الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

قوافل هاربة

الهاربون من الملل ⁽¹⁾

بقلم: عبد الله الحكيم

يُلاحظ في الاثنينيات والثلوثيات وما قد يدخل مستقبلاً في نطاقهما وجود ممارسات دورية باسم وجاهة الثقافة، يتحدث الناس عن كل شيء، يتكهنون بكل شيء ويستهلكون كل شيء، لكنهم لا ينتجون شيئاً البتة. وسمعت في حياتي كثيراً عن هذه الدوريات الأسبوعية أو حلقات الثقافة الحيّة، لكنني لم أذهب إلى هناك سوى مرة واحدة وكنت مدعواً عن طريق الصدفة أو الواسطة أو بهما معاً. وعندما ذهبت إلى هناك وجلست كما يجلس الناس، انتابني إحساس مؤقت بالغربة.. لكنني في أية حال فرحت لرؤية وجهاء جاءوا من اتجاهات عدة، واعتقدت أنني ربما أصبح وجيهاً بسرعة عن طريق الاحتكاك أو المعاينة المباشرة.

غير أن الشيء اللافت للنظر أن مثل هذه الاحتفاءات لا تضيف جديداً إلى دور الأندية الأدبية،ولا توحي بشيء من الثقافة ولا تطرح موضوعاً جاداً بالنقاش.. فهناك مهرجون متطارفون وصعاليك متجاملون ومتسوّلون مهذبون ومثقفون أيضاً.. وهناك هاربون من الملل أو السأم، ولعلّ أفضل تفسير مباشر لمثل تلك المناسبات الدورية أنها انعكاس حاد لهروب فئة من الناس، بعيداً عن قبضة الملل أو السأم الذي تفرضه أحياناً رتابة الحياة الخاصة، فيما يتصور مهرجون زجوا بأنفسهم عنوة بين آخرين أنهم في رحلة صيد عن فراء سمين.

وهكذا تتباين آراء الناس في سلسلة الاحتفاءات الدورية بناء على اختلاف أدوارهم ومواقفهم، بغض النظر عن الصدى الذي تثيره من وقت إلى آخر بعض ملاحق الثقافة حول تلك الأمسيات أو أقطابها.

وفي اعتقادي أن هذه الدوريات الحيّة، تطور طبيعي وامتداد اجتماعي لمناخ المقاهي القديمة، حيث كان المقهى يمثل نقطة تواصل اجتماعي بين أبناء الأحياء المتقاربة، دون أن يقترح بالضرورة مادة ساخنة أو موضوعاً جاداً للنقاش والبحث. ومن هنا، فالمنتديات الحيّة تمثل همزة وصل بين ماضٍ انتهى إلى غير رجعة ومستقبل ما زال يجهل المفردات، التي سوف تشكل ملامحه.