ديوان شعر ((الأربعون))
(1)
|
|
للشاعر: عبد السلام هاشم حافظ
|
|
الناشر: عبد المقصود محمد سعيد خوجه ـ جدة
|
لفت نظري لهذا (الكتاب) أولاً.. وقبل أن أعرف أنه ديوان شعر.. لفت نظري عنوانه ـ الأربعون ـ فأعملت عقلي فذهب إلى معان شتى.. هل هي الأربعون النووية؟ هل هي أربعون بنى إسرائيل في التيه. أم أربعون موسى عليه السلام حين واعده ربه؟ أم هي سن القوة وحين يبلغ الرجل أشدّه.. |
ووقفت كثيراً عند (أربعون) فهي أهم محطّة وأعظم موقف في حياة الإنسان وأكبر منعطف.. فالأربعون سنام الحياة، وذروة القوة، وقمّة السلم المزدوج لعمر الإنسان إذا ما أمدّ الله تعالى في عمره فبلغها.. عندها منتهى القوة.. وبعدها تبدأ مرحلة الوهن إلا من التجربة والحكمة والقربى إلى الله تعالى بالشكر وبالصالحات من الأعمال، يشهد بذلك قول الحق عزّ وجلّ: |
حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الأحقاف: 15). |
أما (الأربعون)، هذا الكتاب الذي بين أيدينا، فهو ديوان شعر للشاعر والكاتب والأديب الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ.. ولا تعدو أو تبعد فكرة اختياره لهذا العنوان للكتاب عما ذهبنا إليه من تميّز سن الأربعين وما حولها عن بقية سني العمر إذ يقول في التوطئة التي استهل بها الديوان: |
(كانت فكرة ديوان لي يحمل عنوان (الأربعون) أن يتضمّن جميع القصائد التي قيلت.. والتجارب الشعرية الموحية ـ خلال فترة زمنية معيّنة ـ ابتدأت والعمر يستشرف الأربعينات، وتنتهي وهو يهم بوداعها). |
لقد صدر هذا الديوان مكمِّلاً لعشرين ديواناً من الشعر للمؤلف، صدرت منها ثلاثة إصدارات تضمّنت (شعراً وقصة). وديوان صدر بعد هذا، وكتب ضمّت مجموعات قصصية وغيرها في النقد أو التحليل.. بجانب مخطوطات بلغت تسع عشرة مخطوطة فيها الشعر وفيها القصة وغيرهما من مجالي الأدب والنقد. |
إذن، فالديوان وما تضمن من قصيد جاء في أعقاب تجربة طويلة في القريض وفي الأدب بفروعه المتعددة. |
أما هذا الديوان والذي يضمّ ما يقارب الستين قصيدة، فقد غلب عليه شعر الغزل، وفي هذا يسعى الشاعر للتبرير وإيضاح قضية شعر الغزل والحب الذي يغلب على شعر هذا الديوان.. أو حتى غيره من الشعر العاطفي.. فيقرر أن هذا الشعر لم يكن مجرّد تحبير وصياغة.. بل هو نفثات مصدور وبوح أحاسيس في مختلف معاناتها.. وهو كذلك أحلام شاعر يتضوّر بآلامه، ويشعر بعذاب الآخرين، فلا يملك إلا أن يجأر بشكاواه.. في همس ولوعة، وفي صراخ صامت، وهو يتجه بكل شعوره وحريق إحساساته إلى مصدر الجمال والحب.. ويتطلّع في لهفة الظامئ إلى النبع الأصيل لهما في ملكوت الله الأعلى. |
يترجم الشاعر الرصين إحساسه العلوي شعراً يلوح لمن يقرأه وكأنه تشبيب بالجمال الحسي.. بيد أنه رمز لما فوق الحسيات بعداً وعمقاً.. بل الأصح أن الإلهام كان مصدره الجمال المعنوي والروحي.. وإن كان ذلك الرمز إنما هو توهّم لخيال بعيد المنال.. ولنسمع إليه في قصيدته بعنوان (إلى بهائك يا رب) يقول: |
واردة عُليا أحسُّ رضاءها وجلالها |
وفي النفس في الوجدان تغمرني فاسلو ما بيا |
والعين يقظى في ابتهالٍ تستطيب مجالها |
وتريد لي أن اجتلي ما قد يدور بكونيا |
|
هنا نبرئ شاعرنا من الغزل بالمحسوس، ويبرئ هو نفسه.. إذ يقول: |
لا توجد ـ قط ـ تلك التي يظل الغزل في محرابها فنوناً تتنوع، أو أوصافاً لا حدود لها، كما لم تكن هناك رغبة في إنسانة بالذات.. كنوع من محاولة الامتلاك.. ولكنه ـ كما ذكرت ـ خيال شاعر حالم يفتش عن المثاليات، وعن شعلة إلهام.. وما كانت تلك اللهفات والأماني إلا صوراً لتعابير حالمة، ووجدانيات روح تشف عن أحلامها، وتريد أن تسبر أغوار الحقيقة.. حلوة كانت أو مرة. |
ولكن.. قف معي عند هذا الغناء المطرب، قف معي نتلقّى مع شاعرنا رقيق الحواشي (هدية الياسمين)، يقول: |
نشرت عبيرك عبر الدروب |
وأنت تسيرين سير القطا |
تجيئين طيفاً جميل الوثوب |
وفي مقلتيك حنين الرُّبا |
ويبسم ثغرك زاهي الشروق |
وكفَّاك تحنو على الياسمين |
تهادينه للأليف المشوق |
وتروينه من شذى الياسمين |
|
هذا الانسياق الهادئ، السلس، والجرس المنغم المطرب هو انعكاس لما في الوجدان في صور حسية، وليس هذا ببدع إذا صدر عن شاعر أوتى من الشفافية قدراً عظيماً.. ونعود إلى مقدّمة الكتاب لنسمع إلى شاعرنا وهو يقرر أن تدفق الشعر كأمواج بحيرة.. تجدد فيها الانفعالات والترانيم مع خطرات الرياح، وهبات النسيم.. فإذا المشاعر تصوغ عوالم وصوراً من الواقع المعاش بالحس وبالكيان، وبالنظرة الواعية، والهمسة الحانية.. |
الديوان ضمّ مجموعة من قصائد قيلت في مناسبات أسرية، وبعض منها أهدى إلى أصدقاء، أو قيل في مناسبات عامة.. وخير ما نقتطف لنختتم به تهويمتنا مع هذا الديوان أبياتاً فيها سبحات روحية نقتطفها من قصيدة بعنوان: (ليس لي إلاَّك أدعو). |
إنني أحيا محباً للتجلّي والتغنّي بالغيوم |
أنها دنياي.. دنيا الطهر والعرفان والنور العميم |
فاصفح اللهم عني وأقبل الأعذار.. تجفوني الهموم |
أنت مفتاح الأماني في ظلام طال بالجسم السقيم |
أن تحقق لي شفائي يا إلهي يا ملاذي يا حكيم |
نعمةٌ متَّعتُ فيها بالضمير الحي والروح الرؤوم |
يا إلهي أنت لي كل الرجا.. والمنتهى رمز النعيم |
|
|