بداية مشوار
|
ليس كل من ملك ((الملايين)) مشهوراً
(1)
|
|
حوار: توفيق محمد نصر الله
|
|
حين يطرح اسم الأستاذ عبد المقصود خوجه يأتي دائماً معه ذكر ((
الاثنينية
)) التي أضحت إحدى الفضاءات المعروفة في سماء الثقافة والفكر وتكريم المبدعين. وفي هذه المساحة يطرح لنا الأستاذ خوجه جوانب من مشوار حياته من الطفولة حيث الذكريات الجميلة إلى مدارس الفلاح والعمل الحكومي الذي تقاعد منه مبكراً وكذلك الصحافة والأعمال الخيرية.. وبالطبع لا ينسى أديبنا عبد المقصود خوجه أن يعرِّج على الاثنينية. |
ـ مرحلة الطفولة من أجمل مراحل العمر في حياة الإنسان، فماذا تختزن الذاكرة عن هذه المرحلة؟ |
ـ إنها الجذور التي تغذي الأصل والفروع، بدونها نغدو غرباء القلب واليد واللسان، وبحمد الله تهيأت لي طفولة متكاملة ـ شأن معظم أقراني ـ حيث كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع بصفة عامة يتعامل مع الطفل وكأنه ابنهم جميعاً، كما يتعامل الطفل مع الكل من نظرة التقدير والتوقير للكبير على أنه (عم أو عمة أو خالة) والصغير على أنه أخ، وكم كنا نردد ((رب أخ لم تلده أمك)) عن حقيقة وواقع معاش وليس تصوراً خيالياً.. هذا المناخ المعافى أفرز الكثير من الذكريات الجميلة التي تركت بصماتها الخالدة مع الأيام. |
ـ كيف كانت العاصمة المقدسة على أيامكم؟ وما الذي تغير فيها؟
|
ـ لن أتحدث عن التطور العمراني وشكل الشوارع والأنفاق والجسور إلخ.. فذلك مما يعرفه الخاص والعام، ولكن دعني أحدثك عن صاحب البيت الذي يغادر لأي ظرف من الظروف، فتترك زوجته زنبيل المقاضي أمام الدار مع دراهم معدودة، وعندما يراه أي واحد من أبناء ((الحارة)) يتولى إحضار متطلبات البيت ويتركها أمام الدار في حرز أمين، حتى تتناوله صاحبة الدار في أي وقت.. وكذلك لوح الخبز تتركه أمام باب البيت ليتناوله أقرب جار ويوصله إلى الفرن فيخبز الخبز ويعيده أمام الدار.. صورة أخرى لصاحب المتجر الذي يدفع الزبون دفعاً في الصباح الباكر ليشتري من محل جاره، لأنه لم ((يستفتح)) حتى تلك اللحظة.. صورة أخرى للرجل أو السيدة وهما يلقنان ابن أحد أفراد الحي أصول التعامل دون تكبر أو عنجهية، بينما يتقبّل الطفل ذلك التوجيه بكل عفوية، ويتقبله أبواه بكل رحابة صدر.. صورة ثالثة للطالب وهو يضع معلمه في مكانة والده تماماً، وصورة رابعة.. وخامسة.. إلخ كلها تعطيك انطباعاً بتماسك المجتمع وترابطه وتكافله، حتى أصبح على قلب رجل واحد، وتلك هي الخصال والخلال التي أتمنى أن تستمر وتنتقل من جيل إلى جيل. |
مدارس الفلاح |
ـ من الذي وجهك للدراسة بمدارس الفلاح؟وكيف كانت المناهج الدراسية في ذلك الوقت؟
|
ـ الدراسة في مدارس الفلاح لم تكن تحتاج إلى توجيه، فقد كانت الوهج المضيء الذي يجذب إليه الطلاب ليس من مكة المكرمة وحدها.. بل من كثير من مناطق المملكة، أما المناهج فكانت تركّز على مواد الدين، واللغة العربية، والرياضيات، بالإضافة إلى التاريخ والجغرافيا، وعموماً كانت مبسطة ويتفاعل معها الطلاب بكثير من الحب.. ولا تنسى أنني فلاحي بالوراثة أباً عن جد، تلامذة ومعلمين. |
