شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
متحدثاً لـ (( الجزيرة )) ببوح الذكريات:
عبد المقصود خوجه صاحب الاثنينية: الاثنينية امتداد لتكريم (والدي) لأدباء ومفكري وشعراء العالمين العربي والإسلامي (1)
حاوره/حسن محني الشهري
تشرفت ـ كمتلق ـ بلقاء الشيخ الأديب الأستاذ عبد المقصود خوجه أكثر من مرة.. سواء من خلال مجلسه الأدبي (( الاثنينية )) الذي ذاع صيته عربياً ودولياً.. أو من خلال لقاء صحفي تشرفت قبل سنوات بعمله معه.
ولأن عبد المقصود خوجه من الأهمية أدبياً بمكان ولأن اثنينيته تتوقد وتتوّهج وتنثر عبيرها الفكري وأريجها الثقافي على المجتمع الأدبي والعلمي عربياً.. فإن ثمة مستجدات وأحداثاً تفرضها الاثنينية على الساحة الفكرية.. ولعلّ أبرزها ((جائزة الاثنينية )) المنتظرة والتي تعتبر تطوراً في نشاط الاثنينية إلى ما هو أكبر تجاه المحتفى بهم.
عن هذه وأخريات كان لا بد أن ألتقي بالأستاذ الأديب عبد المقصود خوجه في هذا اللقاء الثر.
ـ كيف ولدت (( الاثنينية )) ، سؤال تقليدي.. لكنه يعتبر المنطلق في الحديث عن مجلس أدبي عربي كبير كالاثنينية؟
ـ الحديث عن (( الاثنينية )) التي تناولتها معظم الصحف المحلية منذ أن استوت على ساقها في دارتي في جدة عام (1403هـ ـ 1982م).. وقد تحدثتُ عنها ضمن مقدمتي للجزء الأول من سلسلة مجلدات (الاثنينية) وهي السلسلة التي نشرت من ظلالها ما دار من أحاديث وذكريات وحوارات في هذه الأمسيات.. فمن جلسات الصباح التي كان يلتقي فيها نخبة من كتّاب وشعراء وأدباء الوطن في مكتب والدي (( محمد سعيد عبد المقصود خوجه )) ـ رحمه الله ـ رئيس تحرير أول صحيفة صدرت في عهد مؤسس المملكة وموحدها ((الملك عبد العزيز ـ رحمه الله)) ـ إلى تلك الأمسيات الباذخة والزاخرة التي كان يعقدها والدي ـ رحمه الله ـ على ضفاف مواسم الحج من كل عام في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك على شرف أدباء وكتّاب وشعراء ومفكري العالمين العربي والإسلامي.. كان الحب على امتدادها يتجذر وكان العشق على أمدائها يستطيل سنديانات وأشجار سرو.. وكان الفؤاد الصغير يتوه بين ما يسمعه ولا يفهمه.. وبين القليل الذي يفهمه كلمات ويجهله معانٍي.. وبين ما لا يفهمه ولا يعيه أصلاً لكن البهجة كانت تغمر القلب الصغير، دافئة ودائمة وغير مبررة.
