شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشيخ محمد عوامة ))
ثم أعطيت الكلمة لفضيلة الشيخ محمد عوامة فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- الحمد لله ربّ العالمين.. المتفضل على من شاء بما شاء، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله القائل: إن العلماء ورثة الأنبياء، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.. وبعد:
- فيقول الله (عزّ وجلّ): شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم قال الإمام الحافظ ابن رجب (رحمه الله تعالى) مبيناً نقطة هامة في فهم هذه الآية الكريمة: "لم يفرد الله (تعالى) الأنبياء بالذكر، بل أدخلهم في مسمى العلماء، وكفى بهذا شرفاً للعلماء أنهم يسمون باسم يجتمعون هم والأنبياء فيه".
- ويقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد: "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة".
 
- وهؤلاء العلماء الصفوة المختارة هم من الطائفة المنصورة التي أخبر عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الآخر المشهور المتواتر، وإن هذه الأمسيات التي يكون فيها تكريم الخيرة من علماء الإِسلام مقتسبة من هذا التكريم الإلهي والنبوي، فما بعد تكريم الله (عزّ وجلّ) لهم من تكريم وفائدة أخرى من هذا التكريم العادل لهم في حياتهم؛ أمتعنا الله بهم بخير وعافية، أن لا نكون كغيرنا من الناس الَّذين اعتادوا وضع أكاليل الزهور على قبور الناس فلا يعرفون قدرهم إلاَّ بعد رحيلهم، فهذا التكريم العادل يعرفنا بساداتنا أهل العلم (حفظهم الله تعالى) وإن سماحة سيدي الشيخ العلامة الأجل، الشيخ عبد الفتاح أبي غدة (حفظه الله تعالى وأمتع المسلمين به بخير وعافية) هو من هذه الطائفة المنصورة التي حفظها الله لأهل هذا العصر حجة لهم أو عليهم.
 
- وفضيلته يتمتع بمواهب ومكرمات إلهية كثيرة سمعنا الحديث عن بعضها؛ وأتحدث - أيضاً - في هذا المضمار ونحوه مما يتصل به، وهو الجانب الَّذي أكرمني الله (تعالى) أن أعيشه معه، وأقتبس من نوره وهديه هو الحياة العلمية التي عاشها شيخنا (حفظه الله تعالى) ولم يكن ثمة شيء سواها يصلني بفضيلته أو أسأله عنه أو يحادثني به.
 
- أقدم كلمة بين يدي كلامي، إنني تشرفت بالمثول بين يدي سيدي الشيخ 37 عاماً - والحمد لله ربّ العالمين - ولو أنني أردت الاجتزاء عن كل سنة أتحدث عنها بدقيقة واحدة، لطال الأمر علي وعليكم كثيراً، فسامحوني إن أطلت وأرجو من سيادته إن قصرت في حق فضيلته عليّ..
- أمر آخر اعتاد بعض الناس في مثل هذه المناسبات، سلوك مسلك الإطراء والمبالغة، ولو روجع هذا الإنسان المُطري المبالغ، لرجع وحقق؛ أما أنا فبمذهب سيدي الشيخ أقتدي، إنه لما كتب ترجمة لإمام العصر الشيخ محمد أنور الكشميري (رحمه الله تعالى) في مقدمة كتابه التصريح بما تواتر في نزول المسيح؛ وأثنى عليه بألقاب علمية عالية جداً، كتب سيدي الشيخ تعليقاً لطيفاً، وقال "لست (والحمد لله) ممن يكيلون المديح جزافاً والثناء اعتسافاً"، وأنا على مذهبه في هذا - إن شاء الله تعالى -.
- وبناءاً على هذا التحفظ والمراقبة على ما يقول، أقول قولة من يعتقد أن الله سيحاسبه على كل كلمة، إن الله يعلم مني أنني لم أسمع من سيدي الشيخ كلمة في هذه السنين الطويلة، ولم أرَ منه موقفاً قلت فيه لعله لم يقل كذا أو يقف هذا الموقف، إنما كان مسدداً بتسديد الله (عزّ وجلّ) لعباده المخلصين المتقين؛ ولا أدعي له العصمة - معاذ الله من ذلك - إنما هو تسديد الله وفضله.. وسأقتصر على جانبين من جوانب حياته العلمية (حفظه الله تعالى) وجوانبه في هذا المضمار كثيرة، ولكني - كما قلت - أغلب نفسي وأختصر.
