شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المسار الضوئي
السوق الذي نريد (1)
د. جميل محمود مغربي
ومن أراد أن يعرف القيمة الاقتصادية والشفافية الحضارية لسوق عكاظ وغيره من الأسواق التي تطيف بمكة المكرمة كمجنة وذي المجاز عليه أن يقارن تلك الأسواق بما نشهده في الحياة المعاصرة من حرص لدى الدول المتقدمة على عقد المعارض والمؤتمرات والندوات والأنشطة المختلفة التي تسهم في ازدهار تلك الدول وتمنحها اسماً إعلامياً ورواجاً اقتصادياً في المحافل الدولية.
وسوق عكاظ كان ثمرة من ثمار الوعي المتقدم والواعي لرجالات قريش والذي يأتي في الصدارة بينهم قصي بن كلاب صاحب التنظيمات المتطورة في التقسيم الإداري للمسؤوليات المدنية والإدارية والعسكرية كالسقاية والرفادة واللواء والحجابة ودار الندوة وسوق عكاظ.
فلقد أنيطت مسؤولية سوق عكاظ في المرحلة التي سبقت مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بحكيم بن حزام رضي الله عنه وهو المولود الوحيد الذي ولد في الكعبة وكان من أبناء عمومة أم المؤمنين خديجة بنت خوليد رضي الله عنها أول زوجٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من المعمرين عاش مائة وعشرين سنة شطرها في الجاهلية وشطرها في الإسلام وكان صديقاً للرسول (صلى الله عليه وسلم) في الجاهلية والإسلام.
ومن أراد أن يدرك أهمية هذه الأسواق في انتعاش الحياة الثقافية والاقتصادية لمكة المكرمة والمناطق المحيطة بها عليه أن يتصور هذه المنظومة التي تمثل العقد الذي يحيط بجيد مكة في تلك الحقبة وارتباطه بمكة مكاناً وزماناً.
فأنشطة الأسواق تبدأ مع بزوغ فجر الأول من ذي العقدة حيث يعقد سوق مجنة في منطقة (سرف) وهي المنطقة التي بنى بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بزوجته ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها على مقربة منها حيث توفيت ودفنت كذلك وهي في المنطقة الواقعة على يمين الذاهب من مكة المكرمة لوادي فاطمة بنت مر الخزاعية في منطقة تعرف اليوم بالنورية أو النوارية لاستخراج النورة من أرضها، وقبر أم المؤمنين على يسار الذاهب إلى المدينة وينصرف الناس في العاشر من ذي القعدة من مجنة إلى عكاظ والمرجح أن يكون لارتباطه بمكة في المنطقة الواقعة بين قرن المنازل الحوية وأقرب إلى ما يعرف بالسيل الصغير.
وينتهي عكاظ بزوال هلال ذي القعدة حيث يذهب القوم إلى ذي المجاز وهو على مقربة من عرفات إذ يمكثون حتى الثامن من ذي الحجة حيث يتجهون إلى عرفات في التاسع منه.
وقيمة عكاظ أنه زاوج بين الاقتصادي والثقافي فكانت الخطوة الواعية الأولى في الفكر الاقتصادي الباحث عن سند ثقافي كما أنه آزر الثقافة باتكائها على عنصر اقتصادي يضمن لها الديمومة والازدهار.
والشرف الذي تحظى به الثقافة بإعلان مكة المكرمة عاصمة ثقافية لعام 2004م أو عام 2005م (أرجو أن نسمع كلمة تحدد أحد التاريخين) يجعل فرصة إعادة النظر في أحياء سوق عكاظ قائمة لتنعش المنطقة ثقافياً واقتصادياً خاصة وأن مدينة الطائف التي ارتبطت بمكة منذ العصر الجاهلي فكان لأشراف مكة حوائط وبساتين وهو ما يرجح وجود عكاظ في منطقة بين الحاضرتين تتطلع هذه المدينة إلى استعادة بريقها بعد الانحسار النسبي لنشاطها الاقتصادي كعاصمة صيفية للدولة بعد استقرار أجهزة الحكومة في مدينة جدة خلال الفترة إياها.
ولا بد أن أشيد بموقفين يعضدان اختيار مكة المكرمة عاصمة ثقافية:
فلقد تبنت جائزة شاعر مكة في دورتها الحالية والمنعقدة في القاهرة من الثالث إلى السادس من أبريل محاور الأسواق الأدبية والعواصم الثقافية وهو ما يستدعي حفز الأندية الأدبية في المملكة على القيام بدور مماثل في أنشطتها ونشراتها.
كما يحمد للوجيه المعروف الأستاذ عبد المقصود خوجه قيام الاثنينية بنشر عدد وفير من الأعمال والمؤلفات لعدد من أعلام الأدباء والعلماء المكيين وعدد من المؤلفات المتصلة بتاريخ مكة وعلمائها وأدبائها بأسلوب تعجز بعض المؤسسات العلمية عن مضاهاته وهو ما يمثل قيماً متعددة من الكرم والنبل والوفاء تجاه بلد الله والمسؤولية الوطنية والاتجاه الذي عشقه والده الأديب الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود رحمه الله.
ورغم أن مكتبتي لم تحظ قط بنسخة من إصدارات الاثنينية سوى كتاب الاثنينية الأول وبعيداً عن مشاعر الود التي أكنها للصديق النبيل الأستاذ عبد المقصود خوجه إلا أن أمانة الكلمة تقتضي الإشادة بتلك التضحيات التي يتمازج فيها التصور الديني بالحس الوطني أرانا الله مزيداً من هؤلاء الأفذاذ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :377  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 59 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.