فضاء الحرف
|
بادرة نبيلة لا تتكرر كثيراً
(1)
|
|
عنوان المقال عبارة كتبتها الأستاذة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي ضمن (شكر وعرفان) وجهته إلى من وصفته (أحد كبار رعاة الأدب في الوطن العربي الأستاذ عبد المقصود خوجه، لدعمه لتكاليف ترجمة الكتاب الكبير ((الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس)) من الإنجليزية إلى العربية، ولمساهمته في تكاليف نشره). ولم تتردد في إبراز نبل هذا الإنسان الكريم حين قالت: (ويتضاعف شكري لهذا الرائد الجاد لأنه هو الذي اتصل بي وعرض عليَّ أن يسهم في أحد مشاريع ((بروتا))، فهذه بادرة نبيلة لا تتكرر كثيراً). |
ولا أزعم أني قرأت كل ما احتواه هذا الكتاب الضخم، لأنه جاء على هيئة بحوث علمية وأدبية مستفيضة شارك فيها العديد من كبار العلماء والمفكرين في العالم، ويمكن أن نستشف ملامح خطة هذا العمل الكبير والغاية منه من خلال ما جاء في تقديم الدكتورة سلمى الجيوسي حيث تقول: (لقد حاولت أن أجعل من هذا الكتاب عملاً شاملاً ما وسعني ذلك، ساعية إلى تغطية الجوانب الأساسية في الحضارة الإسلامية في إسبانيا العصر الوسيط، واضعة نصب عيني أن أبرز هذا التراث العريق وتأثير هذه الحضارة في سواها. ولقد حدث لحسن الحظ أن ظهر في السنوات الأخيرة عدد كبير من الباحثين في إسبانيا والغرب ممن اكتشفوا الخط الذي يصل الإبداع والفكر الإنسانيين عبر العصور، وممن أدركوا الأهمية الكبيرة لبروز الإسلام في العصر الوسيط وعلاقته بتواصل الحضارة البشرية وازدهارها)، وهذا ما يجعل للكتاب قيمة أدبية وتاريخية تكشف حقائق عديدة عن الحضارة الإسلامية يدلي بها مفكرون من غير المسلمين، لتدحض إدعاءات كثيراً ما حاولت تشويه الصورة المشرقة لتلك الحضارة الإنسانية الراقية (فلقد كان التجاهل القديم، المتعمد، للحضور التاريخي الكبير المشع للعرب وللمسلمين المعربين ((وحتى المعربين من غير المسلمين)) خلال العصور الوسطى، الذين لم يقتصر دورهم على الحفاظ على خط الثقافة والإبداع الإنسانيين حياً ومتواصلاً بل عززوا هذا الخط إلى حد بعيد.. لقد كان هذا التجاهل، لكي نستخدم أخف التعبيرات، جريمة تاريخية لم يدركها العالم كلياً بعد) وتظهر د. الجيوسي سعادتها برؤية العدد المتزايد من الباحثين الغربيين الذين يكرسون أنفسهم لوجه الحقيقة. |
وإذا كان هذا العمل الضخم قد تم إعداده في صورته الأصلية باللغة الإنجليزية، فما قصة ترجمته إلى اللغة العربية؟ وما الغاية من ذلك؟ |
لقد أكدت محررة هذا السفر الثمين على ضخامة العمل وما واجهته في سبيل ترجمته إلى العربية وذلك في قولها: (ولعل ترجمة هذا الكتاب برهنت على أنها أصعب من إعداده في الأصل الإنجليزي، وقد احتجت فيها إلى مساعدات كثيرة). |
