(( كلمة المحتفى به فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبي غدة ))
|
ثم أعطيت الكلمة لفضيلة الشيخ عبد الفتاح بن بشير أبي غدة فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم.. |
- الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..، أما بعد: |
- فإنها ليلة مباركة كريمة أشهد فيها هذه الوجوه المباركة، في ظل أخ كريم مفضال عظيم سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه (جزاه الله خيراً) جمع لي هذه الصفوة النخبة الفاضلة، حتى أسعد بأنفاسها الطاهرة وقلوبها المؤمنة؛ هي منَّة ومنحة من الله (عزّ وجلّ) كان في طليعة وتقدير الخير أن تفضل بها عليَّ سعادة الشيخ (أكرمه الله تعالى) فأنا عاجز عن شكره، وإنما أدعو الله له أن يحفظه في نفسه وأهله وذريته، ويحفظ له دنياه وآخرته، ويجمعنا كلنا تحت لواء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على حبه وطاعته ورسالته. |
|
- هذا التكريم الَّذي أحظى به وأنا أعرف نفسي ولا أجهلها، ولكن الإخوة ينظرون بأعينهم ولا يعرفون ما وراء الستار؛ فالله (عزّ وجلّ) هو الستار الرحيم الغفور الكريم، يستر على عباده نقصهم وضعفهم، وأنا من أضعف عباد الله (عزّ وجلّ) وأخوفهم - إن شاء الله - من الله (عزّ وجلّ) وأسأل الله (عزّ وجلّ) أن يسبغ على الإخوان الَّذين تفضلوا بالحضور وتفضلوا بالكلام جزاءاً موفوراً من الخير والثواب، ويكون لهم في ذلك حسن الظن وحسن النية؛ وأسأل الله (عزّ وجلّ) أن يغفر لي ما ظهر وما بطن، والله (سبحانه وتعالى) يجزي المتصدق على عباده بالدعاء. |
- وهذه الليلة تكرم فيها عليَّ أناس كثيرون بحضورهم وبكلماتهم، ومن أولهم فضيلة الأستاذ الكبير والعلامة الجليل والأديب الأفيق الممتاز، فضيلة الشيخ: علي الطنطاوي (حفظه الله تعالى) وأمتع به ولطف بحاله، وأمده بالصحة والقوة والسلامة بكلمة غالية ما أقدر الجزاء عليها، فجزاه الله عني خيراً، وعلى حسن ظنه بخير الخير - إن شاء الله - وجزاه الله كل خير. |
- كذلك تفضل فضيلة أستاذي وشيخي فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ: مصطفى الزرقا (حفظه الله تعالى) وأمتع به وهو في فراش المرض بكلمة أضفى عليَّ فيها ما في نفسه الطيبة الطاهرة المضيئة المنيرة، جعله وصفاً لي فنظر في نفسه وقدر أن مخاطبه أو صاحبه أو خادمه يحرز هذه الصفات؛ فهذا من رشح الفضل الَّذي آتاه الله رشح عليَّ به، فجزاه الله عني خيراً. |
- وكذلك الإخوة الَّذين تكلموا وتفضلوا بهذه الكلمات عني، فقد أغدقوا وصدقوا، ولكنهم أوسعوا وأرهقوا، حتى دخلت مع أبي حنيفة (رضي الله عنه) بالمواجهة كما قال أخي الشاعر ضياء الدين الصابوني، فهذا شيء لا يبلغ من قدري أن أكون ذرة رمل أو تراب في جنب أبي حنيفة، من أبو حنيفة؟ أبو حنيفة رحمة من رحمات الله (عزّ وجلّ) أهداها الله (سبحانه وتعالى) لهذه الأمة كما أهدى الإمام مالكاً، والإمام أحمد، والإمام الشافعي (رضي الله عنهم) والإمام ابن جرير..، فهؤلاء الأئمة.. فإن صلحت أن أكون رملة صغيرة في جنب هؤلاء فهذا وسام عظيم وفضل كريم، لا أستطيع الشكر عليه؛ فأعتذر عن مثل هذه الكلمات التي وجهت في جنب الحديث عني، فإنها لا تستطيع نفسي سماعها ولا قبولها، وإن صدرت من أخ محب صادق في نية حسنة، ولكن الحق أحق أن يتبع. |
- وأما أستاذي الكريم السيد أمين، فجزاه الله عنا خير الجزاء، فقد أفاض علينا من طيب نفسه وطيب سريرته الخير الكثير، وأغدق الثناء.. فجزاه الله خيراً؛ وأنا في وصفي أعلم بنفسي ما لا يعلمه غيري، فالشكر لله (عزّ وجلّ) ثم لأخي الأستاذ أمين (حفظه الله تعالى) فجزاه الله (تعالى) عن الإِسلام وعن المسلمين خير الجزاء. |