الأساتذة والزملاء |
ـ من أبرز أساتذتكم، ومن أبرز زملاء الدراسة؟ وهل ما زلتم تتواصلون معهم؟
|
ـ كثر.. وقد أجحف البعض حقهم حين لا تسعفني الذاكرة، ومن أبرزهم كأساتذة أعلام السادة محمد العربي التباني ـ وهو أستاذ والدي أيضاً ـ وعلوي عباس المالكي، ومحمد أمين كتبي، والمشايخ محمد نور سيف، ومحمد بنجر، ومحمد علي يماني، ومحمد وأحمد عبد الماجد، عبد الرحمن دوم، وأحمد السناري، وإبراهيم النوري والسيد إسحاق عزوز، وغيرهم. |
أما زملاء الدراسة فكثر ولا شك، أولئك الزملاء الأحبة.. وأذكر منهم على سبيل المثال ـ مع حفظ الألقاب ـ السيدين أمين وعبد الله عطاس، والدكتورين محمود سفر وفايز بدر (رحمه الله)، ونوري عيد ومحمد أنعم، وفؤاد أبو الخير، وحسن جوهري، وعبد الرحمن هرساني، والدكتور محمد عبده يماني، وعباس غزاوي، وبكر بابصيل، وعبد الرزاق حمزة، وعبد الله أبو السمح، ومحمد عمر العامودي، وغيرهم فقد ذكرت القليل وغابت أسماء الأكثر. |
التقاعد والوظيفة |
ـ لماذا تقاعدت مبكراً عن العمل الحكومي؟
|
ـ لا أعتقد أن هناك قاعدة تؤطر اتخاذ مثل هذه القرارات.. فالإنسان محكوم بظروف ومتغيرات كثيرة قد تمنحه مؤشرات إيجابية لاتخاذ خطوة معينة، بينما لا تتيح للآخر نفس التوجه، وإذا كان الناس يعملون بموجب ((بصمة)) واحدة فسدت الحياة، لذلك فإن اختياري التقاعد المبكر ليس له أية دلائل غير التصرف بموجب مؤشرات أيدت ذلك التوجه بالنسبة إلي، كما حدث لعدد كبير في الوقت نفسه من الرجال الذين خدموا الدولة، ورأوا أن يواصلوا عطاءهم من مواقع مختلفة. |
ـ عملت موظفاً ثم استقلت ثم تواريت عن الأنظار لعدة سنين ثم ظهرت على الملأ كرجل أعمال كبير فكيف تفسرون هذه التطورات الهامة في حياتكم؟
|
ـ الواقع إنني لم أستقل من عملي كما أسلفت، بل تقاعدت اختياراً، بعد أن أديت جزءاً من واجبي تجاه الدولة، ثم اجتهدت بقدر ما قسمه لي المولى عز وجلّ، وما توفيقي إلا بالله، وأحمده عز وجلّ على ما أنعم وأكرم، والتفسير الذي تطلبونه ينحصر في التخطيط والتدبير والاجتهاد، ثم يكلَّل جميع ذلك بتوفيق الله عزّ وجلّ.. وأبواب العطاء مفتوحة لكل مجتهد، ولم أتوار قط عن الأنظار، فأنا على الساحة طول عمري ولم أحتجب قط!! |
الكتابة الصحفية |
ـ بماذا خرجت من الكتابة الصحفية ككاتب صحفي سابق؟ ولماذا هذا الانقطاع الآن؟ وما تقييمكم لكتاب الأعمدة الصحفية في صحافتنا؟
|
ـ الكتابة بالنسبة إلي دائماً وباستمرار ركض متواصل نحو فراشات المعرفة، وهي صنو القراءة. وأعلم يقيناً أن الكاتب ـ سواء كان محترفاً أو هاوياً ـ إذا توقف عن الكتابة مؤقتاً فإنه يكون مستغرقاً في القراءة، والواقع أنني لم أتوقف بصورة دائمة إطلاقاً، كما أنني لست متفرغاً لهذا الفن الجميل، لذلك تجدني أراوح بين الكتابة والقراءة، ونشاطي مستمر ولله الحمد. |