فلم يمت الحب الذي ولد.. ولم ينطو العشق الذي تنفسته في بواكير أيامي.. بل ظلا يحتفظان بوهجتهما تحت رماد الليالي والسنين، فإذا صرفتني ظروفي وأعمالي عن أن أكون ذلك الكاتب المحترف أو الأديب المتفرغ الذي يتنفس حبه للكلمة.. ويمارس عشقه لشدوها وهو يطالع الناس بنتاجه دوماً أو بين حين وحين.. فإنني أحمد الله على أن ظروفي وأعمالي لم تصرفني عن أن أكون أحد أولئك القرّاء المتابعين والمتلهفين لكل جديد جيد من الكلمات والأفكار والأعمال.. ولم يقم مبناها على المناقشات المفتوحة لحضورها من الأدباء والمفكرين والشعراء والكتّاب والصحفيين أو سياحتهم حول العديد من الموضوعات الأدبية المتفرقة.. لكنه قام على إطار الاحتفاء والاحتفال بواحد من طلائع تلك الشخصيات الأدبية المعاصرة التي أسهمت بجهد بارز في الحياة الأدبية.. وكان لها عطاؤها الباقي وكان لها رصيدها من التجارب الجديرة بالاسترجاع والتأمل بل وتناقلها من جيل إلى جيل، كما أنه لم يقم معناها على إحياء ذكر صاحبها.. بقدر ما قام على الاحتفاء بذكر ضيوفها وجهادهم: إكباراً لهم ووفاء لجهودهم واعتزازاً بعطائهم الذي مهد الطريق وبدد ظلماته أمام نهضتنا الأدبية والثقافية المعاصرة، فلولا جيل الكبار.. وتجاربهم: لما كانت تباشير هذه النهضة الثقافية التي نعيش أجواءها.
ـ ولكن كيف سارت الاثنينية؟
ـ سارت الاثنينية مدعومة بحب روّادها لتستمر عاماً بعد عام حتى بلغت العشرين عاماً من عمرها.. وواكب تلك اللقاءات طباعة ما دار فيها من أحاديث ماتعة شكلت في مجملها رصداً تاريخياً وتوثيقاً أميناً لمرحلة هامة في حياتنا الأدبية المعاصرة.. كما أنها تشكِّل في مبناها شهادة للتاريخ على عمر البدايات والتكوين الأدبي لهذا الوطن.. من الرجال الذين عاصروه وأسهموا فيه ثم حملوه في صدورهم وامتد بهم العمر، رحم الله من مضى وحفظ الله من بقي، حتى رووه للأجيال ليكون أمانة في يدها ووعياً في ضميرها، ولذلك ما كان يصح أن تترك الصفحات حبيسة أشرطة التسجيل.. كما أن الاثنينية لم تكن وقفاً على فئة معينة من قادة الفكر أو الرجال البارزين في المجتمع والحياة العامة بل لقد فتحت بابها على مصراعيه للأدباء والشعراء والعلماء، والمفكرين، والفنانين والنابغين والبارزين في أي حقل من حقول الحياة رأته جديراً بالتكريم. متخطية حدود الوطن ساعية إلى العالمين العربي والإسلامي.
لقد سعينا أن نكرِّم من كانوا أهلاً لذلك، ولم يكن للمجاملة مكان في قاموسنا، ولا للترضيات مساحة في مفهومنا، ولم يكن لمن كرَّمناهم فضل في السبق على غيرهم في التكريم، وأن الترتيب لا يعني التفضيل سوى أن الظروف والسوانح كانت هي التي تتيح لنا تكريم هذا وتأجيل ذاك، وبحسب الفرص التي تتهيأ لنا التي عادة ما تكون وفقاً لبرنامج المحتفى به.
ـ وكيف تطورت الاثنينية عبر سنواتها العشرين؟
إن التطور الذي شهدته هذه اللقاءات عبر مسيرتها التي استمرت عشرين عاماً بحمد الله وتوفيقه، فقد درجنا على تسجيلها بالصوت والصورة في بداية عهدها بمنزلي الكائن بشارع الكيال ـ بحي الروضة ـ ثم بدأنا تسجيلها بالفيديو بطريقة بدائية، أي بدون مونتاج ولا ضبط ألوان.. وعندما انتقلت إلى دارتي الجديدة الكائنة بحي الروضة أيضاً تطور تسجيل الفيديو في بداية موسم 1410هـ (1/4/1410هـ الموافق 30/10/1989م).. كما لاحظت (( الاثنينية )) أن تلك الأمسيات ذات الألق ينقصها شيء يمكن أن يندرج تحت باب نقص القادرين على التمام، حيث كانت تنتهي بانتهاء كلمات المحتفين وكلمة الضيف المحتفى به، ويقتصر الحوار على لقاءات جانبية بعد الأمسية، فرأينا أن يشكل الحوار جزءاً أساسياً للتكريم.. بحيث يتفاعل المتلقي مع الضيف الكريم بأسلوب حضاري بعيداً عن المهاترات والإسفاف وتصفية الحسابات والأسئلة المحرجة التي لا تضيف جديداً لحصيلة المتلقي أو تخرج كوامن الذكريات التي قد تطغى عليها عوامل الزمن فتضعها في ركن قصي من ذاكرة الضيف.. وفعلاً أثبتت التجربة التي بدأناها بطريقة جدية اعتباراً من عام 1410هـ أن الأسئلة كثيراً ما تستثير مخيلة المتحدث فيتجلَّى وتتكشف له آفاق جديدة يرتادها بحميمية بالغة، كما أن أسلوب الحوار نفسه يفتح شهية المتحدث لمزيد من التفاصيل التي تثري الأمسية، وبحمد الله تحقق هذا الهدف بدرجة كبيرة.
