(( كلمة المحتفى به سعادة الدكتور سيد فهمي كريم ))
|
ثم أعطيت الكلمة لضيف الاثنينية سعادة الدكتور سيد فهمي كريم فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم.. |
- يرفع الله الَّذين آمنوا منكم والَّذين أوتوا العلم درجات.. صدق الله العظيم. |
- كنا نجتمع اليوم للاحتفال بعيد ميلاد عروس البحر الأحمر جدة.. العيد الأربعيني لها؛ ففي هذا اليوم يكون قد مرَّ على تخطيطها أربعون عاماً، فتخطيط جدة بدأ عام 1953م، وكانت مناسبة ذلك زيارة سمو الأمير عبد الله الفيصل للقاهرة، ففي خلال زيارته كنت قد وضعت مشروع تخطيط القاهرة الكبرى؛ وهو مشروع عرض على هيئة الأمم وكان سبباً في تعييني خبيراً في هيئة الأمم؛ فالأمير عبد الله الفيصل طلب مني أن أزوره في جدة ليأخذ رأيي في تخطيط المدينة وبعض مباني خاصة به، فكان أول مبنى عملته في جدة بالخرسانة المسلحة عام 1954م؛ وهو عمارة سمو الأمير عبد الله الفيصل وقصره، وعمارة الأمير فيصل، ثم دخلت في مجموعة مباني للبنوك والمباني التجارية؛ وأخذت جدة في الظهور كمدينة عالمية؛ ثم عملنا في مشروع التخطيط بالكامل، وبدأ التنفيذ فيه وباشرت أنا هذا التخطيط لمدة ثلاث - أو أربع سنوات -، ثم طلب مني.. تخطيط الرياض فخططت الرياض، وعينت مساعدين لي - هنا - عن طريق هيئة الأمم، وهم المهندس: مخلوف، وآخرون لمباشرة تنفيذ العمل بمدينة جدة، وجئت بعد ربع قرن ورأيت المدينة، فلقيتها قد سبقت حلمي الَّذي كنت أحلمه بفضل المهندسين السعوديين أهل البلد، الَّذين تولوا تنفيذ تخطيط المدينة والإشراف على تنفيذه، حتى وصلت هذه الدرجة التي رفعت بها رأسها أمام المدن العالمية الحديثة التي نشأت مماثلة لجدة. |
- لقد عملت جدة في خمسة وعشرين عاماً ما عملته الدول - التي نسميها العالمية - في قرن من الزمان؛ كان لتخطيط مدينة جدة أثر في إيصال النهضة العمرانية التي وصلت إليها إلى جميع مدن الشرق الأوسط، فوصلت - أول ما وصلت - من جدة للرياض، ثم إلى عمان، فالضفة الغربية، فمدينة نابلس، فمدينة الحسين؛ وعندما طلب مني تخطيط مدينة الكويت، واجهتني مشكلة الإنجليز وقتها، والإنجليز كانوا يقومون ببناء جميع المنشآت.. من المدرسة الثانوية والمستشفى؛ وحصل أن المدرسة التي يطلق عليها: "مدرسة الصنايع" حدث فيها شروخ في المبنى الخرساني، فطلبت الكويت من هيئة الأمم أن يبتعثواً خبيراً من هيئة الأمم لكي يحدد مسؤولية هذه الشروخ وعلى من تقع؛ فهيئة الأمم بعثتني فزرت الكويت ودرست المشكلة من ألفها إلى يائها ورفعت لهم تقريراً قلت فيه: |
- إنني آسف أن أقول لكم: إن المباني مدار البحث لن تعيش أكثر من عشر سنوات، وكلها ربما تقع بعد ذلك، والسبب أن الإنجليز - أو الخبراء الَّذين بنوها بالخرسانة المسلحة - نسوا أن الخرسانة المسلحة لو دخلت فيها مياه مالحة أو رمل فيه كبريت الخرسانة تتحول إلى بطارية كهربائية حيث تتفاعل المواد ثم تنفجر. |
