شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد الله بلخير في أصالته وملاحمه (1)
الدكتور عاصم حمدان
يمثّل كتاب الدكتور محمود ردَّاوي: والذي نشره الأستاذ عبد المقصود خوجة، عن الشَّاعر الكبير ((عبد الله بلخير)) بداية كريمة في مدِّ الجسور بين فئة أهل الأدب، ومبدعيه، وفئة محبِّيه الذين يتذوَّقون التّراث الإنسانيّ، ويسعون للاحتفاء به، ويتوازى دور الفئة الثانية مع الفئة الأولى في الأهمّية والمكانة، ولربما تخطَّاه ـ أحياناً ـ لأنَّ الكلمة لا تستطيع النهوض بنفسها، ما لم يكن لها من عشَّاقها ومحبّيها تقدير وتعضيد.
((عبد الله بلخير)) واحد من أولئك الرّواد الذين يجب أن نقف عند تاريخهم وقفات متأنّية؛ يكون لنا فيها العبرة والدَّرس؛ من خلال ذلك الطريق الطَّويل والصَّعب الذي سلكوه في سبيل المعرفة، وتلك الإضافات البارزة التي نشهد أثرها في عدد من المصادر: التي كان صدورها ـ قبل حوالي نصف قرن من الزّمن ـ يُعد بداية رائدة، وتبشيراً بمستقبل فكريّ وأدبيّ زاهر؛ نشهد فصوله الرائعة في هذه الحقبة؛ التي نعيشها، والتي لا بدَّ لنا أن نصلها بذلك الماضي: الذي يعدُّ هذا الحاضر استمراراً له.
((عبد الله بلخير)) ذلك ((الفَلاَحِيّ)) الذي تغذّى من الثقافة الإسلامية، والعربيّة الأصيلة، في حلقات العلم؛ التي كانت تحفُّها البركة؛ لما تحقَّق لأصحابها من صدق وإخلاص، ولذلك الأسلوب التربويّ القويم المتمثّل في الرعاية الروحية، والتي كانت دعامة هامة من دعائم المعرفة لدى ذلك الجيل الرَّاسخ في تقواه، وعلمه، وسلوكياته.
فلقد كانت ـ في الفَلاَح ـ تتردّد أصوات الصفوة من العلماء؛ من أمثال الشّيخ ((محمد العربي التبّانيّ))، و((السيد علوي المالكيّ))، و((الشيخ محمد نور سيف)) ـ رحمهم الله جميعاً ـ وهو جيل أخذ أستاذنا الفاضل العلم متسلسلاً عنه، وارتوى من منابعه الثّرة، ولم ينس ـ وهو يتجوّل في حواضر العالم الإسلاميّ، فيما بعد، وينشد الشعر في مغانيها ـ أن يشيد بما تلقّاه من علم، وحوته مداركه من معرفة؛ في صباه؛ وهو يتنقّل بين حارة الباب وباب الباسطيّة؛ وهو إن دلَّ على شيء فإنّما يدلّ على وفاء تختزنه نفس شاعرنا الكبير، واعتراف بالفضل؛ ينمُّ عن تربية تتجافى عن الجحود، وتتطبَّع بالعرفان.
وأديبنا الكبير متابع ـ بدقّة ـ ما تنشره الصّحافة الأدبية، في بلادنا، والبلاد الأخرى. وإن كانت نفسه لا تميل إلى تلك الأساليب الدّخيلة؛ التي شوّهت ـ بركاكتها وغموضها ـ ذلك الوجه المشرق للبيان العربيّ الفصيح؛ الذي يستمدُّ قوته وبهاءه من آيات الكتاب؛ الذي تنزَّل بين ربوع هذه الأرض الطّيبة، وتلقّاه أبناؤها رسالة سامية يحملونها بين قلوبهم، وينشرونها في أصقاع الأرض الممتدة امتداد مساحات الرّوح، التي شعَّت بضياء الكلمة الربانية، وانصقلت بأوامر التشريع، وارتقت بها الحقائق؛ التي تنزَّلت من علوم الغيب والأزل.
فلقد هاتفني ((أبو يعرب)) يوماً؛ ليناقشني فيما كتبته يوماً؛ على صفحات هذه الجريدة الغرَّاء عن الشّاعر ((يوسف الخال)) ولقد عرفه الشاعر عند دراسته في الجامعة الأميركية ببيروت، وكان يعرف جيداً تلك البواعث الخفيّة، والأهداف السيئة، التي ينطلق منها دعاة تفجير اللغة، وتحطيم البنية التعبيرية للغة العربية؛ بقصد تغيير البنية الثّقافية، والذّهنيّة للأمّة؛ من أمثال: الخال، وأدونيس، وكمال أبو ديب.
ولا شكَّ أن أديباً ومفكِّراً كبلخير خبر الثّقافتين العربيّة والغربيّة، وتمكِّن من الأداة المعرفية لكلّ منهما ـ لا يمكن أن تخفى عليه تلك النزعات التي تتستّر خلف مفاهيم التَّجديد، وتدعو ـ في تشنّج عجيب ـ إلى ما تطلق عليه اسم ((الخراب الجميل))؛ فينأى عن طريقها، ويكشف زيفها أولئك الذين لا يرضون بالانسلاخ عن هويّتهم، أو التكفّف على أبواب الثقافات الأخرى، وينقاد خلفها أولئك الذين يعشقون الظّلام، ويجدون في طلب التّبعيّة؛ وكأنّه لا يعنيهم من أمر حياتهم سوى أن يكونوا قطيعاً تابعاً؛ تزدريه الأعين، ويمرُّ عليه الآخرون؛ فلا يجدون فيه ما يغني؛ فيتركونه للعراء؛ دون شفقة أو رحمه.
وإنَّ كتاب ((عبد الله بلخير شاعر الأصالة والملاحم العربية)) فيه الدّليل القويّ على أن الإبداع الذي ينطلق من فكر الأمّة وتراثها؛ عن وعي وتبصّر؛ هو ذلك الإبداع الذي يضمن لنفسه البقاء والاستمرار؛ حيث يجد بين سطوره ـ كلُّ فردٍ من أفراد الأمّة ما يعبّر عن مشاعرهم، ويتجاوب مع أحاسيسهم، ويؤكّد على هويّتهم الثّقافية، وإرثهم الحضاريّ؛ وهو أمر يتساوى فيه جميع النّاس؛ بغضّ النّظر عن أجناسهم، وانتماءاتهم؛ التي فطر الله النّاس عليها، وحذّرهم من مغبّة الخروج عليها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :425  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج