(( كلمة الدكتور محمد القويفلي ))
|
ثم تحدث الدكتور محمد القويفلي - الأستاذ بقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود بالرياض - فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم.. |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
- أشكر في البداية الشيخ عبد المقصود خوجه لتلطفه بدعوتي للمشاركة في حفل تكريم أستاذنا الدكتور حسن ظاظا، وأشكر الدكتور ظاظا نفسه على تكرمه بذكر اسمي لدعوتي إلى حفل تكريمه، وأنا لست إلاَّ واحداً من تلامذته الكثر؛ وأعلم أن كثيرين منهم أحق مني بالجلوس في هذا المكان والحديث عن أستاذهم، أحق مني بعلمهم وفضلهم ووفائهم له. |
- طلب مني أن ألقي كلمة قصيرة في هذا الحفل الكريم فاحترت ماذا أقول؛ فمعرفتي بالدكتور حسن ظاظا تكاد تساوي نصف عمري، وهذا يخلق صعوبة في إيجازه؛ لكنني خربشت بعض أشياء على الورق الَّذي أمامي، ولعلي أستطيع قراءة ما خربشت. |
- إن حديثي عن الدكتور حسن ظاظا ليس تعريفاً به، فهو غني عن التعريف، ولكنه حديث ذكريات تلميذ عن أستاذه، وكان التلميذ طالباً في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الرياض.. جامعة الملك سعود حالياً، وينزع طالب الجامعة بطبعه - بعد تخرجه - إلى تذكر أشياء بعينها أثرت في مسيرة حياته الجامعية تلك؛ ومنها ذلك اليوم الَّذي دخل فيه الجامعة ويوم حفل تخريجه؛ ومنها - بل من أهمها - ذكر لقائه أول مرة بأولئك الأساتذة الَّذين أثاروا إعجابه وأثروا فيه بعلمهم وبأشخاصهم؛ وهذه والله حالي مع الأستاذ الدكتور حسن ظاظا، قابلت الدكتور حسن ظاظا أول مرة قبل عقدين من الزمن، ولم تكن المناسبة حفل تعارف في الكلية، ولكنها كانت محاضرة في مادة فقه اللغة؛ وكانت أول محاضرة وكان الفصل الدراسي في بدايته، وكنا نعاني بصفتنا طلاباً من ثقل بداية الفصل الدراسي، وبداية الفصل الدراسي ثقيلة كثقل كل البدايات، فاستعددنا أنا وزملائي وأعددنا العدة لسماع كلام ثقيل عن اللغة وفقهها، كلام فحواه قال فلان وقال فلان..، كلام ينضح بالأنات والأنات والغير أنات، أقصد اللغة القديمة التي كانت تكتب بها بحوث علوم اللغة، وكنا في الفصل السابق قد نجونا بالكاد من أستاذ من أساتذة النحو الَّذين يلجؤون إلى تلقين تلاميذهم لا تعليمهم، وتوقعنا - جميعاً - أن درس فقه اللغة ذاك لن يختلف كثيراً عن درس النحو من حيث ثقله، ولكننا لم نسمع في محاضرة فقه اللغة الأولى تلك درساً، ولم نر معلماً ملقناً، ولم يطرق آذاننا كلام ثقيل لقد سمعنا فصلاً من حكاية.. سمعنا حكاية فقه اللغة عند علمائها، سمعنا فصلاً من حكاية مكتنزة بالعلم والمعرفة، وكان صوت أستاذنا العميق الهادئ وابتسامته التي لا تفارق شفتيه، كانت تلك هي الجسر الَّذي أوصل إلينا الحكاية وأوصل إلينا ذلك العلم. |
- أتذكر هذا جيداً وأتذكر أن المحاضرة انتهت دون أن نشعر بها، على عكس كثير من محاضرات قسم اللغة العربية، خاصةً تلك المحاضرات المتعلقة بالنحو وبالصرف؛ كانت هذه أولى المحاضرات، وكان إعجابنا من أول محاضرة؛ ومع مرور الأيام ازداد قربنا من أستاذنا الدكتور حسن ظاظا، وزاد قربنا منه سعة صدره علينا وعلى أسئلتنا الكثيرة، فكنا نختلف إلى مكتبه في الساعات المكتبية وفي غيرها، فنجد الابتسامة نفسها على شفتيه، ونجد رحابة صدر وسعت كل أنماط كلهم؛ ولم أقدر في حقيقة الأمر قيمة رحابة الصدر هذه إلى أن عدت إلى الجامعة ودرست فيها، ورأيت أنماطاً عجيبة من الطلاب، لا يصبر