أما تقييم كتاب الأعمدة الصحفية فذلك يعود لتذّوق القراء، والمسائل دائماً نسبية، فما أراه ممتعاً ويستحق المتابعة، قد يراه البعض الآخر مملاً.. لذا فإن عملية التقييم ستكون انطباعية وغير عملية، وفي بعض الحيان تلجأ بعض الصحف إلى عمل استطلاعات صحفية بين القرّاء للوقوف على مرئياتهم بشأن ما تقدمه لهم، وقياساً على نتيجتها تقوم الصحيفة بتعديل أسلوب طرحها. |
منتدى الاثنينية |
ـ
((
الاثنينية
))
بحسب ما نعلم ـ بدأت فكرتها لتكريم جيل والدكم الكاتب الصحفي الراحل، ثم تطورت إلى منتدى أدبي عام للاحتفاء برموز الثقافة المحلية والعربية، فهل كان هدفكم الأساسي من إقامة
((
الاثنينية
))
الوصول إلى هذا الهدف؟
|
ـ هدف ((
الاثنينية
)) واضح ومحدد كما ورد في مقدمتي للجزء الأول من (سلسلة
الاثنينية) فهي كلمة شكر وتقدير وعرفان ووفاء لمن أبدعوا في مختلف التخصصات، خصوصاً الثقافية والأدبية والفكرية.. وقد ورد في الجزء الذي أشرت إليه ((لقد كان عشق الكلمة والحب لأصحابها يختلط بأيامي وسنوات طفولتي الباكرة: فمن جلسات الصباح التي كان يلتقي فيها نخبة من كتّاب وشعراء وأدباء الوطن في مكتب والدي ـ محمد سعيد عبد المقصود خوجه ـ رحمه الله ـ رئيس تحرير أول صحيفة صدرت في عهد مؤسس المملكة وموحدها (الملك عبد العزيز ـ رحمه الله) إلى تلك الأمسيات الباذخة والزاخرة التي كان يعقدها والدي ـ يرحمه الله ـ على ضفاف مواسم الحج من كل عام في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك على شرف أدباء وكتّاب وشعراء ومفكري العالمين العربي والإسلامي.. كان الحب على امتدادها يتجذر.. وكان العشق على أمدائها يستطيل سنديانات وأشجار سرو.. وكان الفؤاد الصغير يتوه بين ما يسمعه ولا يفهمه.. وبين القليل الذي يفهمه كلمات ويجهله معاني)).. وقد ظلت هذه الفكرة تختمر في ذهني لسنوات طويلة إلى أن وجدت المناخ الملائم لتظهر بالشكل الذي أحاول أن يرضي تطلعاتي، باعتبارها رافداً للعطاء الثقافي في هذا البلد الحبيب. |
ـ هل صحيح ما يقال بأنكم حققتم من خلال
((
الاثنينية
))
من المجد والشهرة ما لم تحققوه بما تملكونه من الملايين؟ وبماذا تعلِّقون على هذه المقولة؟
|
ـ هل لمن يطرح السؤال التدليل عليه قبل إلقائه كحقيقة لا خلاف عليها، وهبني حققت المجد والشهرة من خلال ((
الاثنينية
)) فما هو الضرر الذي أصاب الفرد، بل المجتمع؟ دعنا نتكلم عن مردود الأمور، وما يثمر عنه كل عطاء، وأعجب لمن يعشق الصيد في الماء العكر لنزعة الهمز واللمز.. ثم هل من يملك الملايين افتراضاً تحقق له شهرة ومجداً؟ يا رجل على قدر أهل العزم تأتي العزائم، كما أن كل من يعمل عملاً عاماً يكون عرضة للنقد بقدر ما يكون له نصيب في المدح، وكل إناء بما فيه ينضح.. اللَّهم اجعلني في عين نفسي صغيراً وفي أعين الناس كبيراً، اللَّهم أنت أعلم بنفسي مني وأنا أعلم منهم بنفسي، اللَّهم اغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني برحمتك خيراً مما يظنون، ولا تؤاخذني بما يقولون. |
مقال واحد |
ـ أظهرتم حساسية بالغة نحو مقال واحد وجِّه لكم ينتقد برامج وإنجازات
((
الاثنينية
))
وأغفلتم في الوقت نفسه مئات المقالات التي تحمل الثناء على
((
الاثنينية
))