- إن سيدي الشيخ دخل حياته العلمية بهمة عالية ونهمة نادرة، مع ذهن متقد وذكاء ألمعي وحافظة جيدة جداً، مع عمل بالعلم وصحبة العلماء العاملين، وتقوى وصلاح وصفاء..، فالتقت الأسباب المادية والمعنوية التي تكون العالم المثالي؛ لقد سمعت من فضيلته - مرةً - وهو يتحدث عن إعجابه بأجل شيوخه، الأستاذ الكوثري (رحمه الله تعالى) قال لي من باب إعجابه بشيخه - لا من باب التمدح بنفسه، والله يعلم مني أنني لم أسمع منه حرفاً واحداً مدح فيه نفسه - يقول عن شيخه الكوثري: قال كل من حضرت عليه من الأساتذة كنت أرى أنني أستطيع أن أكون مثله، حتى رأيت الأستاذ الكوثري فقلت: أما هذا فلا.. والقصد من هذه الكلمة وهذا الحديث في النفس، أنه كان (حفظه الله) أنه دخل العلم بهمة عالية جداً، يريد مسابقة شيوخه؛ أما لما رأى الكوثري الإمام الَّذي لا يشق له غبار، قال في نفسه: أما هذا فلا.
 
- هذه الهمة المتوثبة هي التي مكنت سيدي الشيخ أن يصل إلى ما يصل إليه، وحقق الله (تعالى) فيه قولة الإمام الحكيم صاحب الحكم (رحمه الله تعالى): "من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة" وينتج نتيجة بدهية حسابية عن هذه النفس المتطلعة عن تجاوز كل من تلقى عنه العلم، أن يكون صاحبها فقيهاً متخصصاً، وأصولياً لامعاً، ومحدثاً بارزاً، ونحوياً حجة.
 
- ولقد قيل لأحد أساتذته - وهو ما يزال من الأحياء - أكان الشيخ عبد الفتاح أبو غدة تلميذاً لكم؟ فقال الأستاذ بكل تواضع أمام تلامذته الناشئة - وهم ناشئون صغار أحداث في العلم - قال: نعم ولكني أنا الآن تلميذه.. كنت أقرأ له النحو في شرح الأجرومية، فكان يطالع درسه في مغني اللبيب؛ وهذه الهمة كانت وما تزال تنمو مع الأيام (والحمد لله ربّ العالمين) فماذا نتصور لها من نهايات؟ إنها النهاية المشرقة بنور العلم وبنور الإيمان والهدي المحمّدي..
- درس سيدي الشيخ العلوم الكثيرة التي يدرسها عامة طلاب العلم في زماننا، فأتقن علوم العربية غاية الإتقان من نحو وصرف وبلاغة، وأتقن ما يسميه السابقون بعلم الكتابة والترسل والمحاضرات، حتى كأنه راوية شعر وأدب لا يعرف سوى ذلك؛ وأعرف أستاذاً من أساتذة العربية قل من يعجبه من السابقين ولا يرى له مثيلاً في المتأخرين المعاصرين، لكنه كان إذا مشى إلى جانب سيدي الشيخ مشى مطرق الرأس مهيض الجانب إجلالاً لسيدي الشيخ؛ يستحضر شيخنا اللغة العربية بضبطها وكثير من شواهدها، والنحو بمذاهبه وشواهده، وينبه على الكثير من العامي الفصيح، كما يحذر - كثيراً - من الخطأ الشائع، وقد قال لنا ونحن على مقاعد الدرس من السنة الأولى من الثانوية أستاذ لنا هو بحكم أساتذته وبينهما من اختلاف الوجهة والمشرب ما يحمله على أن يكيل لسيدي الشيخ ويكيد، ومع ذلك ما وسعه إلاَّ أن يقول لنا في قصة حكاها: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة قاموس ناطق.