المحور الثاني الذي أود الحديث عنه يتعلق بموضوع نشر بعض الإصدارات تحت مسمى (كتاب الاثنينية) وهو رافد قصدت به نشر كتب بعض ذوي الفضل من علمائنا الأجلاَّء داخل وخارج المملكة، مع ملاحظة الاختلاف بين دور النشر التي يشمل نشاطها البعد التجاري والأهداف التي عملت ما أستطيع لتحقيقها عن طريق (كتاب الاثنينية) تحقيقاً لنشر إبداعات بعض كبار الأدباء والعلماء والمفكرين، الذين ينأون عن الأضواء ومتابعة الناشرين والمطابع وقنوات التوزيع سواء عن طريق شركات أو خلافه، فرأيت أن يقوم مشروع (كتاب الاثنينية) بسد ما أمكن من هذه الثغرة بنشر بعض إبداعاتهم والوصول بها إلى قرائهم وإمتاعهم بعصارة فكرهم وروائع أدبهم.. وقد تمكّنت بحمد الله وتوفيقه في هذا الإطار حتى الآن من طباعة الكتب التالية:
1 ـ كتاب ((عبد الله بلخير شاعر الأصالة والملاحم العربية والإسلامية)) دراسة تحليلية ونقدية للأستاذ محمود رداوي، ومعالي الشيخ عبد الله بلخير كما تعلمون علَم في مجال الشعر الملحمي.
2 ـ ديوان ((عاصفة الصحراء)) للشاعر الأستاذ محمود عارف، وقد جاءت هذه المشاركة في مناسبة دحر العدوان العراقي على دولة الكويت.
3 ـ ديوان ((الأربعون)) للشاعر المرحوم الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ.
4 ـ ديوان (حصاد الغربة) للشاعر المرحوم الدكتور زاهد زهدي وهو عراقي من المجاهدين بقلمهم ضد نظام بغداد الظالم.
5 ـ ديوان (قلبي على وطني) للشاعر العراقي الأستاذ يحيى السماوي وله التوجه السابق نفسه.
6 ـ ديوان (جرح باتساع الوطن) أيضاً للشاعر السماوي.
7 ـ كتاب (التوازن معيار جمالي) للأستاذة غادة الحوطي، وهو عبارة عن رسالة ماجستير أوصت جامعة الملك عبد العزيز بنشرها.
8 ـ كتاب (سوانح وآراء في الأدب والأدباء) للأستاذ الدكتور بدوي طبانه، لما له من مكانة أكاديمية مرموقة يعرفها الكثيرون.
9 ـ كتاب ((عبد العزيز الرفاعي من المهد إلى اللحد)) في (جزأين)، للأستاذ الشاعر أحمد سالم باعطب، وفاء لذكرى أستاذنا الراحل الكبير، وهو صاحب أول صالون أدبي في المملكة العربية السعودية.
10 ـ ديوان ((قوس قزح)) لفضيلة الشيخ أحمد الزرقاء (رحمه الله) وهو من كبار الأساتذة الفقهاء الذين تبحروا في الفقه والشعر واللغة، وقد عُرف في مجال الفقه ولم يعرفه الكثيرون شاعراً.
