لقاء: رحلة هادئة في أعماق الأستاذ عبد المقصود خوجه:
|
إذا استحوذ المال على الإنسان تحوّل إلى نقمة
(1)
|
هذه
((
اللقاءات أجمل ما فيها أنها تجيء بعيدة عن أجواء العمل، ورتابة القيود، تجيء عفوية تكشف ـ بصدق ـ عن بعض الجوانب الشخصية والحياتية لمن تتم استضافته، بعيداً عن كرسي العمل وهموم المسؤولية، رحلة مع الضيف، الإنسان والزوج والقارئ والرجل العادي، إنها رحلة في عقل الضيف ووجدانه ليعرف القرّاء أشياء لا يعرفونها عنه. وضيفنا في هذا العدد هو رجل الأعمال ومكرّم فرسان القلم والأقوال: الأستاذ عبد المقصود خوجه.
|
ـ المال.. ما حجم ما يشكل في نفسك؟
|
ـ إنه عصب الحياة دون منازع، ولكنه متى ما استحوذ على الإنسان واستعبده يتحول إلى نقمة وغول مخيف يأتي على الأخضر واليابس. |
ـ ما أعظم شيء يبعث الراحة في نفسك في هذه الحياة؟
|
ـ لحظات التأمل العميق في كتاب الله العزيز.. قراءة آية.. ثم التدبر عميقاً في معانيها ومدلولاتها وتركيبها اللغوي وأسباب النزول، ثم محاولة استجلاء ما خفي من أسرارها التي لا تنتهي. |
ـ ماذا أعطتك
((
الاثنينية
))
. وماذا أخذت منك؟
|
ـ منحتني فرصة اللقاء الوثيق والمباشر مع أهل الكلمة والاستفادة من علمهم وفضلهم، ولم تأخذ غير قليل من متاع الدنيا، وهل متاع الدنيا إلا غرور؟ |
ـ ما أنجح
((
اثنينية
))
أقمتها، ولماذا؟
|
ـ من الصعب أن أضع معايير للحكم بين ما يقرب من ثلاثمائة أمسية عبقت كلها بالعلم والشعر والفكر والأدب.. إنها منظومة واحدة يكمل كل جزء منها الآخر. وورود نضرة في بستان مختلف الألوان، يتشكّل جماله من ذلك الاختلاف، وقبل هذا وذاك شهادتي أصلاً مجروحة. |
ـ ما أقرب الأدباء إلى نفسك؟
|
ـ الذي يلتصق بالواقع، ويمس نبض الشارع، فيتمثل مشاكل مجتمعه كما تتمثل النحلة رحيق الزهور ثم تفرزه شهداً مختلفاً سائغاً للشاربين. |
ـ
((
ضعيف
))
متى تشعر أنك ذلك الرجل؟
|
ـ الضعف من سمة البشر، وأعتقد أن معظم الرجال الأسوياء يضعفون أمام الطفولة، فبسمة الطفل الغرير، أو دمعته، قد تكون أقوى من كل الأسلحة إذا صادفت نفساً شفافة تتفاعل معها وتترجم إيحاءاتها إلى ما يفوق إمكانية التعبير بالكلمات. |
ـ جمال الحياة عندك أين يكمن؟
|
ـ جمال الحياة يكمن في ((السعادة)).. غير أني أريد تعريفاً محدداً لهذه الكلمة، فهلا وافيتموني به؟ |
ـ محبة القرب من أصحاب القلم.. هل وجدتها أكثر راحة من القرب من أصحاب المال؟
|
ـ هذا سؤال جميل إلا أن آفته في التعميم والشمولية، فبعض أصحاب القلم تنزف أحبارهم سموماً، ولذلك فإن التعميم في مثل هذه المسائل لا يخدم غرضاً. |
ـ زوج ابنتك، ما أهم شيء تريد أن يتوافر فيه؟
|
ـ تقوى الله.. فإنها جماع كل خير. |
ـ شخص كان له تأثير وفضل على مسيرتك الحياتية، ماذا تقول له بسطر وفاء؟
|
ـ إنهم أكثر من شخص، وسطر الوفاء لن يفي أياً منهم حقه، بل سيتسم بالتقصير والابتسار، وأحبذ أن يبقى ما في القلوب مصاناً عن ذلك. |
ـ دعاء تقوله دائماً؟
|
ـ ((اللَّهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)). |
ـ رؤساء تحرير الصحف والمجلات، ماذا تقول لهم؟
