عبد المقصود خوجه:
|
عليكم بالكتاب.. ولا تجعلوه وراء ظهوركم فتنقلبوا خاسرين
(1)
|
|
في ظل تطور التكنولوجيا حيث انصرف جل الناس عن الكتاب، وفي ظل جحود الناس الذين استناروا بنور الآراء والأفكار التي تملأ مؤلفات المنتجين من رجالات الفكر والأدب، يشتاق الصحافي الباحث إلى واحة في صحراء التكنولوجيا القاحلة، ليستظل بظلال الرجل الذي أعطى للكلمة حقها، وكرَّم الإنتاج والمنتجين، وحوَّل دارته العامرة إلى ملتقى يعمد إليه المثقفون السعوديون وغير السعوديين للمشاركة في احتفائه بضيوف الاثنينية كل أسبوع.
|
فإلى سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه صاحب الاثنينية المشهورة في جدة، في حديث شيّق مع مجلة الصحوة:
|
ـ سعادة الشيخ، أنت مشهور بلقب (أبي الأدباء) لتكريمك الدائم لكل صاحب عطاء فكري، هل بإمكانكم إعطاؤنا نبذة عن حياتكم الدراسية والأدبية؟
|
بدأت حياتي الدراسية مثل معظم زملائي في مكة المكرمة في مدارس الفلاح، وبعد إكمال المرحلة الثانوية، وتعذُّر الحصول على دراسات عليا في منطقة الحجاز انتقلت إلى سوريا حيث أكملت تعليمي بها. |
بدأت فكرة الصالون الأدبي ترادوني منذ الصغر، وإن كانت مبهمة المعالم.. ذلك أن والدي رحمه الله كان من علماء ومثقفي عصره، وكان يقيم حفل تكريم لكبار العلماء والأدباء والشعراء من الحجاج المسلمين في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك في منى، ويدعو لها كوكبة من المثقفين في الحجاز، وتلقى فيها كلمات وقصائد، وسِمِّيت حفلة التعارف، إذ يتم فيها التعرف إلى كبار العلماء والمفكرين عن كثب، والتلقِّي عنهم مشافهة، وتوطيد أواصر الصداقة والحب.. وقد استمرت هذه الحفلة إلى أن انتقل رحمه الله إلى جوار ربه.. هذه الذكريات وصداها الطيب، وما سمعته بعد ذلك عن أجواء هذه اللقاءات، بالإضافة إلى لقاءات ليالي الاثنين في بيته مع كوكبة من رجالات الفكر والعلم والأدب، حفزني إلى التطلع إلى القيام بشيء مماثل.. وعندما استقر بي المقام في جدة سعيت إلى تكريم رجالات العلم والأدب في دارتي بصورة دورية، حيث نلتقي مساء كل يوم اثنين في جلسة أدبية محضة، يحضرها لفيف من رجال الصحافة والفكر.. وسرعان ما أطلقت الصحافة على هذه الأمسية (الاثنينية) واستمرت منذ عام 1403هـ بهدف تكريم روّاد الفكر والأدب والشعر وغيرها من مجالات العطاء الإنساني.. وهو صالون مفتوح لجميع محبي الكلمة ومن يتعامل معها، ولا توجد رقاع دعوة للحضور.. إنما يمثل ندوة مفتوحة وملتقى لجميع محبي الكلمة. والذين يسعون إلى تكريم روّادهم وإعطائهم ما يستحقون من تقدير وإعزاز.. ومن كبار الأساتذة الذين يرتادون هذه الاثنينية والذين سبق تكريمهم معالي الوالد الشيخ عبد الله بلخير. شاعر الملاحم الإسلامية العظيمة. ومعالي الأستاذ الفقيد عبد العزيز الرفاعي، والشاعر الفقيد عمر أبو ريشة رحمهم الله، ومعالي السيد حسن كتبي، والدكتور العلاّمة صلاح الدين المنجد، ومعالي المهندس محمد سعيد فارسي.. وغيرهم.. كما أن التكريم لم يقتصر على أبناء هذه البلاد فقط، إنما تعدَّاهم إلى كل من ساهم مساهمة فعّالة من أبناء الدول العربية والعالم الإسلامي، ومن لهم بصمات ومشاركات تذكر فتشكر في مجالات الأدب والدعوة الإسلامية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ أبو الحسن الندوي، والعلاَّمة الداعية الإسلامي الكبير أحمد ديدات، والمرحوم الدكتور زكي نجيب محمود، والشيخ سيد سابق، والدكتور يوسف عز الدين، والشاعر عبد الوهاب البياتي والدكتور يوسف القرضاوي، والأستاذ فهمي هويدي وغيرهم. |
ـ ما هي أهم المواضيع التي يتناولها الأدباء في لقاءاتهم الأدبية في الصالون؟ وهل لكم مجلة أدبية متخصصة؟