وصاحبها، فكيف تفسرون هذه الحساسية المفرطة؟
|
ـ للأسف ليس بين يدي ما أشرتم إليه، ولم تذكروا المرجع لذا يصعب علي الحكم على ماء في سؤالكم، وعموماً فإني أرحب بالنقد الإيجابي الهادف إلى ترقية الأداء، فالكمال لله وحده، وليس لديّ حساسية تجاه أي تعليق على مسيرة ((
الاثنينية
)) بل أسعى وبصدر رحب لسماع مختلف وجهات النظر، لأنني لا أملك من ((
الاثنينية
)) غير الكرسي الذي أقتعده بين روّادها الأفاضل، فهي ملك للجميع، وحرصي عليها لا يقلّ عن حرص أي واحد من هؤلاء الأساتذة، فكلنا جنود في الصف لأداء رسالتنا، ونمد أيدينا لكل من يتعاون معنا ويعيننا على المضي في هذا الطريق. فيبدو أنك عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء، فقد طالني وطال ((
الاثنينية
)) الكثير، ونالني ونالها الأكثر من الخير ثناءً وتقديراً.. ولقد تعوّدت ألا أتصدى لرأي أي ناقد أو كاتب، فالساحة تتسع للجميع.. أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. |
بعض الرموز |
ـ يرى البعض أن
((
الاثنينية
))
تتجاهل تكريم بعض الرموز الأدبية ممن ينتمون إلى التيارات الأدبية الأخرى كالحداثيين مثلاً، فهل كان هذا التجاهل مقصوداً؟
|
ـ الحداثة كما نعلم جميعاً عبارة عن تيار أدبي أصبح له ما بعده، والساحة الأدبية تتسع للجميع، و ((
الاثنينية
)) للجميع ومع الجميع، ومنطلقها في تكريم أي عطاء ينبع من مساهمته في إثراء المكتبة بما يعود بالنفع على الأمة.. فإذا كان لديكم أي رمز من رموز الثقافة على مختلف مشاربها، وترون أنه يستحق التكريم من خلال ((
الاثنينية
)) فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبكم. |
الأعمال الخيرية |
ـ يرى البعض أيضاً أن مساهمتكم في الأعمال الخيرية لا تتساوى مع إنجازاتكم في الأمور الثقافية بالرغم من عضويتكم في العديد من الجمعيات الخيرية وغيرها، فبماذا تردون على مثل هذا التساؤل؟
|
ـ جاء في حديث السبعة الذين يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه.. أن منهم: |
((ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)). وإنني لأرجو أن أكون منهم، لا بعملي، ولكن برحمة الله.. اتق الله يا رجل فسؤالك سؤال خير.. وهل يسيئك فعل الخير.. هل أنت هذا الرجل لتطرح هذا السؤال؟! فإن كنت ما قلت فاللَّهم اجعلني خيراً من ذلك، وإن قلت بغير ما أنا عليه فأسأله سبحانه الهداية لك وله وأن يهديني الصراط المستقيم. |
دمج الصحف |
ـ ما موقفكم من عملية دمج الصحف المحلية؟ وما هي الصحف التي تستحق الدمج في نظرك؟
|
ـ أعتقد أن عملية الدمج مسألة معقدة وتخضع لمعايير كثيرة، وتحكمها في النهاية قواعد لعبة العرض والطلب، بالإضافة إلى توجُّه الدولة في هذا الشأن، وهو توجُّه إيجابي ويعطي بعض الإشارات نحو تحقيق هذه الغاية، غير أنه لا بد أن تكون هناك دراسات وافية قبل الشروع في هذه الخطوة، ولا يمكنني أن أرجم بالغيب في أمر لم أطلع على إحصاءاته ودراساته، وعندما تظهر الدراسات المبدئية ـ إذا قدر لها أن تتمم ـ يكون لكل حادث حديث. |
|