شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به سعادة الدكتور حسن ظاظا ))
ثم أعطيت الكلمة لسعادة المحتفى به الدكتور حسن ظاظا فقال:
- - بسم الله الرحمن الرحيم..
- معالي الصديق والأستاذ الشيخ خوجه، نحن في رحاب كرمه هنا سعدنا جداً برؤية أصدقاء قدامى، كان الزمن قد توالى علينا فأبعدهم عنا، فهذه مكرمة أخرى لهذه الليلة الميمونة التي تفضل بها معالي مضيفنا الأستاذ عبد المقصود خوجه في اثنينيته هذه الليلة.
- سمعنا شعراً ونثراً، وأشعر أنني أمام هذا الفيض من الحب ومن التقدير حصلت على أكثر مما أستحق، ما كنت أطمع - أبداً - في أن أسمع هذه الأصوات تعترف بأنني تركت أثراً ما، فأنا كنت - دائماً - حريصاً على قول كلمتي، ثم أمشي وأترك هذه الكلمة ليفكر فيها غيري، إلى جانب هذا شعرت منذ ذهابي إلى فلسطين - وكان ذلك منذ أكثر من خمسين سنة - شعرت بأن الكيان العربي فريسة لمؤامرة كبيرة، مؤامرة عالمية، تقودها الصهيونية؛ وأقول الصهيونية ولا أقول اليهود، لأن الصهيونية ابتكرت الآن فكرة "اللاسامية" وهي تصم بها كل من يحاول أن يتصدى لمؤامرة ما من المؤامرات الصهيونية التي يعين فيها كثير من المتعصبين اليهود فأنا أتجنب هذا وأقول: إنني أتقرب إلى الله لوجه الله ولوجه الحق ولوجه العدل، ببيان أن هذه الشرذمة من الناس تتآمر وتتآمر حتى على مستقبل أبناء دينها.
- اليهود معرضون - دائماً - على طوال تاريخهم لشبهة أنهم خطر يضرب في أعصاب كل أمة يعيشون فيها، وكان هذا شيئاً حقيقياً في معظم الأحيان، وكان شيئاً مثيراً لمظالم كثيرة حلت بهم في أحيان أخرى، والسبب في حلولها بهم هو التعصب الَّذي كان يبدو من بعض الناس، والمغالطات الكثيرة التي كانوا يوقعون فيها بعض المفكرين.. حتى من غير اليهود.
- على سبيل المثال: في مرة من المرات، وكنت قد اشتركت في تأليف كتاب كان يستعمل - في هذا الوقت - في الدراسات القومية في الجامعات المصرية هو: "الصهيونية العالمية وإسرائيل" كتبت فيه: "إن ما جاء عن أصل بني إسرائيل في التوراة التي بين أيديهم، لا يعدو أن يكون ملحمة وطنية لجاهلية أمة لم تعرف الكتابة إلاَّ بعد ذلك بألف سنة.. وبالتالي فهي وثيقة محرفة مخترع فيها الكثير، وهي بهذا الشكل غير جديرة بالتصديق وتحتاج إلى غربلة كثيرة، وبعد هذا فوجئت بشكوى قدمت ضدي لوزير التعليم العالي - في هذا الوقت - ليس من يهودي وإنما من جامعي مسلم يتهمني فيها بالإلحاد، لماذا؟ لأني ذكرت مقتطفات من سفر حزقيال في أسفار التوراة اليهودية هذه، يقول فيها: "إنه كان يمشي في أرض بابل فرأى وسمع الله يناديه ويقول: يا ابن آدم: انظر تحت رجليك وقل لي ماذا ترى؟ قال فنظرت تحت رجلي فوجدت الأرض قد غطيت بعظام آدمية، فقلت أرى عظاماً آدمية يا رب؛ قال: فاعلم أن هذه هي الأسلاف من بني إسرائيل، وإنني سأكسوها جلداً ولحماً، وأقيمها وأسيرها لتبني ملكاً في بيت المقدس.." وقال لقد ملأ حسن ظاظا هذا النص بعلامات التعجب والاستفهام، وكأنه يشك في قدرة الله (سبحانه وتعالى) على البعث والنشور.
- جاءت الشكوى محولة من وزير التعليم العالي إليَّ في جامعة الإسكندرية فساءني أن يصدر مثل هذا الكلام وأن أتهم في ديني من أخ مسلم مثلي، فكتبت رداً ربما كان من أقسى الردود التي قلتها.. قلت: أولاً الأستاذ المتهم ليس برجل دين وليس بمؤرخ وليس بلغوي، فهو غير مؤهل أن يحكم على عمل كهذا لا من الناحية الدينية ولا من الناحية اللغوية، ولا من الناحية التاريخية، سنتجاوز عن ذلك ونقول: إن الأمر منسوب إلى حزقيال وهو من الأنبياء الَّذين لم يذكروا في النصوص الإِسلامية.. لا في القرآن ولا في الحديث، وبالتالي فنحن غير ملزمين بتصديقه الشيء الآخر، أن التشكيك في ديني بأني لا أؤمن بقدرة الله على البعث والنشور، أقول: إن قدرة الله (سبحانه وتعالى) على البعث والنشور لها أركان ولها أوقات ولها شروط، فهي لا تمس عظام الأسلاف من بني إسرائيل وحدهم وإنما هي للناس كافة، هذا شيء؛ الشيء الآخر: إن وقتها ليس حكم الإمبراطور قورش إمبراطور إيران، وإنما وقتها هو يوم القيامة؛ الشيء الآخر: إن هدفها ليس بناء كيان سياسي لليهود في بيت المقدس، وإنما الحساب ودخول الجنة أو النار، فأنا أمام كل هذا أعتقد أن من يؤمن بأن حزقيال كان على حق فيما يقول، ربما يلزمه أن يتوب إلى الله من هذه الشبهة التي وقع فيها.