|
كما أسلفت فإن الهدف هو تكريم الرعيل الأول من أدبائنا، بالإضافة إلى الأساتذة الذين لهم مشاركات فاعلة في مجال الأدب وغيره من مجالات العطاء الإنساني، حتى في مجال الهندسة قمنا بتكريم المهندس زياد أحمد زيدان الذي فاز بتصميم معهد العالم العربي في باريس في منافسة دولية، وكرّمنا الدكتور ناصر السلوم الذي حاز جائزة رجل الطرق لعام 1990م بفضل جهوده التي قدَّرها العالم لإنجاز شبكة الطرق العملاقة في المملكة العربية السعودية، وكرَّمنا الكثير من العلماء والدعاة أمثال فضيلة الشيخ/د. يوسف القرضاوي، وفضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وغيرهم من أصحاب الفضل الذين ذكرتهم آنفاً.. وعادة تبدأ الأمسية بقراءة سيرة ذاتية للمحتفى به، ثم يتحدث أكثر الأساتذة معرفة بالمحتفى به لإلقاء الضوء على جوانب من حياته وأعماله قد لا تكون معروفة أو منشورة في الكتب من قبل.. وهذه إضافة هامة نجدها في هذه الأمسيات، لأن ما يقال في مثل هذه المجالس غير ما ينشر في الكتب.. |
وبعد ذلك يتفضل علينا الضيف المحتفى به بإلقاء كلمة ضافية عن حياته وأعماله وتجربته في الحياة.. ثم يجري حوار بين الضيف والأساتذة الحضور في نهاية اللقاء. |
أما عن المجلة الأدبية المتخصصة فليس لنا مجلة، ولكن يتم طبع فعاليات هذه الأمسيات الأدبية الثقافية في كتب ضمن سلسلة (الاثنينية) حيث يتم تسجيل ورصد كل كلمة تقال، ثم تنشر الحلقات في كتاب سنوي يضم كل الأمسيات التي شرفنا بها في تلك السنة. وقد صدر حتى الآن أجزاء كثيرة. وهناك مجلدات أخرى قيد الطبع.. من ناحية أخرى انبثق من هذا التيار الأدبي كتاب باسم (كتاب
الاثنينية). يهدف إلى خدمة الثقافة من خلال نشر الإبداعات التي تعوق بعض المعوّقات مسار نشرها.. فأقوم بمحاولة تذليلها ونشر ما يستحق النشر ضمن إطار (كتاب
الاثنينية) وقد تم حتى الآن نشر عدة أعمال منها: كتاب (عبد الله بلخير شاعر الملاحم العربية والإسلامية) للأستاذ محمود رداوي. وديوان (الأربعون) للشاعر المرحوم عبد السلام هاشم حافظ، وديوان (عاصفة الصحراء) للأستاذ محمود عارف، وديوان (حصاد الغربة) للشاعر العراقي د. زاهد زهدي، وديواني (قلبي على وطني) و (جرح بالتساع الوطن) للشاعر العراقي الأستاذ/يحيى السماوي، وديوان (الأعمال الكاملة) من ثلاثة أجزاء لمعالي الأستاذ أحمد الشامي. |
وهناك قيد الطبع عدة أعمال أدبية وشعرية أخرى سترى النور قريباً بإذن الله.. وأحمد الله أن قيض لي نشر هذه الأعمال على نفقتي الخاصة في إطار صندوق محدَّد لخدمة هذا الهدف. |
ـ ما هو رأيكم في الشعر الحر، وأيهما أشد وقعاً في النفس، وأحلى في الأذن، الشعر العمودي، أم الشعر المنثور غير المقفى؟
|
لا أزعم عدم وجود مناصرين لهذا أو ذاك، ولكني من جهة نظري الشخصية، أرى أن الشعر عبارة عن موسيقى.. وانفعال ينفلت من النفس في شكل كلمات ذات طابع خاص، إذ الإبداع ليس في الكلمة بنفسها، ولكن في تركيب الكلمات والصور، وفق نمط معيّن يمثل مصدر الإبداع.. قد يكون الشعر عمودياً ومقفى ولكنه ميت، بلا إحساس وبلا حرارة تشع من بين الصور والتراكيب.. وقد يكون الشعر حراً، مرسلاً بلا قافية، لكنه شديد الحساسية للواعج النفس البشرية.. من هنا يأتي الحكم لأحدهما على الآخر.. فأيهما نبض بالموسيقى والحساسية والإبهار في الصور غير المكررة كان جديراً بالاحترام وجذب المتلقي وأسره في دنياه. |
ـ ماذا يقول سعادتكم في شعار الفن للفن؟
|