- فوقعت مشادة بين الحكومية الإنجليزية والكويتيين، فأحضروا خبراء آخرين من قبل هيئة الأمم، وقرر هؤلاء الخبراء أن التقرير الَّذي كتبته صحيح، فأصدر أمير الكويت (الله يرحمه) قراراً بطرد الإنجليز، وتكليفي بعمل جميع المنشآت الخاصة بالدولة؛ فقمت بعمل كل المباني التي تمت في الستينيات، وأولها المدارس الرئيسة والوزارات، ومجموعة من المساكن؛ كما عملت لهم أول فندق هناك، وعملت لهم حياً سكنياً بالكامل في الكويت، ثم طلبوا من هيئة الأمم انتدابي لتخطيط الكويت على نسق تخطيط الرياض وجدة. وقد طلب أمير الكويت أن أعمل له قصراً يماثل قصر الملك بالرياض فعملته. |
- وفي أبي ظبي كان المسيطرون عليها الإنجليز، فحاكم أبي ظبي الشيخ شخبوط يود أن يعمل له قصراً لا يقل عن قصر الرياض، فقال له الإنجليز: إن هذا المشروع يحتاج إلى مسابقة عالمية؛ وحين زار الشيخ شخبوط المملكة وزار القصر، سأل الأمير فيصل وقال: من الَّذي صمم هذا القصر؟ إنني أريده أن يعمل لي قصراً مثله؟ فقال له الأمير: ليس هناك غير سيِّد كريم، فهو الَّذي عمل كل قصور العالم العربي، فقال الشيخ شخبوط: إن الإنجليز قد عملوا مسابقة عالمية واختاروا في المسابقة أربعة مهندسين عالميين، أحدهم مهندس إنجليزي، وثان مهندس سويدي، وثالث مهندس فرنسي، ورابع مهندس ألماني، ثم طلب الشيخ شخبوط من الإنجليز أن يختاروا الدكتور سيِّد كريم في المسابقة، فبعثت هيئة المسابقة طلباً لي للاشتراك في المسابقة، وظهرت النتيجة بفوز مشروعي، وأثار ذلك ضجة عند الإنجليز أنفسهم. |
- وبدأت أول مبنى عملته في أبي ظبي، هو قصر الشيخ شخبوط الَّذي وهو القصر الحالي.. ثم قصر الشيخ همام، ثم قمت بعمل ثلاثة قصور، قصر للأمير حمدان، وقصر الأمير محمد، وقصر ثالث؛ ثم أحضر الإنجليز تخطيطاً للعاصمة أبي ظبي، فقال الشيخ شخبوط: لا أنا أريد أن تُخَطَّط المدينة على نمط تخطيط الرياض، فحدثني عن ذلك فقلت له: حتى لا نثير مشاكل مع الإنجليز، أبعث لهيئة الأمم واطلب منهم أن يختاروا خبيراً يخطط لك مدينة أبي ظبي، ولا تذكر اسمي؛ فبعث لهيئة الأمم وطلب منها اختياري لتخطيط مدينة أبي ظبي؛ فوافقوا في الحال وخططت مدينة أبي ظبي، وهذا كله يرجع الفضل فيه لجدة، التي كانت الشعلة التي أضاءت كل العالم العربي وكل المدن. |
- ثم دعونا ننظر ما هي علاقة جدة ومصر؟ أو ما هي العلاقة بين العرب والمصريين؟ |
- نحن نسمع - دائماً - من يقول: إن العرب والمصريين إخوة، والعلاقة بين المصريين والسعوديين علاقة وطيدة ووثيقة، ولقد بحثت في التاريخ والبرديات القديمة لأعرف علاقة مصر بالسعودية، ولقد ظهر من المستندات التي وجدتها وهي تحت يدي كلها، ومستعد أن أقدمها لكم كلها - إن قدماء المصريين جاؤوا إلى السعودية سنة 1280ق. م، كيف جاؤوا في سنة 1280ق. م؟ الإجابة على ذلك: أنه قامت ثورة في منف أطلقوا عليها: "الثورة الشيوعية الأولى في مصر" والتاريخ يذكرها بعصر الاضمحلال؛ في هذه الثورة هدم الشيوعيون المعابد، ومنعوا العبادة، وقتلوا المثقفين، فهرب المثقفون والموحدون إلى السعودية؛ فمصر والسعودية شعب واحد وأمة واحدة وإيمانهم بالله إيمان واحد. |
