على هامش مهرجان الجنادرية
|
الاثنينية
(1)
|
|
من فوائد المهرجانات الضخمة مثل مهرجان الجنادرية الذي أقيم أخيراً في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى وقائع المهرجان من ندوات ومداخلات، ما يجريه أعضاء الوفود من لقاءات فيما بينهم أولاً، ومع الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية ثانياً، وكذلك ما يعقدونه من علاقات مع رجال فاعلين في الساحة الأدبية والفكرية من شأنها أن تمد الجسور بين النخب المثقفة وتحقق من الإشعاع لثقافة البلدين ما نحن في أشد الحاجة إليه. |
ومما وقفنا عليه بمناسبة حضور مهرجان الجنادرية أن المملكة العربية السعودية قد حافظت على أحد تقاليدنا الثقافية العريقة وهو عقد المجالس أو الصالونات الأدبية التي ازدهرت في الحقب الزاهية من تاريخنا ولا سيما في القرن الرابع في بغداد، والقرن الخامس في القيروان، والحواضر الأندلسية كقرطبة وإشبيلية وغرناطة، قبل أن تنتشر في أوروبا وفي باريس بالخصوص ويقترن ذكرها بأعلام كبار مثل ديدرو ود. الامبار وموسى وغيرهم، ولئن نشطت في المملكة العربية السعودية نوادٍ أدبية أنشئت للقيام بهذا النشاط مثل النادي الأدبي في المدينة المنورة الذي أقام لنا مشكوراً سهرة ممتعة ونادي جدة الذي لم تتح لنا فرصة زيارته. فإن الظاهرة التي تشد الانتباه هي النوادي الخاصة التي ينشئها ويتولى تسييرها والإنفاق عليها مولعون بالأدب والثقافة خصصوا قسماً مما أنعم به الله عليهم لإقامة الأمسيات وعقد الندوات وتسجيل الأشرطة بل ونشر الكتب أيضاً، من هذه المجالس، مجلس الشيخ عبد المقصود خوجه أحد رجال الأعمال السعوديين ينعقد كل يوم اثنين وأطلق عليه ((
الاثنينية
)) وأصبح معلماً ثقافياً بارزاً يعرفه كل الناس هناك ويؤمه القصاد من كل الأنحاء ويستضيف الوافدين من الشعراء والكتّاب والعلماء وقد تفضل الشيخ عبد المقصود فأقام لنا بعد المهرجان اثنينية بصورة استثنائية لأن الاثنينيات كانت توقفت باقتراب شهر رمضان ـ وأتيحت لنا فرصة الالتقاء بنخبة طيبة من مثقفي عروس البحر الأحمر وكذلك بالأستاذ أحمد الشيباني المفكر العربي المعروف وصادفت زيارتنا صدور الجزء الأول من سلسلة ((
الاثنينيات
)) التي تجمع فيها وقائع للمجلس بعد تسجيلها فأردنا التعريف بهذا الكتاب الذي ستمثل حلقاته بلا شك مرجعاً للمثقفين والأدباء ومن يدري، ربما حافزاً للموسرين من التونسيين للاقتداء بصاحب الاثنينية خدمة لبلادهم ولثقافة أمتهم. |
صدر كتاب (الاثنينية) في إخراج أنيق وهو يشتمل على 531 صفحة من القطع المتوسط، وقدمه الشيخ عبد المقصود خوجه بكلمة ترشح بحب الأدب والفكر والوفاء لوالده محمد سعيد عبد المقصود خوجه رئيس تحرير أول صحيفة صدرت في عهد الملك عبد العزيز، وقد كان يجمع حوله في مكتبه نخبة من الكتّاب ويعقد الأمسيات على شرف الزائرين من الأدباء والمفكرين بمناسبة موسم الحج، فتشبع الطفل بعشق الكلمة وآمن بجملة من القيم لم يطمسها السعي للكسب والبحث عن الرزق، فانتصر هذا العشق، وكان انتصاره كسباً للأدب والثقافة والفكر، قال الشيخ عبد المقصود خوجه في المقدمة: |