- وأتقن سيدي الشيخ - أيضاً - الفقه الحنفي الَّذي نشأ عليه؛ ثم شارك مشاركة قوية في الفقه الشافعي، وهما المذهبان الشائعان في بلادنا، وأحفظ لفضيلته مواقف عديدة كان ينبه فيها السائل إلى فروع دقيقة في زوايا حواشي الفقه الشافعي؛ ثم إنه شارك مشاركة قوية في الفقه الإِسلامي عامة، ورفد ذلك منه اشتغاله الطويل بتدريس أحاديث الأحكام، ولذلك يرى القريب منه سعة صدره في الأحكام، وسماحته في الفتوى والتطبيق.
 
- وأمعن سيدي الشيخ في علم أصول الفقه درساً وتدريساً، ومباحثات في نواحيه ومسائله، وله فيه تحقيقات ممتعة، وهو الَّذي تلقى الفقه والأصول عن عُمَدِهِ في حلب ثم في الأزهر الشريف؛ وقد قال لي مرة (حفظه الله) لا تأخذ عن الأزهريين إلاَّ علم الأصول، فهو قد تلقى هذا العلم منهم؛ أما علم الحديث الشريف فقد سار فيه طوال رحلته العلمية مع العلوم الأخرى، حتى حط رحله عنده وأخذ منه في هذه السنوات الأخيرة جل اهتمامه ووقته وتفرغ له جداً، ووفقه الله (تعالى) لإخراج الكثير الطيب من المؤلفات في علومه.
 
- تلقى شيخنا (حفظه الله) العلوم عن عدد كبير من علماء عصره، بلغ عددهم المئة وعشرين عالماً أو زاد، أكثرهم من علماء حلب ودمشق والأزهر، ثم من علماء الهند وباكستان والمغرب.. وقابلت من بلدتنا حلب نخبة عالية، منهم: العلامة الشيخ عيسى البيانوني، والشيخ راغب الطباخ، وأستاذنا أستاذ الجميع وشيخ الشيوخ الأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا، حجة العصر في الفقه واللغة العربية (حفظه الله تعالى) أما في مصر فأعظمهم أثراً في شخصه وتكوينه العلمي وفي قلبه الأستاذ الكوثري مدله الإِسلام وسيف الدين (رحمه الله تعالى).
- أنتقل إلى فقرة أساسية ثانية في حياة سيدي الشيخ العلمية، هو منهجه في التحقيق؛ رزق الشيخ ذوقاً وصبراً على التحقيق عجيباً، قل نظيره في محققي العصر أو من قبلنا؛ وأذكر قصتين عنه في هذا المجال:
- دخلت عليه في يوم من الأيام، وأنا أحمل له أوراق تجارب الطبع من كتاب الأجوبة الفاضلة للكنوي (رحمه الله تعالى) فأدخلني على العادة غرفة الضيافة، فرأيت المقاعد كلها مفروشة بالكتب مفتوحة عليها، لا أجد واحداً منها أجلس عليه؛ فابتسمت وقلت: خيراً إن شاء الله، قال لي كلمة تعبت فيها منذ ثلاثة أشهر وأنا أبحث عنها، وهي: أن المؤلف اللكنوي (رحمه الله) يذكر عن الإمام الشافعي (رضي الله عنه) أنه يعمل بالإخالة وهي مكتوبة بالكتاب بالإحالة (الحاء) فرحت أبحث عنها كثيراً، وأسأل عنها فلاناً وفلاناً من مشايخنا فلم أهتد إلى صوابها؛ والآن وقفت على صوابها وانكشف والحمد الله؛ فأنا أفتح هذه الكتب والمصادر لأنقل منها، وتبين في الأخير أنها الإخالة بالخاء المعجمة لا الإحالة، من خال يخال إذا ظن وحسب، وهو مسلك من مسالك التعرف على العلة في باب القياس من كتاب أصول الفقه.
- والكلمة الثانية - أو الموقف الثاني - للإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى) كتاب مشهور: (أعلام الموقعين عن رب العالمين وعباده المرسلين) وقع في كلام إمام العصر الكشميري أنه إعلام الموقعين.. وطبع هذا الكتاب بتحقيق الأستاذ الشيخ محيي الدين عبد الحميد (رحمه الله) أربع مرات، يكتب فيه أعلام الموقعين بفتح الهمزة، وشيخنا يجزم ويؤكد علينا من زمن طويل أن صوابه إعلام الموقعين (بكسر الهمزة) ولما جاء التعليق على هذه المسألة في قواعد علوم الحديث لم يبرم الأمر من نفسه، بل راسل أستاذه العلامة الشيخ مصطفى الزرقا (حفظه الله تعالى) وكان يومها في عمان يستنير برأيه ويسترشد، فجزم له الشيخ (حفظه الله) بأن الصواب إعلام الموقعين (بكسر الهمزة) فنقل كلامه هذا في تعليقات على ذلك الكتاب..
