهِ وكان موطَّدَ البنيان |
أولاءِ نحنُ وما تَزالُ ضمائرٌ |
فيما يَبُلُّ عروقها (النهران)
(2)
|
من كلِّ ممدوحِ السَّجِيَّةِ قلبُه |
في حُبِّ دجلةَ دائمُ الخفقان |
نَتَبَرَّضُ
(3)
العيشَ القليلَ وإنهُ |
عِدْلُ الحياةِ غنىً، بدارِ هَوان |
(بغدادُ) يا هِبَة الزمانِ لأهلها |
أنا في هواكِ موزَّعُ الأشجان |
(بغدادُ) لو تدرينَ أي مجامِرٍ |
بجوانحي تَذكو بغيرِ دخان؟ |
(بغدادُ) لستُ أدلُّ بالإحسانِ |
ودمُ الرجالِ دريئةُ الأوطان |
لو تسألينَ (الجسرَ) عن دميَ الَّذي |
كَحُلَتْ به عيناكِ لا ينساني؟ |
خَضَّبتُ خدّيكِ الحِسان بمهجتي |
وأنا (ابنُ عشرينٍ) فريعَ جَناني |
صُنتُ الهوى (بغدادُ) لا تتوهمي |
أنَّ الهوى يذوي مع الهجران |
ما كنتُ مدَّاحَ الطغاةِ ولا انحنىٰ |
رأسي أمامَ هِراوةِ السّجَّان |
وشطرتُ قلبي للعراق فنصفُه |
عندَ الضفاف قصائدٌ وأغاني |
ووزعتُ شعري في شواطىءِ دجلةٍ |
يحدو الحداةُ به بغيرِ لسان |
يا ابنَ العراق وقد أثَرَت قريحتي |
عُذراً فقد خطرَ الهوى فشَجاني |
أكرِمْ بيومك إذ حَلَلَتَ ربوعَنا |
في (جدةٍ) فنزلتَ خيرَ مكان |
في حيثُ يُلقي المبدعون رِحَالهم |
وتُرحِّب الأحضانُ بالأحضان |
في (دارةِ الآداب) حيثُ يُكرَّمُ الـ |
ـقلمُ الأَبِيُّ وريشةُ الفنّان |
ويلوحُ للقُصَّادِ من (مقصودِهم) |
وجهٌ يُهشُّ: لمقدمِ الخِلاَّن |
أدرِ العيونَ إلى مفاتنِ حُسنها |
لترى بروضِ الفكرِ أيَّ حِسان |
يخطرنَ في حُلَلِ الزفاف عرائساً |
جذلى تَمِيس بحُسنِها الفتَّان |
نضحَ البنفسجُ عطرَهُ بجيوبها |
وتزيَّنتْ بشقائقِ النعمان |
ألقِ السلامَ على النخيل فإنني |
لأخالُها بلدي إليه دعاني |
وإذا استمعتُ إلى خريرِ مياهها |
ينسابُ في صخبٍ إلى الآذان |
عبرتْ بي الذكرى لـ (شلالاتِ |
كُرْدستانَ) والهفي لكُردستان |
يا ابنَ العراق وفي صميم جوانحي |
كبرٌ لأنكَ من بني أوطاني |
يمَّمتَ (جدةَ) هل حملتَ لأهلها |
نسماتِ ليلِ (الطائفِ) الرّيان؟ |
وعبيرَ هاتيكَ الرياض كأنها |
غُرفُ الجنان تضوعُ بالريحان |
أو نكهَة الثمَرِ الُمدِلِّ بذوقه |
عَسلاً من الأعناب والرمَّانِ |
قد ملتُ يوماً عند ((برشومِيِّها))
|
فوجدتُ وخزَ الشوكِ وخزَ حنان |
يا ساكن البلد الجميل مطوَّقاً |
من أهلِه باللّطفِ والإحسان |
ما بين (جدةَ) إذ نزلتَ برِيعها |
و(الطائفِ) الميمون حبلُ رهان |
هذا يفاخر شامخاً بجباله |
خُضراً وتلكَ تَدُلُّ بالشِطآن |
وكلاهما لو يعلمانِ منازلٌ |
للخيرِ تعمُرها يدُ الإنسان |
بلدٌ تعهَّدَ أمنَه وأمانَهُ |
ربُّ العباد وشعبُه المتفاني |
وأحلَّه في العالميَن مكانةً |
مُثلى يتيهُ بها على البلدان |
هو قِبلةُ المحراب أنَّىٰ يمَّمْت |
وجهَ التقيِّ فريضةُ الرحمن |
في حضنهِ (البيتُ العتيقُ) وعنده |
(مهدُ النبيِّ) و(منزلُ القرآن) |