(ثم توالت بي الأيام والليالي، تدفعني سعياً وأدفعها عملاً، تستفزني وأستفزها لكن صورة والدي وتلك الصباحات المشرقة والأمسيات الوضاءة ما كانت لتغيب عن عقلي وقلبي إلا لتشرق من جديد تذكرني وتناديني بحنين العودة إليها.. فلم يمت الحب الذي ولد.. ولم ينطو العشق الذي تنفسته في بواكير أيامي.. بل ظلا يحتفظان بوهجيهما تحت رماد الليالي والسنين، فإذا صرفتني ظروفي وأعمالي عن أن أكون ذلك الكاتب المحترف أو الأديب المتفرغ الذي يتنفس حبه للكلمة ويمارس عشقه لشدوها وهو يطالع الناس بنتاجه دوماً أو بين حين وحين.. فإنني أحمد الله على أن ظروفي وأعمالي لم تصرفني عن أن أكون أولئك القرّاء المتابعين والمتلهفين لكل جديد جيد من الكلمات والأفكار والأعمال.. من لا يشعرون بالشبع من الكلمة ولا يحسون بالجوع معها.. لكأن القراءة قد غدت سبيل وصالي الباقي مع من أحببت.. ومع ما عشقت). |
لقد احتضنت مدينة جدة هذا المجلس الذي بدأ لقاءاته في نوفمبر 1982، لأن هذا الرجل المكي الأصل، استقرت به ظروفه وأعماله في مدينة الوسط الثقافي، محط رحال الزائرين والمسافرين وهمزة الوصل بين القارات، وتواصلت ((
الاثنينية
)) وتزايد عدد روّادها وأصبحت من الطقوس الثقافية المعروفة في المملكة، ويحدثنا الشيخ عبد المقصود خوجه عن المراحل التي مرت بها، وخروجها من دائرتها الإقليمية إلى محيطها العربي الإسلامي وطريقتها في الاحتفاء بالضيوف وتسجيل أمسياتها، وانبثاق فكرة طباعة هذه ((
الاثنينيات
)) في أجزاء للتوثيق وإفادة الباحثين والدارسين، وهو لا يخفي شوقه الكبير وتلهفه لإصدار بقية الأجزاء تباعاً، بمعدل جزءين في كل عام لتغطية السنوات الباقية، لأن هذا الجزء الأول لا يضم إلا ((
اثنينيات
)) العام الأول وعددها أربع عشرة، ولا يفوت الشيخ عبد المقصود أن ((
الاثنينية
)) لم تكن وقفاً على فئة فكرية معينة وأنها (( لا هدف لها إلا العمل على تكريم رجال لهم مكانتهم في المجتمع على مختلف حقوله.. وهذا التكريم ليس له من هدف إلا معناه، وهذه قائمة الاثنينيات المنشورة: |
الاثنينية (1): حفل تكريم الأستاذ عبد القدوس الأنصاري . |
هو أحد رواد الأدب السعودي ومؤسس مجلة المنهل سنة 1937 ومؤلف أول رواية مطولة صدرت في المملكة ((التوأمان)) وكتاب ((تاريخ مدينة جدة)) وله عدة مؤلفات أخرى مطبوعة ومخطوطة، وقد أدار الحوار الأستاذ حسين نجار ودار الحديث حول حياة المحتفى به العلمية والأدبية وخصوصاً مجلة المنهل. |
الاثنينية (2): حفل تكريم الشاعر طاهر زمخشري. |
الشاعر المعروف وصديق تونس والتونسيين، وهو مؤسس أول مجلة للأطفال في المملكة العربية السعودية باسم ((مجلة الروضة)) تحدث بابا طاهر عن تجربته الشعرية وذكرياته الأدبية. |
الاثنينية (3): حفل تكريم الأستاذ عبد المجيد الشبكشي. |
من رجال الصحافة السعوديين . |
الاثنينية (4): حفل تكريم الشيخ عبد الله بلخير . |
شاعر سعودي ووزير سابق للإعلام، أصدر مع محمد سعيد عبد المقصود خوجه ـ والد صاحب الاثنينية ـ كتاب ((
وحي الصحراء
)) تخللت المسامرة قراءات شعرية، والمحتفى به مشهور بكتابة الملاحم الدينية والتاريخية، فقرأ من هذه المطولات، وتحدث عن ذكرياته مع الملك عبد العزيز وكان حضر معه اجتماعه مع كل من روزفلت وتشرشل. |
الاثنينية (5): حفل تكريم الأستاذ محمد حسين زيدان. |
أديب سعودي، قدم ذكرياته الأدبية، ولا سيما مع أحمد أمين ومحمد حسين هيكل، صاحب كتاب ((حياة محمد)) وقد أفادنا أن كتاب ((منزل الوحي)) كان ممنوعاً في بداية الأمر ثم سمح بتداوله بفضل وساطة للأمير فيصل، نائب الملك عبد العزيز في الحجاز آنذاك. |
الاثنينية (6): حفل تكريم الأستاذ حسين عرب. |
شاعر ووزير سابق، أصدر مقطوعته الشعرية الكاملة في جزءين، دار الحديث حول الشعر ـ نماذجه الشعرية متينة السبك متنوعة الأغراض. |