- إلى جانب هذا قلت - أيضاً - إنني لم أذكر هذا النص مباهاة بعلمي في هذا الكتاب أو الكتيب الصغير، وإنما ذكرته لأن النص بلغته العبرية اتخذ بخط زخرفي إطاراً للسند الَّذي تبيعه الصهيونية لشراء الأراضي في فلسطين، وضعوا هذا الإطار حول هذا بكتابة زخرفية عبرية فيه هذه النصوص التي يسمونها آيات من سفر حزقيال؛ فأنا ذكرتها حتى لا يغش فيها أمثالنا إذا رأوها منسوبة إلى نبي، وهي على السند الَّذي يدفعه اليهود ومن يريد أن يعين الصهيونية على شراء أراضي العرب في فلسطين.
- في هذا الوقت أكثر من مرة تعرضت لمثل هذا القيل والقال، لكني يعزيني عن ذلك أشياء كثيرة؛ منها: أنني - دائماً - لم أكن مهاجماً لليهود على طول الخط، وإنما كنت أجد العادل منهم والمستقيم، والَّذي لا يجري في فلك الصهيونية، والَّذي لا يعلن كراهية العرب والحقد على المسلمين والإِسلام؛ وهذا يعني شيء أحذر منه موجود عند اليهود بكثرة لدرجة أن كاتباً من أحد المستشرقين اليهود الأمريكان الَّذين يكتبون عن الإِسلام - وهو برنارد لويس - له كتاب من أواخر كتبه التي نشرها منذ سنتين أو ثلاث، اسمه: "اليهود في بلاد الإِسلام" في هذا الكتاب ذكر اللاسامية - معاداة اليهود - ثم ذكرني باسمي من ضمن هؤلاء المفكرين العرب الَّذين يهاجمون اليهود، واتكأ على كلام قلته في كتاب: "الفكر الديني اليهودي" الموجود في أيدي الناس؛ وخلاصة هذا الكلام هو ما يتصل بفضيحة الدم وهي قتل الراهب توما في دمشق عام 1840م، والتهمة اليهودية في هذا الوقت بحضور ستة أو سبعة من أطباء الطب الشرعي، وتحليل بقايا جثمان الرجل الَّذي قطع إرباً هو وخادمه المسلم إبراهيم عمارة؛ قتلوهما في دمشق ثم سعى اليهود لدى محمد علي الَّذي كان يحكم مصر والشام - في ذلك الوقت - من قبل السلطان العثماني، وسعوا - أيضاً - لدى شريف باشا الَّذي كان والياً على دمشق - في ذلك الوقت - أن يحصلوا على شطب لهذه القضية، بعد أن صدرت فيها أحكام بالقصاص وبالسجن وبالجلد؛ وبعد أن وقع على هذا ليس فقط المسلمون وإنما وقع عليه مجموعة من رجال الدبلوماسية الأوروبية، منهم قنصل فرنسا العام في دمشق - في ذلك الوقت - وقنصل النمسا العام في دمشق في ذلك الوقت؛ وبعد ذلك بألاعيب سياسية معينة حصلوا على شطب لهذه القضية، وبعدها مباشرة أنشئ الاتحاد الإسرائيلي العالمي، الَّذي ملأت مدارسه العالم بعد قضية الدم في دمشق بأقل من عشر سنين، وما يزال نشيطاً في بلاد كثيرة جداً، لدرجة أن الاتحاد الإسرائيلي العالمي - ومقره باريس - له مدرسة لإعداد معلمي اللغة العبرية في مدارسهم المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
 
- كل هذا حتى أقول: إن ما تفضل به معالي الأستاذ عبد المقصود خوجه من أن الصهيونية أخطبوط.. هذا حقيقي، وحيثما بحثنا سنجد أذرعاً وتفريعات هذا الأخطبوط في كل مكان، وهي - مؤقتاً - تهدد مستقبل العرب ومستقبل الإِسلام؛ ولكن - فيما بعد - إذا استشرى الداء قد تهدد مستقبل الإنسانية جمعاء؛ والَّذي أسأل الله فيه، هو أن يهدي من بقي من اليهود على غير الصهيونية، حتى يرد كيد هؤلاء إلى نحورهم، وحتى يقوا أنفسهم ويقوا البشر بلايا هذا المذهب المتطرف الإرهابي، الَّذي منذ استقر في منطقة الشرق الأوسط وإلى الآن وهو لا يكف عن هذا، بصرف النظر عن الأزمات الاقتصادية والانهيارات المالية، والأساليب الخطيرة في ممارسة العلاجات الصحية في مناطقنا المختلفة في هذا الجزء من العالم.
 
- ومرةً أخرى أعود إلى الإخوة والسادة والأبناء الَّذين تحدثوا، وأقول: إنني أشعر بمنتهى التأثر العميق لهذا الوفاء الَّذي جعلهم يأتون أفواجاً، ويعاملونني على أنني إنسان عملاق كما قال بعضهم؛ وأنا أستعيذ بالله من هذه العملقة، وأرجو أن يتحقق فيّ ما قاله أديب فلسطيني توفي الآن وقضى حياته كلها يكافح ضد الصهيونية بالعلم وبالتعليم، هو الأستاذ خليل السكاكيني، الَّذي كان أديباً.. وكاتباً.. وخطيباً.. ومعلماً.. وأستاذاً..، وكان يكتب على بطاقة الزيارة التي يقدمها للتعريف بنفسه (خليل السكاكيني إنسان إن شاء الله).. وشكراً لكم جميعاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :650  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 123 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.