- فهو من أجل نقطة أو همزة مفتوحة أو مكسورة..، لا يتعجل ولا يبرم الأمر، بل يسترشد برأي من يثق بدينه وعلمه وفهمه في هذه الأمور؛ وهذا نموذج فريد في التحقيق، لو أن غيره من الناس وقف عند هذه الكلمات أو الأمور لأهمل الأمر، أو لكتب كلمات تجهيل.. كذا في الأصل والله أعلم.. ويترك القارئ في حيرة وعلى العلم والتحقيق السلام.
- وهنالك أمور أخرى كثيرة، ولكنه (حفظه الله) يريد التعجل وفسح المجال للأساتذة الآخرين؛ فلأتحدث عن أمر آخر عن جوانبه العلمية هو: الكتب.. وعن مكتبته العامرة الزاخرة (حفظه الله لها وحفظها له) هو أن سيدي الشيخ أجريت له مقابلة في إذاعة الرياض بالمملكة منذ ثماني عشرة سنة، سأله المقابل له عن ضخامة مكتبته وهو يعلم عن ضخامتها؟ فقال له بكل تواضع عرف عنه: إنها مكتبة طالب علم.. فكرر عليه السؤال ورجاه العدد التقريبي؟ فقال له نحو عشرين ألف كتاب، وأعتقد أنها الآن تضاعفت (بحول الله وقوته) مع هذا الزمن ومع هذه الحركة الطباعية النشطة؛ ومكتبة الشيخ ليست مكتبة للعرض في الدار والزينة، علامة على أن صاحبها صاحب ثقافة وقراءة، لا، إنها مكتبة عالم جناها وحواها بروحه وراحته وقلبه ودمه، للانكباب عليها والسمر مع أصحابها ومناجاتهم في الليل ومحاورتهم في النهار، مكتبته لهذا الغرض (حفظه الله تعالى) وقديماً - منذ أكثر من ثلاثين سنة - قال أحد شيوخه في مكتبته: "ادخلوا مكتبة الشيخ، وتناولوا أي كتاب منها، لا بد أن تجدوا تعليقاً واستدراكاً وفائدة وحاشية، وما إلى ذلك"..
- فمكتبته بهذه المثابة ويده تشتغل فيها هكذا وزيادة، ولو وسع المجال لتكلمت بأكثر من هذا.
- ذكر سيدي الشيخ في كتابه: (صفحات من صبر العلماء) عن أهمية الكتاب في حياة العالم، قال فيه هذه الجملة الرصينة: "إن الكتب في حياة العالم تحل محل الروح من الجسد والعافية من البدن" هكذا تذوق سيدي الشيخ للكتاب وأهميته، ولذلك لا عجب إذا قرأت لكم هذه القصة الطريفة النادرة في اقتنائه وحصوله على الطبعة الأولى القديمة من كتاب: (فتح باب العناية للإمام علي القاري رحمه الله تعالى) سجلها (حفظه الله تعالى) في الجزء الأول من فتح باب العناية، الَّذي حققه وطبعه بحلب، امتثالاً لرغبة صديقه الحميم الدكتور مصطفى السباعي (رحمه الله تعالى) وسجلها هنا - مرة ثانية - من كتابه: (صفحات من صبر العلماء) وأقرأ عليكم نصها:
- يقول سيدي الشيخ: لما كنت في القاهرة أيام دراستي في كلية الشريعة بالجامع الأزهر، أوصاني شيخنا العلامة الإمام محمد زاهد الكوثري (رحمه الله تعالى) خلال ملازمتي له، باقتناء كتاب: "فتح باب العناية بشرح كتاب النقاية للعلامة الشيخ علي القاري" وحضني على الحصول عليه حضاً أكيداً وكثيراً، مع علمه أني من هواة الكتب النادرة النافعة، وكنت أظن أنه مطبوع في الهند، وقد مكثت في القاهرة ست سنوات حتى إنهاء دراستي أسأل عنه وأنشده في كل مكتبة وأقدر وجوده فيها، فلم أظفر منه بخبر ولا أثر.. ولما عدت إلى بلدي حلب ما فتئت أبحث عنه - أيضاً - في كل بلد أزوره أو مكتبة أرتادها، ولما كنت أظن أنه مطبوع في