11 ـ كتاب ((البهاء زهير شاعر حجازي))، للأستاذ المرحوم محمد إبراهيم جدع، عبارة عن سلسلة مقالات كتبها الفقيد وكان لها وقعها الكبير في زمن نشرها في صحيفة البلاد.
12 ـ ديوان ((الأعمال الكاملة)) (ثلاثة أجزاء) لمعالي الأستاذ الكبير أحمد بن محمد الشامي، وله مكانته السياسية والعلمية والأدبية المعروفة.
13 ـ ديوان ((الأعمال الكاملة)) (ثلاثة أجزاء) للأستاذ الراحل زكي قنصل، وهو آخر شعراء المهجر، وكاد شعره يندثر لبعده الجغرافي عن الوطن العربي، فكان لا بد من عمل شيء للحفاظ عليه.
14 ـ كتاب ((قصة حياة)) لمعالي الأستاذ السيد محمد حسن فقي، وهو سيرة ذاتية لمرحلة من مراحل أستاذنا الكبير، وهو من الكتب النادرة. وقد وافق معاليه على نشره بعد محاولات كثيرة لإقناعه.
15 ـ ديوان ((أوراق من هذا العصر)) للشاعر الدكتور خالد محيي الدين البرادعي، ويضم نخبة من أجمل قصائده التي لم تنشر من قبل.. وكان قد فاز قبلها بجائزة ((محمد حسن فقي)) التي يرعاها معالي الشيخ أحمد زكي يماني.
16 ـ الجزء التاسع من ((الأعمال الكاملة)) لمعالي الأستاذ السيد محمد حسن فقي.. وقد تم نشر الأجزاء الأخرى عن طريق جهات أخرى.
17 ـ ديوان ((زمن لصباح القلب)) للأستاذ فاروق بنجر، شاعر مكي يتسم شعره بالجزالة والرقة.
18 ـ كتاب ((الشعراء في إخوانياتهم)) للأستاذ خالد القشطيني، ويضم نخبة من مقالاته المميزة التي نشرها في جريدة الشرق الأوسط.
19 ـ كتاب ((عبد الله بلخير يتذكر)) للدكتور خالد باطرفي، ويتحدث عن ذكريات شاعرنا الكبير بإضافات لم يسبق أن نشرها في جريدة الشرق الأوسط.
20 ـ كتاب ((الغربال)) للأستاذ حسين عاتق الغريبي، وقد ضم سلسلة مقالات نشرت في جريدة ((الندوة)) ضمت بعض مقالات والدي ((رحمه الله)) والأهم أنها ألقت ضوءاً على مختلف أوجه حياة رجالات مكة المكرمة وتقاليدهم وعاداتهم.
21 ـ ديوان ((حلم طفولي)) للأستاذ سعد البواردي، وهو من الشعراء المقلين.
22 ـ كتاب الأعمال الكاملة للأديب السعودي محمد سعيد عبد المقصود خوجه، للأستاذ حسين الغريبي.
23 ـ كتاب الأعمال الكاملة للشاعر الكبير المرحوم إبراهيم الغزاوي (6 أجزاء).
وبالإضافة إلى هذه الكتب نشرت بالتضامن مع (مجلة المنهل) كتاب أحاسيس اللظى أثر العدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت الشقيقة، ويضم هذا العمل ما نشر في الصحف شعراً ونثراً حول هذا العدوان في ثلاثة أجزاء: الأول (خميس الكويت الدامي) والثاني (تداعيات الغزو العراقي الغادر) والثالث (جزازات خليجية محمومة).
وكما هو ملاحظ فإن القاسم المشترك بين الكتب التي تشرَّفت بنشرها جاءت من بعض كبار أدبائنا بالإضافة إلى كونهم لا يتوقون إلى التعامل مع دور النشر أولاً لعدم تفرُّغهم وثانياً لعدم رغبة بعضهم في النشر أصلاً، ولولا إصراري وإصرار كثير من المحبين لبقيت تلك الأعمال حبيسة مسوَّداتها وقتاً طويلاً.. ومما لا شك فيه أن هؤلاء الأساتذة الأفاضل قد تكرّموا علينا بهذه الإبداعات القيّمة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها في ميزان حسناتهم.. فهم من تلك الصفوة التي تعطي ولا تأخذ، من رجال العلم والأدب والفكر الذين حملوا أمانة الكلمة وأدُّوها خير أداء، ورأوا بثاقب بصيرتهم أن العلم هو الباقي وهو ميراث النبوة الذي ينبغي على كل عاقل أن يزاحم عليه بالمناكب ليأخذ نصيباً قل أو كثر بحسب ماعونه واستطاعته..
وقد أتيح لي قبل سبع سنوات الاشتراك في عمل كبير مع السيدة الدكتورة سلمى الجيوسي أستاذة الأدب العربي سابقاً في الجامعة الأمريكية ببيروت، والأستاذة في عدد من الجامعات العربية والأمريكية، ومديرة مؤسسة (بروتا) ورابطة الشرق والغرب لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم الناطق بالإنكليزية، وقد تعرفت عليها عن طريق معالي أستاذنا الكبير عبد العزيز الرفاعي (رحمه الله) منذ ثماني سنوات.. ووفقنا الله لترجمة كتاب ((الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس)) الذي صدر أساساً باللغة الإنجليزية، بتمويل من مؤسسة الآغا خان للثقافة، وهو كإسماعيلي كما تعلمون له اتجاهات تختلف عن طريق السنة والجماعة، لكن ذلك لا ينفي أن العمل كان متكاملاً وعلى أفضل المستويات الأكاديمية، ويزيل كثيراً من غبار السنين والمفاهيم المغلوطة عن الحضارة الإسلامية التي يحاول البعض الآن أن يربطها بالإرهاب والتخلف والجهل وغيرها من المثالب، وقد رأينا ترجمة هذا العمل حتى يستفيد منه الأكاديميون والمثقفون الجادون في الوطن العربي والعالم الإسلامي.
وعندما قُدِّم إليَّ هذا الموضوع، رأيت أهميته القصوى رغم أنه عمل أكاديمي يهم المختصين في مجالاته المتعددة، فقد تناول التاريخ السياسي، والأقليات، والمدن الأندلسية، واللغة والشعر، والموسيقى، والفن والعمارة، والتاريخ الاجتماعي، والتاريخ الاقتصادي، والفلسفة، والدراسات الدينية، والعلم والتكنولوجيا والزراعة.
ولا شك أن المسلمين والعرب كان لهم دور فاعل في تزاوج الحضارات، وأخذوا من حضارات الهند والروم والفرس وغيرهم وعملوا على صهرها في بوتقة واحدة وأضافوا إليها الجديد من عندهم بوضعهم بصماتهم الواضحة على علوم الجبر والعمارة والطب، وخلّد التاريخ أسماء مثل ابن النفيس، والفارابي، وابن خلدون، وابن سينا، وابن رشد وكثيرين قبلهم وبعدهم، حتى أن جامعة مونبلييه في فرنسا وهي أول جامعة طب في العالم ولا تزال من أهم الجامعات، تضع تمثالين كبيرين لابن سينا وابن رشد بجانبي مدخلها الرئيسي، حيث كان الطب يدرّس على نفس الأسس التي وضعاها حتى أواخر القرن التاسع عشر.. نحن نسعى من خلال بث الروح في هذه البحوث إلى إعادة الفضل إلى ذويه، وانتزاع الاعتراف من الغرب الذي تحاول بعض الجهات المشبوهة الاستئثار بعواطفه والزج به في صراع حضاري مع الإسلام باعتباره صنواً للإرهاب والبربرية والتخلف وكل النقائص وهو منها براء.
