شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صباح الخير
تواضع شاعر (1)
بقلم: خالد القشطيني
سمعنا الكثير عن تواضع العلماء، ولكنني لم أسمع قط عن تواضع الشعراء. ما سمعته عنهم يأتي في باب ((الفخر)). حتى ذلك الزاهد في الدنيا، المعري، لم يسلم من الفخر بنفسه. لهذا فوجئت عندما قرأت مقدمة الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر المهجري زكي قنصل فوجدت المقدمة تشير إلى هذه المناصب الرفيعة التي تولاها الشاعر من بياع كشَّه إلى خادم في مطعم ثم صانع خباز وبعده ماسح أحذية قبل أن ينتقل إلى عالم الشعراء.
ومما زاد في دهشتي أن يرد كل هذا الوصف لرجل قنصل. فهذا لقب يعتبر عند العامة أسمى لقب يمكن أن يطلق على خواجه، وأعلى سمواً حتى من لقب الملكة إليزابث. قيل لي أن وفداً دبلوماسياً حضر لزيارة إحدى الدول العربية، وعندما وصل الحدود استوقفه الشرطي الخفر فحقق معهم واستفسر عن هوياتهم. فقال السفير أنا السفير وقال الوزير المفوّض أنا الوزير وقال القنصل أنا القنصل. تأمل الشرطي في الأمر ثم قال: ((القنصل يتفضل يدخل، السفير يرجع)).
وهذا شيء منطقي، فمهمة السفير محصورة في المفاوضات والاحتجاجات والرسميات، وهذه كلها أمور ثانوية لا تمسّ أحداً منا بشيء. ولكن القنصل بيده سمات الدخول والخروج، وهذا أهم من أي شيء في الدنيا، كما يدرك العراقيون في هذه الأيام حق الإدراك.
وعليه فقد كان شعوري بالخيبة عظيماً عندما تسلّمت الأجزاء الثلاثة من ديوان زكي قنصل الذي نشره له عبد المقصود خوجه كنت أتوقع أن أجد أمامي والتقي بقنصل مضبوط، وإذا بي لا أجد حيالي غير واحد كان مسَّاح أحذية، شاعر يقول بالحرف الواحد:
ولست بطامع لخلود ذكري
فقد نهنهت نفسي عن طموح
أنا لقناعتي في خير حال
رضيت من الملابس بالمسوح
ليرق إلى الذرى غيري فإني
قرير العين ما بين السفوح
بيد أن شعوراً داخلياً أخذ ينتابني بأن زكي قنصل يريد أن يدخل باب الفخر من كوّة خفية، هي كوّة التظاهر بالتواضع، وهو بهذا يكون قد بز كل زملائه من الشعراء في إجادة المكر الشعري، بيد أن هواجس هذا الشاعر المهجري نحو جذوره وأصوله العربية تدفقت صادقة عبر هذا السفر الطويل من أجزاء ثلاثة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :465  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.