- أما موضوع ترشيحي من قبل هيئة الأمم المتحدة للمساعدات الفنية، فيزعم الغرب أنه بذلك يساعد الشرق فنياً، على أساس أننا أمة ليس لها ثقافة؛ ولقد أثيرت في هيئة الأمم مسألة المساعدات الفنية، وتكلمت فقلت لهم: أنتم تتكلمون مشكورين عن المساعدات الفنية التي تقدمونها للشرق وللعرب، لكنني لا أعتبر هذه مساعدات فنية، بل أعتبرها رد اعتبار أو اعتراف بالجميل، جميل العرب عليكم، لأن للعرب مساعدات فنية كبيرة قدموها؛ لأوروبا فالعرب هم الَّذين أيقظوا أوروبا من سُباتِها، وهم الَّذين عملوا أبناءها الثقافة ففي الأندلس أنشأ العرب أول جامعة وسموها: "المسجد الجامع" ومنها تشتق كلمة جامعة في العالم العربي كله، متخذة من جامعة: "المسجد الجامع" وفي هذه الجامعة "المسجد الجامع" كانت تدرس علوم الفقه، والتشريع، والحساب، والجغرافيا، والعلوم، والكيمياء، والموسيقا، والآداب، والفنون..، وهذه الجامعة كان أصلها كنيسة، أخذها العرب بنوها مسجداً ثم عملوها جامعة. |
- كان ذلك في عهد عبد الرحمن الأول وقد بنى بجوار الجامعة 12 مدرسة، تشمل مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية، تقوم بتدريس المواد باللغة العربية، وسمح للأجانب بدخولها وتلقي العلم بها، لكنهم حرموا من دخول الجامعة إلاَّ بعد أن يعلن الطالب إسلامه عند دخوله الجامعة، أو يعلن إسلامه في الجامعة نفسها. |
- الطلاب الغربيون - أو بالأصح - المسيحيون واليهود والأسبان، يذهبون إلى الأندلس لتلقي العلم في المدارس الابتدائية، لكي يتعلموا اللغة العربية حتى يدخلوا الجامعة ويعلنوا - عندئذٍ - إسلامهم؛ وبعد أن تعلم الكثير منهم وعادوا إلى بلدانهم، عملوا بها جامعات تسير على نهج جامعة الأندلس؛ فهذا هو فضل العرب على ثقافة العالم الغربي كله. |
- هناك قصة لطيفة لاحظتها في الدراسات التي قمت بها وبعثتها لهيئة الأمم، وهم بدورهم بعثوها لإسبانيا لأن إسبانيا تعتبر - عالمياً - مركز الثقافة الأوروبية، لأن الثقافة الأوروبية خرجت من إسبانيا، وإسبانيا - نفسها - لا تنكر تأثير العرب عليها، في اللغة الإسبانية خمسة آلاف كلمة عربية؛ وكانت مراسم التخرج في الجامعة تقضي بأن يمنح كل من ينال شهادة العالمية روباً أسود سمي: "الروب الجامعي" ووشاحاً أخضر وهو رمز الإِسلام، ثم يتقدم المتخرج للمنصة ويلقي قسماً ويأخذ القرآن ويضعه على رأسه ويقول: "الفضل لله والقرآن فيما تعلمته وخرجت به من الجامعة" ونحن نرى الآن الجامعات كلها في أوروبا تلزم أساتذتها بلبس الروب الأسود والقبعات المربعة على رؤوسهم، دون أن يعلموا سبب ذلك، فقلت لهم في هيئة الأمم: أنتم بهذا العمل تشكرون وتعترفون بفضل العرب عليكم، فأنتم لا زلتم لابسين الروب العربي الأسود، واضعين القرآن على رؤوسكم اعترافاً منكم بجميل العرب عليكم. |
- كان في منبر المسجد لوحة أخذت ووضعت في المتحف، كان مكتوباً عليها قوله تعالى: يرفع الله الَّذين آمنوا منكم والَّذين أوتوا العلم درجات وفي إحدى الجامعات في إنجلترا موجودة لوحة أخرى تحمل شهادة أحد الأساتذة، في هذه الشهادة كتب في أعلاها: بسم الله الرحمن الرحيم، وتحت البسملة كتبت الآية: يرفع الله الَّذين آمنوا منكم والَّذين أوتوا العلم درجات فهذا فضل العرب المسلمين على الغربيين. |
|