الاثنينية (7): حفل تكريم الأستاذ عزيز ضياء. |
شاعر سعودي يجيد اللغة الإنجليزية والفرنسية والتركية، ويعد أيضاً من أفضل النقاد السعوديين ومن المترجمين عن الآداب الأجنبية. |
الاثنينية (8): حفل تكريم الأستاذ حسين باشا سراج. |
خريج الجامعة الأمريكية في لبنان ـ متخصص في كتابة المسرحيات الشعرية، من هذه المسرحيات ((غرام ولادة)). |
الاثنينية (9): حفل تكريم الأستاذ أحمد عبيد. |
من رواد الصحافة في المملكة، أسس مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر وأصدر في مصر مجلة ((صرخة العرب)) الأسبوعية. دار الحديث حول الصحافة وتجربته الشخصية في هذا الميدان. |
الاثنينية (10): حفل تكريم الأستاذ محمود عارف. |
شاعر وكاتب سعودي، ألقى الشاعر طاهر زمخشري قصيدة بالمناسبة، وشارك في هذه الأمسية الشاعر نور الدين صمود فألقى قصيدة أنشأها بمناسبة افتتاح القرن الهجري الجديد عارض فيها قصيدة ((اليتيمة)) التي لا يعرف قائلها، وتكلم الأستاذ محمد حسين زيدان فقال كلاماً جميلاً في الثناء على تونس وعلى بلاد المغرب بصورة عامة قال: |
(إن هؤلاء المغاربة يحبون هذه الأرض وأنسابها ولهم فضل الحفاظ على تراثها، نزل القرآن في الحجاز وحفظ في المغرب وكتب في أسطمبول، وقرئ في مصر، هؤلاء المغاربة حافظوا على اثنين لم نحافظ عليهما نحن، وهما من حقنا وهما لنا، حافظوا على مذهب مالك مذهب أهل المدينة فهم مالكيون وحافظوا على قراءة أهل المدينة قراءة نافع مولى ابن أبي نعيم.. أي وفاء أكثر من هذا؟ هم الذين حفظوا الدين وحفظوا القرآن يوم دك التتار المشرق ويوم ذهبت بغداد وذهبت الكوفة والبصرة.. من عمر مصر بالأزهر؟ إنهم المغاربة، فالأزهر بناء مغربي بناء جوهر الصقلي، بناء المعز الفاطمي المغربي..). |
الاثنينية (11): حفل تكريم الأستاذ أحمد العربي. |
أديب وشاعر سعودي حضر هذه الاثنينية الشاعر عمر أبو ريشة وقرأ فيها من شعره. |
الاثنينية (12): حفل تكريم الأستاذ عبد العزيز الرفاعي. |
كاتب وشاعر أصدر سلسلة المكتبة الصغيرة (48 مؤلفاً). لـ عدة مؤلفات وديوان شعر، صاحب صالون أدبي ((الخميسية))، ينتظر مساء كل خميس، وشارك في هذه الاثنينية محب تونس وصديق التونسيين الأستاذ عبد الرحمن المعمر. |
الاثنينية (13): حفل تكريم الأستاذ الشاعر ((عمر أبو ريشة)). |
شاعر سوري معروف، توفي سنة 1990. |
هذه الحلقة من أمتع حلقات الاثنينية، تخللتها قراءات شعرية متنوعة وأحاديث لذيذة، بالرغم من أن السهرة كانت مرتجلة ولم يتهيأ لها المحتفى به ولا الضيوف وللشاعر ذكريات كثيرة عن وقائع تاريخية وسياسية.. وأخرى أدبية. |
والاثنينيات الأربع عشرة التي يشتمل عليها الكتاب، تتبع النسق الآتي صورة المحتفى به. لمحات من حياته، وقائع حفل التكريم الذي تبدأ عادة بكلمة المحتفي، ثم كلمة المحتفى به، ثم كلمة مدير المجلس، وكلمات الضيوف وأسئلتهم ومناقشاتهم وهكذا يتوافر القارئ على ترجمة ذاتية لأولئك الأعلام وحوار حي حول اهتماماتهم وأعمالهم، تتخللها قراءات شعرية متنوعة. |
هذه صورة من صور الحياة الثقافية التي فيها إحياء لتقاليدنا الجميلة ومساهمة خيّرة من أهل اليسار خدمة للثقافة والفكر. جدير أن يكون قدوة لغيرهم ولا سيما في البلاد التي لا تستطيع فيها الدولة بالنظر إلى إمكانياتها ـ أن تنهض بكل الأعباء وحتى يكون أغنياؤهم من المشكورين بأعمالهم. |
|