- هذا التكريم الَّذي أناله ما سببه؟ أنا لي إخوة درجوا قبلي وهم أكثر مني ذكاء، إخوة من نسبي من أمي وأبي. درجوا قبلي وهم أحسن مني ذكاء، وأقوى شكيمة، وأعظم منحاً..، ولكنهم ما ذكروا مع المذكورين، فمن أين جاء هذا الذكر وهذا التكريم؟ جاء هذا الذكر وهذا التكريم من تعلقي بالعلم أو بذيله، أو ما يقال: إنه قافلة طلبة العلم؛ فانتسابي للعلم رفع شأني وأوجدني في هذه الحضرة الجميلة الكريمة، وذلك فضل الله عليَّ؛ ولهذا أذكر في هذه المناسبة فضل العلم الَّذي يرفع الإنسان من حضيض الوجود إلى رفعة القدر.. |
- كان هناك رجل مملوك اسمه سالم بن عبد الله أعتقه مولاه، ومولاه من الصحابة، أعتقه مولاه وهو رقيق؛ فقال هذا الرجل: بأي الحرف أحترف؟ ثم اختار العلم؛ قال فما مضى عليَّ سنة إلاَّ جاءني أمير المدينة زائراً فلم آذن له، هكذا العلم. |
إن الملوك ليحكمون على الورى |
وعلى الملوك لتحكم العلماء |
|
|
- هكذا كان شأن العلماء، ولذلك قال بعض شيوخي أو شيوخ شيوخي، الشيخ بشير الغزي (رحمه الله تعالى) واصفاً أثر العلم على من تسمى أو تنسم أو انتسب إليه؛ يقول أبياتاً لطيفة يشبهها بشيء عندنا في بلدنا حلب يسمى بيلون بالورد، وهو نوع من الطيوب الفاخرة بعد أن يغتسل الإنسان في الحمام وينظف جسمه، يريقه فيجعله شبه سائل ثم يتدهن به جسمه، فتبقى رائحته الزكية العطرة يومين أو ثلاثة أيام بعد الاستحمام، فهذا أصله من تراب من التربة العادية، ولكن يتوسم فيه أن يكون ناعماً رقيقاً جداً ليصلح للمعجونية، فيقول شيخ شيخنا هذا الشيخ بشير الغزي: |
رأيت الطين في الحمام يوماً |
بكف الحب أثر ثم نسَّم |
فقلت لـه أمسك أم عبير؟ |
لقد صيرتني بالحب مغرم |
أجاب الطين أني كنت ترباً |
صحبت الورد صيرني مكرم |
ألفت أكابراً وازددت علماً |
كذا من عاشر العلماء يكرم |
|
|
- فهذا من تعلقي بذيل القافلة؛ وكذلك قال النحويون الفضلاء في هذا المقام بيتين لطيفين، ربما يكون بعض إخوتي بعيدين عن النحو ولكن يقولون: |
عليك بأرباب الصدور فمن غدا |
مضافاً لأرباب الصدور تصدرا |
وإياك أن ترضى بصحبة ناقص |
فتنحط قدراً من علاك وتحقرا |
فرفع أبو من ثم خفض مزمل |
يبين قولي مغرياً ومحذرا |
|
- أشار إلى بيتين أو معنيين في النحو، يقول عليك بأرباب الفضل أن تلازمهم حتى ترتفع بهم، وإياك ومصاحبة الرعاع حتى لا تنحط منزلتك، ثم استشهد بقاعدتين في النحو فقال: فرفع: "أبو من" فمن من أسماء الاستفهام كما يعلم إخوتي وأساتذتي لها الصدارة، ولكن إذا سبقها مضاف حينئذٍ يتصدر عليها؛ فأنت تقول من جاء؟ هكذا ولكن تقول: أبو من جاء؟ فتقدم أبو حينما أضيفت لمن عليها؟ بسبب الإضافة؛ لذلك يقول: |
فرفع أبو من ثم خفض مزمل |
يبين قولي مغرياً ومحذرا |
|
- ويشير إلى قول امرئ القيس في وصفه جبلاً نزل عليه الثلج وغمره وغطاه كل التغطية، ثم طلعت الشمس وذاب الثلج من سفح الجبل وبقي على رأس الجبل قطعة من الثلج، فيشبه امرئ القيس هذا برجل شيخ كبير السن أبيض الرأس أبيض اللحية؛ يقول في هذا الجبل واصفاً: |
كأن ثبيراً في عرانين وبله |
كبير أناس في بجاد مزمل
(1)
|
|
- ثبير: اسم الجبل - كبير أناس: شيخ كبير في قوم - بجاد: عباءة. |
- الشاهد، أنه كان يجب أن يقول كبير أناس في بجاد مزمل (بالرفع) لأنه وصف للكبير، ولكن لما جاور هذه المجاور جاءه الجر، لذلك قال: |
فرفع أبو من ثم خفض مزمل |
يبين قولي مغرياً ومحذرا |
|
- فهذه الإضافة التي أكرمني الله (عزّ وجلّ) بها - أن أضافني إلى قافلة طلبة العلم - هي التي رفعت من شأني وجعلتني في هذه الحظيرة المباركة والليلة السعيدة، وهذا الوجه الأغر من صاحب السعادة الأخ المفضال الشيخ عبد المقصود خوجه (حفظه الله تعالى) وإخوتي الحاضرين، فهذا كله بسبب انتسابي للعلم، فأسأل الله (عزّ وجلّ) أن يجعلنا - جميعاً - على علم وصلاح وتقى وهداية، واتباع للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأستغفر الله فيما يعلمه الله مني ولا يعلمه إخواني وهو الغفور الرحيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربّ العالمين. |
|