|
ـ الكلمة أمانة.. وللكلمة شرف.. ولها ميثاق.. وأنتم بما استحفظتم عليه حراس الأمانة والشرف والميثاق.. ويا لها مسؤولية تنوء بحملها العصبة أولي القوة، أعانكم الله وسدد خطاكم. |
ـ خطأ لا تتسامح فيه؟
|
ـ الخطأ الذي يدخل في دائرة التخريب المتعمد. |
ـ دمعة غالية ذرفتها ولم تنسها حتى الآن؟
|
ـ الدموع عصية، ولكن محطات العمر، ومرافئ الوجدان، وأرصفة الحياة، تتطلبها كثيراً، حتى لكأني القائل: |
نزف البكاء دموع عينك فالتمس |
عيناً لغيرك دمعها مدرار |
|
ـ بصراحة، هل كنت تطمح إلى أن تكون كما أنت الآن؟
|
ـ لعلّ الطموح هو الترجمة الفعلية لأحلام اليقظة، ولمّا كنت صغيراً كانت أحلامي لا نهائية. |
ـ شاعر تحب شعره، وكاتب تقرأ له، وقارئ تحب الاستماع إلى تلاوته، وصحيفة تحرص على قراءتها؟
|
ـ المتنبي قديماً، وشوقي مجدداً، وكثير من المعاصرين على رأسهم معالي الوالد الشيخ عبد الله بلخير، ومعالي العم محمد حسن فقي.. أما التلاوة فأحب تلك التي تحتفظ بالنكهة المكية الأصيلة.. وفيما يتعلّق بالصحف المحلية أجدني حريصاً على متابعتها كلها دون استثناء. |
ـ الصبر.. هل تتعامل معه؟
|
ـ أتعامل معه كثيراً. |
ـ الضوء، متى تحسَ به يشرق في وجدانك؟
|
ـ عندما تنجاب سجف الظلام بنور القرآن في هدأة السحر. |
ـ متى تغضب، ومتى تفرح؟
|
ـ مثل كل عباد الله، غير أني أحاول جهدي أن أكون من الكاظمي الغيظ، وألا أمشي في الأرض مرحاً. |
ـ ماذا يشكّل رحيل الأديب محمد حسين زيدان من فراغ في
((
الاثنينية
))
الذي كان عميدها والبادئ في الحديث فيها؟
|
ـ لو كانت مصيبة فقد أستاذنا الزيدان ـ عليه رحمة الله ـ تقتصر على الاثنينية فقط لهان الأمر، ولكن الفراغ العريض الذي تركه أديبنا الكبير مازال يسيطر على امتداد الساحة الأدبية في المملكة وبعض الفعاليات العربية الأخرى. |
ـ رسالة واحدة قصيرة، لو طلبنا منك أن تبعثها، فلمن تبعثها؟ وماذا ستقول فيها؟
|
ـ رسالتي إلى شباب هذه الأمة.. أمل الحاضر وعماد المستقبل: |
عليكم بالعلم.. ((اطلبوا العلم ولو في الصين)).. اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، فهو أكسير الحياة وسلاح المستقبل، ومن دونه لن تقوم لأي أمة قائمة، ولن تجد غير السفح موطئاً لقدم. |
ـ قول تؤمن به، وأفدت منه في حياتك وسلوكك؟
|
ـ رأس الحكمة مخافة الله. |
ـ كلمة النقد توجه إليك ضمن حدود مسؤوليتك، كيف تواجهها؟
|
ـ وأين أنا من عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي قال رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي!.. بالتأكيد أتقبل كلمة النقد بصدر رحب خصوصاً إذا جاءت بطريقة موضوعية وأسلوب حضاري. |
ـ لديك موظف أخطأ في عمله، كيف تستطيع أن تصحح خطأه دون أن تخسره؟
|
ـ من الطبيعي أن من يعمل يخطئ.. وجلَّ من لا يسهو، وتصحيح المسار يكون بلفت النظر وأحياناً الشدة أو التأنيب، وقد يقسو أحدنا حتى على ولده وفلذة كبده من أجل الإصلاح.. وفي ذلك قال الشاعر: |
فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً |
فليقس أحياناً على من يرحم |
|
|