ـ والترجمة ما نصيبها من نشاطات الاثنينية؟
ـ نسعى لترجمة بعض الأعمال المنتخبة من أعمال الرحالة المسلمين خلال العصور الوسطى، وكما تعلمون فإنها تعكس النهضة الحضارية التي بلغت شأواً كبيراً في الوقت الذي كانت أوروبا ترزح تحت نير الجهل والتسلط الاقطاعي الذي يبيح امتلاك الأرض ومن عليها.. ولن تكون تلك الكتب في حجم مستوى كتاب ((الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس)) ولكنها ستكون كتب ((جيب)) بسهل تمويلها وحملها واقتناؤها لمعظم الراغبين.. ويجب أن تكون على مستوى عالٍ من الاتقان والمعرفة بمخاطبة عقلية الإنسان الغربي، وتكون ذات مصداقية عالية وبأقلام أساتذة كراسي في جامعات عالمية.. وسيتم تمويل هذه الأعمال بواسطة بعض الجهات المهتمة، وبدأنا الخطوات المبدئية لقيام وقف لتمويل هذه الصندوق وغيره من الأعمال التالية يشرف عليه مجلس أمناء من كبار الأدباء والعلماء كل في مجال تخصصه، بغض النظر عن انتمائه الديني.
ـ وماذا عن مشروع (( جائزة الاثنينية )) ؟
ـ لقد فكرت في هذا المشروع منذ سنوات والذي سترصد له جائزة مناسبة باسم (( جائزة الاثنينية )) تختلف من حيث التوجه والأهداف عن الجوائز الحالية، مع احترامي لكل عمل يهدف لإثراء المشهد الثقافي.. وأتوقع أن تعمل (( جائزة الاثنينية )) على استقطاب كل الأعمال الإبداعية سواء كانت حديثة أو تراثية، سبق نشرها أو لم يسبق، وذلك لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المهتمين، وزيادة الزخم التنافسي بما يخدم الهدف السامي الذي ننشده.. وبعد تحديد العمل الفائز يتم إعداده للترجمة على أعلى المستويات التي تعرف كيفية مخاطبة العقلية الغربية، بعيداً عن الخط الإعلامي المباشر الذي ينفر ولا يبشر.
وبعد.. فهذه هي رحلتي مع الكلمة، والاثنينة، وكتاب الاثنينية، وآفاق المستقبل، أرجو أن تكون قد ألقت بعض الضوء على هذا النشاط الذي لا ادَّعي فيه فضلاً غير المقعد الذي أقتعده بين زملائي محبي الحرف، فكلهم ساهم وشارك في أي نجاح إن تبين لكم أن ثمة بارقة نجاح تلوح في الأفق، فالعمل كبير، وتضافر الجهود مطلب ملح.. فلهم جميعاً الشكر والامتنان والعرفان بما قدموا من وقت وجهد لإثراء هذه الأمسيات.. والشكر أجزله لأساتذتنا الكبار الذين منحونا شرف تكريمهم، وبذلوا وقتهم وجهدهم وراحتهم من أجل إمتاعنا بصحبتهم الماجدة، والاستفادة من علمهم وفضلهم.
ونحن الآن في اللمسات الأخيرة لهذا المشروع.
ـ ذات يوم كتبت مقالاً أطالب فيه بتكريم لكم كونكم أحد الذين قدموا من العطاء والدعم والتشجيع للحركة الثقافية والأدب والفكر والعلم الشيء الكثير ولكنني فوجئت بك تقول بأن ثمة عهداً قطعته على نفسك بأن تبقى بعيداً عن منصات التكريم؟
ـ هذا صحيح.. وأنا بالقدر الذي أشكر فيه الذين غمروني بعاطر محبتهم ومشاعرهم الفياضة ومطالبتهم بتكريمي فإنه على الرغم من ممارستي للإعلام عملاً وهواية وعشقي للحرف منذ نعومة أظافري غير أن عهداً قطعته على نفسي، ورعيته بصدق وإخلاص، أن أبقى بعيداً عن منصات التكريم لأنني لم أقدم ما يستحق التكريم والساحة مليئة بمن هم أجدر مني.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :543  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 47
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.