أعتقد أنه شعار غير منطقي.. فالفن إذا كان مسموعاً أو مرئياً أو محسوساً لا بد أن يشكّل نواة المقابلة، نزعة معينة في النفس البشرية، الموسيقى مثلاً تهز وتراً معيناً في الإنسان، وتنفِّس عنه بعض أحزانه، وتطوِّقه بجوٍّ شاعري ينطلق به نحو آفاق أرحب من الضيق الذي كان يعانيه قبل استماعه إلى المقطع الموسيقي.. |
لذلك فقد أدت غرضاً.. ولم تكن مجرد تهويمات لا معنى لها.. فهي فن ليست لذات الفن، وإنما لمقابلة نزعة في النفس البشرية أعطتها القيمة الجمالية، واستشعرت أعمّيتها عن بقية الأصوات التي يمتلئ بها الكون.. والشيء نفسه ينطبق على الرسم.. والنحت.. والمعمار.. الخ.. إذن مقولة الفن للفن أساساً، غير منطقية.. إذ لا يمكن لأي شيء أن يأسر اهتمامنا، ونلقي إليه نظرة، ونضيع فيه وقتاً، إلا إذا كان مؤهلاً لكي يسد عجزاً في حاجتنا إليه. |
ـ كانت مدرسة (الديوان) التي كان رائدها الأستاذ عباس محمود العقاد تؤمن بالوحدة العضوية للقصيدة وبأن الشعر الحق هو الشعر الغنائي هل تشاركونها الرأي؟
|
العقاد رحمه الله أكبر من أن يختلف معه مثلي في الرأي.. ولا شك، أن آراءه القيّمة لها مكانتها الكبيرة في نفوسنا جميعاً.. وما أشرت إليه آنفاً بخصوص الشعر الحر فيه إجابة عن هذا السؤال. |
ـ ما هي مواصفات الأدب السعودي، وما مدى أثر الإسلام فيه؟
|
في الحقيقة لا أحب كلمة مواصفات في هذا السياق، لأنها ارتبطت في ذهني بأساليب المقاولين وأعمالهم، وجداول الكميات، ومواصفات المباني، وغيرها من الأشياء الجامدة، وليتكم استخدمتم كلمة خصائص في هذا المجال.. عموماً هذا سؤال كبير، ولا يمكن الإجابة عنه في مثل هذه العجالة.. ويحتاج الأمر إلى الرجوع إلى بعض المراجع.. الشيء الذي لا يتسنى لي الآن.. ولكني أعدكم بالكتابة إليكم في وقت مناسب لإعطاء هذا الموضوع حقه بصورة أفضل.. أما عن أثر الإسلام فيه فيكفي أن مهبط الوحي، وموئل الدين وانتشار الرسالة، قد كان من هذه البقاع الطاهرة.. وبالتالي فإن الصبغة الكاملة للأدب السعودي هي الإسلام، وقد تعدَّت هذه الصبغة المواضيع المحلية ليعبِّر الشاعر أو الأديب السعودي إسلامياً عن جميع مشاعره، وما يعتلج في نفسه من مشاعر تجاه إخوانه في البوسنة والهرسك، وفي الهند وفي الشيشان، ومن قبل في أفغانستان، وفي العراق، حيث يتواصل الأديب السعودي مع إخوانه المسلمين في كل مكان، ويعبِّر عن مشاعره تجاههم من واقع الانتماء لهذا الدين العظيم الذي جمعنا في أخوة قوية، وعروة وثقى لا انفصام لها. |
ـ من هم الأدباء الذين أثروا في حياتكم الفكرية والأدبية أكثر؟
|
نحتاج إلى بيدر من الورود لصناعة قنينة عطر، ويجوب النحل آلاف الكيلومترات لجمع طبق من العسل.. |
وهكذا الإنسان في تأثره بأصحاب الفكر والأدب، يحتاج إلى عشرات بل مئات من عطاء هؤلاء الأفاضل، ويرتشف من كل نبع قطرة، حتى يصل إلى التوازن الروحي والنفسي والفكري الذي ينشده.. وهذا لا ينفي أن هناك أعلاماً على قمة الهرم.. فبعد كتاب الله العزيز، وهدي سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. أجدني أدين بالفضل لشعر معالي الوالد الشيخ عبد الله بلخير، وكتابات المازني والمنفلوطي، والعقاد وطه حسين، وغيرهم من الأعلام. |
ـ هل لكم مشاريع أدبية تنوون إنجازها مستقبلاً وما هي؟
|
مشاريع كثيرة، وتطلعات أكثر، ولكن لكل حادث حديث. |
ـ هل من كلمة توجهونها إلى الأدباء الشبان؟
|
أقول لهم إن الوقت قد أصبحت تتجاذبه عدة نوازع ومشاغل، وتتنافس عليه وسائل الإعلام المختلفة بأساليبها العفوية كافة.. ولكن يبقى الكتاب في النهاية هو المصدر الحقيقي للثقافة الراقية المستديمة المتطورة، والقابلة للنمو والازدهار.. فعليكم بالكتاب، ولا تجعلوه وراء ظهوركم فتنقلبوا خاسرين.. مع أطيب أمنياتي لهم بدوام التوفيق والسداد. |
|