الهند، وكان هو من كتب فقه السادة الحنفية، كنت أسأل الكتبيين عن مطبوعات الهند في الفقه الحنفي عامة، لعلي أصل إليه بهذه الطريقة إذ قد يجهلون اسمه؛ وكان في دمشق كتبيُّون قدماء خبراء في الكتب القديمة والنفيسة، وعندهم من قديمها ونفيسها الكثير، لكنهم يغالون به ويتشددون في بيعه، منهم: السيد عزت القصيباتي، ووالده الشيخ حمزة السفرجلاني، والسيد أحمد عبيد؛ فسألت عزت القصيباتي عن فتح باب العناية - على أنه من مطبوعات الهند - فقال هو عندي؛ فأخرج لي كتاب البناية بشرح الهداية للإمام العيني مطبوع في الهند من مئة عام سنة 1293، في ست مجلدات ضخام كبار جداً - وكان هذا الكتاب أحد الكتب النفيسة التي أبحث عنها - فاشتريته بثمن غير مغالى فيه، إذ كان غير الكتاب المطلوب الَّذي سألته عنه.
- ثم سألت الشيخ حمزة السفرجلاني (رحمه الله) عن الكتاب، فعلمت منه أنه مطبوع في قازان في بلاد روسيا، وأنه أندر من الكبريت الأحمر - كما يقال - وأنه طيلة حياته واشتغاله بالكتب ما مرّ به غير نسخة واحدة كان قد باعها للعلامة الكوثري بأغلى الأثمان التي لا تعقل؛ وعند ذلك تعين عندي البلد الَّذي طبع فيه الكتاب وضعف أملي بالحصول عليه، ولما أتاح الله لي حج بيته الكريم أول مرة عام 1376هـ ودخلت مكة المكرمة، طفقت أسأل عنه في مكتباتها لعلي أجده قادماً مع أحد المهاجرين من تلك البلاد إلى بلد الله الحرام، ثم ساقتني عناية الله (تعالى) إلى كتبي قديم منزو في بعض الأسواق المتواضعة في مكة المكرمة فاشتريت منه بعض الكتب، ثم وصلت إلى رجل يملك هذا الكتاب - وكان قد اشتراه - اسمه الشيخ عناية الله الطاشقندي، فذهبت بعد هذا أسأل عن الشيخ عناية الله كل بخاري أراه في المسجد الحرام أو أسواق مكة، ثم أوصلني السؤال المتتابع إلى الشيخ عبد القادر الطاشقندي في حي جرول، حتى كنت يوماً أمشي في سوق باب زيادة من أبواب المسجد الحرام - قبل توسعة المسجد - فراني تاجر دمشقي قديم في مكة، قال لي: فلان ختنه الشيخ الَّذي يملك الكتاب، فذهبت إلى ختنه فاستغرب وقال لي: ما الَّذي يدعوك للسؤال عنه وإلى لقائه؟ قلت صار لي أسبوع وأنا دائب البحث عنه؛ فدلني عليه جزاك الله خيراً؛ فأرشدني إلى منزله بالتعيين في مكان معين، فذهبت إليه مرة بعد مرة ليلاً ونهاراً حتى لقيته، فتنازل لي عن الكتاب بالثمن الَّذي أختار وأحب، فكانت عندي فرحة من فرحات العمر، وقد منَّ الله عليه بنشر الجزء الأول من هذا الكتاب محققاً، وأسأل الله (تعالى) أن يمنَّ عليَّ بنشر باقي الكتاب بفضله وكرمه.
- ونحن نقول آمين نسأل الله أن يقرّ عين سيدي الشيخ بما يصبو إليه من مؤلفات وتحقيقات، وأن يقرَّ عينه بأنجاله وأحفاده، وخاصةً منهم الأخ سلمان (حفظهم الله جميعاً) وأسأل الله (عزّ وجلّ) أن يمنَّ على سيدي الشيخ بالعافية والعمر المديد، والصحة والقوة..، إنه على ما يشاء قدير.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :943  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 149 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج