شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لقد أسمعت!!
محمد يعقوب وأحمد العرفج وتكريم الرجال (1)
بقلم: د. إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج
ـ أسفت كثيراً لأنني لم أكن من المشاركين في تكريم ملحق الأربعاء في جريدة المدينة المنورة، قبل بضعة أشهر، لشخص أخي الأستاذ الصديق الدكتور محمد يعقوب تركستاني وعلمه وفضله وخدماته الجليلة التي قدمها للعلم وأهله وطلابه، من خلال عمله في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وفي جامعة الملك عبد العزيز بجدة، خلال فترة ندبه إليها. ومن خلال ملحق التراث الشهير الذي أفنى فيه زهرة شبابه ومن خلال مشاركته الحية المتأنية في البرامج الإذاعية، كاللغة الخالدة، والعاميات في اللغات العربية، وفي مقالاته في ملحقه، مثل كناشته اللغوية.
وقبل أيام كنت أبحث ـ في قسم الدوريات في الجامعة ـ عن موضوع يهمني في صحفنا المحلية، فوقعت على مقال لأخي الأستاذ أحمد العرفج في جريدة الجزيرة في عددها 9425 ليوم الأحد 25/3/1419هـ (أي قبل تكريم ملحق الأربعاء للدكتور محمد) يتناول فيه الدكتور محمد يعقوب تناول العارف لشخصه الفاضل، والمتلمس لأدق صفاته، وهو يضعه ـ في بعضها ـ في صعيد واحد مع الدكتور يحيى محمود ساعاتي، مدير مركز الملك فيصل للدراسات والأبحاث الإسلامية في الرياض. فقلت في نفسي: والله إن الأخ الأستاذ أحمد العرفج لا بد أنه عرف الدكتور محمد يعقوب معرفة جيدة، لأنه ـ بالفعل كما أعرفه أنا من نحو ثلاثين عاماً ـ (يقف في بياض الزمان، وطهارة المكان: رجلاً معطاءً واعياً متواضعاً، كما قال تماماً، وكما عرفه وهو يجلس بين يديه في مقاعد الدراسة في الجامعة الإسلامية، كما ذكر. وليس كل تلميذ يعرف أستاذه بهذه الصورة الدقيقة، ولا يكتب عنه بهذه المحبة المخلصة!
ـ وأنا مع الأخ أحمد فيما وصفه بأنه (رجل ضاجٌّ بالمعرفة المهجورة، وأن هذه المعرفة علم تولى مع رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) وفيما وصفه بأنه (علم في التواضع، والعيش في الظل الصادق، المنقطع لاكتشاف السطر الغامض، والمخطوطة المسافرة في غياهب التاريخ) وأنه (لم ينظر للبلوت، ولم يكتب خارج الأقواس، ولم يسع للأضواء المؤقتة، والظهور المستأجر، وإنما اكتفى بأن صار علماً لذوي النهي).
ـ وأنا معه في أنه (رجل استثنائي في زمن رتيب عبوس مقلوب تداخلت فيه الرؤوس بالأرجل، فتألم طويلاً، وكان الصمت سفير الألم، والناطق الجديد باسمه). وفي أنه (ركب: التواضع، واللطف، والصدق، والانطواء إلا عن العلم والتلاميذ) وفي أنه (رجل مثقل بهموم العربية وكتب التراث اللغوي، في زمن انصرف فيه القوم إلى ما هو أدنى).
ـ وأنا معه في قوله (إن علينا أن نحتفي به مفتخرين محتفلين، لأنه من رجال هذه البلاد التي تضم مثله)، وأنه (إذا لم يسعنا أن نقول للمسيء: أسأت، فلنقل للمحسن مثله: أحسنت) وكيف لا يكون قد أحسن وهو الذي يواصل الحفر في بطون الكتب، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ويعشق التعب، ويذوب في الإخلاص، وكفَّاهُ خاليتان إلا من طوفان الوفاء، وشحنة.. الإخلاص، وشيء كثير من إنكار الذات. كيف لا وهو يعشق العمل بهدوء، وينتج بفرح، ويؤثّر بالقدوة الحسنة. ولذا كان من الاعتداء عليه أن نعدد أعماله، وننوّه بنشاطاته ونذكر ما قام به من إضاءة في جوانب المكتبة العربية: تحقيقاً وكشفاً ونشراً، ورصداً ومتابعة وإشرافاً، كما قال الأستاذ أحمد.
ـ وأنا معه أخيراً في قوله: إن العمل الصامت ـ كعمل الدكتور محمد يعقوب.. له مذاق مختلف جداً، لا يذوقه إلا الصامتون.
* * *
ـ والحق أنني بقدر ما كنت أسفت لأنني لم أشارك في تكريم ملحق الأربعاء للأستاذ الدكتور محمد يعقوب فرحت بكلمة أخي الأستاذ أحمد عن الدكتور محمد، لأنها كلمة عبّرت عما في نفسي أكثر مما عبّرت عنه معظم الكلمات الوفية التي جاءت في ملحق الأربعاء، وهي كلمة أغبط الأخ أحمد عليها لأكثر من وجه، ففيها تناول ما يتميز به الدكتور ـ بالفعل ـ أشد تميز من الخلق والطبيعة، وما وهبه الله إياه من العلم، وما قدره عليه من أسباب بذله، كالصدق والحدب والإيثار، وفيها كان الوفاء منه، والصدق في اللهجة، والأسلوب الواضح الذي لا جمجمة فيه.
ـ لقد جلس أخي أحمد بين يدي الدكتور محمد في مقاعد الدراسة في الجامعة الإسلامية، واستطاع أن يعرف خلالها ويعرف قدره بهذه الصورة فماذا يقول مثلي الذي جلس إليه منذ ثلاثة عقود من الزمان، وعرفته عن قرب، وخالطته كواحد من ذوي قرابته؟
ـ أقول: حقاً إنه رجل لا تجده في غير مجال الجد والكد والعمل النافع، فهو من الذين يقوون على احتمال تكاليف أسباب التميز والقوة، ويجمعون بين صفات التواضع والشموخ، ويترفعون عن الصغار.
ـ أما زهده في بهارج الأضواء، وبُعده عن سفاسف المحافل، فأنا أعرف فيه ما لا يعرفه الكثيرون، فهو كذلك منذ عرفته وليس أمراً طرأ لبلوغه سن الكهولة. وإلى زهده هذا يعود السبب في احتجابه بعد احتجاب ملحق التراث. وكان قد دعي للتكريم في اثنينية الوجيه الشيخ عبد المقصود خوجه فتعلل بمشاغله العلمية والعملية ولم يستجب. وكُرِّم في نادي الطائف الأدبي ولم يحضر. وكذلك كان موقفه في تكريم نادي المدينة الأدبي له.
ـ وقد تولى أعمالاً قيادية كثيرة، كعمادة شؤون المكتبات في الجامعة الإسلامية، وعمادة كلية اللغة العربية فيها، وأمانة المجلس العلمي فيها، وأمانة مجلس الجامعة، ولم يعرف الكثيرون منا ذلك، لأنه يعزف عن نشر أخبار أعماله وأخباره الشخصية، وكان قد أعطاها جلَّ وقته وجهده، وكانت له فيها إنجازات تذكر له، وكان فيها نعم القدوة الذي يعطيك من نفسه هو المثال على احترام الوقت، وأداء الواجب، ونكران الذات، والمساواة في التعامل مع الآخرين، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين.
ـ وهو محب للطلاب وخدمتهم، ومتجاوز عن هفوات العاملين معه من موظفين وعمَّال. وإذا أنكر شيئاً على أحد منهم من أعمال أو أخلاق يتجاهله ولا يعيره اهتمامه، كأن يكذب عليه أحد في أمر، أو يخطأ بحقه، فهو يسقط في عينه فقط، ولا يعاقبه أو يعامله بالمثل أو يحقد عليه، كما يفعل الكثيرون، وهذه صفة فيه أعدها من أقوى صفاته التي تدل على قوة شخصيته، لأنه علامة على مبلغ ما يتمتع به من الإرادة والتحكم في النفس.
ـ أما ملحق التراث ـ وهو من إنجازاته التي تذكر له ـ فكلنا كنا متابعين له، وما زلنا حزينين لاحتجابه. وهو لم يكد ينشر فيه شيئاً لنفسه، ولا أذكر أن صورته ظهرت فيه يوماً. وقد افتقدنا باحتجابه باب خير كان يهل علينا صباح كل خميس، على مدى ربع قرن، لنستشرف من خلاله على آفاق تراثنا وذخائره، ونوثق ارتباطنا بقيمه وثوابته ورموزه، ليظل منطلقنا إلى كل تطور، وهويتنا التي نتعايش بها مع كل أمة، ونتميز في كل زمن.
* * *
ـ شكراً لأخي أحمد العرفج بما كتب عن أستاذه الدكتور محمد يعقوب، لأنه أثار في نفسي هذه المعاني، وأوجد لي هذه الفرصة للكتابة عن أخي الدكتور محمد، بعد أن فاتتني فرصة الكتابة عنه في ملحق الأربعاء. وهذه مناسبة ـ أيضاً ـ لكي أعبر له فيها عن شديد احترامي لما يكتب ويطرح من قضايا وآراء في زاويته الشهيرة بجريدة المدينة، واعتزازي بتميزه في طريقة طرحه وتناوله، وفي أسلوبه وعبارته التراثية الرصينة.
ـ وهي مناسبة كذلك لأؤيد فيها فكرة تكريم رجال الفكر والعلم والثقافة والأدب في بلادنا في حياتهم، من الزاهدين المتواضعين المتوارين عن الأضواء والمحافل العامة، الذين لم يأخذوا حقهم منا: تقديراً وإجلالاً. ولم يعرف الجيل الجديد أعمالهم وقدرهم، لنكون بذلك أوفياء لأنفسنا، ومن لا يكرّم نفسه لا يكرّمه الآخرون.
قبسة:
(اللي ما له قديم ما له جديد. واللي ما له خير في أهله ما له خير في أحد) مثل شعبي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :413  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 166 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.