| قد هزني أن المنى تتدفق |
| والحلم بعد مشيبه يتحقق |
| يسقي جفاف الروح بين جوانحي |
| فتزيح أغلال السنين وتورق |
| من فجر هذا العمر وهي رهينة |
| في خاطري لهفانة تتشوق |
| حتى أتيح لها اللقاء فأسرعت |
| كبداً إلى كبد تحن وتلصق |
| وتصالح الدنيا وقد لمع الندى |
| وجرى بدمع سرورها يترقرق |
| وتخف للأفق البعيد تروده |
| لترد أنفاساً به تتعلق |
| ويهزها نفس العرار وقد سرى |
| في كل ناحية يفوح ويعبق |
| وتلامس الكثبان توقظ سرها |
| والرمل في يدها يبوح وينطق |
| يحكي عن المكنون من أمجاده |
| خلف الزمان مضمخ ومعتق |
| يروي عن الأقيال في أمجادهم |
| والمجد يصبو للكرام ويعشق |
| هذي وقائعهم وتلك سيوفهم |
| ما زال يذكرها الزمان فيفرق |
| ورؤى مجالسهم تلوح مهيبة |
| وصدى المحامد حولها يتحلق |
| ظل الوقار يعيد من لألائها |
| ما يردع العينين حين تحدق |
| ورؤى المضارب والحرائر بينها |
| وقف الجلال ببابها يتأنق |
| جعلوا جفاف الرمل يقطر عزة |
| وسيادة ناموا سهى لا يخرق |
| نكص الغريب وقد تقاصر باعه |
| عن حوزة أبوابها لا تطرق |
| والشعر يا للشعر كان حياتهم |
| والكون يرقص حولهم ويصفق |
| حتى الجماد صبا ورق لشعرهم |
| وبدا لسحر بيانه يتذوق |
| كم خلد الملك الضليل روائعاً |
| وترنم العبسي وهو يحلق |
| في الحب والمجد الأثيل وفي الوغى |
| لمع القريض جواهراً تتألق |
| وضعوا عيون الشعر فوق عيونهم |
| في قمة آفاقها لا تلحق |
| يكفيه من وهج القداسة أنه |
| بجدار كعبتهم هناك يعلق |
| طافوا به متبتلين كأنه |
| إعجاز مخلوق يقول فيخلق |
| وجدار بيت الله فوق ترابهم |
| صلة بأبواب السما تتوثق |
| وتحدر المختار من أصلابهم |
| شرف تعز به الأصول وتعرق |
| وتخير الذكر الحكيم لسانهم |
| فضلاً به أعناقهم تتطوق |
| شب الهدى عن طوقه في دارهم |
| حين الطريق إلى الهداية ضيق |
| وتمرد الإنسان يلهي عقله |
| والنور قد يعشي العيون فتطبق |
| حتى إذا ملك الضياء نفوسهم |
| وأقالها مما يشوق ويعلق |
| نفضوا غبار الأرض عن أكتافهم |
| وتسنموا فلك النجوم وحلقوا |
| فأضاء وجه الغرب من لمساتهم |
| وحبا على سنن الضياء المشرق |
| وبنوا بأرض العالمين حضارة |
| يندى لها وجه السماء ويشرق |
| فالخير يجري البحر تحت ركابه |
| والمجد تلمحه الجبال فتطرق |
| وتوالت الأيام وهي ملاحم |
| أسرارها يحتار فيها المنطق |
| ودهى النزاع لدى الجزيرة إخوة |
| فتمزقت أنسابهم وتمزقوا |
| عزت قبائلهم وهان كيانهم |
| وكأنما الليث المظفر موثق |
| حتى تبلج في حماهم ماجد |
| كالسيف في جوف الدجنة يشرق |
| رأي وفيه إذا استشير هداية |
| فرد ومنه إذا استشير الفيلق |
| وإرادة تجتاح آفاق المدى |
| وعزيمة إن صوبت لا تخفق |
| وأصابع نبتت بها قدراتها |
| وتفوقت في جمع ما يتفرق |
| صارت بهم كل الجزيرة دولة |
| أعلامها في كل واد تخفق |
| دستورها شرع السماء فدربها |
| في ظل رضوان السماء موفق |
| عبد العزيز بنى وفي بنيانه |
| عهد يدوم على الزمان وموثق |
| إن تستمر بدربها أنفاسه |
| وهاجة نحو العلا تتحرق |
| حمل العهود الصيد من أشباله |
| يمضي بها حر وحر يلحق |
| وبنوا وكان الله فوق بنائهم |
| يبني ويجزل في العطاء ويغدق |
| فبناؤهم آياته مزدانة |
| في الأرض تلحظها النجوم فتشهق |
| والخير يعرف أهله ويحبهم |
| ويجيئهم من كل باب يطرق |
| والأرض تندى من عزيمة أهلها |
| فتفيض بالخير العميم وتغرق |
| شغلوا بأسباب الحضارة وانثنوا |
| لفراسة الشورى تقول فتصدق |
| سل خادم الحرمين كيف أدارها |
| كالزهر في أكمامه يتفتق |
| علماؤهم قد آزروا حكماءهم |
| في باقة مثل الزهور تنسق |
| أنفاسها الرأي السديد ونبضها |
| من نبـض قلـب الشعب وهـو مصـدق |
| وحداؤها غنى به شعراؤهم |
| كالنجم في درب المسيرة يبرق |
| وأمام هذا الفيض من شعرائهم |
| هل يملك الشعراء أن يتفوقوا |