على إلحاحهم أحياناً إلا من أوتي صبر أيوب.. وكنا إذا لقينا أستاذنا في ممرات الكلية يتوقف ويبادرنا بأهلاً.. أهلاً.. يكررها مرات ويقف متحملاً حواراً في نهاية فصل دراسي، يحاول أحد التلاميذ أن يستعيد خلال ذلك الحوار كل ما قيل طوال ذلك الفصل.. فيتحمل أستاذنا ذلك التلميذ؛ وأنا والله لا أقول هذا الكلام لأنني في احتفاء بأستاذنا الدكتور ظاظا، فقد مرت علينا في الجامعة أنماط من الأساتذة بعضهم نحاول نسيانهم على أقل تقدير، أعني تلك الفئة من الأساتذة التي تظن العلم تلقيناً وتحفيظاً لا تربية.. |
- أرجو ألاَّ أكون قد أطلت.. ذكرياتي كما قلت مع الدكتور ظاظا تعود إلى عشرين سنة من الزمن، وما دمت أتحدث عن المعرفة التي كان يوصلها إلينا الدكتور ظاظا فاسمحوا لي أن أذكر حادثة أثرت فيَّ إلى اليوم.. أو موقفاً أثر فيَّ إلى اليوم. |
- كنت في سنة من السنوات - أثناء فترة الإعادة - أعمل مع مجلة الفيصل التي تصدر في الرياض، وكانت المجلة بصدد نشر موضوع عن السيل وهو كلب البحر، وكنت ذاهباً إلى الدكتور حسن ظاظا لأجري معه مقابلة، وكانت تنشر تحت عنوان: "لقاء مع.." وسألني الأستاذ رئيس التحرير أن أسأل الأستاذ الدكتور ظاظا عن الترجمة الدقيقة لكلمة سيل، هل هي كلب البحر.. أم عجل البحر؟ فسألت الدكتور ظاظا ويبدو أني لم أوضح ما يقصد، فطفق الدكتور يتحدث عن عجل البحر أين يعيش وما أنواعه وكيف يتوالد إلخ.. فأخذت أنظر إليه يتحدث نصف ساعة تقريباً عن شيء بعيد البعد كله عن مجال اختصاصه، فعرفت أن المعرفة لا حدود لها، وظننت - حقيقة في ذلك الوقت - أن الدكتوراة كفيلة بأن تجعل مني حسن ظاظا، ولكني اكتشفت بعد ذلك أنها لا تصنع أحداً؛ خرجت من عند أستاذنا ونسيت السؤال الَّذي كنت سأسأله إياه. |
- هناك حادثة أخرى أود أن أذكرها، وهي أنني كنت أراسل بعض الجامعات الأمريكية للحصول على قبول، وكانت الجامعة تطلب منا خطابات توصية – وكان بعضها يصر على خطابات توصية أصلية – فكنت آخذ من أساتذتي خطابات مكتوبة بخط أيديهم، ثم أقوم بطباعتها طباعة أصلية.. كل نسخة على حدة فيوقعون عليها؛ وكان أستاذي على وشك الذهاب إلى مصر – أو أنه كان ذاهباً إلى فرنسا في بداية العطلة الصيفية - فلم يكن من الممكن أن أقوم بطباعة كل تلك التوصيات، والإتيان بها ليوقع عليها فوقع لي على بياض؛ وهذا طبعاً دلالة على مقدار ثقة الأستاذ الدكتور بالناس، وهي ثقة أعلم أنه عانى منها في بعض الأحيان. |
- سأختم بإيجاز فأقول: إننا لسنا أمام فرد يدعى الدكتور حسن ظاظا، بل أمام ظاهرة ثقافية قلما تتكرر؛ ظاهرة ثقافية جمعت بين روح العالم وعقله وبين المبدع وقلمه، تقرأ للأستاذ الدكتور مؤلفاته عن الفكر اليهودي، ثم تقرأ أو تسمع أجزاء من أناشيد البهلول، فيصعب عليك - أحياناً - أن تصدق أن الَّذي أبدع هذا هو الَّذي كتب ذلك. |
- ولعلي أختم بالقول أنني أشعر - أحياناً - بالغيظ من أستاذنا لأنه انصرف إلى الشعر ولم يكتب القصة ولا الرواية، ولو فعل ذلك لحظينا برائد من رواد القصة والرواية، رائد نَدْرُسُهُ ونُدَرِّسُهُ ونتابِعُهُ في جامعاتنا؛ الَّذي يريد أن يتعرف على الدكتور ظاظا القاص الروائي، ليقرأ الكشكول ليرى كيف يبرز شخصية الشيخ عبد السلام في ذلك الكشكول. |
- ذكرياتي الحقيقة كثيرة عن الدكتور ظاظا ولا أريد أن أطيل أكثر مما أطلت، وأختم بشكري مضيفنا الأستاذ عبد المقصود خوجه واعذروني إن أطلت. |
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|