ثم يكشف الأستاذ الفاضل رجل الأعمال النبيل عبد المقصود خوجه الذي دعم تكاليف الترجمة ونشر الكتاب، عن الدافع إلى قيامه بهذه المشاركة المكلفة والشاقة. وقد جاء ذلك في كلمة له ألقاها في اثنينية الشيخ عثمان الصالح بالرياض أثناء تكريمه هناك حيث قال: (أتيح لي قبل ما يزيد على خمس سنوات الاشتراك في عمل كبير مع السيدة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي أستاذة الأدب العربي سابقاً في الجامعة الأمريكية ببيروت، والأستاذة في عدد من الجامعات العربية والأمريكية، ومديرة مؤسسة ((بروتا)) و((رابطة الشرق والغرب)) لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم الناطق بالإنجليزية، وقد تعرفت عليها عن طريق معالي أستاذنا الكبير عبد العزيز الرفاعي ـ يرحمه الله ـ منذ ثماني سنوات.. ووفقنا الله لترجمة ونشر كتاب ((الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس)) الذي صدر أساساً باللغة الإنجليزية بتمويل من مؤسسة الآغا خان للثقافة، وهو كإسماعيلي كما تعلمون له اتجاهات تختلف عن طريق السنة والجماعة، لكن ذلك لا ينفي أن العمل كان متكاملاً وعلى أفضل المستويات الأكاديمية ويزيل كثيراً من غبار السنين والمفاهيم المغلوطة عن الحضارة الإسلامية التي يحاول البعض أن يربطها بالإرهاب والتخلف والجهل وغيرها من المثالب). |
وعندما وجد أستاذنا الفاضل عبد المقصود خوجه أن مثل هذا العمل سوف يخدم تاريخ أمتنا العربية الإسلامية لم يتردد ـ كعادته ـ في تدعيم ترجمته وإظهاره ليستفيد منه المختصون. |
وعندما قدم إليَّ هذا الموضوع رأيت أهميته القصوى رغم أنه عمل أكاديمي يهم المختصين في مجالاته المتعددة، فقد تناول التاريخ السياسي، والأقليات، والمدن الأندلسية، واللغة والشعر والموسيقى والفن والعمارة، والتاريخ الاجتماعي والتاريخ الاقتصادي، والفلسفة والدراسات الدينية، والعلم والتكنولوجيا والزراعة. |
إن الإقدام على ترجمة مثل هذا العمل يعكس ضرورة تنمية التواصل الحضاري، والرغبة في إشباع حاجة الإنسان إلى الانفتاح على التاريخ، لمعرفة حقائقه، والاستفادة من تجارب الأمم والشعوب. |
فقد شعر الأستاذ النبيل (أن المسلمين والعرب كان لهم دور فاعل في تزاوج الحضارات) وكان لا بد من انتزاع الاعتراف من الغرب الذي تحاول بعض الجهات المشبوهة الاستئثار بعواطفه والزج به في صراع حضاري مع الإسلام باعتباره صنواً للإرهاب والبربرية والتخلف وكل النقائص وهو منها براء. |
ويعلن صاحب الاثنينية المشهود له بدعم ونشر الأعمال الأدبية والتاريخية وتكريم رواد الفكر والأدب أنه يسعى لترجمة بعض الأعمال المنتخبة من أعمال الرحالة المسلمين خلال العصور الوسطى، التي تعكس النهضة الحضارية التي بلغت شأواً كبيراً في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترزح تحت نير الجهل والتسلط الإقطاعي الذي يبيح امتلاك الأرض ومن عليها ويصف العمل الجديد بأنه كتب (جيب) يسهل تمويلها وحملها واقتناؤها لمعظم الراغبين، وعلى مستوى عال من الإتقان والمعرفة بمخاطبة عقلية الإنسان الغربي، وذات مصداقية عالية، وبقلم أساتذة كراسي في جامعات عالمية. ولضمان نجاح هذا المشروع الكبير سيتم تمويل هذه الأعمال بواسطة بعض الجهات المهتمة، وبدأنا الخطوات المبدئية لقيام وقف لتمويل هذا الصندوق وغيره من الأعمال التالية يشرف عليه مجلس أمناء من كبار الأدباء والعلماء كل في مجال تخصصه. |
وبهذا المشروع الحضاري القيم، يؤكد لنا الأستاذ عبد المقصود خوجه وطنيته الصادقة، وبادراته النبيلة التي تتوالى بلا انقطاع. وفقه الله وسدد خطاه، ونسأله تعالى أن يجعل ما قدم في موازين حسناته. |
|